• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صاحب الكوب (قصة)

محمد صادق عبدالعال


تاريخ الإضافة: 31/7/2016 ميلادي - 25/10/1437 هجري

الزيارات: 4470

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صاحب الكوب

 

كوب الماء غير الممتلئ عن آخره، المتَّخذ لون السَّماء حين تتلبَّد بالغيوم استعدادًا للمطر، والمستقرُّ على المائدة المستديرة المنزوية إلى ركن من أركان المكان - قد أزاغ أعين الجلَّاس إليه، وصاحبه ثاوٍ يترقَّب ويتعجَّب من أولئك الذين يرمقونه في هيِّن شرابه.

 

استدار بكامل هيئته عنهم متخذًا من متَّكئ كرسيه سترًا، فارًّا إلى ما يفر إليه الكثير لقطع مسافات الانتظار وغيابات الأفكار.

 

وقعت عيناه في المقابل على الجريدة التي كانت بيمين جاره، وقد سلَبه الخبر لذَّة الفرار:

كم تَشتكي وتقول: إنَّك معدمُ ♦♦♦ والكونُ ملكُك والسَّما والأنجمُ

 

وبنفس حجم الخط: "كهلٌ يعرض ماله لِمعاونة ذوي الحاجات"، وصورة الكهل بارِزة تبتسم، لم يعر ابتسامته ولا عَرْضَه اهتمامًا، وقال هازئًا: ومتى التفت أصحابُ الثروات إلى ذوي الفاقات؟!

 

خرج إليه الكهل من بين السطور، ولا زال على هيئة المبتسم:

♦ ألا تعرفني؟

 

لم يكلِّف صاحب الكوب رأسه المتعب أن يجول بساحة الذَّاكرة ليتذكَّر مَن يكون أو متى رآه، فأشار بكفه أن:

♦ لا، من تكون؟

♦ أنا صديق لوالدك قديم، وكنَّا زملاء دراسة وعمل، وهَب الله أباك البنين والبنات، ومنحنى المال، فبارك لي فيه وزادني في الثَّراء عن أبيك بسطة، وإنِّي لما أحسستُ اقتراب أجَلٍ لا أستطيع له ردًّا، وموعد لا طاقة لي بعاقبة أمره، غلبتُ نفسي وقلت: أتخفَّف مما في جيوبي.

 

♦ وما عساي أن أفعل لك، ألا تراني وترى الناس؟

♦ عزمت على ألا أترك ذا حاجةٍ إلا وقد عاونتُه، ومن تداعت عليه الهموم وكبَّلته الديون، فأصبح يتوارى من الناس من سوء ما تكبَّل به، وما وجدت أقرب منك كي أبدأ به.

 

♦ تهلَّل وجه صاحب الكوب، واختفى عبوسه، ثم قال:

♦ سمعنا مثل هذا كثيرًا، لولا أن تركتنا نَنعم بما تبقَّى لنا، فتكون قد عاونتنا؟!

♦ صدقني يا بني، أنا لا أخدعك ولا أداهنك، وماضٍ بإذن الله فيما أقول، وملزِمٌ نفسي، وما عليك سوى أن تتبَعني قليلًا من الوقت، وتعود أدراجك مرضيًّا.

♦ هيا يا بني، هيا لا تضيع الوقت.

 

فانطلقا... حتى إذا أتيا باب بيت، قال له صاحب الكوب:

♦ لعلَّه بيتك؟

♦ لا، إنه بيت صاحِب حاجة ومريض، سوف أعرج إليه ولن أغيب، ألا ترافقني وتنال مثوبة العيادة؟ هيا يا بني ولك الأجر بإذن الله.

 

دخلا، فإذا بصاحب الباب طَريح الفِراش، وقسطرة البول تتدلَّى من تحت ثيابه، فيسأله الكهل:

♦ كيف حالك؟

♦ بخير وفي أحسن حال.

♦ الحمد لله الذي لا يُحمد على مَكروه سواه، هل عثر على من سيتبرَّع لك بإحدى كليتيه؟

♦ نعم، والحمد لله، لكنه يطلب مبلغًا ليس بالهيِّن ولا اليسير.

♦ كم يطلب؟

♦ مائة ألف أو يزيد!

♦ أَكْفلنيها - بإذن الله - ولا تبتئس.

♦ جعلك الله عونًا لمن أزهقَتهم الشدائد.

♦ أتركك الآن؛ فإن ولدي هذا له حاجة ويتعجَّلني.

♦ بارك لك الله فيه.

♦ يظنك ولدي! ها وقد أقرَّ بأنك ولدي.

 

انطلقا حتى إذا لقيا مسنًّا، استوقفه الكهل يصافِحه ويضمه إليه:

♦ كيف حالك بعدما صار الأمر إلى ذلك؟

 

غض المسن طرفه ينظر في الأرض خجلًا:

♦ ليتني لم أنجبه، ليت أمه لم تلِده؛ ذلك الذي بَلَّغني الكِبر قبل أوانه، وأشعل برأسي الشيب.

♦ لا تقل هذا، هو ولدك، زرعك الطيب بإذن الله.

♦ لو كان طيبًا ما فعل فعلته!

♦ لم يفعله عن أمره؛ إنه قتل غير قاصد ولا متعمد.

♦ وما الفائدة؟ فأهل المقتول يتربَّصون به، فأحترِق في اليوم ألف مرَّة، حتى تمرغت لحيتي البيضاء بساحتهم؛ إرضاءً لهم وقبولًا بالدية، حتى وافقوا كراهية، وفرضوا مَغرمًا فادحًا.

♦ أمر المال هيِّن، فكم يطلبون؟

♦ بعد اجتهاد ونَصب توصَّلنا لثلاثمائة ألف لزامًا عليَّ.

♦ لا تحزن أنا بها زعيم وكفيل.

♦ أعانك الله، إنَّه ولدي وأنا المخطئ لست أنت حتى تطوق بها.

♦ هب أنه ولدي، وهل لنا بعد أبنائنا من ثروة يعتدُّ بها؟! "فالمال ظِلٌّ زائل، وعارية مسترجعة".

♦ بوركت يا صاحب الفضل، وأطال في عمرك مَن بيده المقادير.

 

رأى الكهل في وجه "صاحب الكوب" عبوسًا كسابِق عهده به، فقال مهوِّنًا:

♦ لم يبق لنا سوى بيت نَزوره، ثمَّ نرد إلى بيتنا، فتنال حتى ترضى، فتجرع معي صبرًا!

 

فانطلقا حتى إذا ولجا بيت أعمى، أقبل الكهل يصافِحه وينحني عليه:

♦ أيها المستبصر بما غم على أصحاب البصائر، كيف حالك؟

♦ بخير، والحمد لله.

♦ خبر سوف يسعِدك.

♦ أيُّ خبر؟

♦ دار للعيون تجري عمليات الإبصار بكفاءة عالية، لولا أن تكاليف الجراحة باهِظة.

♦ متلهفًا: إليَّ بها أدفَع جلَّ مالي وأرى الشمس ووجوهَ العيال، كفيل أنا بألف ألف من الجنيهات.

♦ كن على تواصل بي مساء اليوم أخبرك تفاصيل الأمر، والله المستعان.

 

صافحاه ثم انصرفا، قال "صاحب الكوب":

♦ تعبَت قدمي، وصدري قد اعتلَّ من مريدك، وما أظنك إلَّا تحتال علي، فإما أن تصدقني الوعد، وإمَّا أن تتركني أعود.

 

♦ يا بني، ما كذبتُك وعدي، فتلك داري، وأسوارها حجاب بيني وبينك؛ أمهلني حتى أصعد وآتيك بما يكفيك ويرضيك:

♦ أيكفيك مائة ألف؟

كَلح وجهه وبسر.

♦ إذًا، ثلاثمائة ألف قد تنعش حالك.

زال العبوس وما تهلَّل وجه صاحب الكوب.

♦ إذًا لا طاقة لي سوى أن أهبك ألف ألف كصديقي الكفيف، سأصعد ولن أغيب.

ولج الدَّار، ووَقْع نعاله يدوي في أذن "صاحب الكوب"، وما بين القرعة والأخرى تجول برأسه الأفكار، يتذكَّر مَن مَرَّ بهم في رحلته، ومن تعاورت عليهم المصائب والمِحن حتى توقف وقع نعال الكهل كأنَّه وصل إلى خزانة بيته، ثمَّ عاد الصوت من جديد يعلو مع اقترابه!

 

إنه قادم! تذكر النص الأعلى: ﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾ [النجم: 24]، فصاح:

♦ لا أتمنى، لا أتمنى، الحمد لله، الحمد لله..

ثم فرَّ خائفًا يقبض على كوبه غير الممتلئ عن آخره، المنظور من أعين الناس، يرفعه إلى فِيه، لكن صوت المذياع يذكره:

♦ وعلى المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة