• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صورتان

صورتان
د. جمال يوسف الهميلي


تاريخ الإضافة: 16/10/2021 ميلادي - 10/3/1443 هجري

الزيارات: 2253

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صورتان


على طاولةٍ مستديرةٍ وفي قمة جبل أخضر جميل اجتمعت الأسرة:

الأب بقميصه المتناغم مع ألوان الطبيعة وبنطاله الجينز الأزرق، والأم بلبسها المحتشم الذي لم يُظهر منها إلا عينيها، ومنى البنت ذات العشرين عامًا بلباسها الفضفاض، لكن يظهر منه وجهها كاملًا دون الشعر، وآدم الشاب ذو الخامسة والعشرين ببطلونه الأصفر وقميصه الأسود.

 

الكل يحتسي القهوة، ولكلٍ منهم قهوته الخاصة، وفجأة تظهر أمامهم امرأة كبيرة في السن شقراء بلباسها البسيط - بنطال وقميص أكمامه قصيرة - وهي تتحرك برشاقةٍ متسلقةً ما بقي من الجبل بخفةٍ ورشاقةٍ.

 

هذه بعمرك جدتكم، هكذا قال الأب.

آدم: لكن الفرق كبير بينهما، جدتي بالكاد تتحرك.

منى: وهذه تنطلق في الحياة تسافر تغير جوًّا، بينما جدتي لا تتحرك إلا قليل، وإن تحرك ذهبت للجيران والأقارب فقط.

الأب: عرضت عليها أن تسافر معنا، لكنها رفضت.

آدم: هذه العجوز مستمتعة، ولا تحمل همومًا، أظنها أدركت طبيعة الحياة، كما يقولون الدنيا ما تسوى.

الأم: لكن جدتكم أفضل وأحسن.

منى: طبعًا؛ لأنها جدتي.

الأم: ليس لأنها جدتك فقط، بل لأنها تفهم طبيعة الحياة، بلا مقارنة مع تلك العجوز.

الأب: أظنك تقصدين لأنها مسلمة..

آدم: نحن لا نتحدث عن الدين، لكن عن النظرة للحياة والتمتع بها، لاحظي الفرق بين الروح..

الأم: ومتى كنا نفصل الدين عن الحياة، أليست الحياة من الدين؟ فالكلام لا ينطبق على جدتكم فقط، بل على كل مسلم ومسلمة.

منى: نحن نقصد النشاط والحيوية، تلك العجوز منطلقة مستمتعة، وجدتي غالبًا في بيتها، وفي أحيانٍ كثيرة في غرفتها، أما أيهما أفضل عند الله فبلاشك المسلمة.

الأم: وهل يختلف ما عندنا عما عند الله؟

آدم: تلك مقاييس وحديثنا عن مقاييس أخرى، لا ارتباط بينهما.

الأم: بل هما شيئًا واحدًا؟

منى: ماذا تعنين!

الأم: أقصد أن المقاييس التي نتحدث عنها ترتبط بنظرتنا إلى الحياة وإدراك حقيقتها، وهناك فرقٌ كبير بين مَن يكون غايته الحياة فقط، وبين مَن تكون الحياة عنده وسيلة وليست غاية، فالأول يسعى بكل جهده للاستمتاع بها وبدون قيود - إلا ما ندر - والثاني يربط كل ما في الحياة بغايته الكبرى.

منى: وما الغاية الكبرى؟

الأمو الدار الآخرة، فكل ما في الدنيا يكون مزرعةً وقنطرةً للآخرة، وأيضًا حتى هذا الوسيلة (الدنيا) لها ضوابطها وقوانينها التي وضعها خالق الدنيا والآخرة.

آدم: ألا يمكن الجمع بينهما؟

الأم: ومَن قال أن بينهما تناقضًا، هما مكملان لبعضهما، فحياة الآخرة ثمرة حياة الدنيا، فعلى مقدار السعي في الدنيا تكون الثمرة في الآخرة؟

منى: لكن حتى أولئك يؤمنون بالآخرة؟

الأم: نعم، لكنه إيمان محرَّف، فالمسيحيون يكفي عندهم الذهاب إلى الكنيسة وطلب الاستغفار وبكلمات بسيطة يُغفر له، أو هكذا يظنون.

الأب: لكنهم سبقونا بمراحل فلا ينبغي لنا المكابرة والتعلق بالماضي وبالقيم النبيلة دون تطبيقها.

الأم: نعم سبقونا في الدنيا ونحن تخلفنا وتأخرنا بسب تقصيرنا، لكن هذا لا يعني الاستغناء والتنازل عن القيم النبيلة والعقيدة الصحيحة، لقد انبرهنا وسُحرنا بتلك الحضارة والبهارج والزخاف.

آدم: أظنك تقصدين أنهم بسبب تركيزهم على الدنيا فقط وبذل الجهد فيها، أصبح لديهم المبهرات من المآكل والمشارب والمصانع وغيرها التي جعلتنا نحاول تقليدهم فيها.

الأم: هذا جزء والجزء الآخر هو إدراك حقيقة الحياة واستيعاب طبيعتها والتعامل معها وَفق المنهج الرباني، وليس المنهج الإنساني الخالي من الوحي الإلهي.

منى: يعني ثقافة الهبرغر والكوفي والموضات والرشاقة والترفيه وغيرها، تلك التي نمارسها بشكل يومي خطأً؟

الأم: نعم، حين تستولي على حياتنا وتكون جُلَّ اهتمامنا، وتَحكم طبيعة علاقتنا مع الآخرين، بل تستولي على قلوبنا وهمومنا، وبعبارة أخرى نصبح عُبَّادًا لها.

الأب: ليس إلى درجة العبودية!!

الأم: العبودية ليس بسجود الجسد فقط، بل أشد منه سجود القلب واستسلامه لذلك؛ بحيث تكون هي الموجه لحركاتنا وحتى حبنا وبغضنا، ومن راقب السوشيال ميديا - وتلفتت إلى أبنائها - يعرف ذلك.

آدم: صحيح إلى حد ما ولكن ليس نحن.

الأم: كل واحد يقول: لست أنا، والحكم هو التدقيق في حياته ومراقبة رغباته، وملاحظة اهتماماته، وكيفية قضاء أوقاته، كم هو نصيب الآخرة في قلبه وعمله وميزانه؟ وما مدى يقينه بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: 64]؛ أي: الحياة الحقيقة، فالتمتع في الدنيا جميل، لكن بالقدر الذي لا يُلهينا ثم يُهلكنا.

آدم: أظن لك زمن ظروفه، فالزمن تغيَّر والبشرية تطورت، فلا نستطيع - نحن الجيل الجديد - أن نعيش كما عشتم.

الأم صحيح، الزمن تغيَّر لكن المنهج لم يتغيَّر والثوابت لم تتزحزح، فالدنيا تبقى دنيا والآخرة تبقى آخرة، والمصير لكل واحد محتوم، ونهاية الحياة للجميع هي الموت، لكن الأهم ماذا بعد الموت، بينكم صورتان: الأولى للمرأة العجوز وهي تمثل مَن جعل الدنيا غايته، والثانية لجدتكم الغالية وهي تمثل مَن جعل الآخرة غايته والدنيا وسيلة، ولكل واحدٍ منكم حرية الاختيار، لكن ... وصمتت قليلًا.

الأب: ولكن ماذا؟

الأم: لكن عليك تحمُّل نتيجة اختيارك، فالعبد...

وضع النادل الفاتورة على الطاولة.

الأم: هيَّا لقد تأخرنا.

نهض الجميع، وأثناء مغادرتهم نشروا الابتسامة على وجوههم، قابلهم أهل المطعم بابتسامة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة