• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

نظرات في الجمال

نظرات في الجمال
جواد عامر


تاريخ الإضافة: 15/5/2024 ميلادي - 7/11/1445 هجري

الزيارات: 1254

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نظرات في الجمال

 

ليت الذي خلق الحياة جميلة
لم يُسْدِلِ الأستار فوق جمالها
بل ليته سَلَبَ العقول فلم يكن
أحدٌ يُعلِّل نفسه بمنالها

 

كثيرًا ما سألت نفسي: هل كل الناس على وجه الأرض يحبون الجمال؟ أتُراهم حين يَهْفُون إلى غابٍ، أو بياض ثلج، أو شاطئ بحر، أيهفون إليه لأن المدنية أرهقت نفوسهم، فيكون الجمال حينها ملاذًا لإزالة رمادات مُثْقِلة كدَّستها الحضارة في الصدور؟

 

هل تذوُّق الجمال واستشعار منابته في القلب لا يكون إلا ممن يصنعون الجمال، أمَّا الآخرون من العوام، فلا يكون الجمال عندهم سوى انطباع لا يتجاوز حدود البصر؟

 

حقًّا أضْنَتْني هذه الأسئلة، وأرَّقت مضجعي، فجلست على مكتبي، وأخذت الورقات أنثرها أمامي تحت ضوء مصباح خافتٍ، فيه بعض معاني الضوء لا الضوء كله، تراءى شاحبًا فأذْكَرني الخريفَ وشحوب أوراقه، تنثرها كفُّ الرياح هنا وهناك، صفراءَ ذابلة، وأفنان الشجر تتراقص وهي تخلع عنها كساءها، تتفرق الوريقات في الأرجاء، راسمة لوحتها الشاحبة الجميلة، ونظرتُ بياضَها فأذكرني الشتاء يدثِّر الأشياء بدِثاره الأبيض الجميل، يثقل الأغصان فتترنح كالثَّمِل من سُكْرٍ، وتكسو القمم والروابي ببساط أبيض ناصع يخلب العقول، ويشُدُّ النفوس التي تتناسى زمهريرَ الشتاء وهي ترنو إلى لوحة بديعة مكتملة الجمال، ونظرت إلى قلمي الأخضر بجانب الورقات؛ فأذكرني البحتري وهو ينشد الخليفة:

أتاك الربيع الطَّلقُ يختال ضاحكًا
من الحسن حتى كاد أن يتكلما

فصلٌ فيه تمد الطبيعة أناملَها الساحرة لتكسوَ الأرض بُسُطًا خضراء يانعة، وتكتب فيها بقلمها سطورَ الجمال على سِفْرِ الوجود، تبرعم أماليده زاحفة وهي تمتص قطرات الندى راسمةً واحدةً من أجمل اللوحات، والطير يعزف ألحانه الشجية، والسواقي رقراقة تنساب في دَعَةٍ وسكون حالمين، لَكأنَّ كل شيء فيه يكاد ينْبِس بالحسن فيه.

 

وأحسست بشيء من الحَرِّ يسري في جسدي فأذكرني صيفًا تسنو شمسه مرسلة أسلاكها الذهبية، وسنابل هائجة تتراقص في المروج، تغازلها نسمات لافحة، أذكرتني شاطئ بحر تلتمع حبات رماله، ويسنو موجه هادرًا يركبه الراكبون، ويسبح فيه السابحون.

 

نظرت إلى نفسي، وقلت: في أي المنازل أنت نازل؟ أتُراك من العوام لا ترى في الجمال غير مجلبة لنفع نفسك، أم أنك غير ذلك؟

 

نظرت إلى الناس، فرأيت أن المدنية أنشبت مخالبها في أجسادهم، فدمت جراحاتهم، وأراها تندمل متى رَنَتْ إلى شفق يسيل نُضاره في الأفق، أو إلى حقل يحكي الجمال في أزاهيره، أناس أنهكتهم مدنية زائفة جعلتهم يتراكضون ويفزعون، يلهثون وراء المال، ويدوسون القيم من أجل الربح والمصلحة، آخر همِّهم معنى الإنسان كينونة وجوهرًا، فما إن تحركهم عاطفة الجمال حتى تجدهم يتهافتون ركضًا نحو الغاب والحقول والشواطئ، يغزلون من أنوفهم ما علق في صدورهم من أتربة وأدخنة وأحقاد، فينسجونها متعة ترخي ظلالها وارفةً في نفوسهم المتعبة، فتستريح من عناء اللهث والجري، حتى تحس أنها قد أُشْرِبَتْ شيئًا من جمال ترتاح له، فتعود من جديد إلى دأبها، فيا للنفوس المسكينة، لَكَم أجِد عليها الوَجْد كله! فآهٍ لو تدري هاته النفوس أن الله ما جعل الجمال في كونه إلا مرآة تُجَلِّي عظمته، ومنبعًا لأهل الإبداع يُلهمهم فيستوحون السطور، ويرسمون اللوحات وينشدون.

 

هو مرآة يتجلى في معارضه المتلونة جلال الخالق وحكمته وبديع صنعته، فالشاطئ وتبره المنثور ما جعل لاستلقاء الأجساد كيفما اتفق لها على حباته، وموج البحر ما هيأه الله لاستحمامها والانتشاء ببرودته صيفًا، ولا لاستخراج الحلية منه واللحم الطري، وإنما الشاطئ وبحره مرآة وأي مرآة، فيها تنعكس عظمة البارئ المصوِّر، في فساحته وجبروته وأسراره المخبوءة، والغاب بأشجاره وكائناته ونباته المختلفة ألوانه وأحجامه، ما جُعِلَ لهؤلاء من أجل النزهة والاستمتاع بلطف جوِّه، والمرح بين أحضانه، وإنما هو آية من آيات الله في خَلْقِه، عالم تسكن فيه الأرواح المختلفة وتتساكن، وتتكامل دورة الحياة في غياهبه، وما جعل الله الحقول متاعًا للزرع، ومَوئلًا للجمال البديع، ترسمه الأزهار والأعشاب والفراشات، وأسراب النحل والطيور، وإنما هي صنعة الله في أرضه، تتراءى فيها آياتٌ تلو آياتٍ، يدركها عاقل لبيب يراها؛ فيتذكر قول الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل: 60]، وليس الناظر منهم إلى السماء شروقها وغروبها، بدرها ونجومها، إلا نظر الحاسب للوقت، والمهتدي في الطرقات، وإنما هي لوحة الله زيَّنها بزينة الكواكب، ووشَّاها بمصابيح يغازل ضوؤها أديمَ الأرض، فتبتسم لها في بسمة شاعر، فتنكتب قافية عذبة، وتتراقص أسطرًا لتتراصَّ جملًا أنيقة، في عِقْدٍ يُرصِّع عُنُق الوجود.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة