قبس من الصحراء (قصيدة)

قبس من الصحراء

يا نخلةَ الصبر في عُرجونكِ الكرَمُ

والنَّخوة البِكْر في الأكمامِ والعِظَمُ

مدَدْتِ نحو السَّما كفًّا تُصافِحُها

فأشْرقتْ قُمُرًا في طلعها النُّجُمُ

ممشوقةَ القدِّ مَهْوى القِرْطِ مُبْتعِدٌ

حسْناءُ تهْفو إليها العُرْبُ والعَجمُ

يا نخلُ يا مُكْرِمَ الأبدانِ طيعَةً

فيك الأنامِلُ لا قبْضٌ ولا برَمُ

بسطْتَ كفَّكَ مِعْطاءً على عجَلٍ

أنْعِمْ بكفٍّ بها تُستَعْجَلُ النعَمُ

لَلْخيْر مِنْكَ نَضيدٌ كالغيثِ مُنْهمِرٌ

منهُ الوَرَى في الرَّخا والعسر قد غَنِموا

فاضتْ ينابيعُ من خيراتِه نُهُرًا

وأثْمرتْ رُطَبًا تَزْهو بها الكمَمُ

طلعٌ نضِيدٌ تَجلَّى في تَناسُقِهِ

صُنْع الإلَهِ وحُسن الخَلْق مُرتسِمُ

رشاقةُ القَدِّ في طولٍ وفي فرَهٍ

والشعر مُنسَدلٌ تَحْلو بهِ اللمَمُ

أعْظِمْ بصُنع الإلهِ يُسْدل السَّعفَ

قصائدَ العشقِ تبْري منْ بهِ سقَمُ

يا نخلُ منك النَّدى مبارَكٌ دُرَرًا

تلألأتْ خَرَزًا في العقْدِ تَنتَظِمُ

لكم سددْتَ الطَّوى في عِزِّ مَسْغَبةٍ

أتَتْ كأنَّها السيْل الجارفُ العرِمُ

فَجَرَّ أذْياله منْ خيْبةٍ أَسِفا

والكُمُّ مُنْتصِرٌ والجُوعُ مُنهزِمُ

بورِكْتَ لمَّا النبيُّ شادَ مسْجِدهُ

منْ جدْعكَ الغُرِّ والإيمانُ مُبتَسِمُ

ومريمُ الطُّهْرُ لمَّا جاءَها الوجَعُ

تسَّاقطَ الدُّرُّ لا عسرٌ ولا ألمُ

تَهُزُّ والوحْيُ يُهْديها إلى حُلمٍ

ليغزل النور إنجيلًا هُوَ الحلُمُ

وسُبْحَةُ الطَّلعِ تُرخي التَّمر مُحْتَرِقًا

منْ شَوقِه أمَلًا في لمسةٍ يهِمُ

يا نخل يا قصةً في البيداء مُلهمةً

للشعرِ أغنية عُنوانها الحِكَمُ

وعزَّةُ النفسِ والإيثارُ مقْصِدُها

والصبر والحزم والشموخ والكرَمُ

يا من بجُرْحِ الهوى فُؤادُه نَفثا

دمًا منَ الْبَيْن ليْس يرْتَضيهِ دمُ

خُذْ من حكايا النخيلِ الصَّبْر والجَلَدَا

وافطم هواك لَعمري سوف ينْفَطِمُ

إن الجراحَ أطالَ الدهرُ أم قَصُرا

حتمًا إذا صَبَرتْ لسوف تلتئمُ

يا نخلُ يا مُعَلِّمَ الورى شِيمًا

بغيرِ مدرسة في البيْداء تعتصِمُ

لَئنْ يَكُ الثَّمْرُ في الأشجارِ مُخْتلفًا

ألْوانُه نِعَمًا فكُلُّكَ النعَمُ

يكفيك من عِظَمٍ أنَّ الإلهَ جرَتْ

في وحيِهِ كِمَمٌ يَحْلو بها القسَمُ

وأنَّ الجنانَ بذاتِ الطَّلْعِ في حُلَلٍ

للمؤمنين جزاءً هُيِّئَتْ لهُمُو

بوركْتَ يا أُفُقًا اخْضَرَّ في شَفَقٍ

لمَّا ذُكاء بموجِ اللَّيلِ تَلتطِمُ

يا منْ مُناه الصِّبا وَسْمًا بِهَيْئَتِهِ

إنَّ النخيلَ لَيحْيِي منْ بهِ هرمُ

والعودُ يغْدو قويًّا في صَلابَتهِ

كالصَّلْدِ في الفَلَواتِ ليس ينقسمُ

فكُلْ هنيئًا مريئًا من دَوَا الرُّطَبِ

هي الطبيبُ يداوِي من بهِ سَقَمُ

أضف تعليقك:	إعلام عبر البريد الإلكتروني عند نشر تعليق جديد
الاسم
البريد الإلكتروني	(لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق	رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي