• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

مظاهر اهتمام ابن جني بالبنية العميقة والسطحية في الخصائص (2)

مظاهر اهتمام ابن جني بالبنية العميقة والسطحية في الخصائص (2)
أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن


تاريخ الإضافة: 19/5/2016 ميلادي - 11/8/1437 هجري

الزيارات: 33569

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مظاهر اهتمام ابن جني بالبنية العميقة والسطحية في الخصائص (2)

 

عاشرًا: دراسة القلب والإدغام: وهما من الظَّواهر الصَّرفية المشهورة في اللغة العربية، وقد اعتنى ابن جني بدراستهما، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

(1) القلب المكاني: هو: تقديم بعض الحروف أو تأخيرها داخل الكلمة الواحدة؛ نحو: أشياء، يقولون: أصلها: شيئاء، وجاه، أصلها: وجه،.. إلخ. ويرى النُّحاةُ العربُ أنَّ القلب "يعرف بأصله؛ كناء يناء مع النأي، كالجاه و الحادي والقسي، وبصحته؛ كأيس، وبقلة استعماله؛ كآرام و آدر، وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل نحو: جاء أو إلى منع الصرف بغير علة على الأصحِّ؛ نحو: أشياء؛ فإنها لفعاء، و قال الكسائي: أفعال، وقال الفراء: أفعاء، وأصلها أفعلاء".[1] ومن ذلك قوله:" الأول: وهو ما لا بُدَّ للطَّبع منه قلب الألف واوًا للضمة قبلها، وياءً للكسرة قبلها، أمَّا الواو فنحو قولك في سائر (سويئر)، وفي ضارب (ضويرب)، وأمَّا الياء فنحو قولك في نحو تحقير قرطاس وتكسيره (قريطيس) و(قراطيس)، فهذا ونحوه ممَّا لا بُدَّ منه، من قِبَل أنَّه ليس في القُوة ولا احتمال الطبيعة وقوع الألف المدة الساكنة بعد الكسرة ولا الضمة، فقلب الألف على هذا الحد علته الكسرة والضمة قبلها، فهذه علةٌ برهانيَّةٌ، ولا لبس فيها، ولا توقُّف للنَّفس عنها، وليس كذلك قلب واو (عصفور) ونحوه ياء إذا انكسر ما قبلها؛ نحو (عصيفير وعصافير)، ألا ترى أنَّه قد يمكنك تَحمُّل المشقَّة في تصحيح هذه الواو بعد الكسرة".[2]


وذكر ابن جني أغراض القلب وأهدافه؛ حيث يقول:" الغرض في هذا القلب إنَّما هو طلبٌ للخِفَّةِ، فمتى وجدوا طريقًا أو شُبهةً في الإقامةِ عليها، والتَّعلُّلِ بخفَّتها سلكوها واهتبلوها".[3] كما أكَّد أنَّ القلب له شروطه وضوابطه، فلا يكون القلب على إطلاقه، ومن ذلك قوله:" متى وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه".[4]

وهذا أيضًا من المسائل التي لا يأبه بها البنيويون التقليديون (الوصفيون).

 

(2) الإدغام: وهو إدخال حرف في حرف آخر من جنسه؛ بحيث يكونان حرفًا واحدًا مُشدِّدًا، ولقد خصَّص ابن جني له فصلاً في الخصائص، ومن ذلك قوله:" الإدغام المألوف المعتاد إنَّما هو تقريبُ صوتٍ من صوتٍ، وهو في الكلام على ضربين:

أحدهما: أن يلتقى المثلان على الأحكام التي يكون عنها الادغام، فيُدغم الأول في الآخر، والأول من الحرفين في ذلك على ضربين: ساكنٌ ومُتحرِّكٌ، فالمُدغمُ السَّاكن الأصل؛ كطاء (قطَّع)، وكاف (سكَّر) الأوليين، والمُتحرك نحو دال (شدَّ) ولام (معتلّ).

 

والآخر: أن يلتقى المُتقاربان على الأحكام التي يُسوَّغُ معها الادغامُ، فتقلب أحدهما إلى لفظ صاحبه فتُدغمه فيه، وذلك مثل (ودَّ) في اللُّغة التَّميمية و(امَّحى، وامَّاز، واصَّبر، واثَّاقل عنه)، والمعنى الجامع لهذا كله تقريبُ الصَّوتِ من الصَّوتِ".[5] ومنه قوله:" ومن الأمر الطبيعي الذي لا بُدَّ منه، ولا وعى عنه؛ أن يلتقى الحرفان الصحيحان، فيُسكَّن الأول منهما في الإدراج؛ فلا يكون حينئذٍ بُدٌّ من الإدغام".[6] وقولـه:" قالوا: إنَّ علة (شدَّ، ومدَّ) ونحـو ذلك فـي الإدغام إنَّما هـي اجتماع حرفين مُتحركين من جنسٍ واحدٍ ".[7]

وهذا أيضًا من المسائل التي لا يأبه بها البنيويون التقليديون (الوصفيون).

 

حادي عشر: بناء الفعل للمجهول (للمفعول): من الأبواب المشهورة، ويُعدُّ مظهرًا من مظاهر اهتمام النُّحاة العرب بالبنية العميقة؛ لدراستهم بناء الفعل للمفعول (للمجهول) ودراستهم للتغيرات التي تحدث لبنية الفعل وكذلك بنية الجملة؛ فالماضي يُضم أوله ويُكسر ما قبل الآخر، والمضارع يُضم أوله ويُفتح ما قبل الآخر، وقد تحدث بعض التغيرات الخاصة لبعض الأفعال كالفعل الأجوف؛ نحو:(قال) تصبح (قيل)..الخ، فجملة:(كُسِرَ الزُّجَاجُ) بنية سطحية، وبنيتها العميقة (كَسَرَ الولدُ الزجاجَ)، وجملة (يُصَامُ رمضانُ) بنيتها العميقة (يصوم المسلمون رمضانَ). وفي هذا الشَّأن يقول ابن جني:" إنَّ العرب لمَّا قوى في أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل وحتى قال سيبويه فيهما: « وإن كانا جميعًا يهمانهم ويعنيانهم »[8] خصُّوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة:

أحدهما: تغيير صورة المثال مُسندًا إلى المفعول عن صورته مُسندًا إلى الفاعل، والعُدَّةُ واحدةٌ؛ وذلك نحو: ضَرَبَ زيدٌ وضُرِبَ، وقَتَلَ وقُتِلَ، وأَكْرَمَ وأُكْرِمَ، ودَحْرَجَ ودُحْرِجَ.

 

والآخر: أنَّهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التَّغيير حتى تجاوزوه، إلى أن غيَّروا عدة الحروف مع ضم أوله، كما غيَّروا في الأول الصُّورة والصِّيغة وحدها، وذلك نحو قولهم: أحببته وحُبَّ، وأزكمه الله وزُكِمَ، وأضأده الله وضُئِدَ، وأملاه الله ومُلِئَ. قال أبو علي: فهذا يدلُّك على تمكُّن المفعول عندهم وتقدُّم حاله في أنفسهم إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل، وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم".[9]


وقد عرف البنيويون التحويليون بناء الجملة للمجهول، فهو أمرٌ مشهورٌ في اللغة الإنجليزية مثلاً، ويرى بعض العلماء ـ كما سنرى ـ أنَّ مبدأ (التحويل) أخذه تشومسكي من النحو العربي والعبري من أجل تطوير نمطه التوليدي الذي يعجز عن تفسير جملة المبني للمجهول، نحو: ضربُ زيد. فهل زيد ضارب أو مضروب؟ هذا بالنسبة لبناء الجملة، أمَّا بناء الفعل وما يلحقه من تغييرات فلا يدخل معهم نظرًا لاختلاف اللُّغات.

 

ثاني عشر: دراسة الإلحاق والتَّعويض: لقد اهتمُّ النحاة العرب بدراسة ظاهرة الإلحاق وظاهرة التعويض اهتمامًا بالغًا؛ وذلك حرصًا منهم على معرفة البنية العميقة وتقديرها، وذلك " لأنَّهم قصدوا التَّعويض رعاية للأصل"[10], "ولأنَّ الغرض من التَّعويض تكميل الكلمة، وأين كملت حصل غرض التَّعويض"[11], "وهذا التَّعويض نوعان: تعويض جواز وتعويض وجوب"[12]. ومن أمثلة دراسة ابن جني لهاتين الظاهرتين ما يأتي:

(1) الإلحاق: لقد درس ابن جني الإلحاق في خصائصه، ومن ذلك قوله:" الإلحاق إنَّما هو صناعة لفظية"[13]، وقوله:" صنعة اللفظ وهي الإلحاق"[14]، ويقول:" كان الإلحاق طريقًا صناعيًّا لفظيًا"[15]. ويقول:"وقال أبو عثمان في الإلحاق المُطَّرد: إنَّ موضعه من جهة اللام؛ نحـو:(قعدد، ورمدد، وشملل، وصعرر)، وجعل الإلحاق بغير اللام شاذًّا لا يقاس عليه"[16]. ومن ذلك قوله:" فلمَّا كانت هذه الزوائد في هذه المثل إنَّما جىء بها للمعاني؛ خشوا إن هم جعلوها ملحقة بذوات الأربعة أن يقدَّر أنَّ غرضهم فيها إنَّما هو إلحاق اللفظ باللفظ؛ نحو:(شملل، وجهور، وبيطر) فتنكبوا إلحاقها بها؛ صونًا للمعنى، وذبًّا عنه أن يستهلك ويسقط حكمه، فأخلوا بالإلحاق لما كان صناعة لفظية ووقَّروا المعنى"[17]. ومن ذلك قوله:" إنَّهم لا يلحقون الزَّائد من أول الكلمة إلا أن يكون معه زائدٌ آخرٌ، فلذلك جاز الإلحاق بالهمزة والياء في (ألندد، ويلندد) لما انضم إلى الهمزة والياء النون"[18]. ومن ذلك قوله:"ومن ذلك أيضًا أنَّهم لا يُلحقون الكلمة من أولها إلا أن يكون مع الحرف الأول غيره"[19].

واللَّواحق والزوائد أمرٌ يعرفه معظم اللغات أيضًا، ومع ذلك لا يدخل ذلك الأمر في دراسات الوصفيين.

 

(2) التَّعويض: درس ابن جني كثيرًا من مسائله في الخصائص، ومن ذلك قوله:" ومثله في التَّعويض لا الفرق قولهم: تقى وتقواء، ومضى على مضوائه، وهذا أمرٌ ممضوٌّ عليه، ونحوه في الإغراب قولهم: عَوَى الكلبُ عوَّةً، وقياسه عيَّه"[20]. وقوله:" ومثله الضّواة والحواة، فأمَّا (آية وغاية) وبابهما فشاذٌّ، وكأنَّ فيه ضربًا من التَّعويض؛ لكثرة اعتلال اللام مع صحة العين إذا كانت أحد الحرفين"[21]. ومن ذلك قوله:"وعلى ذلك أيضًا عوَّضوا في المصدر ما حذفوه في الفعل، فقالوا: أكرم يكرم، فلمَّا حذفوا الهمزة في المضارع أثبتوها في المصدر فقالوا: الإكرام"[22]. ومنه قوله:" ألا تراهم لمَّا حذفوا ياء (فرازين) عوَّضوا منها الهاء في نفس المثال، فقالوا: فرازنة، وكذلك لمَّا حذفوا فاء (عِدَّة) عوَّضوا منها نفسها التاء، وكذلك (أينق) في أحد قولى سيبويه فيها، لمَّا حذفوا عينها عوَّضوا منها الياء "[23].

وهذا أيضًا من المسائل التي لا يأبه بها البنيويون التقليديون (الوصفيون).

 

ثالث عشر: دراسة العدل والإهمال: وهما ظاهرتان مشهورتان في الدرس اللغوي العربي، وقد درسهما ابن جني في الخصائص، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

(1) العَـدْلُ: هو: هو تحويل الاسم من حالة إلى حالة أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، أو خروج الاسم عن صيغته الأصلية إلى صيغة أخرى.[24] وهو تحويل اللَّفظ من هيئةٍ إلى أخرى لغير قلب أو تخفيف أو إلحاق.[25] وقيل: ومعنى العَدْلِ أن يشتق من الاسم النكرة الشائع اسمٌ ويغير بناؤه، إمَّا لإِزالة معنى إلى معنى، وإمَّا لأن يُسمى به.[26] وقيل: معنى العدل أن تلفظ ببناء وأنت تريد بناء آخر؛ نحو: عمر وأنت تريد عامرًا، وزفر وأنت تريد زافرًا[27] , والعدل إنَّما هو أن تلفظ ببناءٍ وتريد الآخر[28]. قال الرضى:" العدل إخراج الاسم عن صيغته الأصلية بغير القلب، لا للتخفيف، ولا للالحاق، ولا لمعنى، فقولنا:(بغير القلب)، ليخرج نحو: أيس، في يئس، وقولنا:(لا للتخفيف) احتزار عن مقام، ومقول، وفخذ، وعنق، وقولنا (ولا للإلحاق)، ليخرج؛ نحو: كوثر، وقولنا: (ولا لمعنى) ليخرج نحو: رجيل ورجال... ويقال: اسم معدول؛ أي: مصروف عن بنيته، والعـدول: الانصراف والخروج". [29]


وقد درس ابن جني ظاهرة العدل في اللغة العربية في الخصائص، ومن ذلك قوله:" فإن قلت: إنَّ العدلَ ضربٌ من التَّصرُّف، وفيه إخراجٌ للأصل عن بابه إلى الفرع، وما كانت هذه حالة أقنع منه البعض، ولم يجب أن يشيع في الكُلِّ"[30]. ومن ذلك قوله:" قد يؤلّـف العدل؛ نحو: أُحاد وثُناء وثُلاث ورُباع، وكذلك إلى عُشار"[31]. ومن ذلك قوله:" وذلك أنَّه كثيرًا ما يُعدَل عن أصول كلامهم؛ نحو: عُمِر، وزُفَر، وجُشَم، وقُثَم، وثُعَل، وزُحَل" [32]. وهذه المسألة يسيطر على دراستها المنهج التاريخي والتأويل، وهذا يتناقض مع أسس البنويين التقليديين (الوصفيين).

 

(2) الإهمال: هو ضد الاستعمال، وقد يكون الإهمال مقصودًا به عدم استعمال اللفظ، وقد يُقصد به إهمال عمل بعض العوامل، وهو ظاهرة كبيرة في الدرس اللغوي العربي، وقد درسها ابن جني في خصائصه، ومن ذلك قوله:" فإن قلت: فقد نجد في اللغة أشياء كثيرة غير محصاةٍ ولا محصلةٍ؛ لا نعرف لها سببًا، ولا نجد إلى الإحاطة بعللها مذهبًا، فمن ذلك إهمال ما أهمل، وليس في القياس ما يدعو إلى إهماله، وهذا أوسعُ من أن يحوج إلى ذكر طرف منه..."[33]. ومن ذلك قوله:" أمَّا إهمال ما أهمل ممَّا تحتمله قسمة التَّركيب في بعض الأصول المُتصوَّرة أو المُستعملة، فأكثرُه متروكٌ للاستثقال، وبقيته ملحقةٌ به، ومقفَّاةٌ على إِثْرِهِ، فمن ذلك ما رُفض استعماله لتقارُب حروفه؛ نحو:(سص، وطس، وظث، وثظ، وضش، وشض) وهذا حديث واضحٌ؛ لنفور الحِسِّ عنه، والمشقَّة على النفس لتكلُّفـه"[34].

 

ويقول:" إنَّهم لمَّا أمسُّوا الرباعي طرفًا صالحًا من إهمال أصوله، وإعدام حال التمكن في تصرُّفه؛ تخطوا بذلك إلى إهمال بعض الثُّلاثي، لا من أجل جفاء تركبه بتقاربه؛ نحو (سص، وصس) ولكن مِنْ قِبَلِ أنَّهم حذوه على الرُّباعي، كما حذوا الرُّباعي على الخُماسي، ألا ترى أنَّ (لجع) لم يترك استعماله لثقلـه من حيث كانت اللام أخت الراء والنون... "[35]. ومنه قولـه:" سبب إهمال ما أهمل إنَّما هو لضربٍ من ضروبِ الاستخفاف، لكن كيف، ومن أين، فقد تراه على ما أوضحناه، فهذا الجواب عن إهمالهم ما أهملوه من مُحتمل القسمة لوجوه التَّراكيب، فاعرفه ولا تستطله، فإنَّ هذا الكتاب ليس مبنيًّا على حديث وجوه الإعراب، وإنَّما هـو مقام القول على أوائل أصول هـذا الكلام، وكيف بدئ وإلام نحى... "[36]. وكلام ابن جني السابق يتعارض تمامًا مع البنيويين الوصفيين.

 

ويناقش ابن جني مسائل عدة ذات صلة بظاهرة الإهمال حيث يقول:" فإنَّ أحدًا لم يتكلَّف الكلام على علة إهمال ما أهمل واستعمال ما استعمل. وجماع أمر القول فيه والاستعانة على إصابة غروره ومطاويه لزومك محجة القول بالاستثقال والاستخفاف، ولكن كيف، وعلام، ومن أين، فإنَّه باب يحتاج منك إلى تأنٍ وفضل بيانٍ وتأتٍ، وقد دقَّقت لك بابه بل خرقت بك حجابه، ولا تستطل كلامى في هذا الفصل أو ترينَّ أنَّ المُقنع فيه كان دون هذا القدر، فإنَّك إذا راجعته وأنعمت تأمله؛ علمت أنَّه منبهة للحِسِّ مُشجِّعة للنفس"[37].

 

وبعد، فإنَّنا قد لا نجد صدىً لدى البنيويين التقليديين، والتحويليين (التوليديين)، لكثيرٍ من الظَّواهرِ اللُّغوية السَّابقة، ولم يدرسوها بالمنظور الذي جاء عند ابن جني في الخصائص؛ كدراسة الضمائر، والتَّرخيم، والمركب المزجي، والإعلال، والإبدال، والإلحاق، والإدغام، والقلب، والتعويض، والكلمات المشتقة، والكلمات المنقولة...الخ، وذلك لاختلاف اللغات، فهذا من باب اختلاف الألسنة، فبعض هذه الظَّواهر لا تعرفها اللغات الأعجمية، وقد يكون ذلك دليلاً على سعة العربية، ومرونتها وتنوُّعها، كما تدلُّ دراسـة ابن جني لهذه المسائل والأبواب على تفحُّصه للغة العربية وتراكيبها، وسبره لأغوارها.

 

رابع عشر: دراسته لأسلوب التَّعجب:

دراسة ابن جني لأسلوب التَّعجب تشي بأنَّ في هذا الأسلوب تحولاً من بنية إلى أخرى، ومن دلالة إلى أخرى، وللإيجاز أسوق بعض عبارات ابن جني في الخصائص التي تدلُّ على ذلك، ومنها قوله:" وكذلك نعتقد نحن أيضًا في الفعل المبنىّ منه فِعْلُ التعجب أنه قد نُقِل عن فَعَل وفَعِل إلى فَعُلَ، حتى صارت له صفةُ التَّمكّن والتَّقدّم، ثم بُنى منه الفعل، فقيل: ما أفعلـه، نحو ما أشعره؛ إنَّما هو من شَعُر ... وكذلك ما أقتله وأكفره: هو عندنا من قَتُل وكَفُر تقديرًا، وإن لم يظهر في اللَّفظ استعمالاً، فلمَّا كان قولهم: كارمنى فكرمته أكرمه، وبابه صائرًا إلى معنى فَعُلت أفعُل أتاه الضمّ من هناك. فاعرِفه " [38].

 

وفي (باب في نقض الأوضاع إذا ضامّها طارئ عليها) يقول:" من ذلك لفظ الاستفهام إذا ضامّه معنى التعجّب استحال خبرًا. وذلك قولك: مررتُ برجلٍ أيّ رجلٍ. فأنت الآن مُخبَّرٌ بتناهي الرُّجل في الفضل، ولست مستفهِمًا. وكذلك: مررت برجل أيِّما رجل؛ لأنَّ (ما) زائدة. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّ أصل الاستفهام الخبر، والتعجّبُ ضربٌ من الخبر. فكأنَّ التعجّب لمّا طرأ على الاستفهام إنَّما أعاده إلى أصله: من الخبريّة "[39].

 

خامس عشر: دراسة العامل:

العامل من الأمور التي اهتم بدراستها ابن جني مُشاركًا النُّحاة العرب في هذا الشَّأن، ولا داعي لإطالة الحديث عن نظرية العامل، وما يهمنا هنا دراسة ابن جني في هذا الشَّأن، ومن ذلك قوله:" رتبة المعمول أن يكون بعد العامل فيه"[40]. ويقول عبارته الرَّائدة الذَّكية:" فالعملُ من الرفع والنصب والجر والجزم؛ إنَّما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره، وإنَّما قالوا لفظي ومعنوي؛ لمَّا ظهرت آثار فعل المُتكلِّـم بمُضامَّة اللَّفظ للَّفظ، أو باشتمال المعنى على اللفظ، وهـذا واضحٌ "[41].

 

ومنه قوله:" ما يُحدثه التَّركيب من الحركة ليس بأقوى ممَّا يُحدثه العامل فيها، ونحن نرى العامل غير مؤثر في المبنى؛ نحو: من أين أقبلت، وإلى أين تذهب، فإذا كان حرف الجر على قوته لا يُؤثِّر في حركة البناء... "[42]. وقوله: "الحرف العامل وإن كان زائدًا فإنَّه لابدَّ عاملٌ"[43]. ومن ذلك قوله:" قولنا في المعطوف: إنَّ العامل فيه غير العامل في المعطوف عليه"[44]. وقوله:" البدل العامل عندك فيه هو غير العامل في المُبدل منه"[45]. وقوله: "العامل في الحال هو غير العامل في صاحب الحال"[46]. وقوله:" وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون في قوة العامل قبله، وأن يلى من العمل ما كان الأول يليه"[47]. ومنه قوله:" ومن الاحتياط إعادة العامل في العطف والبدل، فالعطف نحو: « مررت بزيد وبعمرو»، فهذا أوكد معنى من « مررت بزيد وعمرو»، والبدل كقولك: « مررت بقومك بأكثرهم»، فهذا أوكد معنى من قولك: «مرت بقومك أكثرهم»، ووجوه الاحتياط في الكلام كثيرة، وهذا طريقها فتنبَّـه عليها "[48].

 

وممَّا سبق وغيره نستطيع أن نقول أنَّ أبا الفتح كان يرى أنَّ العوامل ثلاثة: العامل اللفظي، والعامل المعنوي، والعامل الّلفظي المعنوي. ويرى أنَّ العوامل الّلفظية في الحقيقة معنوية، وهي جميعها ترجع إلى المتكلم أولاً وآخرًا، فإّنه العامل الحقيقي. ومن ذلك رأيه في تقديم الأقوى من المتقاربين قال:" وأنا أرى أّنَّهم إنَّما يُقدِّمون الأقوى من المُتقاربين من قبل أن جمع المُتقاربين يثقل على النَّفس، فلمَّا اعتزموا النُّطق بهما قدَّموا أقواهما لأمرين: أحدهما: أنَّ رتبة الأقوى أبدًا أسبق وأعلى، والآخر: أّنَّهم إنَّما يُقدِّمون الأثقل ويؤخرون الأخفَّ، من قِبَلِ أنَّ المتكّلم في أول نُطقه أقوى نفسًا وأظهر نشاطًا، فقـدَّم أثقل الحرفين، وهو على أجمل الحالين، كما رفعوا المبتدأ لتقـدُّمه فأعربوه بأثقل الحركات وهي الضمة، وكما رفعوا الفاعل لتقدُّمه، ونصبوا المفعول لتأخُّره، فإنَّ هذا أحد ما يحتجَّ به المبتدأ أو الفاعل" [49]. ويقول:" وكان العرب أبو الحسن يذهب إلى أنَّ ما غُيِّر لكثرة استعماله إنَّما تصوَّرته العرب قبل وضعه، وعلمت أّنَّه لابد من كثرت استعمالها إياه، فابتدأوا بتغييره، علما بأن لابد من كثرته الداعية إلى تغييره "[50].

 

إذن، فالأمرُ عند ابن جّني يسير. إذ يلجأ إلى الّتمثيل، ويُكثر منه، موضحًا دقة طبع العربي، وخّفة لسانه، وسلامة ذوق، ورهافة حسِّه، وليس أدلّ على هذا الطَّبع المُتأصِّل، ونبذ الّلفظ المستوحش الغريب، من سؤال ابن جّني لأبي عبد الله محمد بن العسَّاف العقيلي الجوثي التَّميمي، فقال له: " يا أبا عبد الله، كيف تقول ضربتُ أخاك؟ فقال: كذاك. فقلت: أتقول: ضربت أخوك؟ فقال: لا أقول (أخوك) أبدًا. فقلت كيف تقول: ضربني أخوك؟ فقال: كذاك. فقلت: ألست زعمت أّنك لا تقول أخوك أبدًا؟ فقال: إيش ذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا إّلا أدل شيء على تأملهم مواقع الكلام، وإعطائهم إياه في كل موضع حّقه، وحصته من الإعراب عن مِيزة وعلى بصيرة، وأنَّه ليس استرسالاً ولا ترجيمًا " [51].

 

ودرس ابن جني تأثير تغيُّر العامل في المعنى، ومن ذلك ما سقناه سلفًا، قوله في الخصائص: "ومن إصلاح اللفظ قولهم: « كأن زيدًا عمرو» اعلم أنَّ أصل هذا الكلام « زيد كعمرو» ثم أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه (إنَّ) فقالوا: « إنَّ زيدًا كعمرو » ثم إنَّهم بالغوا في توكيد التشبيه: فقدَّموا حرفه إلى أول الكلام، عنايةً به، وإعلامًا أنَّ عقد الكلام عليه، فلمَّا تقدَّمت الكاف وهي جارة لم يجز أن تباشر (إنَّ)؛ لأنَّها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل، فوجـب لذلك فتحُها، فقالـوا: « كأنَّ زيدًا عمرو»"[52]. بيد أنَّ ابن جني في الخصائص لم يخصص أبوابًا لكثير من العوامل؛ كالأفعال الناسخة، والحروف الناسخة، وغير ذلك، وقد فعل ذلك في باقي كتبه التي تخرج عن نطاق هذه الدراسة.

 

وبعد فإنَّ العامل عند علماء العربية هو: محور التركيب؛ أي: المهيمن، باعتباره نواة الكلام، زيادة على الأصل ذات وظيفة تركيبية. والعامل سبب الحركة الإعرابية؛ أي: هو سبب الآثار الصوتية التي تعكس الحالات الإعرابية، فهو، إذًا، سبب بناء الكلام، وبدونه لا يكون؛ أي: الكلام، وتنعدم الفائدة. إذًا، هناك علاقة رياضية تحكمه.

 

أمَّا العامل عند شومسكي فهو تركيبي، ولذلك نجده؛ أي: شومسكي، يركِّز فيه على تحديد وظيفته داخل التركيب؛ أي: بيان العناصر التي يتحكَّم فيها مكونيًّا. ولقد تفطَّن شومسكي إلى لمفهوم العامل النحوي، كما تفطَّن إلى أهميته في المنهج التحويلي على صورة لا تبتعد كثيرًا على تلك التي جاءت في النحو العربي[53]. ففكرة القواعد العامة عند شومسكي اعتمدت في البدء على نظرية العامل والإحكام الربطي (government and binding theory) أو "العامل والرَّبط الإحالي" [54] التي ظهرت أولاً في كتاب محاضرات حول العامل والإحكام الرَّبطي[55] (Lectures on Government and Binding) .

 

ممَّا يؤكِّـد أنَّ دراسة العامل كانت مَحطُّ اهتمام شومسكي وأتباعه، ولكن يرى كثيرٌ من الباحثين؛ أنَّ تفسير محرك التَّوليد نسخة من نظرية العامل، وتشومسكي صنع نظرية العامل في الثمانينات، وهي النقل الأمين لنظرية العامل عند النحاة العرب، ومنهم ابن جني. وللأسف بدأ اللغويون العرب المُعاصرون ينشرون العاملية (عاملية تشومسكي)، وهي نفسها عاملية سيبويه، ابن جني، وعبد القاهر الجرجاني، وغيرهم، وهم بذلك قد يجهلون حقيقة أنَّ "القواعد التَّحويلية ليست بديلاً عن القواعد التَّقليدية، وإنَّما هي مُكمِّلةٌ لها "[56].

 

وهناك مبدأٌ لسانيُّ ارتبط وتداخل مع نظرية العامل؛ وهو نمط التَّبعية النَّحوية ـ الذي استغلته اللسانيات الحاسوبية أيّما استغلال[57]، وهو مبنيٌّ على فكرة أساسية، مفادها أنَّ جميع الألفاظ البشرية تابعةٌ لما قبلها أو متبوعة " فهذه النظرية ـ أي: التَّبعية ـ هي أقرب بكثير إلى نمط النُّحاة العرب، وخاصة إلى مفهوم العمل" [58]. فالفعل تابعٌ للفاعل، والصفة للموصوف، والخبر للمبتدأ، وهكذا دواليك. ونظرًا لأهمية هذا المبدأ، فقد أدخله تشومسكي في نظريته الجديدة ـ الرَّبط العاملي ـ من أجل تقديم تفسير صوري رياضي للتَّراكيب اللغوية، واستثمره لأجل تجاوز العقبات التي تظهر مع بعض الجمل المُتداخلة المُركَّبة [59].

 

وبعد، فالعامل كمفهوم موجودٌ في التُّراث اللساني العربي والغربي، على حدٍّ سواء؛ إلا أنَّه يتمايز فيهما بناء، قانونًا ودلالةً [60]؛ لتمايز البيئة والحضارة ومنهج المعالجة. فللنُّحاةِ الأولين حجتهم وآراؤهم العاملية. وللسانيات الغربية التشومسكية مذهبها. ويتأكَّد لنا أنَّ نظرية تشومسكي تتقاطع مع النظرية اللسانية العربية في منهجها، وهو العمل والربط الإحالي، وفي التَّحويل، وغيرهما من المفاهيم اللِّسانية المحورية [61].

 

سادس عشر: اللَّفـظ والمعنـى: من المسائل التي شغلت العلماء واللغويين قديمًا وحديثًا، شرقًا وغربًا، يقول عبد العزيز حمودة:"وتكاثفت الجهود في تحديد النِّظام اللُّغوي الذي يحكم نظام العلامات اللغوية، واحتلت ثنائية اللفظ والمعنى مكان الصَّدارة في الدراسة والجدل المُستمر، وهكذا ننطلق إلى دراسة الأركان التي نرى أنَّها أسَّست ما يُمكن أن نُسميه نظرية لغوية عربية "[62]. ودراسة مسألة اللفظ والمعنى ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بدراسة البنية العميقة والبنية السطحية، ولابن جني في مسألة اللفظ والمعنى آراءٌ رائدةٌ، وخاصة بعد انقسام اللغويين العرب القدماء إلى فريقين: فريق يُغلِّب اللفظ على المعنى، وآخر يغلِّب المعنى على اللفظ. وقد غلَّب ابن جني جانب المعنى على اللفظ كما سنرى.

 

ولقد تناول ابن جني في كتابه الخصائص عرض العلاقة بين اللفظ والمعنى، والعلاقة بين اللفظ واللفظ، وأفرد لذلك أبواباً من ذلك (باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني) حيث عرض فيه لاشتراك الأسماء في المعنى الواحد، وردَّه لوجود تقارب دلالي بين تلك الأسماء، يقول في مُستهلِّ هذا الباب:" هذا فصلٌ من العربية حسنٌ كثير المنفعة، قويُّ الدلالة على شرف هذه اللغة، وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة، فتبحث عن أصل كل اسم منها، فتجده مُفضي المعنى إلى معنى صاحبه، وفي ذلك إشارة إلى وقوع التَّرادف في اللغة، وما اشتهر به صاحب الخصائص هو إبراز لظاهرة لغوية تتمثل في تقارب الدلالات لتقارب حروف الألفاظ، وهو ما سمَّاه (تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني) سجَّل فيه أنَّ مخارج حروف اللفظ التي تقترب من مخارج حروف لفظ آخر، هما متقاربان دلالياً لتقاربهما فنولوجياً، وتلك خاصية من خصائص اللغة العربية [63].

 

ولقد قدَّم ابن جني تعليلاً بديعاً، يفسر العلاقة الطبيعية بين الصوت ودلالته، فينقل قول الخليل:" كأنَّهم توهَّموا في صوت الجندب استطالة ومداً فقالوا: صرًّ. وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا: صرصر. ويقول سيبويه في المصادر التي جاءت على وزن فعلان أنَّها تأتي للاضطراب والحركة؛ نحو: القفزان والغليان، والغثيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال"[64]. وهذا ما أدرجه ابن جني في باب (إمساس الألفاظ أشباه المعاني)، إذ التأليف الصُّوري للفظ يرسم القيمة الدلالية للمعنى الذي يقابله، وإن كان ذلك صعباً تطبيقه على كل عناصر النِّظام اللُّغوي، إلا أنَّ ذلك يبقـى طرحاً جريئاً من قِبَلِ ابن جني، له قيمته العلمية وسبقه المعرفي في عصره[65].

 

وكلام ابن جني السابق في معظمه يتفق مع كثير من مسائل علم السيميائية، والتداولية، والمدرسة الوظيفية، علم لغة النصِّ، وغيرها من المناهج اللغوية الحديثة، وخاصة اهتمام ابن جني بالمعنى.

 

وقد غلَّب ابن جني المعنى على اللفظ، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ في الخصائص، ومنه قوله:" فقد رأيت بما أوردناه غلبة المعنى للفظ، وكون اللفظ خادمًا له، مشيدًا به، وأنَّه إنَّما جيء به له ومن أجله ".[66] ويقول:" ويدلُّك على تمكُّن المعنى في أنفسهم وتقدُّمه للفظ عندهم؛ تقديمهم لحرف المعنى في أول الكلمة، وذلك لقوة العناية به، فقدَّموا دليله ليكون ذلك أمارة لتمكُّنه عندهم".[67] ويقول: "الإخلال باللفظ في جنب الإخلال بالمعنى يسيرًا سهلاً وحجمًا محتقرًا".[68] ويقول في هذا الشَّأن أيضًا:" فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسَّنوها وحموا حواشيها، وهذَّبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها، فلا ترينَّ أنَّ العناية إذ ذاك إنَّما هي بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويه بها وتشريف منها، ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتزكيته وتقديسه، وإنَّما المبَغىُّ بذلك منه الاحتياط للموعى عليه وجواره بما يعطر بشره ولا يعر جوهره، كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يهجنه ويغض منه كدرة لفظه وسوء العبارة عنه".[69]


ويتحدَّث عن العرب في هذا الشأن قائلاً:" سبب إصلاحها ألفاظها وطردها إياها على المثل والأحذية التي قننتها لها، وقصرتها عليها، إنَّما هو لتحصين المعنى وتشريفه، والإبانة عنه وتصويره.... زينة الألفاظ وحليتها، لم يُقصد بها إلا تحصين المعاني وحياطتها، فالمعنى إذا هو المُكرم المخدوم، واللَّفظ هو المُبتذل الخادم ".[70]


ويرى ابن جني أنَّ العرب والنحاة قد جعلوا المعنى محور دراستهم؛ كدراسة الإعراب، والحذف، والتقديم والتأخير..الخ، " فـالمعنى قطبٌ مهمٌ في دراسة بناء الجملة، ويعتبر المعنى مكمِّلاً للنحو العربي الذي يدرس وظائف المفردات في الجملة"[71]، وينبع الاهتمام بالمعنى لدى النحاة واللغويين العرب ومنهم ابن جني، من إيمانهم بأنَّ "النحو ليس مجرَّد قاعدة تُطبَّق، بل بحث في معاني التَّراكيب وأسرار حسنها وقوتها، وإن كان النحو ينطلق من المباني للوصول إلى غايته من المعاني"[72]. ومن ذلك عند ابن جني قوله:"إنَّما عقدنا فساد الأمر وصلاحه على المعنى".[73] ويقول:" تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى فهو مالا غاية وراءه، وإن كان تقدير الإعراب مُخالفًا لتفسير المعنى، تقبَّلت تفسير المعنى على ما هو عليه، وصحَّحت طريق تقدير الإعراب".[74]


ويرى ابن جني أنَّ المعنى ثابت واحد يجب إدراكه بوضوح أو البحث عنه إن لم يكن واضحًا، ولابد من اتِّخاذ الوسائل الكفيلة لإيضاحه، والمعنى مرتبطٌ بالبنية العميقة ـ على حد تعبير البنيويين التحويليين ـ ومن ذلك قولـه:" فأمَّا المعنى فواحدٌ، فقد ترى إلى سعة طريق اللفظ، وضيق طريق المعنى".[75] ويقول:" اعلم أنَّ العرب إذا أرادت المعنى مكَّنته واحتاطت له، فمن ذلك التوكيد...".[76] ويقول:" واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد تراجع اللفظ".[77] وذلك لأنَّ " قدر المعنى عندهم أعلى وأشرف من قدر اللَّفظ ".[78]


وركَّز ابن جني على العلاقة العضوية التي تربط اللفظ بالمعنى، وعقد أبوابًا عدة في خصائصه، ومن ذلك (باب في إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد) حيث يقول: "اعلم أنَّ هذا موضع قد استعملته العرب واتبعتها فيه العلماء، والسَّببُ في هذا الاتِّساع أنَّ المعنى المُراد مُفاد من الموضعين جميعًا، فلمَّا آذنا به وأدَّيا إليه سامحوا أنفسهم في العبارة عنه، إذ المعاني عندهم أشرف من الألفاظ".[79]ومنه (باب في التفسير على المعنى دون اللفظ) حيث يقول:" اعلم أنَّ هذا موضع قد أتعب كثيرًا من الناس، واستهواهم ودعاهم من سوء الرأي وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتايعوا فيه، حتى إنَّ أكثر ما ترى من هذه الآراء المختلفة والأقوال المستشنعة إنَّما دعا إليها القائلين بها تعلُّقهم بظواهر هذه الأماكن دون أن يبحثوا عن سرِّ معانيها ومعاقد أغراضها".[80]


ومنه (باب في قوة اللفظ لقوة المعنى) حيث يقول: "هذا فصلٌ من العربية حسنٌ؛ منه قولهم: «خشن واخشوشن» فمعنى (خشن) دون معنى (اخشوشن) لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو، ومنه قول عمر رضي الله عنه:«اخشوشنوا وتمعددوا» أي: اصلبوا وتناهوا في الخشنة، وكذلك قولهم:«أعشب المكان» فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا:«اعشوشب»".[81]


ويقول:" وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به".[82] ويقول:"ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن مُعتاد حاله، وذلك (فعَّال) في معنى (فعيل)؛ نحو:(طوَّال) فهو أبلغ معنى من (طويل)، و(عرَّاض) فإنَّه أبلغ معنى من (عريض)، وكذلك (خفَّاف) من (خفيف) و(قلاَّل) من قليل، و(سرَّاع) من سريع "[83].

 

ومنه (باب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول) حيث يقول:" اعلم أنَّ هذا الباب وإن ألانه عندك ظاهر ترجمته، وغضَّ منه في نفسك بذاذة سمته، فإنَّ فيه، ومن ورائه تحصينًا للمعاني، وتحريرًا للألفاظ وتشجيعًا على مُزاولة الأغراض، والكلام فيه من موضعين: أحدهما: ذكر استقامة المعنى من استحالته، والآخر: الاستطالة على اللفظ بتحريفه والتَّلعب به؛ ليكون ذلك مدرجة للفكر، ومشجعة للنفس، وارتياضًا لما يرد من ذلك الطُّرز...".[84]


وكما مرَّ فإنَّ المعنى يلعب دورًا رئيسًا في عملية التَّحول من صورة إلى صورة، وفـي هذا الشَّأن يقول عبد القاهر:" واعلم أنَّ الفائدة تعظم إذا أنت أحسنت النَّظر فيما ذكرت لك، من أنَّك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة، من غير أن تُغيِّر من لفظه شيئًا، أو تُحوُّل كلمة عن مكانها إلى مكانٍ، وهو الذي وسع مجال التَّأويل والتَّفسير، حتى صاروا يتأوَّلون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر، ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير"[85].

 

ولقد كان تشومسكي وتلاميذه مقتنعين " بأنَّ معنى الجمل يجب أن يخضع لنفس الخطوات التحليلية التي يخضع لها التحليل النحوي، وأنَّ الدلالة ينبغي أن تدخل في هذا التحليل كعنصر يتكامل مع التحليل النحوي للغات الإنسانية... فالجملة:(اشتعلت النار في المنزل) صحيحة نحويًّا، والجملة (اشتعل الثلج في الماء) غير صحيحة نحويًّا، ويرجع انحراف الجملة الثانية عن الصِّحة أنَّ المكون الدلالي للفعل (اشتعل) لا يتركَّب مع المكون الدلالي للفاعل (الثلج)"[86]. "والبحث الحديث هدفه دراسة التركيب الشكلي لعناصر الجملة؛ وسيلة للتعبير عن معنى، ومن ثم َّ يعتبر المعنى قطبًا مهمًا في دراسة بناء الجملة "[87].

 

وبعد، فقد تأكَّد لنا تشابه آراء ابن جني ودراساته حول المعنى مع أحدث الدراسات لدى السيميائيين، والوظيفيين، والتداوليين، والبنيويين التحويليين، وعلم لغة النصّ، وغيرهم، فالمعنى قطب الدراسات اللغوية شرقًا وغربًا، قديمًا وحديثًا.

 

سابع عشر: دراسة تأثير الإشارة وحركات الوجه في دلالة الكلام:

من الأمور المُهمَّة ذات العلاقة بالبنية السطحية والبنية العميقة دراسة ابن جنى للإشارة أو الحركات أثناء تأدية الكلام، وقد تعرض اللغويون العرب لدراستها وتحليلها، ومن هؤلاء الجاحظ المتوفى (255هـ) الذي درسها في كتابيه (البيان والتبيين) و(الحيوان)، ومن أقوال الجاحظ في هذا الشَّأن:" فأمّا الإشارة فأقربُ المفهومِ منها: رَفْعُ الحواجبِ، وكسرُ الأجفان، وليُّ الشِّفاهِ، وتحريك الأعناق، وقبْض جلدةِ الوجه. وأبعدُها: أن تلوى بثوبٍ على مقطع جبل تُجاهَ عينِ النَّاظر... "[88]. ومنه قوله أيضًا:" ولا بدَّ لبيان اللسانِ من أمور: منها إشارة اليد، ولولا الإشارةُ لَمَا فهمـوا عنك خاصَّ الخاصِّ" [89]. وقوله:" وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الاشارة أبين وأنور، كان أنفع وأنجع "[90]، فدراسة الجاحظ في هذه المسألة أسبق وأشمل ممَّا ذكره ابن جني عنها، وكلامهما عنها أسبق بطبيعة الحال عمَّا جاء لدى العلماء المحدثين.

 

وما يهمنا هنا هـو دراسة ابن جني لها، ومن ذلك قوله:"... وإن لم يكن ذا جارحة بأن يُحدث في جسم من الأجسام خشبةً أو غيرها؛ إقبالاً على شخصٍ من الأشخاص وتحريكًا لها نحوه، ويسمع في نفس تحريك الخشبة نحو ذلك الشخص صوتًا يضعه اسمًا له، ويُعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشَّخص دفعات... فتقوم الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المُواضعة، وكما أنَّ الإنسان أيضًا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المُراد المُتواضع عليه، فيقيمها في ذلك مقام يده لو أراد الإيماء بها نحوه".[91] ومن ذلك قولـه أيضًا:"... وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق. قلت: « سألناه وكان إنسانًا » وتزوى وجهك وتقطبه، فيغنـى ذلك عن قولك: « إنسانًا لئيمًا أو لحزًا[92] أو مبخلاً أو نحو ذلك "[93].

 

وأمَّا حركات الوجه فقد اهتم ابن جني بدراستها، ومن ذلك أيضًا قوله:" فلو قال حاكيًا عنها: «أبعلي هذا بالرَّحى المُتقاعس» من غير أن يذكر صكَّ الوجه، لأعلمنا بذلك أنَّها كانت متعجبة منكرة، لكنه لمَّا حكى الحال فقال: « وصكت وجهها » علم بذلك قوة إنكارها، وتعاظم الصورة لها، هذا مع أنَّك سامع لحكاية الحال غير مُشاهدٍ لها، ولو شاهدتها لكنت بها أعرف، ولعظم الحال في نفس تلك".[94]ويقول أيضًا:" وقد قيل: « ليس المُخبر كالمُعاين » ولو لم يُنقل إلينا هذا الشّاعر حال هذه المرأة بقوله: « وصكت وجهها » لم نعرف به حقيقة تعاظم الأمر لها، وليست كل حكاية تُروى لنا، ولا كل خبر يُنقل إلينا يشفع به شرح الأحـوال التَّابعة لـه المُقترنة كانت بـه. نعم، ولو نُقلت إلينا لم نفـد بسماعها، ما كنا نفيـده لو حضرناها ".[95]

 

ودراسة الإشارة وحركات الوجه عند ابن جني تُخالف تعريفه للغة بأنَّ حدَّها أصوات، وتتعارض مع دراسة البنيويين التقليديين (الوصفيين) للغة، فهم يدرسون الكلام المسموع، ولا يهتمون بما هو خارج عن اللغة، كما مرَّ بنا، وكذلك فهذا لا يتطابق مع دراسة البنيويين التحويليين التوليديين للكلام المسموع أو المكتوب، كما لا يحفل بذلك علم لغة النَّصِّ، ولكنه قد يهتم بدراسته السيمائيون؛ لأنهم يهتمون بكل ما من شأنه إيضاح الدلالة أو المعنى.

 

ثامن عشر: دراسة التَّنغيم والنَّبر وأثرهما في دلالة الكلام:

التَّنغيم (Intonation): عبارة عن تنويعات صوتية تُكسب الكلمات نغمات موسيقية مُتعدِّدة. أو هو رفع الصَّوت وخفضه في أثناء الكلام؛ للدلالة على المعاني المختلفة للجملة الواحدة. ‏أو هو الإطار الصوتي الذي تقال به الجملة في السِّياق. وتتَّفق هذه التَّعريفات جميعها على أنَّ التَّنغيمَ عنصرٌ صوتيٌّ، تتراوح شدَّتُه بين الارتفاع والانخفاض، وذلك على مستوى الحدث الكلامي.‏ ولقـد فرَّق بعض اللغويين بين مصطلحين أساسيين هما: النَّغمـة (Ton)، والَّتنغيم (Intonation)، فأمَّا النَّغمة فتكون على مستوى الكلمات المُفردة، في مثل: نعم، لا، ولد،...الخ. وأمَّا التَّنغيم فيكون على مستوى الجملة [96]. وذهب كارتشيفسكي (ت1931م) إلى أنَّ التَّنغيم هو الذي يتحكَّم في التَّركيب، وأنَّ بناء الجملة بناء إيقاعي في أصله (نَفَسي ـ فيزيزلزجي). ويتَّفق جميع علماء اللغة المُحدثين ـ على اختلاف مدارسهم ـ على أنَّ النَّبر يقـوم بدورٍ دلاليٍّ في بعض اللغات؛ كالصِّينية، واليابانية، والإنجليزية، والفرنسية، فإنَّ النبر فيها ذو وظيفة دلالية. ففي الإنجليزية ـ مثلاً ـ نجد أنَّ النَّبر إذ وقع على المقطع الأول كانت الكلمة اسمًا، أمَّا إذا وقع على المقطع الثاني فتكون الكلمة فعلاً [97]، ويزعم بعض العلماء أنَّ التنغيم لا يقوم بمثل هذه الوظيفة في بعض اللغات الأخرى؛ كالعربية مثلاً، كما يزعمون أنَّ قُدامى اللغويين العرب لم يُسجلوا هذه الظاهرة في كتبهم؛ لأنَّها ليست ذات قيمة صرفية أو نحوية.

 

وتُثير مسألة التَّنغيم في التُّراث العربي خلافًا كبيرًا بين الدَّارسين المُعاصرين، حيث انقسمت آراؤهم في ذلك إلى قسمين؛ فذهب قسمٌ من الباحثين إلى أنّ العرب لم يتناولوا هذه الظاهرة، ولم يدرسوها ولم يلتفتوا إليها؛ ومنهم الأستاذ الدكتور تمّام حسّان على ما عُرِف عنه من دقّةٍ وتمهّل في الحكم، عندما ذهب في كتابه "مناهج البحث في اللّغة" إلى القول:" إنّ العربيّة الفُصحى لم تعرف هذه الدراسة في قديمها، وإنّ القدماء لم يُسجلوا لنا شيئًا عن هذه الظاهرة " [98]، مستخدمًا أسلوب النفي الجازم، وهي مسألة لنا فيها وجهة نظر أخرى.

 

ويذهب براجشتراسر في كتابه "التطور النحوي" إلى مثل ذلك، ولكنّه يقصر نفيَه، في تناول هذه الظاهرة في التُّراث، على النَّحويين والمُقرئين القدماء، دون أهل التجويد والأداء، حيث يقول:" إنّنا نعجب كلَّ العجب من أنّ النحويين والمقرئين القدماء لم يذكروا النغمَة ولا الضغط أصلاً، غير أنّ أهل الأداء والتجويد رمزوا إلى ما يُشبه النغمة"[99]. والأستاذ محمد الأنطاكي ينفي إشارة النُّحاة في كتبهم إلى هذا الجانب عندما يقول:" إنَّ قواعد التَّنغيم في العربية قديمًا مجهولة تمامًا؛ لأنّ النُّحاة لم يُشيروا إلى شيءٍ من ذلك في كتبهم" [100].

 

والقسم الثاني من الآراء التي تناولت مسألة التَّنغيم في التُّراث، هي آراء لباحثين معاصرين ترى أنَّ القدماء أدركوا هذا الجانب، إذ تُوجد إشارات في كتبهم تُوحي إلى ذلك، وإنْ لم يكن لها حاكم من القواعد، ومِنْ مُمثلي هذا القسم الدكتور أحمد كشك في كتابه "من وظائف الصَّوت اللغوي" فقد خصَّص فصلاً في كتابه المذكور لدراسة التنغيم على أنّه ظاهرة نحوية [101]، يقول فيه:" وقدامى العرب، وإنْ لم يربطوا ظاهرة التَّنغيم بتفسير قضاياهم اللغويّة، وهم وإنْ تاه عنهم تسجيل قواعد لها، فإنّ ذلك لم يمنع من وجود خطرات ذكيّة لمَّاحة تعطي إحساسًا عميقًا؛ بأنّ رفض هذه الظاهرة تمامًا أمرٌ غير واردٍ، وإنْ لم يكن لها حاكمٌ من القواعد..." [102].

 

ويذهب الدكتور عبد الكريم مجاهد في ثنايا حديثه عن الدلالة الصوتيّة والصرفيّة عند ابن جني، إلى أنّ ابن جنّي قد أدرك هذا الجانب، ويرى أنَّه " بذلك يظهر فضل ابن جنّي بجلاءٍ ووضوحٍ، ويُثبت أنّه قد طرق باب هذه الموضوعات التي تُعتبر من مُنجزات علم اللغة الحديث، وبذلك تحفظ له أصالته ومساهمته"[103].

 

والمُلاحظ في قول الدكتور مجاهد أنّه جعل من التَّنغيم أحدَ مُنجزات علم اللغة الحديث، وهذا أمرٌ مخالفٌ لطبيعة اللغة، إذ لا يمكن أن تكون الظَّاهرة اللُّغوية منجزًا يُخترع في عصر ما، بل هي نتاج تطوّرٍ زمنيٍّ طويلٍ، لا يمكن أن يُحدَّ بعصرٍ معيَّنٍ. فالتَّنغيمُ ظاهرةٌ موجودةٌ في اللُّغة، ثم جاءت اللسانيات الحديثة لتوصّفها. ودليلنا على ذلك أنَّ الحديث عمَّا نسميه حديثًا بالتنغيم، الذي جعل الدكتور مجاهد "ابن جني" مُساهماً فيه، موجودٌ عند غير ابن جني، ولا سيما لدى سيبويه ولدى الفلاسفة، لذلك يمكن القول: إنَّ ظاهرة التنغيم قد شغلت في علم اللسانيات حيّزاً درسيّاً مُستقلاً، وأُفردت لها أبحاثٌ خاصّةً بها، ولم تُكتشف أو تُنجز فجأةً، مع الإشارة إلى أنّ الفضل في ذلك يرجع إلى تلك الإرهاصات البحثية التي نجدها عند الأقدمين من علماء العربيّة [104].

 

وعليه، فإنَّ التنغيم من الظواهر اللغوية التي يراعيها العرب فـي لغتهم، وتابعهم العلماء بدراستهما [105]، والنَّبر والتنغيم يُؤثِّران في تغيير البنية السطحية، ويُشير ابن جني إشاراتٍ لطيفةً إلى التَّنغيم والنَّبر وأثر حركات الوجه أثناء تأدية الكلام عندما عرض لكلـام العرب: «سير عليه ليلٌ» بقوله:" وكأنَّ هذا إنّما حُذفت فيه الصفة، لمّا دلَّ من الحال على موضعها، وذلك أنَّك تحسُّ في كلام القائل لذلك من التَّطويح والتطريح (التطويل) والتضخيم والتعظيم، ما يقوم مقام قوله (طويل) أو نحو ذلك. وأنت تحسُّ هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أنَّك تكون في مدح إنسانٍ والثَّناء عليه، فتقول: « كان والله رجلاً »، فتزيد في قوة اللفظ (والله) وتتمكّن من تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها؛ أي: رجلاً فاضلاً أو شجاعًا أو كريمًا أو نحو ذلك. وكذلك تقول: « سألناه فوجدناه إنساناً! »، وتمكّن الصوت بِـ (إنسان) وتفخّمه فتستغني بذلك عن وصفه؛ بقولك: إنسانًا سمحًا أو جوادًا أو نحو ذلك "[106]. ألا تدلُّ هذه الأمثلة من كلام ابن جني على أهمية النَّبر والتَّنغيم فـي تغيُّر البنية السطحية، وخير دليل قـول ابن جني السابق:" فتزيد فـي قوة اللفظ بـ (الله) وتتمكَّن في تمطيط اللام، وإطالة الصوت بها وعليها "، هـو نطق الكلمة منغمة.

 

من هنا كانت إشارات ابن جني الذكية تدلُّ على أهمية التنغيم، فقد بين أنَّ ".. لفظ الاستفهام إذا ضامَّه معنى التَّعجب استحال خبرًا. وذلك قولك: مررتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ. فأنت الآن مُخبَّرٌ بتناهي الرَّجل في الفضل، ولست مُستفهماً "[107]. والذي يدلُّ على ذلك إنَّما هو التَّنغيم الذي يجعل المُتحدِّث يمد صوته، عندما يقول: أي رجل، مستخدماً النَّغمة العالية المُنتهية بالمُنحدرة. ويظهر التَّنغيم جلياً عند التَحدُّث والنُّطق، وبالأخص عند إنشاد الشِّعر. فالأصلُ في اللغة أن تكون مُتحدَّثة ومنطوقة؛ لأنَّ النَّطق يأتي أولاً، والكتابة تمثل المرحلة الثانية، لأنَّها ما هي إلا صدى ومحاولة لرسم ما نطق. والكتابة غالباً ما تخفي بعض طرق النطق؛ كالنبر والتنغيم؛ لذا لجأ العلماء إلى وضع علامات ورموز عند الكتابة يسترشدون بها إلى النطق الصحيح.

 

كذلك يظهر أثر البناء المنطوق في التفسير الدلالي عند دخول النبر أو التنغيم، وهما من وسائل البناء المنطوق الدلالية، فقد يُحوُّل التنغيم الجملة من الخبر إلى الاستفهام، وقد يتوقَّـف فهم الجملة على ذلك التنغيم، " ويصبحُ التَّنغيمُ ـ وهو قرينةٌ صوتيةٌ ـ كاشًفا عن البنية العميقة "[108]. والتنغيم كما رأينا لا ينشئ علاقات نحوية ليست موجودة، ولكنه يختار بعض العلاقات النحوية القابعة تحت السطح المنطوق، ويظهر تأثيرها في التفسير.

 

والنَّبر أيضًا قـد أشار إليه ابن جني بمعنـى تطويل بعض حركات الكلمـة، وسمَّاه « مطل الحركة »؛ قال:" وحكـى الفراء عنهم: أكلت لحماً شاة، فمطل الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا. ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل والجلاعيد"[109]. ويقول في موضع آخر:" وذلك قولهم عند التَّذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي: قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتي، أي: أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو، في قمت إلى زيد ونحو ذلك"[110]. وقد عرفنا أنَّ المعنى لا يختلف بين البنية العميقة والبنية السطحية، وهذا يظهر هنا، فالمعنى قبل النبر والتنغيم هو المعنى نفسه بعدهما، وهذا يُعدُّ في نظر الدكتور إبراهيم أنيس ميزة في اللغة العربية؛ حيث يقول:" ولحسن الحـظ لا تختلف معانـي الكلمات العربية، ولا استعمالها باختلاف موضع النَّبر فيها" [111].‏

 

وبعد، فحديث ابن جني عن النَّبر والتَّنغيم، ومن قبل تعبيرات الوجه، يدلُّ على أنَّه أدرك بفكره الثَّاقب أنَّ التَّنغيم والنَّبر وتعبيرات الوجه التي تُصاحب قول القائل تلعب دوراً دلالياً مُهمًّا، وكذلك قد تجعل البنية السطحية عميقة، وتخلق منها بنية سطحية جديدة، من دون اختلاف المعنى، ويمكن للنبر والتنغيم توليد بنى سطحية كثيرة، وأعتقد أنَّه لا أحد يُنكر بأنَّ مصطلحات: التَّطويح، والتَّطريح، والتَّفخيم، والتَّعظيم، والتَّمطيط، كُلَّها وسائلُ تنغيميَّةٌ تصدر عن المُتكلِّم، وأيُّ واحدٍ من هذه المصطلحات يُمكن أن يُقابل مصطلح التَّنغيم في علم اللغة الحديث. وقد درس البنيويون التحويليون التنغيم، وذلك في نظرية العامل والإحكام الرَّبطي عند شومسكي، من خلال دراستهم لمكوِّن الصيغة الصوتية: (The Phonetic Form (PF) Component): الذي يقوم بتأويل البنية السطحية صوتيًا (التنغيم والنبر ).

 

تاسع عشر: دراسة المقام أو الحال (السياق):

دراسة المقام الذي قيل فيه الكلام، ومعرفة الحال، من المسائل التي شغلت ابن جني كثيرًا، فمعرفة المقام أوالحال الذي قيلت فيه البنية السطحية يوصلنا إلى بنيتها العميقة، حيث يقول ابن جني في هذا الشَّأن:" ألا ترى إلى قول سيبويه: أو لعلَّ الأولَ وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر؛ يعنى: أن يكون الأولُ الحاضرُ شاهدَ الحال، فعرف السَّبب الذي له ومن أجله ما وقعت عليه التَّسمية، والآخر لبُعده عن الحال لم يعرف السَّبب للتَّسمية ".[112] ويقول:" فليت شِعرِي إذا شاهد أبو عمرٍو، وابن أبي إسحاق، ويونس، وعيسى بن عُمر، والخليل، وسيبويه، وأبو الحسن، وأبو زيد، وخَلَف الأحمر، والأصمعيّ، ومَن في الطبقة والوقت من علماء البلدين؛ وجوهَ العرب فيما تتعاطاه من كلامها، وتقصد له من أغراضها، أَلاَ تستفِيد بتلك المُشاهدة وذلك الحضور، مالا تؤدّيه الحكاياتُ ولا تضبِطه الروايات، فتُضطرّ إلى قُصود العرب وغوامض ما في أنفسها، حتَّى لو حلف منهم حالِف على غرٍض دلّته عليه إشارة لا عبارة، لكان عند نفسه وعند جميع من يَحضُر حاله صادقًا فيه، غير متَّهَمِ الرأى والنَحِيزة والعقل".[113]


ويسوق ابن جني الشواهد والأمثلة؛ ليؤكِّد أثر المقام أو الحال في التَّحويل من البنية العميقة إلى البنية السطحية، ومن ذلك قوله:" وقد حذفت الصفة، ودلَّت الحال عليها، وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: « سير عليه ليل » وهم يريدون: ليل طويل، وكأنَّ هذا إنَّما حذفت فيه الصِّفة لمَّا دلَّ من الحال على موضعها، وذلك أنَّك تحسُّ في كلام القائل لذلك".[114] ويقول:"ومن ذلك ما أُقيم من الأحوال المُشاهدة مقام الأفعال النَّاصبة؛ نحو قولك إذا رأيت قادمًا: خير مقدم؛ أي: قدمت خير مقدم، فنابت الحال المُشاهدة مناب الفعل الناصب".[115] ويقول ابن جني:"... « كلَّم هذا هذا فلم يُجبه » لجعلت الفاعل والمفعول أيهما شئت؛ لأنَّ في الحال بيانًا لما تُعني، وكذلك قولك: « ولدت هذه هذه » من حيث كانت حال الأم من البنت معروفة غير منكورة ".[116]


ويدرس ابن جني أثر الحال في الانتقال من البنية العميقة إلى البنية السطحية، ومن ذلك قوله:" فإذا شاهدت ظاهرًا يكون مثله أصلاً، أمضيت الحكم على ما شاهدته من حاله، وإن أمكن أن تكون الحال في باطنه بخلافه".[117] ومن ذلك قوله:"... دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به، وكذلك قولهم لرجل مُهْوٍ بسيفٍ فـي يـدِه: « زيدًا » أي: اضرب زيدًا. فصارت شهادة الحال بالفعل بدلاً من اللفظ به، وكذلك قولك للقادم من سفر: « خير مقدم » أي: قدمت خير مقدم. وقولك: « قد مررت برجلٍ إن زيدًا وإن عمرًا»؛ أي: إن كان زيدًا وإن كان عمرًا، وقولك للقادم من حجِّـه مبرور: « مأجورٌ »؛ أي: أنت مبرور مأجور، و« مبرورًا مأجورًا »؛ أي: قدمت مبرورًا مأجورًا ".[118] ومنه قوله:" وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنَّما هو متى قام الدليل عليه أو شهدت الحال به، وكلَّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث ".[119]


ويقول:" فعلى هذا وما يجرى مجراه تُحذف الصفة، فأمَّا إن عُرِّيت من الدلالة عليها من اللَّفظ أو من الحال، فإنَّ حذفها لا يجـوز".[120] ومن ذلك أيضًا قوله:" وكأنَّ يقول السَّاجع: فرسك هذا إذا سما بغرنه كان فجرًا؛ وإذا جرى إلى غايته كان بحرًا، ونحو ذلك، ولو عُرِّى الكلام من دليلٍ يوضح الحال، لم يقع عليه (بحر)؛ لما فيه من التَّعجرف في المقال، من غير إيضاحٍ ولا بيانٍ، ألا ترى أنَّ لو قال: « رأيتُ بحرًا » وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه، فلم يجز قوله؛ لأنَّه إلباس وإلغاز على الناس ".[121]


وسيطول بنا المقام لو أردنا تتبعُّ كل مظاهر اهتمام ابن جني بدراسة المعنى وعلاقته باللفظ، وهذا أمرٌ واضحٌ في الخصائص يمكن الاطِّلاع عليه. وما سقناه من أمثلة وغيرها على دراسة ابن جني للمقام أو السياق يؤكد أنَّ كثيرًا من آراء ابن جني في هذه المسألة تُخالف ما ذهب إليه الوصفيون (البنيويون التقليديون)؛ لأنَّهم كانوا يُنادون بدراسة اللغة بمعزل عن العوامل الخارجة عنها، وهذا ما ثبت صعوبته فيما بعد عند التوليديين (البنيويين التحويليين) فهم يُنادون بدراسة السِّياق أو المقام للجملة، والأمر نفسه عند السيمائيين، وعلم لغة النصِّ، أمَّا الوظيفيون فيرون أنَّه من الصُّعوبة الفصل بين اللُّغة والسِّياق، فهم شكَّكوا في إمكانية دراسة الجملة بعيدًا عن السياق، وخاصة روبين لاكوف، وهذا ما أكَّدته مدرسة براغ، وعليه فإنَّ دراسة السياق أو المقام لدى ابن جني ومَنْ سبقه من اللغويين العرب يعدُّ سبقًا يتشابه مع رأي الوظيفيين والتوليديين التحوليين وغيرهم من المُحدثين.

 

وممَّا سبق أيضًا يتَّضح لنا وجود وشائج بين آراء ابن جني وعلـم لغـة النص (Text Linguistics)، فهو لا يقف أمام النصوص عند مجرد نحوها وصرفها وبلاغتها فحسب، إنَّما ينفذ إلى دلالات النص المعرفية والنفسية والاجتماعية والعقلية، باعتبار النصِّ جزءًا فعليًا من الواقع بدمه ولحمه، وينظر ابن جني الى النص باعتباره مُترابطًا من حيث الدلالة، وقد ظهر الأمر جليًا فيما بعد عند عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) في نظرية النظم، وظهر أيضًا لدي البنويين التحويليين الغرب فيما بعد. فقد عُني علم اللغة النَّصيِّ في دراسته لنحو النص بظواهر تركيبية مختلفة، منها: علاقات التَّماسك النَّصيِّ النَّحويِّ، وأبنية التَّطابق والتَّقابل، والتَّراكيب المحورية، والتَّراكيب التَّابعة، والتَّراكيب المُجتزأة، وحالات الحذف، والجمل المُفسِّرة، والتَّحويل إلى الضمير، والتَّنويعات التَّركيبية، توزيعاتها في نصوص فردية، وغيرها من الظَّواهر التَّركيبية التي تخرج عن إطار الجملة المُفردة، والتي لا يُمكن تفسيرها تفسيرًا كاملاً دقيقًا إلا من خلال وحدة النَّصِّ الكُليَّةِ [122].



[1] ينظر:ابن الحاجب، الشافية، مكة، المكتبة المكية، 1415هـ، (1/ 8 ـ 9).

[2]الخصائص (1/ 88).

[3]المرجع السابق (3/ 160).

[4]المرجع السابق (2/ 306).

[5]المرجع السابق (2/ 139ـ140).

[6]المرجع السابق (1/ 93).

[7]المرجع السابق (1/ 162).

[8]الكتاب (1/ 34).

[9]الخصائص (2/ 218).

[10]اللباب (1/ 106).

[11] العكبري، مسائل خلافية في النحو، تحقيق: محمد خير الحلواني، بيروت، دار الشرق العربي، 1992م، (1/ 63).

[12]أسرار العربية (1/ 72) (بتصرف).

[13]الخصائص (2/ 343).

[14]المرجع السابق (1/ 230).

[15]المرجع السابق (2/ 483).

[16]المرجع السابق (1/ 358).

[17]المرجع السابق (1/ 223)

[18]المرجع السابق (1/ 228).

[19]المرجع السابق (1/ 224).

[20]المرجع السابق (2/ 231).

[21]المرجع السابق (2/ 486).

[22]المرجع السابق (1/ 113).

[23]المرجع السابق (1/ 114).

[24]ينظر: ابن هشام، شرح قطر الندى، (ص314)، وعبد الله جاد الكريم، العدل عند النحاة العرب، مجلة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، العدد (59)، القاهرة 2009م.

[25] عبد النبي الدقر، معجم القواعد العربية، بيروت، الدار الشامية للطباعة والنشر والتوزيع، 2001م، (25 / 87).

[26] ابن السرَّاج، الأصول في النحو، تحقيق: د.عبد الحسين الفتلي، الطبعة الثالثة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1988م، (2/ 88).

[27] ابن جني، اللمع في العربية، تحقيق: فائز فارس، الكويت، دار الكتب الثقافية، 1972م، (1/ 155).

[28] البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق: عبد السلام هارون، ط4، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1997م، (2/ 496).

[29] رضي الدين الاستراباذي، شرح كافية ابن الحاجب، بيروت، دار الكتب العلمية، 1979م، (1/ 113).

[30]الخصائص (1/ 52).

[31]المرجع السابق (3/ 181).

[32]المرجع السابق (3/ 180).

[33]المرجع السابق (1/ 51ـ52).

[34]المرجع السابق (1/ 54).

[35]المرجع السابق (1/ 62).

[36]المرجع السابق (1/ 67).

[37]المرجع السابق (1/ 77).

[38]المرجع السابق (2/ 225).

[39]المرجع السابق (3/ 269).

[40]المرجع السابق (1/ 298).

[41]المرجع السابق (1/ 110).

[42]المرجع السابق (1/ 132).

[43]المرجع السابق (3/ 106).

[44]المرجع السابق (2/ 426).

[45]المرجع السابق (2/ 427).

[46]المرجع السابق (3/ 60).

[47]المرجع السابق (2/ 395).

[48]المرجع السابق (3/ 111).

[49]المرجع السابق (1/ 55).

[50]المرجع السابق (2/ 31).

[51]المرجع السابق (1/ 76).

[52] المرجع السابق (1/ 317).

[53]ينظر: عبده الراجحي، النحو العربي والدرس الحديث، (ص 148).

[54] ينظر: عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، (ص50).

[55] Chomsky 1981 ـ

[56] محمد الخولي، دراسات لغوية، (ص64).

[57]عبد الرحمن حاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل علاج العربية بالحاسوب،الكويت، مؤتمر اللغويات الحسابية، 1989، (ص223).

[58]المرجع السابق.

[59]ينظر: المبحث الثالث من الفصل الأول.

[60]مرتضى جواد باقر، مقدمة في نظرية القواعد التوليدية، (ص148).

[61]ينظر: مازن الوعر، جملة الشرط عند النحاة الأصوليين العرب في ضوء نظرية النحو العالمي تشومسكي، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 1999م، (ص79 ـ 86).

[62]عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، (ص218).

[63] ينظر: الخصائص (2/ 145).

[64] ينظر: الخصائص (2/ 152)، والكتاب (4/ 14،15).

[65] ينظر في ذلك: منقور عبد الجليل، علم الدلالـة أصوله ومباحثه في التراث العربي، دمشق، دراسة من منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2001م.

[66]الخصائص (1/ 237).

[67]المرجع السابق (1/ 224).

[68]المرجع السابق (1/ 224).

[69]المرجع السابق (1/ 217).

[70]المرجع السابق (1/ 150).

[71]تمام حسان، الأصول، (ص382).

[72]المرجع السابق (ص 282، 349).

[73]الخصائص (1/ 344).

[74]المرجع السابق (1/ 284).

[75]المرجع السابق (1/ 343).

[76]المرجع السابق (3/ 101).

[77]المرجع السابق (2/ 420).

[78]المرجع السابق (2/ 157).

[79]المرجع السابق (2/ 466).

[80]الخصائص (3/ 260)، نحو هذا قد عبَّر عنه المنتقدون للمدرسة التوليدية التحويلية باعتمادها على الحدس والتخمين. ينظر: المبحث الثالث من الفصل الأول (أهم الانتقادات الموجهة للمدرسة التحويلية).

[81]الخصائص (3/ 264).

[82]المرجع السابق (3/ 268).

[83]المرجع السابق (3/ 267).

[84]المرجع السابق (3/ 328).

[85]عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: عبد المنعم خفاجي، بيروت، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، 2004م، (ص374).

[86] جون ليونز، نظرية تشومسكي اللغوية (ص160 ـ161) بتصرف.

[87] فهمي حجازي، علم اللغة، (ص43).

[88] الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت، دار الجيل،1416هـ/ 1996م (1/ 48)، والجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: المحامي فوزي عطوي،ط1، بيروت، دار صعب، 1968م، (ص56).

[89] الجاحظ، الحيوان، (1 / 50)، والجاحظ، البيان والتبيين، (ص56).

[90] الجاحظ، البيان والتبيين، (ص 54).

[91]الخصائص (1/ 46).

[92]لحزًا: اللَّحِزُ: الضَّيِّقُ الشَّحيح النفْس الذي لا يكاد يعطي شيئاً، فإِن أَعطى فقليل. ابن منظور، لسان العرب (5/ 404)، مادة (لحز).

[93]الخصائص (1/ 251)

[94]المرجع السابق (1/ 245).

[95]المرجع السابق (1/ 246).

[96]ينظر: كريم زكي حسام الدين: أصول تراثية في علم اللغة، الطبعة الثانية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1985، (ص189‏).

[97]ينظر: المرجع السابق (ص187).

[98]ينظر: تمام حسان: مناهج البحث في اللغة، الدار البيضاء، المغرب، دار الثقافة، 1979م، (ص 197-198).

[99]ينظر: براجستراسر: التطور النحوي للغة العربية، القاهرة، 1929م، (ص 46-47).

[100]ينظر: محمد الأنطاكي: دراسات في فقه اللغة العربية، ط4، بيروت، دار الشرق العربي، (ص197).

[101]ينظر: أحمد كشك، من وظائف الصوت اللغوي محاولة لفهم صرفي ونحوي ودلالي، (ص52).

[102]المرجع السابع (ص57-58).

[103]ينظر: عبد الكريم مجاهد عبد الرحمن، الدلالة الصوتية والدلالة الصرفية عند ابن جني، مجلّة عالم الفكر، العدد (26)، السنة الرابعة، آذار 1982م، (ص79).

[104]ينظر: هايل محمد طالب، ظاهرة التنغيم في التراث العربي، دمشق، مجلة التراث العربي، العدد(91)، السنة الثالثة والعشرون، أيلول "سبتمبر" 2003م / رجب 1424 هـ.

[105] ينظر في ذلك: أحمد كشك، من وظائف الصوت اللغوي، القاهرة، دار غريب للطباعة والنشر، 2007م، وعبدالقادر عبد الجليل، علم الصرف الصوتي، الطبعة الأولى، عمان، دار أزمنة للنشر والتوزيع، 1998م. وعبدالغفار حامد هلال، أصوات اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة، مكتبة وهبة، 1996م.

[106] الخصائص (2/ 371).

[107]المرجع السابق (3/ 269).

[108]محمد حماسة عبد اللطيف، النحو والدلالة (ص119).

[109] الخصائص (3/ 130).

[110]المرجع السابق (3/ 269).

[111]إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، ط5، القاهرة، مكتبة الأنجلو، 1975م، (ص175).

[112]الخصائص (1/ 66). وينظر: سيبويه، الكتاب (2/ 103) حيث يقول:"أو يكون الآخر لم يصل إليه علم الأول ".

[113]الخصائص (1/ 248).

[114]الخصائص (2/ 370). وينظر: سيبويه، الكتاب (1/ 220).

[115]الخصائص (1/ 264).

[116]المرجع السابق (1/ 35).

[117]المرجع السابق (1/ 246).

[118]المرجع السابق (1/ 285).

[119]المرجع السابق (2/ 366).

[120]المرجع السابق (2/ 371).

[121]المرجع السابق (2/ 442).

[122]محمد العبد، اللغة والإبداع الأدبي، القاهرة، دار الفكر، 1983م، (ص 33).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة