• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / فن الكتابة


علامة باركود

ميلاد أديب!

ميلاد أديب!
لطيفة أسير


تاريخ الإضافة: 5/4/2016 ميلادي - 26/6/1437 هجري

الزيارات: 5601

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ميلاد أديب!


"الإنسان ابن بيئته"؛ عبارةٌ دَأَبنا على ترديدها، ولامسَتْ بواقعيةِ معانيها جانبًا مهمًّا في فَهم الشخصية الإنسانية؛ إذ هي اختزال لسَيْرورة حياة المرء، وبناء شخصيته الإنسانية، التي تتشكَّل ملامحها انطلاقًا من البيئة التي تنشأ فيها، فتتطبَّع بطباعها، وتتَّسِم بخلالِها، ومهما تضافرت الأسباب في تأسيس البناء العام لكل شخصية، فإن النشأة الأولى يبقى لها عظيم الأثر، والطبع يغلب التطبُّع؛ لهذا قال وِجدان العلي في كتابه الماتع (ظل النديم)؛ ص 15: "تشتبك كثير من الأسباب في بناء النفس ورصف لَبِناتها في جدار الحياة، ولا ريب أن للنشأة الأولى ظلالها التي تمتدُّ في شِعاب النفس بامتداد عمر الإنسان في هذه الدنيا".

 

وإنْ نحن تتبَّعنا نشأة بعض الأدباء، فسنجد أن بيئة الكثير منهم كان لها دور فعال في صَقْل مواهبهم، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم البيانية واللغوية، وأقصد بالبيئة هنا المحيط الأُسري تحديدًا؛ إذ تحت سقف بُيُوتات الأدباء وبين أحضان أُصولهم وبساتين معارفهم أينعَتْ تلك البذور وآتت أُكُلها بإذن ربها.

 

وهاؤُم بعض النماذج تدعم صحة هذه المقولة، وتؤكد أن الإنسان عامة والأديب خاصة نِتاج تربية يُلقَّنها إبان طفولته، ومدرسة يتنقَّل بين فصولها ويترعرع بين أحضانها وهو يرتقي في حياته الدنيا؛ فالمنفلوطي مثلًا نشأ في: "أسرة حُسَينية النسب، مشهورة بالتقوى والعِلم، نبغ فيها من نحو مِائتَيْ سنة قضاةٌ شرعيون ونقباء، ونَهَج المنفلوطي سبيل آبائه في الثقافة، والتحَقَ بكُتَّاب القرية كالعادة المتَّبَعة في البلاد آنذاك؛ فحفظ القرآن الكريم كله وهو في التاسعة من عمره، ثم أرسله أبوه إلى الجامع الأزهر بالقاهرة، تحت رعاية رفاق له من أهل بلده، فتلقى فيه طَوال عشر سنوات علوم العربية، والقرآن الكريم، والحديث الشريف، والتاريخ، والفقه، وشيئًا من شروحات على الأدب العربي الكلاسيكي، ولا سيما العباسي منه"؛ (الموسوعة الحرة).

 

وأمير البيان مصطفى صادق الرافعي لم يشذَّ عن هذه القاعدة؛ إذ كان لأسرته الفضل في توجُّهه الأدبي وتفقهه الديني؛ حيث نشأ نشأة تقليدية؛ "القرآن والدين هما المادة الأولى في هذه المدرسة العريقة... فاستمع إلى أبيه أول ما استمع تعاليم الدين، وحفظ شيئًا من القرآن، ووعى كثيرًا من أخبار السلف، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين"؛ (حياة الرافعي، ص 28)، وقد كان للمكتبة التي أنشأها والده الفضل في تميُّزه وبراعته في الأدب؛ يقول محمد سعيد العريان: "كان لأبي الرافعي مكتبة حافلة تجمع أشتاتًا من نوادر كتب الفقه والدين والعربية، فأكبَّ عليها إكباب النَّهِم على الطعام الذي يشتهيه، فما مضى إلا قليل حتى استوعبها وأحاط بكل ما فيها، وراح يطلب المزيد"؛ (حياة الرافعي، ص 31).

 

ويزيدنا العريان توضيحًا في بيان قيمة هذه المكتبة في حياة الرافعي؛ فيقول: "كانت مكتبة الرافعي في هذه الحِقبة من تاريخه هي دنياه التي يعيش فيها؛ ناسُها ناسه، وجوُّها جوه، وأهلُها صحابته وخِلانه، وعلماؤها رُواته، وأدباؤها سُمَّاره، فأخذ عنها العِلم كما كان يأخذ المتقدمون من علماء هذه الأمة عن العلماء والرواة فمًا لِفم، فنشأ بذلك نشأة السلف؛ يرى رأيهم، ويفكر معهم، ويتحدث بلغتهم، وتستخفه أفراحهم، وتتراءى له أحلامُهم)؛ (حياة الرافعي، ص31).

 

أما العلامة أبو فهر محمود محمد شاكر، فهو سليل أسرة راسخة في العلم والأدب؛ فوالده العلَّامة القاضي الشَّريف محمد شاكر رحمه الله، وكيل الأزهر وشيخ علماء الإسكندرية، وأخوه المُحدِّث العلامة القاضي الفقيه أحمد محمد شاكر رحمه الله، يقول وِجدان العلي: "كان محمود شاكر ممَّن صحبوا أهل العلم والفكر والأدب الكبارَ في زمانه؛ فمنذ كان صغيرًا وهو يرمق قادة ثورة 1919 وأهل الفكر والرأي والأدب، فنشأ محمَّلًا بهذه الكلمات الكِبار في هذا الجو العلمي والفكري الصاخب، متعلقًا بأمثال العلامة السيد بن علي المرصفي؛ صاحب (رغبة الآمل من كتاب الكامل) و(أسرار الحماسة)، وهو شيخه الذي أثَّر فيه تأثيرًا كبيرًا في فَهم الأدب، والإصغاء إلى الحرف، والنفوذ إلى أسرار العربية ومُسامَرة معانيها"؛ (ظل النديم، ص 16)، كما فتح عينيه على (مكتبة مليئة زاخرة بالكتب في مختلف أنواع المعارف والعلوم العربية).

 

وشيخُنا أديب الفقهاء وفقيه الأدباء علي الطنطاوي، يقول مُتحدِّثًا عن نفسه في كتابه (في سبيل الإصلاح)، ص 22: "نشأتُ مِن صِغَري بين كتب العربية والدين، وربيت في مجالس العلم والأدب؛ لأن والدي رحمه الله كان من كبار علماء دمشق، وكانت دارنا من الدور العربية العريقة في العلم، فلم تكنْ تخلو يومًا من مراجعات أو مناقشات، ونظرٍ في الكتب، ومقارعاتٍ بالحُجَج).

 

فهذا النَّزْر اليسير من النماذج التي سُقتها، يعطيك انطباعًا لا يخالجُه شك، وقناعة لا يخالطها رِيبة، أن الأديب حين تَحُفه بيئة ناضجة عالمة ومثقفة فإنه يُبدع ويتألق، فيكون حقًّا ابن بيئته التي أحسنت احتضان فِكره، وأنبتَتْه نباتًا حسنًا، وأَوْلته من الرعاية والاهتمام ما جعله ينطلق في سماء الإبداع دون قيود، وأيُّ لبيبٍ يجد أبواب الجِنان مشرعة بين يديه فيبغي عنها حِولًا؟!

 

لكن ما حالُ أولئك الذين وهَبَهم الله قريحة مبدعة، ورغبة سامقة، في تسلق مدارج السالكين؛ للوصول لدروب العارفين؛ لكن ابتلاهم الله ببيئة تُثبِّط عزائمهم، وتَفُل حديد إرادتهم؟ "كيف يمكن للأدباء والشعراء أن يُبدعُوا ويتألقوا ويأتِيَهم الإلهام في بِيئة لا ماء فيها ولا شجر، كل ما هنالك مستنقَعات قَذِرة، وبِرَك نتنة، وكائنات بشرية تفوح منها رائحة الفقر والكآبة والتعاسة والشقاء، كأنهم طحالبُ الوِديان الراكدة، انبثقوا من مجتمعات لا تقرأ، ولا تُحِب أن تقرأ، ويؤذي نفوسَها أن يقرأ الناس!"؛ كما يقول الأديب ربيع السملالي في كتابه (نبضات قلب) ص 12.

 

إنها حقًّا معضلة تثير الشجن، وتُسكَب لأجلها العَبَرات، تحسُّرًا لحال أولئك المغمورين، الذين وُلدوا وبداخلهم حياةٌ وَأَدَتها ظروفهم القاسية، وأزهقَتْها رويدًا رويدًا، فعاشوا الغَبن والقهر والإحباط، وتعايشوا معه، دون أن يستطيعوا التحرر من تلك القيود التي كبَّلتهم وأذابت شموع إبداعاتهم، فماتوا دون أن يأبهَ بهم أحد.

 

بيْدَ أن مِن هؤلاء مَن رفض أن يكون ابن بيئته، فثار ضدها، وسبح ضد تيار الجهل والفقر، وسعى للخروج من شَرْنَقَتهما، حتى ذاع صِيتُهم، وتردَّد اسمهم على كل الشفاه عبر العصور، بل صنعوا من بيئاتهم المُثبِّطة دافعًا أقوى للانعتاق منها؛ لأن الفقر كما يجعلك حزينًا يجعلك حكيمًا.

 

فالجاحظ وليد بيئة فقيرة، حالت دون متابعته للتحصيل العلمي، فكان يبيع السمكَ والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورَّاقين في الليل، فيتفرَّغ للقراءة ما وَسِعه ذلك.

 

وأبو الطيب المتنبي كان والده سقاء، ولكنه ثابر حتى ارتقى سُلَّم المجد، وغدا أسطورة من أساطير الأدب.

 

والعقاد وغيره كثير ممن لم تُسعِفهم الأقدار أن ينشؤوا بين أحضان أُسَرٍ بها علماء أو أدباء، لكنهم شَقُّوا طريقهم بجهودهم الشخصية، وأثبتوا كفاءتهم حتى بَزُّوا غيرهم؛ يقول الأديب المغربي ربيع السملالي: "من أكبر نِعَم الله عليَّ أنني انبثقتُ من بِيئة لا علاقة لها بالعلم، ومن مجتمع لا حظ له في حقول المعرفة؛ فحُبِّب إليَّ العلم والعلماء، والأدبُ والأدباء، حُبًّا ملكَ عليَّ شَغاف قلبي الصغير حينذاك".

 

فهؤلاء عِشق العلم والأدب أخذ بتلابيب قلوبهم، وتَقَفِّي أثر النُّبَغاء كان حُلمهم؛ لذا لم تَحُلْ بيئتهم الصعبة دون بلوغ مرامهم:

ومَن تَكُن العلياءُ هِمَّةَ نفسِهِ ♦♦♦ فكلُّ الذي يَلقاه فيها مُحَبَّبُ

 

لذا؛ لم يكونوا بحاجة لأمر أكثر من هِمة عالية، ونفس أبِيَّة، لا ترضى من الغنيمة بالإياب، يقول المنفلوطي: "يا طالب العلم، أنت لا تحتاج - في بلوغك الغاية التي بَلَغها النابغون مِن قَبْلك - إلى خُلُق غير خُلُقك، وجوٍّ غير جوِّك، وسماء وأرض غير سمائك وأرضك، وعقل وأداة غير عقلك وأداتك... ولكنك في حاجة إلى نفس عالية كنفوسهم، وهِمَّة عالية كهِمَمهم، وأملٍ أوسَعَ من رقعة الأرض، وأرحَبَ من صدر الحليم، ولا يقعدنَّ بك عن ذلك ما يهمِس به حاسدوك في خَلَواتهم؛ من وصفك بالوقاحة أو بالسماجة؛ فنِعم الخُلُق هي إن كانت السبيل إلى بلوغ الغاية؛ فامضِ على وجهك، ودَعْهم في غيِّهم يعمهون".

 

وأيًّا كانت البيئة - محفزة على الإبداع أو منفرة منه - فإن هؤلاء الأدباء المبدعين الذين سُقت أسماءهم في عُجالة، أَثبَتوا أن الإبداع بقدر ما يكون موهبة بقدر ما يحتاج لهِمَّة عالية، وصبر شديد، ومثابرة واجتهاد، فمَن حَظِيَ ببيئة محفِّزة فذاك السعيد الذي هيَّأتْ له الحياة أسبابَ النجاح، ونادتْه أجواءُ الإبداع قائلة: "هَلُمَّ اركب معنا"، ومَن لم يَظفَر بذلك فهو المكافح الذي تُقلَّد له كل الأوسمة، ويشار إليه بالبَنان وتدبج لأجله أجمل التحايا؛ لأنه هتك جدار المستحيل، ونَحَتَ في الصخر اسمَه بفكره المستنير، واستماتته وقوة إرادته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- دمتِ راقية ..نائلة
لطيفة أسير - المغرب 06-04-2016 12:48 AM

حفظك الله وبارك فيك صديقتي الطيبة نائلة .

1- تألق
نائلة بن سلامة - تونس 05-04-2016 11:22 PM

نص فاخر جدا وهدفه سام تحفيز ذكي راق على القراءة والصبر عليها. عرض الأمثلة دل على جهد حقيقي وبحث جدّيّ. تحياتي لك صديقتي

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة