• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

لحن الكلام، محسن لفظي يجب إضافته إلى علم البديع

فريد البيدق


تاريخ الإضافة: 17/1/2017 ميلادي - 18/4/1438 هجري

الزيارات: 9480

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لحن الكلام، محسن لفظي يجب إضافته إلى علم البديع


(1)

هناك طائفةٌ من الشواهد الأدبية التي تُروى طرائفَ لُغويةً لتدل على عجائب اللغة العربية، والتي لا يعنيني مصدرها ولا تأريخها، بقدر ما يعنيني توظيفها وأَضْرابها في إنشاء فنٍّ بلاغي يَلُم شتاتها، إن سمعتها يجول سؤالٌ بذهنك - إن كان لغويًّا -: لِمَ لا تندرج هذه الشواهد وأمثالها تحت فنٍّ بلاغي يجمعها ويبيِّن سرَّها؟

مثل ماذا؟


مثل هذه الطرفة - الأعجوبة - التي تقول:

[هرَب رجلٌ من المدينة خشيةَ أن يبطش به حاكمُها لخلاف جرى بينهما، فأوعز الحاكم إلى كاتبه أن يكتبَ له رسالة يطمئنه فيها، ويستدعيه للرجوع، ولكن الكاتب شعر أن الحاكم ينوي الشرَّ به، فكتب له رسالة، ولكنه أورد في نهايتها: "إنَّ شاء الله تعالى" (بتشديد النون)، فأدرك الرجل الهارب أن الكاتب يُحذِّره شيئًا ما حينما شدَّد حرف النون؛ حيث كان يُذكِّره بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ﴾ [القصص: 20]، فردَّ الرجل على الكاتب والحاكم برسالةٍ يشكره على أفضالِه، ويطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة: "إنَّا الخادم المقر بالإنعام" (بتشديد النون)، ففطن الكاتب أن الهارب واعٍ بلغز الرسالة استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ﴾ [المائدة: 24]، وعلم الكاتب أنه لن يعودَ إلى المدينة في ظل وجود ذلك الحاكم الظالم].

 

ماذا حدث هنا؟

حدث أن لَحَنَ الكلام لحنًا فهِمه المرسَل إليه، فأنقذ نفسه من الهلاك.

ومثلُ هذه القصة التي تذكِّرنا بعلم التشفير المخابراتي، الذي يقضي بكتابة رسائلِه بحبر سري لا يُرى، وأن تُرتب العبارات ترتيبًا يفك بالرجوع إلى كتاب متفق عليه في ذلك، لكنها تفترق عنه في أنها مكتوبة بالحبر الظاهر لا السري، وتأتي سريَّتها المُنْجِية من فهم اتجاه الكلام الذي يقتضي استيعابًا للدلالة الظاهرة والباطنة.

ماذا تقول؟


تقول:

[كانت هناك حرب سوف تُخاض بين دولتينِ، وما كان على القائد إلا أن يرسل رسولًا لجيش العدو؛ لكي يعرف قوة الجيش العدو، ويعرف مع مَن يخوض الحرب، فأرسل إلى شخص يُذكر عنه الفصاحة والذكاء، وكان يعرف من اللغة الشيءَ الكثير، فأرسَله القائد لكي يستعلم عن العدو، وما أن اقترب منهم حتى رأَوه وقبضوا عليه، وعلموا أنه من الدولة التي يريدون أن يخوضوا الحرب معها، فأرادوا أن يقتلوه، فقال أحد قادتهم: لماذا لا نجعله يكتب لهم رسالة يذكر فيها أننا ضعفاء، وألا يستعينوا بأحدٍ، فنكون قد كسبنا الحرب؟

فما كان عليهم إلا أن ساندوا فكرته، فأرغموا الرسول على كتابة الرسالة، فكتب إلى قائده: (عزيزي القائد، أُفيدكم أنني ولله الحمد قد استرحتُ من العناء، كما أفيدكم أنكم الفئة الغالبة؛ فلقد استضعفتهم بالنسبة إليكم، سيدي، أكتب لك من القلب، نصحتُ فدَعْ ريبك ودَعْ مهلك).

فلما وصلت الرسالة إلى القائد وقرؤوها عليه، تذكَّر أن الرجل فصيح، ومن المستحيل أن يكون قد أخطأ في أول كلامه فكتب "عزيزي القائد"، وكان عليه أن يكتب "سيدي"، فعرَف حينها أن هناك محتوى غير ما هو مكتوب، فاستعان بالأساتذة في اللغة، فحلُّوا معنى الرسالة، وكان المعنى هو:

استرحتُ من العناء: أمسَكوا بي وحبسوني.

 

كما أفيدكم أنكم الفئة الغالبة: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: إنكم فئة قليلة.

 

فلقد استضعفتُهم بالنسبة إليكم: أي إنهم ضِعف عددكم.

أكتب لك من القلب: أي اقلب الجملة.

نصحتُ فدَعْ ريبك ودع مهلك: كلُّهم عدوٌّ كبيرٌ عد فتحصَّن.

 

(2)

مثل هاتين القصتين قصص لو فتَّشنا عنها لوجدناها في الأمالي وغيرها من المؤلَّفات اللُّغوية الأدبية الجامعة، وكلها تندرج تحت فنٍّ يجب أن يُسمَّى "لحن الكلام"، تتضمنه المحسنات اللفظية في علم البديع.

لماذا العنوان "لحن الكلام"؟

لأن الكلام المقروء هو الوسيط بين المرسِل والمرسَل إليه، ولولا فهمُ المرسل إليه مرامي المرسِل، لَما كان هناك فهم، ولولا أنْ كان للكلام هنا لحن؛ أي فطنة وفهم، لا بد أن يكون المتلقي على قدرهما حتى يستقبلهما، ويُحسِن تقديرهما - ما حدث ذلك الفن البديع.

وإن اللغة تعرف اللحن بهذا المعنى؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30].

 

ويقول المصباح المنير للفيومي في مادة [ل ح ن]:

"اللَّحَنُ - بفتحتين -: الفطنة، وهو مصدر من باب تعِب، والفاعل "لَحِنٌ"، ويتعدى بالهمزة، فيقال: "أَلْحَنْتُهُ" عنِّي "فَلَحِنَ"؛ أي: أفطنته ففطن، وهو سرعة الفهم، وهو "أَلْحَنُ" من زيد؛ أي: أسبق فهمًا منه...، و"لَحَنْتُ" "بلَحْنِ" فلانٍ "لَحْنًا" أيضًا: تكلمتُ بلُغته، و"لَحَنْتُ" له "لَحْنًا": قلت له قولًا فهِمه عَنِّي وخَفِي على غيره من القوم، وفهمتُه من "لَحْن" كلامه وفحواه ومعاريضه بمعنى، قال الأزهري: "لَحْن" القول كالعنوان، وهو كالعلامة تشير بها، فيفطن المخاطب لغرضك)، وكذا تقول بقية المعاجم اللغوية.

ولماذا يكون محسنًا لفظيًّا؟

لأن الحُسن فيه يعود إلى ترتيب الكلام - مع مراعاة المعنى - ترتيبًا معينًا، لو اختل لذهب المراد!

 

تقول الموسوعة العربية العالمية:

(المحسِّنات اللفظية: هي التي يكون التحسين بها راجعًا إلى اللفظ أصالة، وإن حسَّنت المعنى تبعًا لتحسين اللفظ).

 

ويقول سعد الدين التفتازاني في (مختصر المعاني):

"(وأصل الحسن في ذلك كله) - أي: في جميع ما ذكر من المحسنات اللفظية - (أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس)؛ أي: ألا تكون المعاني توابع للألفاظ بأن يؤتَى بالألفاظ متكلفة مصنوعة، فيتبعها المعنى كيفما كان، كما فعله بعض المتأخرين الذين لهم شغف بإيراد المحسنات اللفظية، فيجعلون الكلام كأنه غير مسوقٍ لإفادة المعنى، ولا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى، فيصير كغمدٍ من ذهب على سيف من خشب، بل الوجه أن تترك المعاني على سجيَّتها فتطلب لأنفسها لفظًا يليق بها، وعند هذا تظهر البلاغة والبراعة، ويتميز الكامل من القاصر"، وقد تحقَّق ذلك في تينِ القصتين كما رأينا، فهل تزداد المحسنات اللفظية محسنًا؟

أرجو، بل أدعو!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة