• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

معزوفة الليل

معزوفة الليل
أحمد بلقاسم


تاريخ الإضافة: 4/5/2023 ميلادي - 13/10/1444 هجري

الزيارات: 1557

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معزوفة الليل


بعد مغيب الشمس أخذ دبيب خلق الله على البسيطة يخفُّ وقْعُه شيئًا فشيئًا، شرع الليل ينشر عليهم رداءه البهيم وهو يُشنِّف أسماعَهم بلَحْنِ معزوفة سكونه الخالدة، اغتنمتُ فرصة انجذاب وانخطاف الكائنات لسكون وسمر الليل، حملتُ عدَّة الصيد، وتسللتُ من تحت الرِّداء البهيم، أتلمَّس طريقي نحو البحر بما جاد به عليَّ سهيل من وميض، استقبلني البحر مُرحِّبًا بقدومي إليه بنسيمه الرطب، وأفغم أنفي برائحة أمواجه الوديعة.


بعدما علقت الطُّعْم في لسان السنَّارة ثبتُّ القصبة في أحشاء الشاطئ، وجعلتُ أنظر على قبسات من ضياء سهيل إلى الأمواج وهي ترقص أمامي في خشوع على إيقاع ما يعزفه سكونُ الليل، طربتُ لهذه المعزوفة الهادئة، كما طربَتْ لها سائرُ الكائنات في البَرِّ وفي البحر وفي السماء حتى غفوتُ غفوةً لم أستفِقْ منها إلا على هَمْسٍ رقيقٍ مُنعِشٍ، توجَّسْتُ منه، ظنَنْتُه صوتَ إحْدَى حوريَّات البحر جاءَتْ تختالني لتُوقِع بي في شِباكِها، فإذا هي موجةٌ وديعةٌ تقول:

• لديَّ مفاجأة لك.


• مفاجأة.


• أظنُّها ستعجبك.


• ما هي؟


• انظر إلى القنينة التي بين قدميك.


• فعلًا إنها قنينة، مَنْ جاء بها إلى هنا؟


• أنا من جئتُ بها إليك من وسط البحر.


• ولمَ فعلتَ هذا؟


• عندما تفتحها ستجد فيها المفاجأة التي وعدتُك بها، أرجو أن تكون مفاجأةً سارَّةً.


انتابَتْني حالةٌ من الذهول لما رأيتُ وسمعتُ، حتى إنني نسيت أن أشكرها وهي تنسحب بتؤدة عائدةً من حيث أتَتْ، مسحتُ بطرف كُمِّي القنينة ووضعتُها داخل الحقيبة.

قبل تنفُّس الصبح لَمْلَمْتُ أغراضي وقفلتُ راجِعًا إلى البيت خاويَ الوفاض إلا من قنينة المفاجأة الموعودة.


على شقشقة العصافير استيقظتُ، تناولتُ فطوري وغيَّرتُ ملابسي وقبل أن أُعانِق الشارع ساورني الشَّكُّ بأنَّ أحدًا ما أعطاني شيئًا ما ووضعتُه في حقيبة الصيد، فتحتُ الحقيبة المذكورة، فوجدتُ بداخلها قنينةً لونُها يميل إلى الأخضر الداكن، عُنُقُها طويلٌ بفم مسدود بسدادة نُحاسيَّة اللون، كانت تحدث صوتًا عند تحريكها، بعد عدة محاولات متتالية استطعتُ سَحْبَ السدادة، قلبتها على فمها، فخرج من بطنها لفافة من البلاستيك تلفُّ شيئًا صُلْبًا، برفق أزحتُ اللفافة لأجد رسالةً تحتضن القلم الذي كتبتْ به.


بسطتُ الرسالةَ أمامي على المكتب، أول ما شدَّ انتباهي إليها هو جمال الخَطِّ الذي كتبت به صفحتها.


هذا نصُّ الرسالة:

أنا عبدالله المغربي.

في انتظار عودة الهدوء للبحر، والاطمئنان من خلوِّ الشاطئ من عيون خفر السواحل، قرَّرْتُ أن أكتب هذه الرسالة التي لا أدري هل ستتمكَّن هي الأخرى من العبور إلى الضفة الأخرى، أم سيخيب ظنُّها كما خاب ظني في أكثر من محاولة، فتجري رياح سفينتها بما لا يشتهيه أمَلُها، لن أُحدِّد المرسل إليه؛ لأنني لا أعرف في يد مَنْ ستقع.


عندما يأوي كلُّ ذي مأوى إلى مأواه، وعندما يُرخي الليلُ سدولَهُ، ويملُّ السُّمَّارُ سمرَهم، ويتهاوون إلى مضاجعهم، ويغطُّون في نومهم، ويباغت النوم الخفر، سأمخر عباب البحر مع بضعة وعشرين شخصًا من جنسيات مختلفة بألْسُن مختلفة وبألوان مختلفة، ومع ذلك فهم من أُمٍّ واحدةٍ، من رَحِمٍ واحدٍ هو رَحِم إفريقيا، آمُلُ ألَّا تبوء محاولتنا هذه بالفشل كما في الحالات السابقة، آمُلُ أن يحالفنا الحَظُّ للعبور إلى الضفة الأخرى بسلام، آمُلُ أن تطأ أقدامُنا الشاطئ المقابل ونحن سالمون، أعرف أننا سنعاني هناك كثيرًا من المعاناة قبل العثور على فرصة عمل، وقبل الحصول على وثائق العمل والإقامة، آمُلُ أن يُوفِّقْني الله في تسوية وضعيتي هناك في أقل وقت ممكن، وأن أجمع قدرًا من المال لأساعد والدي- حفظه الله وأطال عمره- على شراء بقرة تُعوِّض تلك التي باعها مرغمًا ليحجز لي مقعدًا في القارب، كما أدعو الله عزَّ وجلَّ ألَّا أتأخَّر في تعويض أُمِّي وأختي بحُليٍّ أغلى بكثير من حُليِّهما الذي استهلكْتُه أثناء دراستي في الجامعة، آمُلُ أن أوفِّر هناك من المال ما أستطيع أن أقيم به مشروعًا هنا في بلدي لأعيش قريبًا من أهلي وأحبابي؛ لكن قبل كلِّ شيء آمُلُ عند عودتي إلى أرض الوطن أن أجد ليلك قد جمع أسمالَه، وغادر سماءك، وأجد شمسك تنثر السعادةَ في أرجاء ربوعك، وأجد طيورك تغدو خماصًا وتروح بطانًا وقد استعادت أجنحتُها نشاطَها مرفرفةً في زهو وانشراح فوق غاباتك وصحاريك وجبالك وهضابك وسهولك ومروجك، تشدو جَذْلَى بأحْلَى تغاريدِها مُعلِنةً بانْبلاج صبحك الجديد.



سأكتفي بهذا القَدْر من ألذِّ الأحلام الجميلة التي أتمنَّى أن تنعم بها يومًا، بعد مكابدتك لغطرسة الكوابيس التي جرعتك لعقود كؤوس الألم والقهر والحرمان، فاعذرني يا وطني، لقد أزِفَتْ ساعةُ الفِراقِ، سأتركك على مضض وفي نفسي جرح ينزف حسرةً على خذلاني لك.


وداعًا يا وطني.


الإمضاء: عبدالله المغربي.


طويتُ الرسالة وأعَدْتُها إلى جوف القنينة، وعقدتُ العزم على أن أعيدها إلى البحر على أمَلِ أن تُسَلِّمَها موجةٌ من موجاته الوديعة إلى من يُهِمُّهُم الأمرُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة