• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

المقامة الشبابية

المقامة الشبابية
عبدالله بن عبده نعمان العواضي


تاريخ الإضافة: 28/3/2022 ميلادي - 25/8/1443 هجري

الزيارات: 2852

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقامة الشبابية

 

حكى مسلمُ بنُ عبدِ الله قال: هجمَتْ على نفسي غشاوةُ المَلل، وشكَّ بها ألمُ الضيقِ واتصل، فعزمتُ على ركوبِ مطيّةِ الخروج، للتنزُّهِ في بعض المروج، لعلِّي أتخفَّفُ من ثِقلِ العِلل، وأجلُو قلبي من صدأ جِدِّ العمل، وقد نَصح الحكماءُ بإجمامِ النفسِ وإراحتِها، والبعدِ عن إدامة تكليفها وإعناتها؛ لأنها كالدابةِ لا تُعطي ربَّها ما يشاء، حتى يريحها من الكد والعناء، وقد صدق من قال:

إذا النفسُ تمطو في المجالِ بجدِّها
ولم تسترحْ منه تذوبُ كَلالا
وبالروْحِ تعدو للمُنى الغُرِّ مثلما
تمرُّ رياحٌ يمنةً وشِمالا
ويُولدُ فيها العزمُ والجِدُّ كلما
أصابتْ على حرِّ العناءِ ظِلالا

 

فأطلقتُ نفسي من أصفادِها، وسمتُها في مرابعِ إسعادِها، فطفتُ بها في روضةٍ تأنَّقت أشجارُها بالخمائلِ الخضراء، وتراقصت أغصانُها بروعة البهاء، وتشنَّفتْ أسماعُها بخرير جداول الماء، وتغاريدِ بلابل الدوح في الأرجاء، وتضمَّختْ جوانبُها بطيبِ أزهارها الندية، وشذا أنسامِها النقية.

 

فبينا أنا أُلقي عن نفسي أسمالَ العناء، مستجدًّا لها في تلك الرياض الغَنَّاء؛ أبصرتُ جمعًا كأنَّ على رؤوسهم الطير، حتى لا تُحرك سكونَهم أصواتُ السير، فاقتربتُ من ناديهم، وأصغيتُ سمعي إلى مُناجيهم، فإذا بشيخٍ قد علاه الوقار، ونطق مرآه بهيبةِ العلم والادكار، وإذ به يعظُ شببةً قد صعَّدوا إليه النظر، وأداروا فيما يقولُ التأملَ والفِكر، فكان مما قال:

أيها الشبانُ الكرام، والفتيانُ العظام: هل تفكرتم في شبابكم وتقضِّيه، وتأملتم في طريفِ سِنِّكم وتناهيه، ومآلِ رونقه عند بلى الأجساد، وسؤالِكم عنه يوم يقوم الأشهاد، أما رأيتم أقرانًا لكم قد مضوا، وجموعًا في عمركم قد قضوا، لم يُنظرهم الحِمامُ حتى يستوفوا متعةَ الشباب، ويستمتعوا بطُولِ لقاءِ الأتراب، بل فجعَهم الموتُ بوثبته، وقطفَ زهرةَ زمنهم بفجأته، فقطعَ عنهم بلوغَ ما أمَّلوا، وصاروا عند الله رهينَ ما عملوا، لم يُعذَروا بشبابٍ لم تُستكمل لذاتُه، وعُمرٍ ذاهبٍ لم تُستثمر أوقاتُه، ولو أُعطوا في قبورهم مُناهم، ورُدُّوا بعد مماتهم إلى محياهم، لطلبوا فرصتَكم هذه ليعمروا الشبابَ بصالحِ العمل، وينزهوا مُحيَّاه من نُدوب اللهو والزلل. فحتى متى يغركم الشبابُ باستيفاءِ مطالبِ الشهوات، ويخدعُكم شياطينُ الإنس بصرفه إلى مهاوي الموبقات، قائلين لكل شاب، خَاتلين ضعفاءَ الألباب: متِّعوا شبابَكم؛ فبعد الحياة ممات، وعقيب الشباب كِبرٌ تَهرمُ فيه اللذات!.

 

ألا ليتهم قالوا لكم: أنتم في أزهى مراحل العمر وأولاها، وأفضلِ سِني حياتكم وأقواها، ألا فزيِّنوا شبابَكم بِحلى المعرفة والعلم، وطيِّبوه بعَرف النأي عن الإثم، وجمِّلوه ببهجةِ العفة والصيانة، واكسوه بسابغِ استقامةِ الديانة، فهناك يكونون قد أهدوكم القولَ الجميل، وهدوكم إلى سواء السبيل.

 

أيها الشبان، ما أعظمَكم وأنتم ذوو همم عالية، وأهداف سامية، تسعون إلى غايات الحمد، وتَرقون إلى آفاقِ المجد، تَنصرون الدِّين بصلاحكم وإصلاحكم، وتعمرون الأرض بمعارفكم ونجاحكم، وتَنفضون عنكم غبارَ اللهو والكسل، وتتعطرون بعبيرِ الجِدِّ والعمل، وما أحسن شبابكم إن أعطى للحقِّ القياد، وأحب مسالكَ الهدى والرشاد، وأطفى جُذى الشهواتِ الملتهبة، في مناهل الحلال العذبة، ولم يُصغِ لِيتًا إلى نشاز الأصوات، ودعاة الردى والانحرافات، ثم أنشد:

ألا ليتَ الشبابَ يَعُونَ نُصحي
فكمْ يَحوي من الحِكَم الجليلهْ
فقد خضتُ السنينَ وعُدتُ منها
مليئًا من تجاربها الطويلهْ
فمرحلةُ الشبابِ بها جموحٌ
إلى الأهواءِ والسُّبلِ الرذيلهْ
وتهوي بالفتى في كل خزيٍ
إذا أرخى أزمّتَها الجديلهْ
ولكنْ مَن لوى نحوَ المعالي
عِنانَ شبابه نال الفضيلهْ
وأركض في مجال النور دهرًا
خيولَ شبابِه أروى غليلَهْ
فكم فضلٍ ترعرعَ في شبابٍ
فبأبهجَه بغُرَّته الجميلهْ
وأنبتَ بالنقا عُقبى رشادٍ
تكونُ له من الدنيا خضيلهْ
فطوبى للفتى إنْ شقَّ دربًا
وكان سنا الهدى الزاكي دليلَهْ
وجاهد نفسَه حتى أراها
على التقوى مواهبَها الجزيلهْ

 

قال الراوي: فما كفَّ صيِّبُ وبلِه، ولا توقف ثجيجُ سيله، حتى ملأ أسماعَنا دُررًا، وحشا أذهاننا غُررًا، فالتفت إلى جمع الشبان وقد بلغ برقُ قوله متاهاتِ الدُّجى من قلوبهم، فأشرقتْ بعد إظلام، وشُفيت على إِثْر شكوك وأوهام، وتجلَّى لها مستقيم السبيل، بعد أن أمَّها ضياءُ الدليل، فعاهدوا الشيخَ على سرعة الإجابة، وإعلانِ التوبة والإنابة، وطي صفحةِ اللهو المديد، وطردِ زمان العبث التليد، فدنوتُ من مجلس الشيخ الصالح، بعد سماع هذه المواعظ والنصائح، فقلتُ: قد عرفتُك يا ابنَ همام، منذ أن امتطيتَ صهوةَ الكلام، وأرخيتَ لبلاغتك الزِّمام، فليس غريبًا عنك ما بلغت، ولا عجيبًا ما وعظت وخلبت؛ فأنت فارسُ هذا الميدان، وبدرُ السالكين في هذا الشان، ثم ودعتُه وفي النفس ظمأٌ إلى واكفِ هطلِه، والارتواءِ من معين علمِه وفضلِه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة