• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الشجر والقمر (قصة قصيرة)

الشجر والقمر (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة


تاريخ الإضافة: 30/1/2016 ميلادي - 19/4/1437 هجري

الزيارات: 6739

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشجر والقمر


الوقت مبكر على ذهابه لمدرسته الابتدائية، هكذا اعتملت الخاطرة في نفسه، وهو يحمل عن أمه - عاملة النظافة - كيسًا ورقيًّا، وقد علَّق على كتفه حقيبته المدرسية القماشية، ثم يدلف معها من باب مدرسة البنات الإعدادية الخاصة التي تعمل بها، تلقي الأمُّ السلام على "عبدالعليم" الحارس، فيرده بهمهمة مفهومة وهو جالس في غرفته الملاصقة للبوابة، لا تزال السماء مغبشة ببقايا الغيوم والظلام في صباح شتائي بارد.

 

دخلت الأم غرفة العاملات، وأخرجت الخبز والفلافل ساخنة، وأعدَّت لصغيرها عدة سندويتشات لفَّتها جيدًا بورق أبيض، ودسَّتها في حقيبته التي ركنها جانبًا، تلفتتْ باحثةً عنه، كان قد تسلل بالمقشة ليكنس الفصول، محافظًا على ترتيب المقاعد والطاولات، ابتسمت وهي تنادي بصوت منخفض عليه.

 

قبل أن تصل أي من طالبات المدرسة، أنهى عمله، وغسل وجهه، ونفَّض مريلته الكاكية، وقبَّل يد أمِّه، ثم ذهب إلى مدرسته غير البعيدة، موقنًا أن عليه مرافقة أمه في عودتها للبيت، لذا يتأخر حتى تغادر كل طالبات المدرسة، ومن ثَم يُسرع بكنس ممرات الإدارة وما بين الفصول، على أن يكمل في صباح اليوم التالي.. ستنازعه أمه دومًا وتَمنعه من التكرار.

 

يعلم أن مديرة المدرسة حادة اللسان والمزاج، لذا تلوذ أمه وهي كبيرة السن بالصمت إزاءها، ولا تملك إلا إطراقة الرأس موافقةً على كلامها.

♦    ♦    ♦


في روحتهما إلى البيت يحكي لها أنه أكل كل طعامه، واحتفظ بقروش مصروفه، فقد أشبعته الفلافل، وأنه سيدرس وينجح ويتفوق، وأنه لا يزال يفكِّر ماذا سيكون في المستقبل، يحكي لها كل ما يسرها، وهي تتكئ عليه في سيرها، سعيدة بكلامه المتصل عن زملائه ومدرِّسيه، حتى يصلا للمنزل.

 

تحمد ربها أن رزَقَها محمودًا، وهي التي حُرِمت الذرية من زواج دام سنوات أعقبه طلاق، وظلت تحمل لقب مطلقة في قريتها المجاورة للبندر، حبلُها عزيز هي وأختها الصغرى، إلا أن زوج أختها صبر ودعا، فامتنَّ الله عليه بولد بعد سنوات طالت أوشك فيها العود أن يجفَّ.

 

زغردت يوم ولدت أختها ولدًا، وغزت بيوت القرية بالشربات، ولاذت بالبكاء يوم جاءها نبأ وفاة أختها بحمَّى النفاس، واستوت الدنيا والآخرة في عينيها، فلم تفرح كثيرًا عندما وجدت نفسها زوجة لزوج أختها، وتحمل ابن شقيقتها - وهو قطعة لحم حمراء - على ذراعيها، وتتفنن في إطعامه، مسترجعة كل ما شاهدته من هدهدة الأطفال، وفن إسعادهم، وانبهرت عندما رأته حاملاً ملامح أختها وطباعها؛ هدوءًا، وصبرًا، وقناعةً.

♦    ♦    ♦


منزلهما غرفتان متداخلتان، وفوقهما سطح به عشش الفراخ، تحمد الأم ربها أن هدى أبا محمود إلى شرائه بكل ما ادَّخره طيلة عمله كعامل " قروانة " في المعمار، متنقلاً بين القرى والمحافظات.

 

مات أبو محمود بعد سنوات، وتلاشت الجنيهات التي تركها، وكان عليها أن تعمل فرَّاشة بوساطة من "عبدالعليم" حارس المدرسة الذي يقطن قريتها، ويعرف أنها الوحيدة الباقية من أسرتها؛ فنَسْلُهُنَّ قليلٌ.

 

يختزن محمود في أعماقه همسات أمه - خالته الليلية، أن تعود إلى قريتها، ويكون لها بيت يجاور الخضرة؛ ليلتقي في مدِّ بصرها الشجر والقمر.

♦    ♦    ♦


في هذا اليوم كانت مريضة، فتحاملت على محمود وذهبت، لم تتنبه لاستفسار عبدالعليم عن سبب تأخُّرها، أسرعت بالدخول، وأسرع محمود بتنظيف الفصول، امتد الوقت، ووقفت البنات في الطابور الصباحي.

 

حين فتحت باب الفصل أُولى الطالبات ولوجًا، كان محمود ينهي تنظيفه، كلهنَّ تَسَمَّرْنَ لرؤية هذا الصبي، والغبار يصبغ شعره الغزير، أغلقنَ الباب، وحضرت المعلمة، وتطلعت إلى محمود الذي تحرَّك بينهن غير منكَّس الرأس، غير مكسور العين، غير مبتسم، نزل لأمه، قبَّل يديها المعروقتين، وحاول الخروج من الباب الخلفي للمدرسة، ولكن عبدالعليم الحارس ناداه وفتح له الباب الأمامي، لم يفهم الصبي، وهو يجر حقيبته القماشية، ليدخل مدرسته متأخرًا.

 

ولا يزال يحتفظ بكلمات أبيه وهو يحتضر: خالتك "صفية" هي أمك وأبوك.

♦    ♦    ♦


عليه أن يعمل في عطلته الصيفية، وأن يتقن حرفةً، يستند إليها في صباه وفتوته، ويجابه تقلُّبات الدنيا التي تجري عليه مثل ما تجري على الناس جميعًا.

♦    ♦    ♦


تصر أن تتسند عليه؛ لتخرج وتجلس على الدكة الخشبية أمام البيت الجديد، ظهرها شديد الانحناء، عبث حفيدها بخصلات شعرها، فبرزت شديدة البياض من طرحتها السوداء، كلماتها تَمتمات، ينصت لها محمود، ويحكي لها عن عمله معلمًا في المدرسة الإعدادية بالقرية، ويعيد عليها كيف أنه باع البيت في البندر، واشترى بيتًا جديدًا في القرية.

 

يجلسان متجاورين، تشير إليه ألا يسكت، تصدر عنها هَمهمة، فيُمعن في الحكي، يتلاقى في بصرها الشجر والقمر.

 

يشير إليها أن تُدلف للبيت، فالمساء بارد، تستجيب له، يُطعمها بيديه قبل أن تتمدد في فراشها، وتُهمهم مسترجعة: محمود الصبي الذي لم ينكس رأسه أمام البنات كما حكت لها مديرة المدرسة والمعلمات، وأصرَّ أن يخرج أمام الطالبات من الباب الأمامي، وألا تُخبره أمه بشيء عن الحدث؛ ليكون معها في غُدوِّها ورَواحها اليومي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة