• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كالسكر في الشاي!

كالسكر في الشاي!
عبدالرحمن صبري


تاريخ الإضافة: 26/8/2018 ميلادي - 14/12/1439 هجري

الزيارات: 4967

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كالسكر في الشاي!


بالأمس بعد منتصف الليل، قُمْتُ لأُعِدَّ لنفسي فنجانًا من الشاي، ولفَتَ نظري جِدًّا بياضُ السُّكَّر وسوادُ الشاي، تَبايُنُ اللونينِ ذكَّرني بتبايُنِ طَعْمِيهما، فالأوَّلُ حُلْوٌ والآخرُ مُرٌّ، وكلاهما وحدَهُ لا يُجزئُ، فذلك المعشوقُ المصريُّ الأسمر ينشأُ باتِّحادِهما معًا؛ بل بامتزاجِهما سويًّا، وبالأحرى ذوبانُ الكلِّ في الكُلِّ، فيصيرانِ شيئًا واحدًا، ولحْمةً واحدةً، وبُنيانًا متماسِكًا، وكأنهما مقطوعةٌ كلاسيكيةٌ من الشِّعْر القديم، لا تكون إلَّا بوزنٍ وقافيةٍ، والخَلَل في أحد الركنين خَلَلٌ في الكُلِّ!

 

كأنهما مُخلصان تَعاهَدا معًا على البقاء أو الفناء، فبقاءُ أحدِهما بقاءُ الآخر، وفناءُ أحدِهما فناءُ صاحبه!

 

ترتشفُ الشاي يا صاحِ، فلا تتميَّزُ أي الجزيئات السُّكَّر، وأيها صاحبه ذو البشرة الخشنة السوداء، فقد اتَّحدا اسمًا ورسْمًا، ثم أقسما على الاتِّحاد مَخْرجًا وصِفةً!

 

قُلتُ لنفسي: تلك معادلةُ الحياة؛ فنحن نُولَد على الفطرة كمياه الشاي قبل أن تُستخدَمَ لغرضِهِ، ثم تمتزج بنا الألوان كُلُّها، وهي على اختلافِها، ذاتُ مغزًى صريحٍ ورسالةٍ موجَّهةٍ، فكُلُّ لونٍ لهُ معنًى، وكلُّ معنى له لون!

 

وكما أن أحدهم لا بُدَّ أن يُقلِّب المياه لتمتزج المحتوياتُ وتتوحَّد ويخرج الشاي بشخصيته الغامضةِ المعقَّدة بطريقة ما، فهو ساخِنٌ؛ لكنَّه مستساغُ الشُّرْبِ، غامقٌ؛ لكن ليس بالقاتِم، لا بالُحلْوِ المحْضِ ولا هو حامِضٌ، فنحن نتقلَّبُ في حوادث الدهر، وفَلَك الأقدار، يُحدِثُ بنا هذا الموقف نَدْبةً، وتلك المصيبةُ علامةً، وهذا التصرُّفُ لونًا!

 

وكلما كَبر الإنسانُ وازدادتْ خبراتُه، زادتْ تعاريجُ وجْهِهِ، فأنت حينما تُقابِل شيخًا كَهْلًا قد تكرمَش جِلدُه، وارتسَم على وَجْهِه خريطةٌ عشوائيةٌ تُظهِر بعض التضاريس، فلن تحتاج عالِمًا في الجغرافيا ليشرح لكَ مدلول الخريطة؛ بل تعرف من تلقاءِ نفسِكَ أنها خريطةُ التجاربِ والمواقف!

 

حياتُنا في المجمَلِ سُكَّرٌ وشاي، أو بالأحرى الأشياءُ ونقائضُها، فنحن دومًا نعيش معركة الأضداد، وصراع الأضداد؛ سعادةٌ وشقاء، وفِراقٌ ولقاء، لؤمٌ ونقاء، أعداءٌ وأصدقاء، مرضى وأصِحَّاء، أغنياءُ وفُقَراء، راحةٌ ونَصَب، استرخاءٌ وتعب، جافٌّ ورَطِبٌ، استقامةٌ وقتَب، خيرٌ وشَرٌّ، جميل وقبيح، أبيض وأسود، صالح وطالح!

 

حتى نحن كجنس بشري نتكونُ من متناقضين، أو بالأدق من مختلفين، فنحن ذَكَرٌ وأُنْثى، ولا بقاء لأحدنا إلَّا بالآخر!

 

لكن هذا التناقض يَصقُلُ الإحساسَ بجواهر الأشياءِ وماهيَّاتِها، فلله درُّ الذي قال "الضدُّ لا يُعرَف إلَّا بضدِّهِ، ويُخَرَّجُ بتعريفِ ضابطِه وحدِّه"، فإذا لم يُجرِّب أحدُنا لوعة الفِراق، فلن يستشعر حلاوة اللِّقاء، ولو لم يعرف أحدُنا الشقاء، فلن يُحِسَّ بطَعْمِ الراحة والاسترخاء، فبغير المتناقضات تُصبِح الحياةُ رتيبةً مملَّةً خاليةً من المعاني؛ لذا قالوا: لا يعرف الصِّحَّةَ إلَّا صاحِبُ السَّقَم!

 

واعلم يا صاحِ أن علامةَ البقاءَ التقَلُّبُ، فالشاي باقٍ لطالما يَد أحدِهم تُقلِّبُهُ، فإذا انتهى من طور التقليب، كانت تلك إشارةُ الفناء؛ حيث يُسارعُ أحدُهم بارتشافِه، ويُضحي عَدَمًا تُنْكِرُه الموجوداتُ... وكذلك نحن!

 

فنحن نظلُّ نتقلَّبُ بين الألوان والمعاني، ونختبر المواقف، ونكتسب الخبرات، حتى إذا أُغْلِقَتْ نوافِذُنا عن العوالم الجديدة، وأُوْصدت أبوابُنا دون التجربة، وتوقَّفَتْ نفوسُنا عن اختبارِ المجاهيل، وقلوبُنا عن الامتزاج بمشاعر مختلفة... كانت تلك النهايةُ قبل النهاية، والفناءُ دون الفناء، والعدمُ رغم رمقِ الحياة!

 

يا صاحِ، تقبَّلْ تناقُضاتِكَ، وامتزِجْ بها، واحترقْ معها وفيها، واعشقْها لتتجاوَزَها، قل لآلامِكَ: أهلًا لتشعُرَ بعدها بجمالية العافية، صافِح ابتلاءاتِكَ مصافحةَ الرجل للرجل، فتمضي وترتحل بلا رجعةٍ إن شاء الله، عِشْ نهارَكَ بطريقة، وليلَكَ بطريقةٍ أخرى، فتختلف عندك المتشابهاتُ، وتتخلَّصُ مِنْ كُلِّ رَتابةٍ ومَلَلٍ، تقبَّل شايَكَ قبل سُكَّرك، وسوادَكَ قبل بياضِكَ، وسَقَمَكَ قبل صِحَّتِكَ، وإيَّاك ثم إيَّاك أن تنسى ثلاثًا:

• المهام لا تنتهي.

• الواجبات لا تنقضي.

• لا راحة إلَّا في الجنة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة