• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

يوم في القرية

يوم في القرية
أ. د. صالح بن علي أبو عراد


تاريخ الإضافة: 6/3/2022 ميلادي - 3/8/1443 هجري

الزيارات: 3644

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوم في القرية


يرتفع صوت المؤذن مناديًا للصلاة مع بزوغ التباشير الأولى لضوء الفجر مؤذنًا بظهور شمس يومٍ جديد، فيستيقظ أهل القرية من نومهم؛ ليستقبلوا يومًا جديدًا يحمل بين ساعاته البهجة والسـرور.

 

وما هي إلا لحظاتٌ يسيـرةٌ حتى ترى الرجال والصبيان يأخذون طريقهم إلى مسجد القرية الصغير لأداء صلاة الفجر جـماعة وهم يُهللون ويُكبـرون ويستغفرون، وما أن تنتهـي الصلاة حتى يخرج الجميع من المسجد وهم يرددون ما يحفظونه من العبارات الدعائية التي اعتادوا عليها وعلى رفع الصوت بها عند الخروج من الـمسجد، فهذا يقول:

(لا إله إلا الله مـحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وذاك يدعو قائلًا: (اللهم أعطنا خـيـر هـذا اليـوم وخـيـر مـا فـيـه)، وذلك يـرفع صوته مُـرددًا: «أصبحنا وأصبح الـمُـلـكُ لله»، وهكذا تلهج الألسنة بتلك الدعوات التي تُعد فاتحةً مُباركةً ليومٍ جديدٍ.

 

وما أن يـعـود كلٌّ منهم إلى منـزله حتى يوقظ من لم يكن قد استيقظ من أهل البيت، ثم يأخذ مـجلسه في المكان المُخصص للجلوس وسط البيت، وحول (الصلل) أو (الكانون) الممتلئ بالجمر، والذي جرت العادة أن يكون فيه دلة القهوة، وبرَّاد الشاي إن وجد، ثم يسمـى الله ويبدأ في تناول بعض حبات التمر مع شيءٍ من القهوة العربية التي لا غنى عنها في مثل هذا الصباح الباكر، ثم يتبعها بكسرةٍ من الخبز المصنوع من حب القمح أو الذرة أو الشعيـر الذي تقوم ربة البيت بصُنعِه في التنُّور المنزلي المعروف بالـ(ميفا)، وقد يكون مع تلك الكسـرة شيءٌ من السمن البلدي، أو لبن البقر أو الغنم، ويكون ذلك بمثابة وجـبـة الإفطار الذي يُسمى محليًّا بـــ (القَرُوع).

 

وما أن تنتهـي الأسـرة من تناول هذه الوجبة التي يتم خلالها توزيع المهام والأعمال المختلفة على أفراد الأسـرة بما يناسب أعمارهم، حتى يخرج الجميع بعدها لاستقبال يومهم الجديد بكل هِـمةٍ ونشاط، فيسيـرُ بعضهم إلى الـمزارع التي تُعرف عندهم باسم (البلاد) لـحرثـها وتقليب تربتها، أو ريها، أو تسويتها وبشْـرِها (تنقيتها من الحصى والحشائش والأعشاب وما في حُكمها)، والعناية بها وبحدودها وآبارها ومجاري المياه فيها، والبعض يتوجَّه إلى الـمراعي سارحًا بأغنامه، سواءً أكانت من الضأن أو الماعز أو غيـرها من الـمواشي؛ كالجمال والأبقار وغيـرها من الدواب، وهناك من يتجـه إلى البساتيـن المُنتشرة قريبًا من القرية لري غروسها، أو تقليم أشجارها، أو جنـي مـحاصيلها، أو غيـر ذلك من الأعمال.

 

والبعض الآخر وعادةً ما يكون قليلًا نسبيًّا يُبكِّرُ بالذهاب إلى سوق القرية القريب المعروف بـ(سوق سبت تُنُومة) والشهيـر بسوق (سَبْتَـان)، وهو السوق الأسبوعـي الذي يتوافد إليه الناس من القرى المجاورة كل يوم سبت في تظاهرةٍ أسبوعيةٍ كبيرة، إلا أن بعضًا من دكـاكينه الصغيـرة تظل تعمل طيلة أيام الأسبوع لتلبية بعض احتياجات الأهالـي اللازمة والضـرورية، فيكون هناك من الأهالي من يقصد هذا السوق لمزاولة مهنة البيـع والشِـراء إن كان معنيًّا بذلك، أو عرض بعض الـمحاصيل الزراعية كالبُـر، أو الذُّرة، أو الشعيـر، أو البِلسِن (العدس)، أو المنتوجات الحيوانية كالسمن والعسل لغرض مقايضتها مع غيـرها من السلع الأُخرى التي تدعو الحاجة إليها، وقد يكون الذهاب إلى السوق لغرض الالتقاء بالآخرين، وسماع الأخبار، ومعرفة المستجدات الحياتية، أو التشاور مع الآخرين في بعض الأمور والقضايا وما في حُكمها.

 

وما هـي إلا فتـرةٍ قصيـرةٍ حتى تأخذ الشمس في الشـروق وإرسال أشعتها الذهبية الدافئة على سطح الأرض، مؤذنةً ببدء ساعات النهار الأولى، في هذه الأثناء تكون النساء والفتيات الصبايا في المنازل يتفقدن المواشـي، ويُخرجنها من (السقائف)، وهي الغُرف السفلية في المنازل إلى الحظائر المجاورة للمنازل لعلفهنَّ وسقيهنَّ، ثم يتم حلب الإناث منهنَّ، والتأكد من إتمام عملية إرضاع الصغار منهن (البهم).

 

ومن النساء من يذهبـن لجلب الـمياه من الآبار على ظهـورهن إلى الـمنازل في قربٍ جلدية متوسطة الحجم، كما أن منهنَّ مَن تتولـى إحضار حِزَم الحطب اليابس من سفوح الجبال والأشعاف القريبة، وبطون الأودية والشِّعاب والـمراعي المجاورة؛ ليُستعمل في إشعال النار للطبخ والتـدفـئـة، أو لتوفيـر بعض الأعلاف التـي تقـتـات عليها الـموشي عند الحاجة، وبخاصةٍ في مواسم هطول الأمطار الغزيرة، وهي ما يُعرف مـحليًّا باسم (السَّبْرَة).

 

يُضاف إلى ذلك ما تُمارسه النساء في العادة من الأعمال الـمنـزليـة اليـومـيـة؛ كغسل الـملابس، وكنس الـمنازل وتنظيـفها، وترتيب أثاثها، وتزيـيـن جدرانها، وإعداد وطبخ الطعام، وطحن الحبوب داخل الـمنازل، والعناية بالأطفال، إضافةً إلى العناية بالدواجن وتفقُّد أماكن معيشتها في المنازل، ونحو ذلك.

 

أما الصبيان فينطلقون بقطعان الأغنام وغيـرها من الـمواشـي إلى الـمراعي القريبة لرعـيها هناك، حاملين معهم ما يُسمـى (الزويدة)، وهي كميةٌ قليلةٌ من الطعام والشـراب التـي تكفيهم بعض وقتهم الذي يقضونه في الرعـي، وفي التنقُّل من مكانٍ إلى آخر مع أغنامهم ومواشيهم.

 

وقد جرت العادة أن يكون مع أولئك الرعاة بعض العِصـي التي يستخدمونها لسوق الأغنام والمواشي، والتي قد يحتاجون إليها في الدفاع عن النفس أو عن القطيع، كما أنه قد يكون مع بعضهم سكاكين صغيرة تُسمى واحدتها (شَفرَة)، وتُستخدم لذبح الحيوانات في حالة تعرُّضها لأي خطرٍ قد يؤدي إلى نفوقها وهلاكها، فتكون بذلك حلالًا.

 

كما أن هناك بعض الصبيان الذين يُرافقون آبائهم فـي أعمالهم المتعلقة بالمزرعة، فيتعلمون منهم أسـرارها، ومهاراتها، وكيفياتها، ويكتسبون مع الزمن العديد من الخبـرات في كيفية التعامل مع مختلف الظروف والحالات.

 

وهكذا تَمُرُّ الساعات الأولى من النهار هادئةً وادعةً مشوبةً بشيءٍ من النشاط والـهمة والاستعداد لـمواصلة مسيـرة الحياة.

 

وباستعراضٍ سـريعٍ لأحد أمثلة نـمط الحياة اليومية فـي القرية التنومية ببلاد بني شَهر في الجنوب الغربـي من مملكتنا الغالية، نجد أن الأب يمكُث في مزرعته جل وقته؛ ليقوم بـخدمتِـها حرثًا وزرعًا وريًّا وتنقيةً، ونحو ذلك، أملًا في أن تجود عليه في نهاية الفصل بالـمحـصـول الـوفـيـر من الحبوب والثمار، ولكننا لا نلبث نراه يأخـذ بطرف ثوبه البـالي ليمسح قطرات العرق المتصببة من جبينه وهو يرفع رأسه المُثقلة بالهموم والأفكار، مناديًا على ابنه الشاب الذي يساعده في العمل بالـمزرعة؛ ليُـذكِّره بـحلول موعد صلاة الظهر، ثم يتجه بعدها إلى قربة الماء الجلدية المستندة إلى جذع إحـدى الأشـجـار الـمحيطة بالـمزرعـة، فيشـربُ من مائها البارد الزلال ليروي ظمأَه ويطفـئ حرارة شمس ذلك اليوم، ثم يتوضأ بكل تُؤَدة وطمأنينة، وما هي إلا لحظات حتى يكون ابنه واقفًا بجواره مستعدًّا هو الآخر لأداء الفريضة جماعةً في ظل إحدى الأشجار التي عادةً ما تكون في طرف الـمزرعة.

 

في هذه الأثناء تكون الأم في طريقها بين المزارع والحقول الخضراء حاملة طعام الغداء اليسير لزوجها وابنها، وما أن تصل إليهما حتى يكونا قد فرغا من أداء الصلاة، فيأخذ الجميع في تناول الطعام تحت ظل إحدى الأشجار وتبادل الأحاديث التي تكون في الغالب معنيةً بشؤون حياتهم الخاصة، وما إلى ذلك من أخبار قريتهم، أو متعلقةً بمزرعتهم الصغيـرة ومحصولها المرتقب، وما إلى ذلك من أمور ومجريات الحياة التي لا تخرج عن حدود قريتهم الصغيرة.

 

وما أن ينتهوا من تناول طعامهم حتى تلهج ألسنتهم بحمد الله تعالى والثناء عليه، وشُكره على النعمة، ثم تحمل الأم ما قد يتبقـى من الطعام وتعـود في طريقها نفسه إلى المنزل الصغير المتواضع، أما الأب وابنه فإنهما يأخذان مكانًا مناسبًا تحت ظلال الأشجار ويتـوسـد كل منهما ذراعه ويُمدِّد رجليه على الأرض في استرخاء، ويغطان في قيلولةٍ قصيـرةٍ لا يوقظهما منها غير حرارة أشعة الشمس التي تسقط على جسديهما بيـن الفينة والأخرى متسللةً من خلال أوراق وأغصان الأشجار التي ينامان تحتها.

 

وبانتهاء فترة القيلولة يعود الجميع بكل همةٍ ونشاطٍ لإكمال أعمالهم وأشغالهم في المزارع وما حولها بعد أداء صلاة العصر، وهنا تنطلق الأصوات العذبة التي تُردد بعض الأبيات الشعرية باللهجة المحلية بالتناوب بين بعض المزارعين في حقولهم، وبعض الرُّعاة في مراعيهم، وبعض المحتطبات من النساء في سفوح الجبال، لغرض حثِّ الناس على إنجاز أعمالهم، وإدخال البهجة والسعادة على نفوسهم، والإسهام في القضاء على الملل والرتابة ونحو ذلك.

 

ويظل الجميع على ذلك الحال حتى تقترب الشمس من الـمغيب وتوشك على الرحيل، فما يكون من الأب إلا أن ينهـي ما بين يديه من عملٍ، ويتجـه إلى حيث يكون ابنه فيأخذه من يده ويسير الاثنان بخطواتٍ وئيدةٍ هادئةٍ عبـر الحقول والـمزارع، وما بها من أشجار وشجيـرات تضج بأصوات العصافير والطيور العائدة إلى أعشاشها مع غروب الشمس، وأصـوات (ثغاء) الأغنام التي عادت إلى القرية من الـمراعي، ومن خلفها الصبية والرعاة، فلا يشعر الاثنان إلا وقد قادتهما خطواتهما إلى مسجد القرية الصغيـر، فيجدان عددًا من رجال القرية وأبنائها في حرم الـمسجد وهم ينتظرون ارتفاع صـوت الـمؤذن مناديًا لصلاة الـمغرب.

 

وخلال فترة الانتظار هذه كانت تدور بين الحـاضـريـن بعض الأحاديث الوديَّة التي لم تكن تتعدى حدود قريتهم ومشاكلهـا، واحتياجات مزارعهم ومتطلبات حياتهم البسيطة، إضافةً إلى ما كان يتخللها من سـردٍ لبعض الطرائف والنُّكات وما في حُكمها من الأحاديث التي تُعبِّرُ في مجموعها عـن مـدى سـعـادتـهـم ورضـاهم بنمط حياتهم وبساطة معيشتهم وتواضع دنياهم.

 

ويستمر ذلك حتى يتقدم المؤذن إلى قطعةٍ صغيـرةٍ من الحجر يعتليـهـا لترفعه عن الأرض قليلًا، عندها يسـود الـمكان صـمـتٌ عـجـيبٌ، وهدوءٌ شديدٌ، وسكونٌ غريبٌ، لا يُسمعُ فيه إلا صوتُ الأذان ينسابُ بكل خشوعٍ وطمأنينةٍ متسللًا عبـر الآذان إلى القلوب، فيبث فيها روح الإيـمان، ويجدد صلتها بالواحد الديان، وما أن ينتهي الأذان حتى يتجه الجميع إلى داخل الـمسجد في أدبٍ واحتـرامٍ، فيؤدون الصلاة جـماعةً ثم يسيـرُ كل فردٍ منهم إلى منزله؛ حيث يجد باقـي أفراد أُسـرته في انتظاره، فيأخذ الأب في مداعبة أطفاله وملاطفتهم، والتحدث معهم ريثما تُحضِّـر الأم وجبة العشاء الشهية بعد عناء ذلك اليوم، وما أن يفرغ الجميع منها حتى يكون موعد صلاة العشاء قد حان، فيخرج الأب مع أبنائه لأداء الصلاة ثم يعـود من يرغب منهم العودة إلى المنزل للنوم والراحة، أما من كان يرغبُ في السهر مع أقرانه، فإنه يذهب إلى أحد مـجالس السمر التي كانت تُـمارس فيها بعض الألعاب الخفيفة الـمُسلية، وتدور الأحاديث المُشبعة بروح الأصالة والشــهامـة والكرامة، مع شيءٍ من الطرافة والـمرح.

 

ورغم هذا كله، فإن مـجالس السمر تلك لا تدوم طويلًا، فما يلبث الـمجلس أن ينفض ويعود الحاضـرون إلى منازلهم ليجد كلٌّ منهم فراشه البسيط في انتظاره فيـرمـي بجسده المُتعب عليه، ويأخذ في ترديد بعض الأدعية الـمأثورة، ثم يُغمضُ عينيه مودعًا ذلك اليوم المليء بالعمل والجهد الشاق، ومؤملًا في فجر يومٍ جديدٍ مليءٍ بالخيـر والسعادة والنشاط.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة