• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

الاستصحاب لدى ابن جني

الاستصحاب لدى ابن جني
د. تامر عبدالحميد أنيس


تاريخ الإضافة: 29/11/2017 ميلادي - 10/3/1439 هجري

الزيارات: 10232

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستصحاب لدى ابن جني

 

يعد أبو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ) صاحب فكرة تخليص أصول النحو والحديث عنها في كتاب مستقل، فقد أشار في كتابه (الخصائص) إلى أنه كتاب يبحث في أصول النحو، وأنَّ سابقِيه قد تحامَوا هذا الفن لامتناع جانبه، وانتشار شعاعِه، وبادي تهاجر قوانينه وأوضاعِه[1].

 

وفي هذا الكتاب نجده يعقد بابًا خاصًّا للاستصحاب، وهو أول محاولة - فيما أعلم - لتأصيل هذا الإجراء في النحو العربي، وقد جعل عنوان هذا الباب: « باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأُوَل ما لم يَدْعُ داعٍ إلى الترك والتحوّل »[2]، ويمكن أنْ يُعَدَّ هذا العنوان تعريفًا للاستصحاب فيكون هو أول تعريف له في التراث النحوي.

 

ومن الملاحظ أنَّ ابن جني لم يستعمل لفظ الاستصحاب في هذا الباب، ولا في سائر الكتاب، وكذلك في كتابيه: المنصف شرح تصريف المازني، والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات.

 

ومن الملاحظ أيضًا أنه دلف - في الباب المذكور - إلى النماذج مباشرة محاوِلا بيانَ مفهومِ الاستصحاب وكيفيةِ تحققه من خلالها دون أن يقدم لذلك بكلامٍ نظريٍّ.

 

والمسائل التي عرضها ابن جني في هذا الصدد ثلاثُ مسائل فقط، هي:

المسألة الأولى: (أو) « أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت، وكيف تصرفت »[3]، وهو يبين التمسك بهذا الأصل في قوله: « فهي عندنا على ذلك، وإن كان بعضهم قد خفي عليه هذا من خلالها في بعض الأحوال، حتى دعاه إلى أن نقلها عن أصل بابها »[4]، فهو يقرها على أصلها، وأنَّ ذلك لخفاء حالها عليه. وإخراجُها عن أصلها كان إلى معنيين، فالفراء قال: إنها قد تأتي بمعنى (بل)، وقطرب قال: إنها قد تكون بمعنى الواو.

 

فأما الفراء فذكر ابن جني أنه احتج بقول ذي الرمة:

بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى *** وَصُورَتِها أَوْ أَنْتِ في العَيْـنِ أَمْلَـحُ[5]

« وقال: معناه بل أنت في العين أملح »[6].

 

وقد رَدَّ ابن جني هذا الاحتجاج بأنَّ (أو) « إذا كانت هنا على بابها كانت أحسن معنى، وأعلى مذهبًا »[7]، فهو يرجع في رَدِّه إلى المعنى الفني، وذلك أنَّ الشاعر « لو أراد بها معنى (بل)، فقال: بل أنت في العين أملح، لم يف بمعنى (أو) في الشك؛ لأنَّه إذا قطع بيقين أنها في العين أملح كان في ذلك سَرَفٌ منه، ودعاء إلى التهمة في الإفراط له، وإذا أخرج الكلام مخرج الشك كان في صورة المقتصد غير المتحامل ولا المتعجرف، فكان أعذب للفظه، وأقرب إلى تَقَبُّل قوله »[8].

 

ومن ثم تبقى (أو) في البيت على أصل وضعها، ويستطرد بعد ذلك حول مذهب الشعراء في استعمال الشك لبيان قوة الشبه، واستحكام الشُّبْهَة.

 

وأمّا قطرب فاحتجَّ بقول النابغة:

قَالَتْ أَلَا لَيْتَمَا هذا الحَمَامَ لنا *** إلى حَمامَتِنا أَوْ نِصْفَه فَقَدِ[9]

« فقال: معناه: ونصفه »[10].

 

وابن جني - هنا - لا يمنع هذا الخروجَ عن الأصل إذ يقول: « ولعمري إنَّ كذا معناه، وكيف لا يكون كذلك ولابد منه، وقد كثرت فيه الرواية أيضًا بالواو: ونصفه »[11]. ولكنه يرى إمكانَ إبقاء الحرف على أصله فيقول: « لكنْ هناك مذهب يمكن معه أن يبقى الحرف على أصل وضعه، من كون الشك فيه، وهو أن يكون تقديره: ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو هو ونصفه، فحذف المعطوف عليها وحرف العطف »[12]، وهو بهذا يُقْدِمُ على تقدير محذوف من أجل استصحاب الأصل؛ ولهذا يقول: « ودعانا إلى هذا التأويل السعي في إقرار هذه اللفظة على أوّل أحوالها »[13].

 

ويفهم من هذا أنَّ استصحاب أصلِ أحدِ عناصر التركيب من جهة دلالته مقدم على دلالة ظاهر تركيبه، فيكون التمسك بأصل وضع اللفظة أقوى من التمسك بظاهر التركيب، أي أنَّ مخالفة الأصل بتقدير محذوف أولى من مخالفة الأصل بتغيير الدلالة الوضعية.

 

المسألة الثانية: « ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف نحو قول الله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73]، قالوا: الواو هنا زائدة مُخْرَجَة عن العطف، والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، وزيادة الواو أمر لا يثبته البصريون، لكنه عندنا على حذف الجواب، أي حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صُدِقُوا وعدَهم، وطابت نفوسهم، ونحو ذلك مما يقال في مثل هذا »[14].

 

ويلاحظ هنا أيضًا التعارض بين أصل الواو واحتياج (إذا) إلى جواب، فقدم الكوفيون عدمَ تقدير الجواب على إبقاء الواو على أصلها، وقدم البصريون استصحاب الأصل في الواو على عدم تقدير الجواب، فقدروا جوابًا محذوفًا.

 

المسألة الثالثة: ذكر أنَّ (هل) قد أخرجت عن بابها إلى معنى (قد) نحو قول الله سبحانه: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان: 1] « قالوا: معناه: قد أتى عليه ذلك »[15]. وهو لا يمنع هذا المعنى، ولكنَّه يرى أنَّ إبقاء (هل) على أصلها وهو الاستفهام ممكن أيضًا، يقول: « وقد يمكن عندي أن تكون مبقاةً على بابها من الاستفهام، فكأنه قال - والله أعلم ـ: هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بُدَّ في جوابه من (نَعَمْ) ملفوظًا بها أو مُقَدَّرَة، أي فكما أنَّ ذلك كذلك فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه ولا يَبْأَى بما فُتِحَ له، هذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتني فأعطيتك؟ أم هل زرتني فأكرمتك؟ أي فكما أنَّ ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقي عليك وإحساني إليك. ويُؤَكِّد هذا عندك قولُه تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾ [الإنسان: 2، 3] أفلا تراه - عَزَّ اسمه - كيف عَدَّدَ عليه أيادِيَه وألطافه له »[16].

 

وابن جني بذلك يضع أساسًا مُهِمًّا من أسس العدول عن الأصل - وهو العملية المقابلة للاستصحاب - وهذا الأساس هو الارتباط والتناسب بين الأصل والمعدول إليه، ويقرر هذه الحقيقة مرة أخرى في قوله: « واعلم أنَّه ليس شيءٌ يخرج عن بابه إلى غيره إلا لأمرٍ قد كان وهو على بابه ملاحِظًا له، وعلى صددٍ من الهجوم عليه »[17]، وقوله: « وكلُّ حرفٍ فيما بعد يأتيك قد أخرج عن بابه إلى باب آخر فلا بُدَّ أن يكون قبل إخراجه إليه قد كان يُرائِيهِ ويلتف إلى الشق الذي هو فيه، فاعرف ذلك وقسه، فإنك إذا فعلته لم تجد الأمر إلا كما ذكرته وعلى ما شرحته »[18].

 

وبهذا يكون ابن جني قد تعرض لبيان عملية الاستصحاب، ومَثَّلَ لها بأمثلةٍ رجَّح في أحدها الإبقاءَ على الأصل في توجيه نصٍّ مستندًا إلى المعنى، وجوَّز هذا الإبقاء في موضعين آخرين، واستعمل في التعبير عنه: الإقرار على الوضع الأول، وعلى أصل الوضع، وإبقاء الشيء على بابه، كما تعرض لعملية العدول مُنَبِّهًا على قاعدة مهمة فيها.

 

وتجدر الإشارة إلى أنَّ ابن جني قد استعمل تعبيرًا جديدًا عن عملية الاستصحاب، في كتابه (المنصف في شرح تصريف المازني) وهو (مراعاة الأصل والاعتداد به) وذلك في قوله عن (شهاوَى) جمع (شَهِيَّة): « فكأنَّ هذه الياء الأخيرة لـمَّا كان أصلها الواو صارت بمنزلة ما نطقوا فيها بواوٍ ظاهرة، فراعَوا الأصل المتروك واعتدوا به، كما أنهم قالو: (قُلْتُ) فضموا الفاء لأنهم راعَوا أصلَ حركة العين قبل الحذف والإسكان وهى الضمة المجتلبة لها بدل الفتحة »[19].



[1] انظر: الخصائص 1/ 2.

[2] السابق 2/ 459.

[3] السابق 2/ 459.

[4] السابق 2/ 459.

[5] البيت في ملحق ديوان ذي الرمة 3/ 1857 حققه وقد له وعلق عليه الدكتور عبد القدوس أبو صالح ط. مؤسسة الراسالة - بيروت، الثالثة 1414هـ - 1993م. وانظر: معاني القرآن للفراء 1/ 72.

[6] الخصائص 2/ 460، ونص عبارة الفراء: « يريد: بل أنتِ » [معاني القرآن للفراء 1/ 72].

[7] السابق 2/ 460.

[8] السابق 2/ 460.

[9] البيت للنابغة في ديوانه ص14، ورواية الديوان: "ونصفه"، شرح وتقديم عباس عبد الساتر، ط. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الثانية 1406هـ - 1986م.

[10] الخصائص 2/ 462.

[11] السابق 2/ 462.

[12] السابق 2/ 462.

[13] السابق 2/ 462.

[14] السابق 2/ 464.

[15] السابق 2/ 464.

[16] السابق 2/ 464.

[17] السابق 2/ 466.

[18] السابق 2/ 467.

[19] المنصف شرح تصريف المازني لابن جني 2/ 65، تحقيق إبراهيم مصطفي وعبد الله أمين، وزارة المعارف العمومية - إدارة إحياء التراث القديم - مصر الطبعة الأولى 1373هـ - 1954م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة