• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

قصتي مع علم العروض وأستاذي عمر دلوان

قصتي مع علم العروض وأستاذي عمر دلوان
نضال آل داود


تاريخ الإضافة: 23/9/2023 ميلادي - 8/3/1445 هجري

الزيارات: 2150

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصَّتي مع علم العَروض وأستاذي عمر دلوان

 

منذ المرحلة المتوسِّطة كنت أسمع بشيء يُدعى علمَ العَروض أو أوزانَ الشعر أو بحورَه، فسألت متى نتعلَّمها؟ فقيل لي: في الأول الثانوي. كنت أترقَّبُ اليوم الذي أبلغُ فيه تلك المرحلة. وصلتُ إلى الأول الثانوي ودخل علينا مدرِّسُ اللغة العربية، وكان ضخمَ القامة مَهيبًا، وهو الأستاذ عمر بن خالد دَلْوان من أسرة عريقة عندنا في مدينة دُومة حاضرة غوطة دمشق الشرقية. لم يكن ذلك المدرِّسَ البارع لمادَّة العَروض فيشدَّك إليها؛ لأن معرفتها بإتقان بَلْهَ تدريسَها مَلَكَةٌ لا يُؤتاها كلُّ أحد، لكنَّه أدَّى محاضرته على وجه مَرْضِيٍّ لا خلل فيه، وكان شغفي بالمادَّة مع طول انتظاري لها هو شفيعي لفهمها، لذلك فهِمتُ منه فكرةَ الوزن والتقطيع من أوَّل محاضرة.

 

بدأ بالبحر الطويل وقطَّع لنا قولَ امرئ القيس:

وليلٍ كمَوْجِ البَحرِ أَرْخَى سُدولَهُ
عَليَّ بأنواعِ الهُمومِ ليَبْتَلِي

وقال: هذي مثلُ هذي؛ يقصد الوزنَ بعدد التفعيلات ونوعها وحركاتها وسكناتها مع بيان ما يطرأ على التفعيلات من زِحافات.

 

تنفَّستُ حينئذٍ الصُّعَداء وكأنه سُرِّيَ عنِّي همٌّ عظيم؛ فقد فهمت الفكرةَ بقوله: هذي مثلُ هذي؛ وكانت لي مفتاحَ هذا العلم الذي مضَيتُ فيه بعدها وحدي، فصرت بها أستاذَ نفسي وأستاذًا لغيري والفضلُ بعد الله عزَّ وجلَّ للأستاذ عمر رحمه الله.

 

ولمَّا كان التطبيقُ العملي هو السبيلَ الأوحد لإجادة التقطيع العَروضي، فقد عَهِدَ إلينا الأستاذُ بواجبٍ للمحاضرة القادمة؛ تقطيعِ خمسة أبيات من أبيات امرئ القيس المقرَّرة علينا من معلَّقته، فلم أكتفِ بتقطيع الخمسة الأبيات المطلوبة، وإنما قطَّعتُ الأبياتَ المنتخَبة من معلَّقة امرئ القيس لكتاب الأدب المقرَّر جميعَها. ثم جاءت محاضرةُ بحر الكامل، وكلَّفَنا تقطيعَ خمسة أبيات من أبيات عنترة المقرَّرة علينا من معلَّقته، فقطَّعتُها جميعَها، وكان عددها ثمانية عشر بيتًا، وهكذا كان الأمر فيما تلقَّيناه من بحور ذلك العام.

 

هذا، وقد عكَفتُ على تعلُّم بقيَّة البحور وحدي كما ذكرت، مع متابعتي لحفظ ما أستجيدُه من الشعر العربي الفصيح، فنشأت لديَّ ملَكةُ التقطيع السماعي السريع، دون حاجة إلى الكتابة إلا في الاختبار لنيل الدرجة.

 

لقد كان الأستاذ عمر دلوان رحمه الله صاحبَ الفضل الأوَّل في وُلوجي علمَ العَروض الذي ساعدَتْني معرفتُه إضافةً إلى محفوظاتي الشعرية، وموهبة آتاني الله إيَّاها= أن صِرتُ شاعرًا يجولُ وَسطَ المَعْمَعة.

 

نشأَت بيني وبين أستاذي عَلاقةٌ وطيدة؛ بقرابته مني من جهة جدَّتي لأبي آمنة دَلْوان رحمها الله، وبتردُّدي إلى محلِّه الذي كان يبيع فيه بعد الدوام أدواتٍ منزلية، فكان من ثمارها أن نصحَ لي بكتاب (المرجع في اللغة العربية نحوها وصرفها) لعلي رضا، فاشتريتُه من معرِض الكتاب بدمشق، وكان يقع في ثلاثة أجزاءٍ، وقد انتفعت به أيَّما نفع، وبقي مرجعي إلى عهد قريب فيما يَعْتاصُ عليَّ من مسائل، وبقِيَت عَلاقتي بالأستاذ قائمةً إلى عهد ليس ببعيد.

 

ولي طُرفةٌ جرت لي معه في ذلك العام الدراسي؛ فقد أعطانا درسَ التصغير الذي يتنازعُه النحويون والصرفيون؛ فمنهم مَن يجعله في علم النحو ومنهم مَن يجعله في علم الصرف، ثم جاءت المحاضرة من الأسبوع الذي يليه فاختبَر فهمَنا لصِيَغ التصغير فسأل: من يعرف تصغيرَ اسم كافور؟

 

حارَ الطلَّابُ جوابًا، وأخذ يلتفت بعضُهم إلى بعض! كنت أعرف أن تصغيره (كُوَيْفِير) على وزن (فُعَيْعِيل)، لكنَّني أردتُّ أن أُضحِكَ المدرِّسَ والزُّملاء فرفعت يدي، فقال: تفضَّل.

 

قلت: تصغير كافور: (كْوافِير)!

 

فانقلبت القاعةُ ضحِكًا، وهمَّ بالضحك لكنَّه كتم ضِحكته شيئًا ما، وقال لي:

داود أنت مجتهد لكنَّك (عَلَّاك)! [العلَّاك (بتشديد اللام) أصلُها بائع العِلْك الذي يُلاك بالفم ويُعْلَك، والمقصود بها في عاميَّتنا: مَن يُكثر تحريكَ لسانه بكلام ساخر لطيف؛ لإضفاء السرور على المجلس، أو الثرثار السَّخيفُ الذي لا يُحسِن غيرَ هذا!].

 

انتظرت حتى هدأت القاعة وأجبتُ الأستاذ بصيغة تصغير كافور بأنها كويفير.

 

كان إضحاكي للقاعة في محلِّه في آخر محاضرة ذلك اليوم، وقد كلَّت الأذهان وخارَت الأبدان، وقرقعَت البطونُ من الجوع.

 

وللدُّعابة أيضًا فإن لوحة مفاتيح الجوَّال كتبت (كوافير) بدل (كويفير) تصغيرًا لكافور، فانتبهتُ وعدَّلتها، وهذا الأمر يحصل معنا يوميًّا، ولنا مع لوحة المفاتيح معاناةٌ وخِصِّيصَى عندما يكتب من لديه ضعفٌ في البصر من غير نظَّارات.

 

ومن علوم أستاذنا الراحل إتقانُه للإنكليزية والألمانية، وقد سافر إلى ألمانيا قديمًا ولا تحضُرني التفاصيل، وتعاقد مع إحدى مدارس المملكة العربية السعودية ثم رجع ليدرِّسَ في إحدى مدارس دمشق الأهلية، حتى تعبَ من الذهاب والإياب، فاستقرَّ في دومة لتكونَ المعاهد الخاصَّة قريبة منه، لكنَّها آثرت المدرِّسين الناشئين عليه.

 

لقد كان الأستاذ عمر دلوان مثلَ تلميذه كاتب هذا المقال = قليلَ الحظِّ في الانتفاع من مواهبه المتعدِّدة في عصر الرُّوَيبِضة، والله المستعان.

 

رحمكَ الله أستاذي الحبيب أبا هشام، وأجزل مثوبتَك على ما علَّمتَنا وأرشدتَّنا.

 

رحمكَ الله وقد رحلتَ عن دنيانا قبل أيام، في مسقط رأسك مدينة دومة، ليلة السبت 24 من صفر 1445هـ، عن نحو سبعة وثمانين عامًا، نحسبك عشتَها في طاعة الله عزَّ وجلَّ بين التعب والفقر والغُربة والهمِّ والمرض.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة