• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

دموع (قصة)

د. عبدالحميد محمد بدران


تاريخ الإضافة: 17/7/2010 ميلادي - 6/8/1431 هجري

الزيارات: 6552

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

 

أنهيتُ صلاتي وأنا لا أُدرِكُ على وجه اليقين كم رَكعة صليتُ، كل ما أعِيه أني كنتُ متلهفةً للجلوس في الغُرْفة المجاورة، كانتْ تنبعث منها أصواتُ التلبية، عذبة ورتيبة، كما تنبعث روائحُ الشواء، فتفعل في جوف الجائع الأفاعيل، (لبَّيْك اللهمَّ لبَّيْك، لبَّيْك لا شريكَ لك لبَّيْك)، وهرولتُ سريعًا تجاه الصوت، كانتِ اللهفةُ في الوصول إلى مصدر الصَّوْت كفيلةً بأن تنسيني طعامي الذي وضعتُه من قبلُ على شعلة (البوتجاز)، كانت الكعبة ماثلةً أمامي، وملائكة في ثياب بيض يُتابِعون الطواف حولها، اليوم يوم حشْر، ضجيج وصَخَب، دُموع وندم، حنين وشوق، فراق ولِقاء، تزايدتْ دقَّات قلْبي - وما أزال أمسك مقبضَ الباب - أكاد أسمعها بأذني، وأشعر بجَسَدي النحيف وهو يتجاوب معها في طَرَب، وكأنَّه طفل صغير يهتزُّ لسماع ترتيل القرآن.

 

لماذا يا رب.. لماذا يا رب؟ إني أحبُّك، وأحب نبيَّك - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللهمَّ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أُبالي.

 

ما زلتُ أذكر فاصلاً من طفولتي المعذَّبة، صورة أمِّي التي فارقَتْني، وأنا لا أعْرِف كيف أصير أُمًّا وأختًا، وخادمةً لأبي القعيد، وليلة العيد التي كنتُ أتوق فيها - مثل كل أطفال القرية - لأنْ أقول: (بابا وماما)، كانتْ فرحتهم بالعِيد تمزِّق فيَّ كلَّ معاني الطفولة، التي لم أستطعْ أن أعيشَها، وصورة الجزَّار الذي اغتال أبي في غُرْفة العمليَّات بعد أن بِعْنا من أجل العمليَّة كلَّ غالٍ ورخيص، آه!

 

حتى أنت يا زوجي العزيز، تركتَنِي للوحدة تنهشني مرَّةً بعد مرَّة، كلَّما سقط أخٌ من إخوتي، ومِن ورائه ضحايا مِثلي، يطلبون الطعامَ والكساء، وأيَّام الشتاء التي لا ترِقُّ على حال أطفال أيتام، يفترشون الأرضَ، ويلتحفون أسقفَ منازلهم التي ما عادتْ تَقدِر على حجز مياه المطر، مطر! آه! مطر في الصَّيْف!

 

كان صوتُ التلبية قد انقطع تمامًا، وأحسستُ بجسمي وهو يرتعِد كما يرتعِد المحمومُ من مَسِّ البَرْد، وكان المطر دموعًا تنهمر من عيني، ثم تسقط على يدي سريعةً ودافئة، ووجدتُ ابنتي تضمُّني بحرارة، نسيتُ معها كلَّ أحضاني التي فقدتُها بموت أمِّي، كانتْ تبكي هي الأُخرى، وهي تصرُخ فيَّ:

حرام عليك، يا أمي يكفي هذا، يكفي!، إنْ شاء الله تكون قُرعةُ الحج السَّنَة القادمة ستكون مِن نصيبك - إنْ شاء الله - يَقيني بالله يقول لي: إنَّ ربنا لن يضيع تعبَك، صدِّقيني.

 

واحتضنتُها جيدًا، كان الدِّفْء الذي أحسُّه بضمِّها يمحو كلَّ هذه الذكريات الصَّعْبة، ويزيل ارتجافاتِ قلبي المتزايدة، فلا أحسُّ إلا دقَّات قلْبها المتصاعِدة، وبرد يديها، تديرهما حولَ رقبتي، ويستقرُّ رأسها على كَتِفي، فأربت على كتفها، وأنا أداعِبها كما كنت أفعَل معها وهي صغيرة: (هيه... نام نام يا حمام... هيه).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- دكتورنا الفاضل تقبل رأيي
انتصار - السعودية 17-07-2010 11:47 PM

السلام عليكم و رحمة الله

مستوفية و بحق يطلق عليها قصة قصيرة.. تتبع نفسي جميل، الخاتمة جاءت حقا مفاجِئة، باغتت مشاعرنا التي كانت تتصاعد منذ بداية الموقف، أعتبر أن هذه هي الخاتمة:

يا أمي يكفي هذا، يكفي!، إنْ شاء الله تكون قُرعةُ الحج السَّنَة القادمة ستكون مِن نصيبك - إنْ شاء الله -

و لو أن القصة انتهت عند هذه الكلمات لكان أبلغ لأنها المباغتة التي أضاءت لنا كل محيط القصة. أما المشهد الجميل الذي جاء بعدها فكنت أتمنى أنه قبل.

قصة قصيرة فعلا و تثلج الصدر.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة