• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الربطة بشلن (قصة قصيرة)

الربطة بشلن (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة


تاريخ الإضافة: 9/1/2016 ميلادي - 28/3/1437 هجري

الزيارات: 4275

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرَّبطة بشِلِن


كان علي أن أذهب إليه في الصباح الباكر، كي أشتري كيلو "سجق"، قبل أن يحرّك عربته الخشبية، نحو السوق. فاليوم الجمعة، موعد الذبح في المسلخ، وكما أخبر أبي، فهو يكون هناك في آخر الليل، يشتري "السّقط" من الجزارين، ثم يحمله وينظفه ويقطعه في البيت، ثم يغدو به إلى السوق أول النهار.

 

بعد سهرة طويلة أمام مسرحيةٍ ضحكت كثيراً من تصنع الممثلين فيها؛ صحوت على يد أمي التي تُنغِص جنبي، "قم واشترِ..."، أفقت. كم كان وجهي منتفخاً في مرآة غرفتي، قبل أن أصك باب البيت خلفي.

 

أمامي عدد من الزبائن، فرحت أراقب المعلّم " حسين " وهو يقطّع الكرش، واللسان، والرئة، ولحمة الرأس، ويزنها حسب الطلب. أتعجب، كيف أدخل عربته الخشبية هذا البيت الضيق؟ لا يزيد عرض واجهة البيت من الخارج عن مترين، شأنه شأن كل البيوت المجاورة له. تقول جدتي: " هم إخوة مع بعضهم، تقاسموا بيت أبيهم، وفضلوا أن يبني كل واحد بيته " انتبهت على صوت زوجته، امرأة كبيرة في السن، برزت خصلات شعرها من طرحتها السمراء. تقف أعلى السلم الداخلي في البيت، مراقبة مشهد البيع والشراء في ساحة البيت السفلية، تنادي ثم تكرر:

• يا حسين يا حسين...، ما كل هذه الزحام يا حسين؟

 

يتطلع إليها بوجهه المتغضن، ويردد:

• زبائن، زبائن.

• أنا نازلة لك.

" حريصة على القرش " هكذا يقولون، وهكذا رأيتها، تأخذ مجلسها على شلتة في الأرض، تراقب زوجها.

• هذا أول زبون يا حسين؟

• سبقه ابن الرمادي، أخذ كيلو ونصف لحمة رأس.

 

يلقي في حجرها نقودًا ورقية، بعناية تعدها، وتدسها في صدرها. تنادي من جلستها على أبنائها:

• جهزوا الفطور.

 

تطل رؤوس عديدة من غرفتين فوق السلم، تهبط الابنة الكبيرة حاملة صينية عريضة، تقوم بعمل سندويشات، وتناول إخوتها الذين يجلسون على السلم، ويأكلون. " البيت ضيق، ولا مكان لتسعة عيال يتحلقون حول طبلية واحدة " هكذا تقول جدتي، وتردف: " ماذا تفعل امرأة حسين؟ تأخذ غلّة شغل زوجها قبل أن يطيّره على الكيف ".

•••


أرهف أذنيّ لجدتي، في جلستها فوق السطح، ألتصق بها، وهي تحتويني بذراعها الحنون، تكمل حكايتها: حين يرجع حسين " أبو كرشة " من السوق، يلاقي امرأته على شلتتها في مدخل البيت، يلقي حصيلة اليوم في حجرها، ويحلف أنه أبقى خمسين قرشًا للمواصلات والمقهى..، يحلف ويحلف، وهي تقول له: يا رجل يا ناقص، عيب عليك، كم كيلو فشّة معك؟ كم كيلو مصارين معك؟ كم كيلو كرشة معك..؟ يعد لها، وهي تصحح له، وتقول له: أكلت في بطنك ثلاثة جنيهات يا ضلالي. يسبها، وهي تسبه، ثم تُخرج من سرواله الفلوس. هو في النهاية، رجل طيب، وحيلته قليلة.

•••


تنادي ابنتها الوسطى:

• يا ليلى، روحي اشتري أكل الخروف.

 

تلف البنت طرحتها، وتأخذ من أمها قروشاً، وتنظر ناحية الباب، تقول الأم وتكرر طلباتها، والابنة تنصت بآلية:

• هاتي نصف كيلو ذرة، وربطة جراوة.

 

تتحرك البنت، تقول إحدى الجارات التي جاءت لشراء كرشة:

• موسم البرسيم اقترب يا حاجة.

• يأكل منه الخروف، قبل العيد؟ تسأل الحاجة.

•نعم، يأكل الربطة بشلن، أرخص من الجراوة والذرة. يرد الزوج.

 

جاءني صوت الخروف، تطلعت؛ كان محشوراً تحت السلم، أتعجب كيف يتحملون رائحته؟

 

تكرر الجارة مجاملة؛ على أمل أن يكرمها " حسين " في السعر:

• البرسيم كثير، وسيغرق السوق.

• يأكل منه الخروف، قبل العيد؟ تسأل الحاجة.

• نعم، يأكل الربطة بشلن، أرخص من الجراوة والذرة. يرد الزوج.

•••


تضحك جدتي وهي تقول: " يربون الخروف للعيد، وكل سنة تحلف امرأة حسين أنها ستترك الثلث لعيالها، والباقي لله والأقارب، لكنها ترجع في كلامها لما يذبح " حسين " الخروف في البيت، وتشوف اللحمة متكتلة.. "

 

ترد الجارة التي تسمع لها:

• والله امرأته لا تعرف الفاتحة. كنا في جنازة أم علي، زوجة الحاج زكي، وهمست لها: الناس تقرأ الفاتحة، اقرئي الفاتحة يا أم عربي. انتبهتْ لكلامي، فحركت شفتيها، ولم أسمع شيئاً.

أشاحت جدتي بوجهها، وهي تقول: الله أعلم يا أختي بما قالت.

•••


نظر لي المعلّم، قلت باضطراب: - " كيلو مصارين.. كيلو سجق ".

يمد يده إلى جردل بجانبه، يخرج مصراناً طويلاً، يضعه على الميزان، يقطّعه، يلفه في وريقات جرائد، يناولني، يشير إليّ لأعطي المرأة الفلوس، أناولها وهي تقول: سلّم على جدتك يا ولد، وقل لها: اليوم السجق غالٍ.

•••


بدأت الشمس تسخن الرؤوس، وهو يدفع عربته الخشبية، وعليها مربع من الحديد مثبت رأسياً، وقد تدلت منه " خطافات " الحديد، وفي مخزن العربة يضع جرادل " السّقط ". وجهه متجهم مقطب، لا يلقي السلام ولا يرده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة