• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

مطروح (قصة قصيرة)

إسماعيل أحمد محمد


تاريخ الإضافة: 9/5/2010 ميلادي - 25/5/1431 هجري

الزيارات: 6189

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"مطروح .. مطروح"، تتابعت نداءات مساعد السائق، بينما الحافلة الصغيرة تدور دورةً واسعة؛ تهيؤًا للانطلاقة الأخيرة، وحينما تشبثت بالباب لاهثًا وفي يدي حقيبة صغيرة، كان السائق قد رفع معدلات سرعته؛ ليدخل في سباق السفر.

 

في مقعد خلفي جلست محاولاً تخفيض صوت لهاثي وتجفيف منابع عَرَقي، وبدأت عيناي تتفقدان الرُّكَّاب في سكون ورتابة، "شلّة" من الشباب في رحلة طُلاَّبية، رجلٌ وامرأته يبدوان كأنما فَرَغا لِتَوِّهما من الشِّجار، شيخٌ لا تُخفي ملابسه الغريبة أصله البدوي، ثلاث عجائز انْهَمَكْنَ في حديث لا نهائي، جنود تتسرب من بين ملامحهم فرحة رؤية الأهل، وتترسب هموم استئناف الجندية في أعماقهم، وراحت أصوات المِذْياع تزاحم حوارات الرُّكَّاب، وأنا أراوح بين إغفاءة وانتباهة.

 

يتمازج على طول الطريق لونان: الأصفر والأخضر في تنافس متناغم، ويد الإنسان تثبت وجودها بتأنُّق واقتدار، لكن يتلاشى شيئًا فشيئًا بأخضره وعُمْرانه؛ ليستأثر اللون الأصفر بوضع اللمسات النهائية للوحة بديعة منفردًا إلى ما لانهاية، إلا من حِلية خضراء متناثرة، وعندما سئمت فتحت جريدة المساء؛ لأغوص في عناوينها وتحقيقاتها قليلاً قليلاً.

 

إعلانات المصايف تُخرج لسانها لأمثالي، احتدام نهائيَّات كأس العالم، مجنون يفرُّ من مستشفى الأمراض العقلية، تطورات الوضع في "فلسطين"، فيلم جديد "لعادل إمام".

 

ابتسمت وأنا أرفع رأسي في قراءة جديدة لوجوه الرُّكاب، نجح النوم في إخماد هِمَّة الشباب.

 

المرأة تبذل محاولاتها لاسترضاء الزوج، تدلَّى رأسُ البدوي المتفرنج على صدره محاكيًا في رتابة هِزَّات الطريق.

 

المجنون الهارب سادي النزعة، أشعل النار في زملائه ليلاً، فتح رأس أحد الممرضين، صورته لا تُظهر شيئًا من شراسته، صورة اللاعب الألماني لا تعكس براعته أيضًا، صورة القصف الإسرائيلي تنبِّئ عن وحشيَّة متأصِّلة، ارتفعت نبرة العجائز الثلاث فجأة، يبدو أنهنَّ اختلفنَ في وجهات النظر، وجهات النظر العربية إزاء ما يحدث في "فلسطين" كانت متفقةً على الصمت!

 

• حاسب .. احترس!

 

يبدو أن أحدًا من الرُّكاب لم يلاحظ أن السائق تخلَّى عن الطريق الرئيس، وسلك طريقًا سيِّئ التمهيد يؤدي إلى معسكر مهجور، ولاحظت أنا ذلك مِن مقعدي الخلفي، لكن السائق لم يكترث بتحذيري، ولا أحد من الرُّكاب، ومع تصاعد اهتزازات السيارة تنامى انتباه الرُّكاب واحدًا فواحدًا إلى حقيقة ما يحدث، ففترت حِدَّةُ الحوار.

 

صِحْتُ في لهفة: "إن السائق ترك الطريق السريع".

إنه على أية حال سائق يعمل على الخطِّ ولا شك أنه أقدم مِنَّا خبرةً".

 

ولكنني سافرت إلى "مطروح" مرات عديدة، هكذا أكدتُ للرُّكاب في ثقةٍ، وأدهشني أن السائق لم يكترث بنا أيضًا، رغم ذلك هَممت أن أقوم مِن مقعدي مخاطبًا السائق؛ عساه يستجيب لنداءاتي، لكن شابًّا - كان يسابقني في الوصول إلى السيارة منذ دخلنا الميدان - اعترض في حِدة:

 

• أأنت الوحيد الذي سافرت إلى "مرسى مطروح"؟!

• ألسنا مثلك نجيد القراءة؟!

 

• لقد لاحظت لافتة تشير إلى المعسكر المهجور، لكنني أظن أن للسائق درايةً خاصة.

 

• واحتدم النقاش في حِدة مفاجئة، وحاول بعضهم أن يقعدني في مكاني، والسائق رغم كل شيءٍ لا يعيرنا أدنى انتباه.

 

• انتهزت فرصة هدوءٍ طارئ، وحاولت التسلُّل إلى مقعد القيادة، وقبل أن أصل إليه شعر بعضهم بي فعاودوا الجِدال في حِدة مفتعلة، حتى إن أحدَهم أمسك بيدي محاولاً إيقافي، لكنَّ عيني في هذه اللحظة وقعت على وجه السائق، فصرختُ في رعبٍ: "إنه هو، أغيثونا أيها الناس"، وتدافع الناس تجاهي وأنا أشير في هلع إلى وجه السائق:

 

• من؟

• "السائق! .. المجنون!".

• "يا رجل كفاك إثارة للهواجس والفِتَن".

 

• أأنت الوحيد الذي تحسن قراءة الجرائد وتفهم كلَّ شيءٍ؟!".

• "يا عالم! أعطوه فرصة للحديث".

 

• "أنا لا أدري ما الذي أتى بنا إلى "مرسى مطروح"، قلت لكم: "الإسكندرية أفضل".

 

• وتدافع العَرَق إلى وجهي واشتدَّ لهاثي وعجزت رغم وضوح دلالاتي عن حشد الرأي العام لصالحي، وعبثًا حاولت الرجوع إلى مقعدي؛ للإتيان بالجريدة أو التقدُّم لموقع السائق الذي لا يلتفت إلينا رغم كل هذا الضجيج، إلى أن التزمت بالقعود في مقعد قريب والناس يحاصرونني بغباء وتصميم، وما أن عاودت النظر من النافذة حتى عدتُ للصُّراخ والاستغاثة:

 

• "السائق المجنون.. حقل الألغام .. اللافتة مكتوبة أمامكم".

 

• وتعالى الصَّخَب مِن جديد، وضاعت الحروف في كلامٍ يتشابك ويتصارع، والأيدي تجذب وتشد وتدفع والثياب تتهرأ و تتمزَّق، وهوت لكمةٌ مجهولة على فكِّي الأيمن، وأنا أحاول الرجوع إلى مقعدي أو اللحاق بالسائق الذي لا يأبه بنا؛ حتى أُلْزِمت مرة ثانية بالقعود.

 

• وللمرة الثالثة تخافت الهرج، حتى دنا البدوي بوجهه مِن أذني وكان يجلس خلفي مباشرة، وهمس ناصحًا: "الزم الصمت، وارتقب مصيرك مثل الباقين، وَدَعْك من الإثارة؛ حتى لا تجلب لنفسك المتاعب".

 

ومن عجب أني جلست مذعنًا لنصحه أرقب متحفزًا صوت الانفجار الآتي كبدهية حسابية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة