• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

دفاع عن النحو والفصحى (3)

دفاع عن النحو والفصحى (3)
د. إبراهيم عوض


تاريخ الإضافة: 22/3/2015 ميلادي - 1/6/1436 هجري

الزيارات: 3701

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دفاع عن النحو والفصحى (3)


.. ومعروف أن الدعوة إلى العامية ذات تاريخ معروف ومريب في العصر الحديث، وقد تولى كِبْرَها عددٌ من المستشرقين والمبشِّرين ومَن جرى في ذيلهم من أبناء جِلدتنا الذين يتسمَّون بأسمائنا، لكنهم يَطْوون كشوحَهم على مستكنة من الحقد على الإسلام ولسانه العربي الذي تشرف بكتابه الكريم، وإن الإنسان ليتساءل: ترى أية عامية تلك التي يريد هؤلاء أن يُحلُّوها محل الفصحى؟ إن العاميات العربية لا تكاد تحصى[1]، ومعنى هذا أن يصبح للعرب لغات بعدد أقطارهم على أقل تقدير، وبدلاً من أن يظلوا أمة واحدة سيضحَوْن أممًا تقارب الخمس والعشرين، ثم إن كل عامية من هذه العاميات، بعد أن تستحيل فصحى، سوف ينشعب منها بدورها عددٌ غير قليل من العاميات يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، ويَجرون في استخدامهم إياها على السَّليقة أو ما يشبه السَّليقة[2]، على حين يجب عليهم أن يتعلموا قواعد الفصحى التي سوف تضيق بها صدور نفَرٍ من أبنائها، كما يضيق صدر زكريا أوزون وأمثاله بقواعد الفصحى الحالية، ويَدْعون إلى اطِّراحها واستبدال إحدى عامياتها بها... وهكذا دواليك، فهل يصبح قدر لغتنا أن تتغير كل عدة أجيال؟!

 

وإن القول بتحول العامية عند اتخاذها لغة للكتابة والأدب إلى فصحى وتولد العاميات منها بدورها ليس كلامًا نظريًّا، فعندنا مثلاً اللاتينية التي كانت فصحى كثير من الأمم الأوربية لأجيال وأجيال، وكان لها عامياتها المختلفة، ثم لما اتخذت كل أمة من تلك الأمم إحدى عامياتها فصحى لها تستعملها في آدابها وكتاباتها؛ كالفرنسية والإيطالية والإسبانية، أصبح لكل واحدة من هذه اللغات بدورها عدة عاميات، فإذا ما وقع ذلك للغتنا، لا قضى الله به[3]، فعندئذ تنفصم عروةٌ مِن عُرَى الأخوَّة الوثقى بين الشعوب العربية، وعندئذ لن يكون هناك مجال لاستخدام عبارة مثل: "القُطر الجزائري الشقيق"، التي وردت في كلام المؤلف عند تجرِبته مع اللهجة الجزائرية مما مر آنفًا؛ إذ ما الأساس الذي ستستند إليه تلك الأخوة الشقيقة بين الشاميين والجزائريين إذا ما نُسِف الأساس اللغوي وأصبح كل من الطرفين يتكلم لغة غير اللغة التي يتكلم بها الآخر، ولم تعُدْ هناك إمكانية للتفاهم اللغوي المباشر بينهما؟

 

إن اختفاء الفصحى سوف يعقبه انفراط العاميات العربية المختلفة، كما تنفرط حبات المسبحة بانقطاع السلك الذي ينتظمها، فتنطلق كل منها في مدار خاص بها بعيدًا عن مدار كل لهجة من اللهجات الأخرى، بعد أن كانت جميعها تدور حول الفصحى، وتحُور إليها، بحيث يمكن لأي فرد من أي شعب عربي، بعد قليل من الزمن والجهد، أن يفهم لهجة أي شعب آخر من خلال ربطها بالفصحى، التي هي بمثابة الأم لكل هذه اللهجات، وتفسيرها في ضوئها، وهذا بالضبط ما حدث للعاميات اللاتينية، التي أصبحت لغات مستقلة ينبغي على المتكلم بأي منها أن يتعلم باقيها تعلمًا، فِعله مع أية لغة غريبة عليه، وفي نفس هذا المعنى يقول د. إبراهيم أنيس: "اللهجة في الاصطلاح العلمي الحديث: هي مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة... وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات، لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعًا في مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه الهيئات بعضهم ببعض، وفهم ما قد يدور بينهم من حديث فهمًا يتوقف على قدر الرابطة التي تربط بين هذه اللهجات... (و) متى كثرت هذه الصفات الخاصة بعُدَتِ باللهجة عن أخواتها، فلا تلبث أن تستقل وتصبح لغة قائمة بذاتها"[4].



[1] وهذا أمر اعترف به المستشرقون قبلنا بزمن طويل، فها هو ذا سهيتا، المستشرق الألماني في 1880م، يعلن أنه لم يستطع الإلمام بالعامية المصرية؛ لتعدُّد لهجاتها واختلافها من بلد إلى بلد، ومن حي إلى حي؛ ولذلك فمن المحال أن يلم بكل لهجاتها، بل إنه لمن المحال أيضًا أن يلم باللهجات المتعددة في أنحاء القاهرة وحدها؛ انظر د. نفوسة زكريا سعيد/ تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر/ دار نشر الثقافة / الإسكندرية / 1383هـ - 1964م/ 20.

[2] أقصد أنهم يتحدثون دون أن يفكروا في أن لها قواعد تنظم صياغة مفرداتها، وتراكيب جملها، وبناء صورها، رغم وجود هذه القواعد، فإنهم بسبب تلقيهم إياها شفويًّا، وممارستهم لها في كل أغراضهم وحاجاتهم اليومية بسهولة ويُسرٍ متناهيين - يظنون أن لا قواعد لها تضبطها وتحكُم استعمالاتها.

[3] ولن يقضي الله به؛ وذلك بفضل القرآن وبركته، وهذا الكلام لا نقوله نحن المسلمين وحدنا، بل يقوله قبلنا نصارى العرب الغيورون على هذه اللغة العبقرية العجيبة التي استثناها الله من التحلل والتفرع إلى لغات شتى تزيحها وتأخذ مكانها، كما وقع للاتينية وغيرها، يقول سليمان البستاني: "إن سنة النمو والتحول وتفرع الأصل الواحد إلى أصول شتى تشمل اللغات كسائر المخلوقات، فقد قلنا: إن لسان العرب في الجاهلية تفرع إلى فروع كاد كلٌّ منها يقوم لغة بنفسه، ويمتنع التفاهم بين أصحابه، فجاء القرآن وأزال الخلاف، وأوثق عرى الارتباط؛ فسَادتِ اللغةُ العربية"، وبعد أن يتحدث عن اليونان وابتعاد لغتهم الحديثة عن أمها القديمة يعقب بقوله: "وأما العربية فليس هذا شأنها؛ فإن أصول اللغة ما زالت على ما نطق به شعراء الجاهلية، وغاية ما يُشكل فهمه على قرائها مفرداتٌ لم تألفها العامة، ومترادفات متشابهات وتعابير غير مألوفة في عصرنا ... وخلاصة ما تقدم أن اللغة العربية أطول اللغات الحية عمرًا، وأقدمهن عهدًا، والفضل في كل ذلك للقرآن؛ فالإلياذة وبلاغتها، وسائر منظومات هوميروس وهسيودس على علو منزلتهما، لم تُقْمْ للغة اليونانية دعامة ثابتة، حتى في بلادها، ولم تقوَ على مقاومة التيار الطبيعي، ولكن القرآن وطَّد أركان لغة قريش في بلادهم، وأذاعها في جميع البلاد العربية، وسائر البلاد التي طال فيها عهد الاحتلال (!) الإسلامي، أو كثُرت مخالطة العرب الضاربين في أقطار الأرض للجهاد والتجارة"؛ (سليمان البستاني/ إلياذة هوميروس / دار إحياء التراث العربي / بيروت / 1 / 113 - 115).

وكتب جرجي زيدان في سنة 1892م مقالاً يرد فيه على دعوة (وليم ولكوكس) الإنجليزي إلى استبدال العامية بالفصحى، والحذو في ذلك حذو الإنجليز، الذين هجروا اللاتينية، واصطنعوا لهجة محلية بدلًا منها، وقام رد زيدان على أن اللاتينية كانت بالنسبة للإنجليز لغة غريبة، بخلاف العربية بالنسبة للعرب؛ إذ هي لغتهم القومية، وبغيرها لا تقوم لهم وَحدة.

وهنا لا ينسى زيدان الإيماء إلى دور القرآن في حفظ لسان الضاد، فيقول: "لولا القرآن والمحافظة عليه منذ صدر الإسلام، وعَوْدنا إليه في إصلاح ما تفسده الطبيعة من لغتنا - لتشتَّت شمل الشعب العربي، كما حصل في الأمم التي كانت تتكلم اللاتينية"، ثم يضيف قائلاً: إن "العامية منحطة عن الفصحى كثيرًا، وليس لها أن تقوم مقامها؛ فإنها أرقى لغات العالم"؛ (مختارات جرجي زيدان / مطبعة الهلال / القاهرة / 1937م / 187 - 189).

وكمثلهما في الضيق بالعامية، بل أشد وأعنف، كان خليل مطران، الذي كتب يقول: "تالله لو ملكتُ تلك العامية لقتلتُها بلا أسف، ولم أكن بقتلي إياها إلا منتقمًا لمجدٍ فوق كل مجد نزلت من هيكله الذهبي الخالص الرنان منزلة الرِّجْلين الخزفيتين القذرتين، فهو فوقهما متداعٍ، وبهما مشوَّه، منتقمًا لأمة كسرَت العاميةُ وَحدتَها، وكانت عليها أكبر مِعوان للتصاريف التي مزقتها في الشرق والغرب كل ممزق، منتقمًا للفصاحة نفسها، وأية فصاحة في خشارة لا نصيب فيها مِن تِبر الأصل إلا وقد تلوثت بذُرَيرات لا تحصى من أوضار الرطانات بأنواعها"؛ (من مقدمة ترجمته لمسرحية "عطيل" لوليم شكسبير/ القاهرة / 8).

[4] د. إبراهيم أنيس / في اللهجات العربية / ط4 / مكتبة الأنجلو المصرية / 16 - 17.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة