• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صانع الأسنان

صانع الأسنان
جواد عامر


تاريخ الإضافة: 26/5/2021 ميلادي - 14/10/1442 هجري

الزيارات: 4611

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صانع الأسنان

 

كان رجلا قصير القامة، نحيف البينية، كأنه بقيَّة من جسدٍ لا الجسدُ كلُّه، تجَعَّد مُحَيَّاه فلا تكاد تَقْرَأ هندسةً في تقاسيم وجْهٍ ذي عينينِ غائرتينِ كأنما تجدان ملاذَهُما في مَحْجَريْهِما الذَّابِليْن كزهْرةٍ أتَتْ عليها الريح السَّموم ُفي صيفٍ يلفَحُ الوجُوه، شفتان تيَبَّسَتا كقطعتين من أعواد أتتْ عليها سِنون الجدْبِ تتحركانِ في صمْت من تحْت أنفه الأقْنَى كأنهما تتجاوبان مع حركات الخَلْعِ وهو يتفَرَّسُ بعينيه في الأفْواه ِالفاغِرَةِ المُسْتَسْلمةِ لأحد المُرتادين الذين ألِفوا خلْع أضْراسِهم وأسْنانهم التي نَخَرها السُّوسُ وعاث فيها فسادًا، يخْلعها بمهارة منقطعة النظير، أو يُرمِّمَها ترميما لا ينْكَسِرُ له الميناءُ فيمنحَها القوة َوالصَّلابة َمن جديدٍ، لقد كان كل سكان الحي وغيره من الأحياء القريبة يرتادونَ محلَّه الصغير، يجلسون على كراس خشبية تآكلت بفعل الأرضة التي عبثت بها، ينتظرون أدوارهم مطمئنين إلى "الحاج مبارك "، مثلما يطمئن له الآباء على أبنائهم حينما يطلبونه لختان الصبية، فهو صانع الأسنان وخاتنُ الصغار، يسْكُن إليه الكبار ولكن يهلَعُ منه الصغار، فمقصه حاد وكبير يخفيه وراء ظهره حينما يريد أن يشْرعَ في الختانِ، حتى أصْبحت جملته المكذوبة مشتهرةً على لسان الصبية: "انْظُرْ إلى الأعْلى هناك حَمامَةٌ " يقولُها وهُوَ يرْفَع عينيْه الغائرتيْن إلى السَّقْف لتنْطلي الحيلَة ُعلى كل صبي فيَسْتَلّ المقصَّ بخفَّةٍ وبراعَةٍ وينْجِزُ عمَلَه ُغَيرَ مُكْتَرثٍ لصَرَخاتِ الصَّبيِّ الذي يجِد فخِدَيْهِ مُضَرَّجَينِ بالدماءِ ليزداد ذهولُه من صنيعِ" الْحَجَّامْ " .

 

وتتعالى الزغاريد فرحًا بالإنجاز والصَّبيُّ المسكين يُقَلِّبُ عينيْه في الأرْجاءِ وهُما مُخْضَلتَّانِ بالدَّمع يبحث عن أبويه اللذين تركاه وحيدًا بين براثنِ" الحاج مبارك"، فهما لا يستطيعان في أغلب الأحوال النظر إلى فلذة الكبد والمقص الحاد يقطع جزءًا من جسده الغَضِّ لكأنَّما سيقطع أجزاء من جسديهما،... يضجُّ المكانُ كلُّه ويعجُّ بالحركة استعدادًا لتهيئَةِ العَذيرَة في حفل كبيرٍ ينتظرُ الحيَّ كلَّه، ..

 

كان "الحاج مبارك "رغم كبر سنه، ناطقًا بالعافية، لم تأتِ السِّنونَ السَّبعونَ على جَسدِه النَّحيفِ، الذي لازال رغم وَخْطِ المشيب لرأسه الأصْلع ولحيتِه الخفيفة جسدًا نشيطًا ينْبسُ بالحيويَّة والعُنْفوان، فاشتغاله كل يوم أكسبه نشاطًا فريدًا قد لا تُلفِيهِ في أبْناء العشرين والثلاثين، لذلك كان الكلُّ ينْظُر إليه بإعجاب واحترام، يجلس مُرتادُه ُعلى كرسيٍّ إسفَنْجِيٍّ سائلا إيَّاه عن موضِع الضِّرس أو السن التي تؤلمهُ، فيسلط ضوءًا من مصباح كاشف ثم يشرع في تخدير الموضع منتظرا لحظات حتى يسري المخدر في اللثة ويؤدي وظيفته وهو ينظر بعينيه إلى مرتاده فيقرأ فيهما السكينة المدفونة بداخلهما فيهدأَ روعُه ويستشعر أنه بين أياد أمينة ناطقة بخبرة السنين، لا خوفٌ عليكَ فأنت بين يديْ " الحاج مبارك "، لحظات ويُخْلَعُ الضِّرسُ بفنِّيةٍ عالية ودُربَة قلما تجدُها لدى صُناع الأسْنان الآخرين، يُحَرِّك آلة الخلع داخل الفم المفتوح جيئةً وذهابًا وأحيانًا صعودًا ونزولًا فيتحركُ الضرس من موضعه ويستسلم للحاج مبارك الذي يخرجه من مخْبَئِهِ مُعلنًا عن نقله إلى دار الفناء، يضعُ شيئًا من القطن في الفُتحة التي تركها إخراج الضرس لإيقاف النَّزف، فيشعُر صاحبُه بالرحمة الإلهية تتغشَّاه .

 

يضع "الحاج مبارك" أدوات العمل في مكان خاص قصد التعقيم فهو شديد الحرص على سلامة زبائنه، ليحين دور المرتاد الآخر الذي قد يكون من نفس الحي أو من حي آخر، فسمعته تخطت حدود حينا فكان الرُّوادُ يفدون إليه من دواويرَ نائيَةٍ، يقفون منذ الصبح الباكر منتظرين دورهم، فهم يعلمون أن "الحاج مبارك" صانعُ أسنانٍ ماهرٌ وله ُمن التجربَة والحُنْكَة ِفي هذا الميدان عقود طويلة أكسبته تجربةً فريدةً أكسَبَ شَيئا منها بدوره لمن تعلم على يديْه هاتهِ الحِرفة التي لم تكن في زماننا تحتاج ولوجا لمدرسة خاصة تعلم فنَّ صناعة الأسنان بقدرِ ما كانت تستلزم ممارسة عملية يكتسبها الحرفي بمرور السنوات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة