• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

المقامة التجويدية

المقامة التجويدية
عبدالله بن عبده نعمان العواضي


تاريخ الإضافة: 11/12/2022 ميلادي - 17/5/1444 هجري

الزيارات: 3712

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقامة التجويدية


قالَ مسلمُ بنُ عبدِ اللهِ: صليتُ ذاتَ يومٍ في مسجدٍ جامع، غاصٍّ بالساجدِ والراكع، وممتلئٍ بكثرةِ الذاكرين والتالين، وآهلٍ بزُمَرٍ من المتعلمين الراغبين، فلما تحلَّلنا من الصلاةِ بالسلام، وقضينا الأذكارَ بانتظام، قامَ شيخٌ على كرسيٍّ موضوع، فتحلَّقتْ به تلك الجموع، بأدبٍ وخشوع، فشرعَ في حديثِه إليهم، وإملاءِ نصائحِه عليهم.

 

فلما توسَّمتُ في سَحنتِه، وألقيتُ أُذُني لعبارتِه، عرفتُ أنه شيخُنا أبو الحارثِ بلا امتراء، وربُّ البيانِ المعهودِ بلا خفاء، فكرهتُ أنْ أقطعَ حديثَه بالتعارفِ في خضمِ هذا الاجتماع، وألزمتُ نفسي شعارَ التنكرِ وإبداءَ الاستماع.

 

فكان مما قال:

الحمدُ للهِ الذي أنزلَ القرآنَ ربيعًا للقلوب، وجعلَ تلاوتَه طريقًا إلى كثرة الأجورِ وإحراقِ الذُّنوب، وأحلَّ بِه أهلَه المنازلَ العالية، وبلَّغهم بالعملِ بمواعظِه الغاياتِ الحميدةَ السامية، والصلاةُ والسلامُ على من نزَّلَ اللهُ عليه القرآن، هدًى للناسِ وبيناتٍ من الهدى والفرقان، صلى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله، وعلى أصحابِه ومن سارَ على سُنَّتِه ومنوالِه.

أما بعد:

فيا أيها القراء، اعلموا أنكم حملةُ الإيمانِ والضياء، ومعارجُ السَّنا والسَّناء، وبكم تُحفظُ الأمانة، وبصلاحِكم تبقى الدِّيانة، وبجِدِّكم في هذه السبيلِ ينقشعُ الدُّجى، وتتسعُ دائرةُ الهدى.

 

فجوِّدوا كلامَ ربِّكم حقَّ تجويدِه، وامتثلوا أوامرَه وقِفوا عند حدودِه، وألبِسوا قلوبَكم تعظيمَ وعدِه ووعيدِه، وأعطوه حقَّه ومستحقَّه من إجلالِه وتمجيدِه، وأظهروا للناسِ استعلاءَ هذا الكتابِ على ما سواه، واستفالَ غيرِه إذا قُورنَ به في سموقِ الشأنِ وعُلاه، وأديموا الصِّلةَ به ولا تقطعوه، وكرِّروا تلاوتَه ولا تهجروه، ولا تقلبْكم عنه قلقلةُ محنة، ولا تفشِّي فتنة، ولا استطالةُ بلاء، ولا صفيرُ ضوضاء، وإيَّاكم والانحرافَ عن تمكينِ أثرِه في الجَنان، وإقلابَ مقاصدِه في الجوارحِ واللسان، واحذروا الرخاوةَ في الأخذِ به في إصلاحِ الأقوالِ والأفعال، والسكونَ عن القيامِ بحقِّه في جميعِ الأحوال.

 

ومتى كانت لحربِ همومِكم عليكم شَدَّة، وامتدتْ أضرارها على راحتِكم مَدة؛ فاهرعوا إلى القرآنِ تجدوا فيه المخارجَ من اللأْوَاء، والانفتاحَ من أغلاقِ البلاء.

 

ثم قال: يا أهل القرآن، مدُّوا حبلَ الاتصالِ بربِّكم الجليل، واقطعوا سببَ هواكمُ الطويل، وأدغِموا الخطايا في السترِ بلا مجاهرة، وأخفوا لكم خبايا أعمالٍ ينفعُكم ظهورُها في الآخرة، واقلبوا ظهر المجنِّ لوصل الشهوات، ولازموا تقوى اللهِ في كلِّ الحالات، فليس لكم عنه عوضٌ يُنجيكم من مُرِّ الشقاء، ولا بدلٌ ينجدُكم من لظى العناء، وتجنبوا اللحنَ في أعمالكم؛ فإنه أشدُّ من اللحنِ في أقوالكم، واستعيذوا باللهِ من غفلة لا صحوَ بعدَها، ومن ضمةِ خطيئةٍ لا انفكاكَ عندَها، ومتى مُدَّ إليكم حبلُ قربةٍ فاتصلوا، وحيثما بدا لكم سببُ معصيةٍ فانفصلوا، واعلموا أن الوقفَ عن نصرةِ المظلومِ - مع القدرةِ - وقفٌ قبيح، والابتداءَ بنصرتِه إخراجٌ من جوفِ عنائِه، وظَفَرٌ بحسنِ ثنائِه ودعائِه.

 

فاسمعوا مني هذه النصائحَ وعُوها، واعملوا بخيرٍ رأيتموه فيها وبلِّغوها، فأنتم همزةُ وصلٍ بيني وبين من غاب، رزقني اللهُ وإياكم متصلَ الأجرِ والثواب، وجعلنا من السعداءِ في الدنيا ويوم المآب.

 

ثم أنشأ يقول:

يا حاملَ القرآنِ أنتَ على الورى
تاجٌ يضيءُ بأجملِ العقيانِ
بك قدوةٌ للناظرين فكُنْ لها
في موضعِ الإتقانِ والإحسانِ
لِنْ في الحديثِ ولا تكنْ متقاربًا
مِن شدةِ الأقوالِ للإخوانِ
واهمسْ بنصحِكَ في الخفاءِ لمذنبٍ
متجنبًا للجهرِ والإعلانِ
وخذِ الأمورَ لكي تكونَ مسدَّدًا
بتوسطٍ تَسلمْ من الخِذلانِ
واستعلِ عن دركاتِ كلِّ دنيَّةٍ
لا تستفِلْ بالحقدِ والأضغانِ
وانهضْ إلى طُرُقِ انفتاحِكَ كلَّما
حافظتَ فيه على هُدى الرحمنِ
ومتى نحا نحوَ التفلُّتِ والشقا
أطبِقْ هواكَ بعزمةِ الإيمانِ
واسكُنْ إذا كان السكونُ محبَّبًا
في شِرعةِ الديَّانِ ذي السلطانِ
وإذا التحركُ كانَ أفضلَ في النُّهى
فاسلكْهُ دون ترددٍ وتوانِ
فخِّمْ متى ألفيتَ حُسنَ مآلِه
يغريك بالتفخيمِ في أوطانِ
وإذا غدا الترقيقُ خيرَ وسيلةٍ
رقِّقْ ففي الترقيقِ نيلُ أماني
ومتى رأيتَ لدى مخالطةِ الورى
وصلَ الجميعِ فصِلْ بلا نكرانِ
ومتى وجدتَ القطعَ أجدى نفعُه
فاقطعْ تصلْ أبوابَ كلِّ أمانِ

 

فلما انتهى من نثرِه ونظمِه، وزكاةِ علمِه وفهمِه، انصدعَ الجمعُ المحتفلُ له بالدعاء الغزير، والشكرِ الجزيلِ الكثير، فأتيتُه فسلمتُ عليه وصافحتُه، وعرفني بعد أن عرفتُه، فقلتُ له: ما أحسنَ تصرفَك في العلوم، وأعظمَ قدرتَك في سبي الألبابِ والفُهُوم! ولكن ما أجملَ توظيفك لمصطلحاتِها في إصلاحِ الإنسان، وزجرِه عن حمأةِ الانحرافِ والعصيان!

 

فدعا لي دعوةَ صالحٍ تُرجى إجابةُ دعوتِه، ويُفرحُ بخروجِها من شفتِه، ثم إني ودعتُه والقلبُ يطلبُ طولَ البقاء، واغتنامَ ما عنده من العلمِ وحسنِ الدعاء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- إعجاب
عبد الوهاب موشاحانا - الجزائر 17-12-2022 10:19 AM

ما شاء الله لا قوة إلا بالله!
تذكرني بالمقامة البغدادية والحلوانية، ورواد الصنعة اللفظية؛ لكن هذه بحلة جميلة.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة