• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الكرسي (قصة)

الكرسي (قصة)
حسن كشاف


تاريخ الإضافة: 29/3/2017 ميلادي - 2/7/1438 هجري

الزيارات: 5867

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكرسي


كانت الأم تحملق في صغيرها وقد ثبَّت عينيه على الصورة المعلَّقة، ودون أن تُحِس اغرورقت عيناها بالدموع، لكن شيئًا ما خفيًّا هتف في دواخلها، فمسحت عينيها بسرعة وزفرت زفرة طويلة، ملؤها الحسرةُ والخضوع، وقالت بصوت مهموس: الكرسي لا، الكرسي لا!

 

كانت هذه المرة الأولى التي تلاحظ فيها هذا المشهد، بدا لها الأمر خطيرًا، فأرَّقتها الهواجس عدة ليالٍ، واقتطعت من لذَّة نومها جزءًا ليس بالقليل.

 

هكذا وقف الصغير (حمودة) ذو العشر السنوات دون أن يحرك ساكنًا أو ينبس ببنتِ شفة، مثبتًا بصره على صورة كبيرة علِّقت على جدار البيت المهترئ، وقف حمودة في توازن تام، حتى تخيلت الأم تلك الوضعية التي يؤدون بها تحية العلم في المدرسة.

 

لطالما اعتبر "فضول" والد حمودة أن هذه الصورة هي مفخرة البيت، فهي تميِّزه عن "براريك الدوار" المتشابهة في كل شيء، حتى إنك قد تلج إحداها ظانًّا أنها بيتك، فقد بُنيت فوق أرض فلاحية من جدارين اثنين طويلين على طول الزقاق، ليتم فصلهما بجدار فاصل لكل بيت على حدةٍ، ويوضع بعدها باب لكل بيت بدون نوافذ ثم تغطى بالقصدير الذي يُحدث في فصل الشتاء أنواعًا من السمفونيات، وفي فصل الصيف حرارة لا تُطاق.

 

لاحظَت الأم أن حمودة تحرك خطوة إلى الأمام تجاه الصورة، حتى أصبح لا يفصله عنها غير بضع إنشات، وباشر التحديق من جديد، ممعنًا النظر في أدق تفاصيلها.

في تلك الفترة أرَّق الأمَّ سؤالٌ حول مدى معرفته أو جهله لمن في الصورة.

 

جعل هذا التأمل الفتى حمودة واثقًا بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الشخص ليس من هذا الكوكب، رغم أن له نفس الصفات الجسدية، فقد كانت لدى حمودة قناعة مُفادها أن العالم محصور في هذا الحي القصديري الذي يعيش فيه، قبل أن يُطلِق حمودة هذا الحُكمَ حاول أن يعقد مقارنة بين هذا الشخص الموجود في الصورة وبين صورة الرجال الذين تعرَّفهم، فلم يعثر إلا على صورة أستاذه؛ كأعلاهم قيمة ورفعة، انتهت هذه المقارنة بالفشل الذريع حين اكتشف حمودة أن لا مجال للمقارنة اعتمادًا فقط على المظهر الخارجي، فهذا الأستاذ قد قارب الخمسين أو يزيد قليلًا، خفيف الخطوات، نحيل القوام، لا يكاد يختلط عليك أمرُ إدراكه ومعرفته على بُعد أميال، فقميصه الأبيض وبنطاله الأسود صارا مقترنينِ به، حذاؤه مهترئ من كل الجوانب، وقد مال لونه في نهاية السنة إلى اللون البني الباهت بسبب التراب وبسبب المسافة التي يقطعها حين نزوله من سيارة الأجرة وصولًا إلى المدرسة.

 

وعلى حين غرة وهو يتذكر صورة الأستاذ أطرق برأسه إلى الأرض، وقد بدا بدون ملامح تمكن الأم من كشف خوالجه في تلك المرحلة من المقارنة التي انتقل بها إلى الرجل الموجود في الصورة، طرقت مخيلته كأول ملاحظة تلك الهيبة البادية على هيئته، وهو يتخذ ذلك الكرسي العظيم المرصع بالذهب الخالص، وقد أضفت عليه تلك الملابس المتناسقة الفائقة البياض هيبةً زائدة، ولعل ما شد حمودة لتلك الصورة وأثار إعجابه هذا الكرسيُّ الضخم الموجود في الصورة، ولو أنه كان حقيقيًّا ما استطاعوا إدخاله بيتهم.

 

أحست الأم أن عليها أن تتدخل وتصرف "حمودة" عن شروده الطويل، فتحرَّكت بخطوات بطيئة وبهدوء تام، مقتربة منه وهي تلامس شعره بعطف وحنان زائد، لكن حمودة كان غارقًا في المقارنة التي يعقدها، فنطقت الأم بأول كلمة منذ حوالي نصف ساعة، وقالت:

ما بك يا حمودة؟ لماذا تحملق هكذا في الصورة؟

صمت برهة ثم نظر إليها نظرةً اختلطت فيها ملامح البراءة بالغبن، نظرة تلمس فيها رغبة وإصرار طفل لامتلاك شيء، واستعطاف لكي يحصل على مراده.

أريد أن أجلس على كرسي كهذا، وأريد أن أرتدي مثل هذه الثياب الأنيقة.

 

سكت قليلًا تم استدرك متسائلًا: لماذا ليس لدينا مثل هذا الكرسي في بيتنا، ولا في بيت الخالة زبيدة، ولا في باقي بيوت "الدوار"؟ ولماذا لا يملك أبي مثلَ هذه الثياب؟

ظهر على ملامح الأم استغرابٌ شديد من طبيعة أسئلة ابنها، وواكب هذا الاستغرابَ عجزٌ عن الإجابة، ولأول مرة تحولت نظرات حمودة عن الصورة وتعلقت بالأم، فوجدت الأم نفسها في موقف محرج، فمرت فكرةٌ كالبرق بمخيلتها، فتمسكت بها الأم مستنجدة؛ علَّها تنقذها من هذا الموقف المحرج، فقالت:

إذا درست جيدًا وكنت متفوقًا، ستحصل على ما تشاء.

 

وسأحصل على هذا الكرسي أيضًا؟

عاد السؤال المحرج من جديد، هكذا همهمت الأم قائلة، وانحنت على ركبتَيْها، ووضعت يديها على كتفي حمودة، وهي تنظر في عينيه، ووجدت نفسها مجددًا مضطرة إلى صرف النظر عن سؤال الفتى المفحم وهي تتمتم بصوت غير مسموع وتحرك رأسها بالإيجاب:

ستدرك الحقيقة عندما تكبر يا بُني، ستفهم كل شيء، وستعرف أن هناك أشياء حتى الحلم في تحقيقها محرَّمٌ علينا.

 

منذ تلك اللحظة أصبح "حمودة" لا يطيل النظر كثيرًا في الصورة، ويكتفي بالوقوف أمامها متأملًا لثوانٍ معدودة وهو في طريقه إلى المدرسة، وكأنها أصبحت تمثِّل له مصدرًا للإلهام والتحفيز.

لكن حمودة تفاجأ بعد مرور يومين وهو عائد من المدرسة باختفاء الصورة، فبدا ثائرًا وغاضبًا وهو يتساءل عن مآلها.

 

أين الصورة؟ أين ذهبتم بها؟!

جعلت هذه الهستيريا التي تنتاب حمودة الأمَّ تطل برأسها من المطبخ ملطخة اليدين بالعجين، لكنها هذه المرة لم تكن مرتبكة ألبتة، ولا متهربة من أسئلة حمودة، وأجابت بارتياح كبير:

أخذها والدك أثناء وجودك بالمدرسة، وعندما يأتي اسأَلْه بنفسك.

كان رد الأم مهدئًا إلى حدٍّ ما من رَوع حمودة وفورانه، فلم ينبس ببنت شفة بعد جواب الأم، فرمى المحفظة في إحدى جنبات البيت، واتكأ على الحائط وتهاوى على الحصير، رافضًا الكلام أو تناول الشاي والخبز الذي قدَّمته له الأم.

 

لم يطل غياب الأب، حتى دخل يلهث مستنجدًا بالأم علها تساعده على حمل شيء كان يحمله وقد بدا ضخمًا، نهض حمودة من مكانه وقد بدت عليه ملامح الاستغراب، وتراوده تساؤلات حول ماهية ما جلب الأب معه، وقد عرقل وصولَه لكُنهِه كونُه كان مغلفًا بثوب من كل الجوانب، لقد سيطر الذهول على فكر حمودة فنسي أن يسأل أباه عن مصير الصورة والكرسي، وقاده الفضول إلى مساعدة أبويه في إزالة الثوب.

 

وأخيرًا أنهوا العمل، واكتشف حمودة المستور؛ إذ هي صورة تشبه الصورة القديمة وبنفس حجمها أو تزيد قليلًا، وبنفس الإطار الذهبي وبنفس الكرسي المصنوع من الذهب الخالص، ولكن اللافت للنظر والذي جعل حمودة في حيرة من أمره - أن الشخص الذي كان يجلس على الكرسي لم يكن ذلك العجوز الهرم الذي اعتلى الكرسي في الصورة المفقودة، بل يشبهه كثيرًا، فقد كان في الصورة شاب في ريعان الشباب، وقد بدا عليه نشاط وحيوية كبيرة، وهيبة العجوز ووقاره، ولكنه لا يشبه شباب "الدوار"، ولا أهله في أي شيء، وكان مصير المقارنة التي عقدها "حمودة" الفشل من جديد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة