• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

عروس النواعير

أديب قبلان


تاريخ الإضافة: 16/2/2010 ميلادي - 2/3/1431 هجري

الزيارات: 6097

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
أستغرب لقلمي! كلَّما هاجت نفسُه بالأشواق بدأ يصرفُها إلى الكتابة عن دمشق، وهل أعزّ من دمشق على قلبي؟! ربَّما كان هذا هو السَّبب الَّذي يصرفني عن الكتابة عن موطِني الأصلي.. حماة.

كلَّما يمَّمتُ شطْرها أحسستُ بقلبي يرقص طربًا خلف ضلوعي، وتهيج نفسي بالخواطر وتتداعى أصْداء أفكاري لتجمع الأوراق؛ لتسجيل أجْمل الذِّكْريات للعوْدة إليها في حالة البعد والجفاء، والعين تدمع للقاء الأوَّل بعد مضي أشْهُر على الرَّحيل فتصبح النفس في نشْوة تجمع الفرح والدموع، وتَحكي قصص الطُّفولة والصِّبا على مداخل العاصي، ونغمات النَّواعير الَّتي غدت سيمفونيَّةً أزليَّة تغني أغاني عُرفت منذ آلاف السنين، وتحكي قصص أقْوام حطُّوا رِحالَهم حولها، وأقاموا أزمنةً وأعمارًا مديدة، كلَّما سمعتُ نغماتها التي تتنقل على سلَّم موسيقي لن تَجد مثيلاً له، أنصتُ كلّي إلى قصصها وحكايتها، تحمل الماء الَّذي ما زالت تحمله منذ أن وجدت تحمله في صناديقها، التي ما عرف المؤرِّخون لها عمرًا لتفرغه في الأعلى، وإن تتبعتَ بنظرك رأيتَ مجْراه يحفر في تلك الجدران القديمة طريقًا معبَّدًا ليصل إلى الزُّروع، فيُخرج أحلى الأثمار وأروعها جمالاً ومنظرًا، وأزْكاها طعمًا ورائحةً.
يَا حُلْوَةَ العَاصِي وَمَجْدُكِ بَازِغٌ        وَالعِلْمُ   فِيكِ    مُوَثَّقٌ    وَمُقَوَّمُ
ليستْ حماة هي ماء العاصي أو أشكال نواعيره، إنَّما هي الرُّوح الَّتي أُودعت في العاصي، والقصص التي تُحكى على لسان النَّواعير، فها هو العاصي يمرُّ عابرًا مسرعًا يشق وسطها ويُخبر بما تيسَّر له من أخبار حمص وما قبلها، ويعد بالمزيد، ولكن عجلته بسبب فصل الشتاء ستضطرُّه للرحيل، وها هي النَّواعير تختزن قصصَ الأوَّلين ممَّن دخلوها، ولا تزال تحكيها ليلاً ونهارًا دون كلل أو ملل: بطولاتهم، أفراحهم، أحزانهم، كلها أخبارها عند النَّواعير، مَن جالس إحْداها طفق يتملْمل كثرة الحديث عن الأوَّلين، فيقول لها: هاتي ما عندَك من حديث الآخرين، فتُجيب ووجْهُها ممتلئ بالحسرة والألم: وأيّ آخِرين؟ لقد جهلوا قيمَتي فباتوا غارقين في أوْحال السيَّارات، وعالقين في أوْهام التكنولوجيا والمتطوّرات، فلم يعد لهم أيّ نظر للآثار والذِّكْريات!

وقلعتُها تلك الجاثمة في قلبها، كلَّما مررتَ بجانبِها تشعر وكأنَّها تتمْتِم بغريب القصص والحكايات، جمعتها من أمواج السنين التي تكسَّرت على سفوحها، وإنْ رأيتها أو قرأتَ عنْها تتخيَّل قول ابن خفاجة في وصف الجبل:
وَأَرْعَنَ  طَمَّاحِ   الذُّؤَابَةِ   بَاذِخٍ        يُطَاوِلُ  أَعْنَانَ  السَّمَاءِ   بِغَارِبِ
يَسُدُّ مَهَبَّ الرِّيحِ عَنْ كُلِّ وِجْهَةٍ        وَيَزْحَمُ   لَيْلاً   شُهْبهُ   بِالمَنَاكِبِ
وَقُورٍ  عَلَى  ظَهْرِ  الفَلاةِ   كَأَنَّهُ        طَوَالَ اللَّيَالِي مُفْكِرٌ فِي العَوَاقِبِ
هذه هي حماة، كلَّما زارها زائر أو حطَّت قافلةٌ رحالَها فيها، كانتْ كآلِ طيئ في الكرم والجود، وأمرت لهم بالذَّبائح إكرامًا وإجلالاً، وهل أعزُّ على قلْب حماة من زوَّارها؟! فهنيئًا لي بهذه الرُّوح الَّتي لا أزال أتلاعب في أحضانها، أسمو في مراتب حبِّها وأحطُّ بقلْبي على قلبها لأتحسَّس نبْضَها الحيَّ، الَّذي يجري في عُروقي مجرى أشعَّة شَمس الغسَق في أرْجاء السَّماء بِهدوئِها وتؤدتِها، ومن صَميم هذا القلب أَهذي بحُبي لهذه البقعة التي احتلَّت مكانَها في قلبي، ودقَّت خيامها، وأشعلت نيرانها في شراييني، فإنْ غابت عنِّي، آلت الدنيا إلى عجوزٍ متَّشحة بالسواد، تجمع أغراضها لأنَّها أحسَّت بقرب الخاتمة، وتفترش سريرَها منتظرة نهاية حياتها، وإن تبدَّت لي من بعيد فهي كالعروس في ركْبها أتَوا بها إلى عريسِها الَّذي تحوَّلت دنياه إلى سواء بعد غيابها، أليست هي عروس النواعير؟!

هذه هي حماة، إن ذكرتَها تبدَّت لك بطولات رجالاتِها منذ أن فتحها أبو عُبيدةَ بن الجرَّاح - رضِي الله عنْه وأرضاه - أمينُ هذه الأمَّة كما وصفه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إلى قتال العجم الفرنسيِّين، كلّ بطولة منها تسطر كتبًا من نور، وتحفر في القلوب ذِكْراها قبل الأوراق والألواح.

هذه هي ابنة بغْداد، وحفيدة دمشق، وأُخت حمص وحلب، وأمّ تدمر والقدموس، أسماء عريقة تتضمَّنها شجرة عائلة مدينة حماة، هذه المدينة السَّاحرة بوجودها الدفَّاق الَّذي يفيض على أهلها فيضانَ العاصي في فصل الشِّتاء، وقد صدق فيها الشَّاعر العراقي الشَّقيق أحمد صافي النجفي:
هَذِي  حَمَاةُ   مَدِينَةٌ   سِحْرِيَّةٌ        وَأَنَا  امْرُؤٌ  بِجَمَالِهَا   مَسْحُورُ
يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا أَقُولُ بِوَصْفِهَا        وَحَمَاةُ  شِعْرٌ   كُلُّهَا   وَشُعُورُ
إِنْ قَصَّرَ الإِنْسَانُ  فِي  تَعْمِيرِهَا        فَمِنَ   الطَّبِيعَةِ   كُلُّهَا    مَعْمُورُ
أَنَّى   مَشَيْتَ   فَجَنَّةٌ   وَخَمَائِلٌ        أَوْ أَيْنَ  سِرْتَ  فَأَنْهُرٌ  وَجُسُورُ
لم أكتب هذه الكلِمات ولا جمعتُها لأعرفكم - إخواني القرَّاء - بهذه المدينة؛ فتاريخُها عريق قديم، قصصه محفورة في الصخور وعلى أوراق الأشجار وفي الضلوع، وإنَّما كتبت هذه الكلِمات لما أحسستُ به من عتاب منها، فإنَّني كلَّما قابلتُها نأت عني تبْكي وتشكو هذا الجفاء، فما كان مني إلاَّ أن جمعتُ أوراقي وأمسكت القلم، فإذا به قد سطر هذه الكلمات بدُموعه وقلبي المنفطر دون استئذانٍ، معنونًا المقال "عروس النواعير".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- أحببت حماة وما رأيتها
Magda El Shanawany - مصر 13-07-2011 12:54 PM

ماشاء الله ما هذا الجمال ممتاز فعلا أديب أحببتنى فى بلدك وبرعت فى تصويرها وأتمنى عودتك إليها

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة