• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

في رثاء شهيد (عباس لغرور) خاطرة (نص نثري)

في رثاء شهيد (عباس لغرور) خاطرة (نص نثري)
جواد عامر


تاريخ الإضافة: 20/5/2024 ميلادي - 12/11/1445 هجري

الزيارات: 2517

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في رثاء شهيد (عباس لغرور) خاطرة (نص نثري)

 

دَعِيني يا جبالَ الأوراس الشامخة أسكُبُ على ذُراك هذه الدُّرر من غَيمات عَيْنَيَّ، أسقي بها ثرى شهدائك الأبرارِ، فقد خُبِّرتُ أن سفوحك جرت أنهُرًا رَقْراقة بدمائهم، وحَصَاك تَضَمَّخُ بمهجتهم الزكية، فها أنتِ شامخة تَرْنِين إليهم وهم ينعَمون في الجِنان، يشتَمُّ غاربك أريجَ البطولة، وعبق البسالة، فما أسعدكِ وأنتِ تناجين أرواحهم في ذُراكِ، وما أهنأكِ وأنتِ تعانقين أجسادهم في مضاجعكِ النَّدِيَّة.

 

يا جبال الأوراس، هذه كلماتي أنفثها طورًا من قلبي كَلْمى دامية، وقد لبِست حروفها رداء الحزن الممضِّ؛ حدادًا على موت عباس، وطورًا تذرف دمع الفرح متى أُذْكِرَتْ نعيم الشهادة، فتَنْدَمِل جراحها هُنَيْهَة، فلا تلبث أن تعود دامية من جديد، متى ذكر القلب غِيلةَ عباس في الخضراء، فهي بين نفث لدمٍ من غور الجراح قرحًا، وبين إسبال لدمعها الفيَّاض فرحى.

 

لكن، يكفيك شرفًا يا جبال الأوراس، يا مهدَ البطولات أن عباسًا قد أزهر في سماك نجومًا، وأنبت في ثراك دُرَرَ المجد والسناء، فها هي أشجار الوفاء مدت أعراقها في أعماق أعماق قلبك، وبرعمت أماليدها أغنيات الحب قصائد شعرٍ في ربوعك، فهنيئًا لك إذ حباك الله رجلًا بألف رجل، وبطلًا مغوارًا بألف بطل، فمن مثلك شأنًا يا جبال الأوراس؟ ومن أعلاك كعبًا؟

 

بالله قولي: هل ينسى التاريخ من قاد بين فِجاجكِ فُلُولًا أقضَّت مضجع المستعمر، وساق كالريح فيالق الوطنيين، فأذاق العلقم للمحتل الغاشم؟ لا يملك هو وفلوله أسلحة فاتكة كتلك التي يملكها الفرنسي، لكن قوة الإيمان وحب الشهادة، وحب الثرى الذي وطِئته قدماه، ونسائمك العليلة المتموجة التي تغازله، وماء ينابيعك الفرات التي تطفئ ظمأه - أسلحة أقوى، وعتاد أعتى.

 

لَكَمْ شهدتِ - يا جبال الأوراس - بطولة ولدكِ عباس، على سفوحكِ الخصبة، وبين فجاجكِ المزهرة، ومن ثنيَّاتكِ السانية، شهدتِ براعة القائد، وحنكة الفارس، وشجاعة البطل الْمِقْدام، باغتت فلوله الأعداء، فأرْدَتْهم قتلى، وأثخنتهم بالجراح، يئنُّون فوق ثراكِ وأنتِ تبسمين هازئة بالمتجبِّر، وتنظرين إلى الظلم مهزومًا، مطروحًا على الأرض، مُضْرَجًا في دمائه، ترفضين أن يطأ ثراكِ الطاهر فيتدنس بجَورِه، وتأبين إلا أن يظل سناؤكِ متراقصًا فوق مروجكِ، ولسان حالكِ يقول: هذا ابني عباس، قد وهبه الله لي أُعْطِية؛ كي يطهِّر تربتي من دنسِكَ أيها المستعمر الظالم، فها أنت تذوق وَبَالَ جورك، وتتجرع سمومَ تجبُّرك، فطوبى لي بعباس وإخوانه.

 

نعم، لقد حباكِ الله تعالى برجال أشداء على العِدا، رحماء بينهم، وقفوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، يقودهم (عباس لغرور) قيادة الأسد لزُمْرَتِهِ، يرسم الخطط المتقنة، ويَخْتِل الأعداء فينشب فيهم مخالبه، ويمزق أوداجهم بأنيابه، قائد في رَيعانِ الشباب تنطق كل جارحة من جوارحه بالعافية، يدفعه حبُّ ثراكِ وعشق سماكِ للذَّود عنك وردِّ كيد الأعداء، زهرة من زهرات الربيع يفوح شذاها الضَّوَّاع بين فجاجكِ، ونسمة من نسمات الجبال تتموج بين ثنياتكِ، ضاحكةً ضحكةَ منتصرٍ، كلما سقط جندي من جنود الأعداء، افترَّ ثغرها هازئًا بسقطته، فرقصت النسمة على جثته مُنْتَشِيَة بالظَّفَر.

 

كم من أرْحِيَةٍ للحرب دارت فيك يا أوراس، وقلم عباس يخطُّ على سفوحك وفِجاجك تاريخَ البطولة لنقرأَه على مَهَلٍ، ونَعِي أن أرض الجزائر أرضٌ ولودٌ للأبطال والمغاوِر، أرض إذا أوْرَتْ جثمان الشهيد خرج من رحِمها مَن سيحمل لواء الشهادة، نجم إذا هوى، خَلَفَه نجم آخر، فلا يجرؤ عدوٌّ على انتهاك حُرْمة التُّرْبِ فيك، ولا يخمن حتى في قرب حياضك؛ لأنه سيعلم حتمًا أن الفناء مصير لمن يقرب شبرًا من الجزائر.

 

فيك حَمِيَ الوطيس وثار النقع يا أوراس، ما إن تضع الحرب أوزارها حتى يوري نيرانها عباس في كل حين، مرسلة جمالاتها الصُّفر في كل الأنحاء، فيقشعر بدن العدو، وترتعد فرائصه من حرِّها اللافح، يقودها عباس قيادةَ رجل محنَّكٍ، خبر الفِجاج وعرَف المسارب والمسالك، والعدو تائه حائر يحترق فؤاده من هذا الفتى الشاب، الذي أنهك قوته فأضناه، يَجِدُّ للفَتْكِ به فلا يستطيع إليه سبيلًا.

 

أيها العدوُّ، لقد أدماك عباس لغرور في الجرف، وأردى جندك صرعى كالهشيم ذرته الرياح في الزاوية، وأذاقك العلقم في تفسور شسار، وضمخ جنودك بالدماء في البياضة، وأتى عليك من حيث لم تكن تدري كالسيل العرم في كمين كنتيش راح البارود، وأنت مدجج بأعتى الأسلحة وأشد العتاد فتكًا، فيا للعار يا ظالم، ويا لسوء عاقبتك، أمَا اعتراك الخجل من المذلة التي لحقت بك أيها المعتدي؟ أمَا شعرت بالخيبة وأنت تجر أذيال الهزيمة من سفوح الأوراس؟ تُولِّي أدبارك مذعورًا من بطش عباس ورفاقه الأشاوس، آهٍ لو كنت مكانك لَما أُغمض لي جفن، ولا ارتاح لي بال، لَما عراك من الخزي والهوان يا جبان.

 

يا كاتب التاريخ، مهلًا أدِرِ الصفحات، وسائِلِ المستعمر عن قادته الكبار، سائِلْهُ عن الجنرال بيجار: أمَا خرج ذليلًا من أرض المعركة بعدما رشقته رصاصة عباس ورغِم أنفه في التراب؟ سائله عن النقيب كروطوف، وعن حاكم قنطيس، والعقيد ميتزنغر: ألم يُرْدِهم رصاص عباس صرعى، فباتوا كأوراق الخريف تتلاعب بهم يد الحِمام؟ ألم يقضَّ عباس مضجع جندهم ليلًا فأرهقهم صعودًا، وأشخص أبصارهم نهارًا؟ يا كاتب التاريخ، هل وجدت ما صنعه عباس حقًّا؟ فاكتب، إن ما أمللته عليك هو العدل، خُطَّ على كتاب الأوراس سطورًا ليست تكذبها عين، فاسمع يا كاتب التاريخ مقالة نطقت بها الجبال، صداها تحضنه الآفاق، فتُعيد رجعها بين يديك: "إني الآن حرة أبية، أرنو كما كنت إلى النجوم، هازئة بالعواصف والأنواء، أحضن ولدي عباس وأدفئه في ثراي، أعانقه في كل حين، أناغيه مناغة الأم رضيعَها، وأناجي روحه السابحة في العلياء منعَّمة في جِنان الخلد، وا لهف نفسي عليك يا عباسُ يوم قتلوك غِيلة في أرض الخضراء، فبكَتْكَ عيناي مثلما بكتك كل العيون، وانتحبت لرحيلك الوديان، وشَجَتْ حمائم أدواحي أغنيات الحزن الدامي، ودَعَتْ لك بسُقيا السماء كل الألسنة، قتلوك حسدًا من عند أنفسهم؛ لأنهم كرهوا فيك الشهامة، ومقتوا فيك المروءة، وامتعضوا من وطنيتك النادرة، وحسدوا فيك شجاعتك الحامية، فيا ليتك يا عباس بقيت في أرضي، وإن كنت أعلم أنك لأجلي ذهبت، ولأجل حريتي سافرت، فما أقسى القلوب التي أردتك قتيلًا! وما أخبث النفوس التي تآمرت عليك يا عباس!

 

عباس يا ولدي، يا برعمًا أزهر في دوحة قلبي، ففاح شذاه بين ثنيَّات الفِجاج، عباس يا رسمًا عجز عن محاكاته الفنَّانون، فوقفت ريشاتهم حائرة أمام عبقرية فنِّه، يا بحرًا رست عليه قصائد حبي، ويا زَبَدًا مرغيًا هاج على العِدا موجًا متلاطمًا، أنت ما أنت إلا الليث أنهضه الطوى، وما أنت إلا النجم مِن سماه هوى، فأحرق الأعداء حرقًا ذَرَت فيه ريحك السَّيهُوج رماداتِهم في كل الأنحاء.

 

طوبى للجزائر كلها بك يا عباس، يا فِلْذةَ كبدي، يا أيقونة في كتاب التاريخ ستظل خالدة يُعيد رَسْمَتَهَا جيلًا بعد جيل، وتذكُرها المَذارِبُ شِيمًا طيبة، وخصالًا كَرُمَ مَنْبِتُها أبَدَ الدَّهر، وطُوبى لعباس بك يا جزائر الخير، شهيد البطولة في ثراك.

 

وإني لأذكر قولتك يا عباس: "اذكروني بعد الاستقلال"، نعم، ها هم يا عباسُ يذكرونك وفاءً منهم لك، واعترافًا منهم بالجميل، فَلْتَهْنَأ بالًا فإن ذِكْرَك على شفاهنا خلَّدناه، واسمك في قلوبنا حفرناه، وما صنعته من تضحيات جِسامٍ لم يستَطِعْها أحدٌ في ذلك التاريخ ما جحدناه، يا أسطورة لم تدخل مدرسة للحروب، ولم تتعلم أبجديات القتال، إلا أن الله اصطفاها للجزائر لتكون الصَّمصام الباتر الذي أرهق عدوًّا، ما فكَّ رموزها ولا فهم طلسمها، حتى جَعَلْتَه يبوح بشجاعتك، ويقر بدهائك في الهيجاء.

 

نعم يا عباس، انظر فها هي مسارج من زمرد موقدة فوق رَمْسِك، وعبق الأزاهير ضائع من فردوس لَحْدِك، تحوم حولها فراشات قلبي راسمة لوحات العشق السرمدي في مرسم قلبك، تحكي حكاية حب وقصة وفاء أزلي سيبقى الدهر يحكيها جيلًا بعد جيل، واصْغَ فهذي تراتيل الآي يصدح بها كل حلق كالقُمْرِيِّ على فَنَنِ الشجر، تسكن ألحانها شجية بين جوانحك، وترسو أنغامها عذبة في تجاويف صدرك، والملائك حفَّت أجنحتها مثواك، تناجيك وتناغيك، وتهمس لك بلحن الوداعة مهنِّئة لك بالمقام المحمود.

 

فسلام على روحك الطاهرة، يوم وُلدتَ ويوم متَّ ويوم تُبعث حيًّا، وسلام على كل الشهداء الأبرار، ولتبقَ جبال الأوراس شامخة تعانق النجوم الغرَّاء في كبد السماء، تعزف أغنيات النصر، وتشدو ترانيم الظَّفَر من قصائد البطولة التي رصَّع قوافيها، ونَظَمَ أبياتها شهيدُ البطولة عباس لغرور.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة