• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

التمويه في خطاب التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، أو حجاجية التستر والاختفاء

ياسين الشعري


تاريخ الإضافة: 19/11/2017 ميلادي - 1/3/1439 هجري

الزيارات: 20353

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التمويه في خطاب التوحيدي

في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة

أو حجاجية التستر والاختفاء

 

يعد التمويه من أهم الاستراتيجيات المخادعة التي تستخدم في الخطابات التواصلية، خاصة النفعية منها، التي تقيس الحقيقة بالنجاح. فالمتكلم يلجأ إليه بهدف إخفاء بعض الحقائق عن المتلقي، أي أن هذا الإخفاء يكون مقصوداً. والتمويه مع ما يتميز به من مخادعة - ذو وظيفة حجاجية تداولية، تتمثل أساساً في كونه يجعل المتلقي يعمل فكره ليكتشفه داخل الخطاب، ثم إن المتكلم من خلاله يتقي شر المتلقي، ويمرر له بعض القناعات والآراء دون أن يعي بذلك.


تتعدد طرائق التمويه في الخطاب تعدداً كبيراً، إلا أن أهم هذه الأنواع: الكلمات الموحية والإخفاء المتعمد للحقائق ما وراء السطور وغالبًا ما يتمُّ هذا الأخير "في سياق خاص، ويستعمل وسائل مبتكرة يحددها السياق"[1]. وبالنظر إلى المفاضلة التي عقدها التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، بين العرب والعجم، يتبين أنها لم تخل من هذه الآلية التمويهية، فقد حاول أن يخدع بها الوزير، وأن يجعله يعتقد أنه من الصعب المفاضلة بين الأمم، إذ لكل أمة مميزات تنفرد بها عن باقي الأمم الأخرى، فـ"للفرس السياسة والآداب والرسوم والحدود، وللروم الحكمة، وللهند الفكر والروية والخفة والسحر والأناة، وللترك الشجاعة والإقدام، وللزنج الصبر والكد والفرح، وللعرب النجدة والقرى والوفاء والبلاء والجود والذمام والخطابة والبيان"[2]، هذا القول أعقبه في البداية اعتراف ضمني بأن العرب هم أعقل الأمم، فقد اكتفى بما رُوي عن ابن المقفع، إلا أنه مع احتجاج الوزير سيضطر التوحيدي إلى أن يسايره فيما يقول قصد إرضائه، ولكنه كان يُخفي في خطابه أنه يميل إلى تفضيل العرب على باقي الأمم، فالصفات التي قدمها للعرب على طول الليلة، فاقت تلك التي قدمها للعجم، مما يثبت لنا أن التوحيدي ينتصر لأمته، ويوحي بهذا الانتصار أيضاـ في قوله: "[..] [إن] كُلَّ أمة لها زمان على ضدها، وهذا بين مكشوف إذا أرسلت وهمك في دولة يونان والإسكندر، لما غلب وساس وملك ورأس وفتق ورتق ورسم ودبر وأمر، وحث وزجر، ومحا وسطر، وفعل وأخبر؛ وكذلك إذا عطفت إلى حديث كسرى أنوشروان وجدت هذه الأحوال بأعيانها"[3]، فكأني به هنا يريد أن يقول إن الزمن الذي كان فيه العجم أفضل من العرب قد ولى، أما هذا الزمن فهو زمن العرب. وهذا يجعلنا نقر بأن العرب عنده هم أفضل الأمم، وإن حاول إخفاء ذلك ما بين السطور. وبالإضافة إلى ذلك نجده يتوارى خلف مجموعة من الشخصيات لكي يفاضل لصالح العرب، كرده على الجيهاني على لسان إسحاق والقاضي أبي حامد المَرْوَرُّوذِي وأبي الحسن الأنصاري، وقد تضمن رد هؤلاء التشنيع بفارس وذمهم والقدح في أنسابهم، وهذا يدل على غرض التوحيدي الدفين، إذ ليس الذي فعله إلا لأجل غرض حجاجي، لأن التواري خلف خطاب الآخر يكون لأجل إثبات ما يدعيه المرء، فالتوحيدي هنا كان في غاية الذكاء، إذ ترك لشخصيات ذات سلطة أن تعبر عن موقفه الشخصي، بدءا بابن المقفع والموصلي الفارسيين الأصل، مرورا بأستاذه المرْوَرُّوذِي، وانتهاء بأبي الحسن الأنصاري... وهذا كله يلخص إيديولوجية التوحيدي تجاه هذه المسألة.


إن التوحيدي في هذه الليلة لجأ إلى استخدام أسلوب غير مباشر، واتبع طريقة مخادعة في عملية المفاضلة بين الأمم، حيث يظل موقفه من هذه المسألة موقفاً غامضاً، وهذا الغموض في تفضيله لأمة على أمة ليس أمرا عفويا، وإنما هو أمر مقصود؛ إذ يتمتع بوظيفة تداولية إبلاغية، حيث يعمل على تحقيق الإقناع، الذي تساهم فيه المعاني الضمنية والإيحائية، تلك المعاني التي تحتاج من المتلقي إعمال الفكر، ومحاولة فك شفراتها، وإجهاد النفس على الوصول إليها، مما يجعل من المعنى أو الفكرة أشد ثباتاً وترسخاً في الذهن.


إن التوحيدي يشحن خطابه بمجموعة من الرموز والمدلولات، تختبئ وراءها بعض الحقائق التي لم يكن يريد أن يبوح بها، لأن المقام لم يكن يسمح له بذلك، فمجالسته لرجل السياسة جعلته أشد حذراً واحتياطاً في أقواله، ويُؤْثر اللجوء إلى الإضمار عوض التصريح، والغموض بدل الوضوح، حتى لا يكون في تصريحه بالأمة التي ينتصر لها تماديا على الوزير ابن سعدان وتطفلا عليه.


إن خطاب التوحيدي هو خطاب يحمل مضامينه بين سطوره، مما يجعل منه خطابا متواريا، يمارس، عن طريق التوظيف الموحي للغة، التغييب والتستر، إذ يقدم الأفكار والمعاني بأغلفة من البلاغة. وهذا التستر الذي يقوم به التوحيدي عن الحقائق يجعل من خطابه يقترب في بعض الأحايين من الخطاب السياسي، لأنه - وإن كان خطاباً تفاضلياً - موجه إلى متلقٍّ مخصوص، هو رجل السياسة، لذلك فهو يستعين فيه ببعض الآليات التي هي في الأصل من مقومات الخطاب السياسي، حيث حاول في هذه الليلة أن يسكت عن الحقيقة - التي اعترف بها قبله ابن المقفع - لأنه يرى الاعتراف بها ضد مصالحه، فحاول بالتالي أن يمررها عبر مجموعة من آليات التمويه يبقى على رأسها: الكلمات الموحية، والإخفاء المتعمد للحقائق ما بين السطور، إذ استطاع من خلالها أن يوهم الوزير بأنه لا يفاضل بين الأمم، ولكن الوقائع تثبت خلاف ذلك، وباطن الخطاب يعلن عما لم يعلن عنه ظاهره.



[1] جمعان عبد الكريم، استراتيجيات التمويه في الخطاب، مقالة على الإنترنت.

[2] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مراجعة هيثم خليفة الطعيمي، المكتبة العصرية، بيروت، 2011، ج 1 ، ص 72.

[3] نفسه، ص 72.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة