• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أبـو نايـف

مصطفى عطية


تاريخ الإضافة: 13/8/2011 ميلادي - 13/9/1432 هجري

الزيارات: 4872

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النباتات الصحراويَّة الفقيرة عندما تتكثَّف في منطقةٍ ما، حارَّة المناخ، شحيحة الماء، كبيئة المملكة السُّعودية، عادةً ما تحصر بينها خطوط أودية وقيعانًا صغيرة، ممتلئة بالرِّمال الناعمة الهشَّة، المحمولة بالرِّياح، تمضي عليها بسيارة غير مجهَّزة بدَفْع رباعي، فلا تلبث أن تزلَّ إحدى عجلاتها، وتحاول يمينًا ويسارًا لكن تصرُّ السيارة على ما هي عليه، بل تنغرس أكثر بصورة غائظة إن حاولت دفْعَها، هذا لم تعتده خاصة إذا كنت حديث عهدٍ بالقيادة في صحراء كهذه.

 

تمضي بضع دقائق طويلة، ثم يهلُّ عليك أحدهم بسيارته، فتشير إليه بكِلْتا يديك، طالبًا نجدتَه، فيلبِّي ويأخذ مِقْوَد سيارتك بعد أن يفرِّغ إحدى فردتي العجلَتَين الأماميَّتين من الهواء المَحبوس قليلاً، ثم يدفع مرَّة ومرة، ثم تخرج السيارة، وأنت تَعْجب من صنع هذا الرجل البدويِّ الذي خطَّه الكِبَر بلا أمارات ذكاء تَلْحظها في عينيه.

 

يقول لك في لا مبالاة تلقائيَّة:

- لا تُرَع، هذا شيءٌ ألِفْناه هنا، مَن أنت؟

- مهندس في مشروع المدينة الصناعيَّة.

- ما اسمك؟

- يبدو أنَّك تعرف بعض العاملين هناك.

- أنا أعمل في هذا المشروع، أنا "أبو نايف"، وأعمل مع "أبي فهد".

 

هنا تذكَّرتُ هذا الرجل؛ إنه مراقب يعمل مع أحد مقاولي الباطن في المشروع.

 

لقد رأيتُه مرَّة منذ شهر في بداية عملي، سلَّمتُ عليه بحرارة، ودعاني لتمضية بعض الوقت معه في عريشته ليلاً، وشكرته دون أن أعِدَه بشيء، ثم مضيتُ وأنا أنظر في ساعة يدي، أحسب ما مضى عليَّ من تأخير.

 

الدوام لعشر ساعاتٍ متواصلة من العمل المجهد ينتهي وئيدًا، والشتاء يُقبل زحفًا، والنَّوم في الليالي الشتائيَّة من خير ما يصنعه المُتْعَبون بالنَّهار، لكنِّي لم أكَدْ أعود إلى حجرتي من صلاة المغرب حتَّى سمعت مَن يُناديني.

 

كان "أبو نايف" قد أرسل أحدهم لِيُقِلَّني إلى عريشته؛ إذًا فالرَّجُل مصرٌّ على التعرف عليَّ، فلْأَذهب ولأكسب وُدَّ الرجل الكريم، قطعَتِ السيارة شوطًا متعرِّجًا طويلاً في الصحراء حتَّى بدا وهج نارٍ خافتٌ من بعيد، قال "سلطام" بأنه "أبو نايف"، جالس هناك يعدُّ الشِّواء، سمعت الكلمة الأخيرة، فطَرِبتُ لها؛ فقد كنت أظنُّ أنه كوب حساء وحديث والسلام.

 

لكنها ليست مَأْدُبة على شرفي؛ فإن "سلطام" هذا العفريت في القيادة ليلاً في هذا المكان المكفر قال بأنَّ هذا دأبهم، يجلسون حول النار، ويتسامرون مع الشِّواء.

 

كان "أبو نايف" بالفعل منهمكًا في تقطيع اللَّحم بشفرةٍ صغيرة في يده، هنا ظهرَتْ ملامحه أكثر لي؛ رجل فوق الخمسين بقليل، طويلٌ معتدل القامة، أسمر الوجه مجعَّد، كانت ابتسامته محبَّبة لي هذه التي قابلني بها، وشدَّ بيده على يدي، ثم أجلسني قرب النار، لِبرهة شعُرت ببرودةٍ لطيفة عند خروجي من السيارة، ثم عندما اتَّكأتُ قرب النار بدأ الدِّفء يَسْري في أوصالي، ومع حفاوة الرجل مدَدْتُ رجليَّ كِلْتيهما أمامي؛ لأحسَّ براحة غريبة وممتعة.

 

بدأ "سلطام" يصبُّ القهوة فاعتذرت له بأنِّي لا أشربها، فقام وأحضر إناء كبيرًا مملوءًا باللَّبَن، وقدَّمه إليَّ، فضحكت له أنِّي قد رفضت فنجانًا صغيرًا فكان البديل إناء كبيرًا، وهنا صاح "أبو نايف" مازحًا:

- اشرب، هذا حليب جملي، هذا دواء!

 

فشربتُ حتى ارتويت، وكان لبنًا دسِمًا جدًّا، ومع برودته له طعم (مسكَّر) جميل.

 

وهنا كان "أبو نايف" قد انتهى من رصِّ قطع اللحم بين جانبي الشواية، ثم وضعها فوق حجرين كبيرين أعلى النار، قال وهو يأخذ في التهوية؛ لإضرام الجمرات مشيرًا إلى الإناء:

- هذا خير شيء تشرب منه عندما يَظْمأ الزَّرع، ولا تجد الماء.

 

كانت نبرة صوته ضاحكة، وقسمات وجهه لا ينقصها الانبساط، فقلتُ له على الفور وقد أدركت مغزى عبارته:

- لكنَّنا في مصر حفظ الله لنا النِّيل على مدار العام.

 

فأطرق الرجل: أنْ نعم، وقد استملح الجواب السريع، ثم قال:

- هذه حياتنا عندما نملُّ البيت والزوجات نخرج إلى هنا لتمضية الوقت.

- كم عندك من الزوجات يا أبا نايف؟

- أربعة، وأنت؟

- واحدة.

- ألَم تفكِّر في الزواج بأخرى؟ النساء متاع.

- لكن تكاليف الزواج كثيرة، وواحدة تحبُّها وتحبك خير من أربعة يَحْمِلنك من البيت.

 

وهنا ضحك الرجل، وضحكت لضحكه، وعلا صوتانا حتى تردَّد في المكان.

 

ثم قال "أبو نايف":

- لا تُرَع شيئًا، الله ييسِّر، هل تعلم هذا الفحل (وأشار إلى بسطام)، إنِّي ما زلتُ مَدِينًا لجدِّه من مهر أمِّه.

 

إذًا فهذا ابنه، لم ألْحَظ من قبل الشَّبه الواضح بين الولد وأبيه، كان "بسطام" لا يتَسمَّع لنا؛ فهو منهمِك في رفع الشواية، ونَزْع قطع اللحم منها بعد أن طابت، ثم أخذ أبوه يقطع شرائح السَّلَطة ويجهز الخبز الممدود للوجبة الدَّسمة، ومجرَّد أن وضع أمامي الطعام وجَدْتُني أعتدل في جلستي، ويسيل لعابي من الرائحة المشبعة في ذاتها، كانت قطع الشِّواء تُشْعر بالرغبة فعلاً، فضلاً عن شعوري بالجوع الشديد، وكانت أجزاء من التيس معلَّقةً في جانب العريشة، فقلت لهما ظنًّا منِّي أنهم يحفظونه مع برودة الليل هكذا للغد:

- أتحفظون اللحم هكذا دون تبريد؟

- هذا سيعدُّ الآن لقدن تبريد ؟

 

يحفظونه هكذا للغد شعورى بالجوع , وكانت أجزاء التيس المعلقة فى جانب العريشة شرائح السلطة ويجهز الخبز الموم "أبي فهد".

- إذًا فأنتم تسهرون هنا طويلاً؟

 

فأجاب الرجل مازحًا:

- نعم، نظلُّ نحرس الليل.

 

كنا قد بدأنا الأكل، وكان "أبو نايف" وابنه ماهِرَين فعلاً في الشواء، ولم أملك نفسي بدعوة الرَّجل الكريمة حتَّى امتلأتُ بالطَّعام، وشكرته وابنه، ودعوت لهما، ثم انتظرت قليلاً حتَّى فرغا من طعامهما، ثم توضَّأنا لصلاة العشاء، وقدَّمَني فصليتُ بهما صلاةً خفيفة، ثم اعتذرتُ له؛ لعدم مقدرتي على المكوث طويلاً، وشددت على يده شاكرًا، لكنه لم يدَعْني حتَّى أخذ منِّي وعدًا بتكرار الزيارة لعريشته، ثم مضى بي "سلطام" عائدًا إلى سكني، وقد بدأ الشِّبَع يُشعرني باسترخاءٍ لذيذ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة