• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

عملة نادرة (قصة قصيرة)

عملة نادرة (قصة قصيرة)
نورا عبدالغني عيتاني


تاريخ الإضافة: 6/1/2016 ميلادي - 25/3/1437 هجري

الزيارات: 5272

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عملة نادرة


الحمدُ لله، وبعد:

ففي ظهيرة أحد الأيام، وأنا في تأهُّبٍ لإقامة صلاة الظُّهر في المسجد، رأيتُ مشهدًا شدَّني وأسعدني وأثارَ إعجابي؛ كانت امرأة منتقبة - وقد رفعَت نقابها - متواضعة متبسِّمة، يستبشرُ المرء حين ينظرُ إلى وجهها، تقفُ في الصفِّ الأول، تشيرُ بلطفٍ للنِّساء والفتيات اللواتي يقفنَ في الخلف؛ كي يتقدَّمنَ إلى الأمام ويُتممنَ الصفَّ كما يجب.

 

ليس من عادتي أن أَسعد بمشهدٍ كهذا؛ فلطالما أزعجَتني ونفَّرتني كثيرٌ من النِّساء اللواتي يقدِّمن هذه النَّصيحة بغلظةٍ وقسوةٍ وعبوس، وكأنَّهنَّ مالكات المسجد والوصيَّات عليه! وكنتُ في الحقيقة قد بدأتُ أنفرُ من الصلاة في كثيرٍ من المساجد في الآونة الأخيرة، وأنا التي تَعلَّق قلبي بالمساجد منذُ الصغر؛ لكثرة ما رأيتُ هذه الظاهرة تتكرَّر وتتوسَّع وتنتشر، ولشدَّة ما كانت تزعجني عباراتُ بعضهنَّ الخالية من الأدَب والذَّوق، وغلظة أصواتهنَّ وارتفاع صداها في المسجد وهنَّ يتباهينَ بكونهنَّ صاحبات الأمر والنَّهي على باقي النسوة المؤدَّبات الرزينات اللواتي يُطِعنَ الأوامرَ مرغماتٍ؛ كي لا يثرنَ المشاكل في المسجد، حتى ولو كان هذا على حساب مشاعرهنَّ وراحتهنَّ وسَكينتهنَّ التي أتَينَ إلى المسجد ليبحثنَ عنها! هذا ناهيكَ عن كَيل الألفاظ والصَّرَخات والإهانات التي يتلقَّاها الأطفالُ وأمهاتهنَّ من بعض النِّسوة المعتكفات يوميًّا في المساجد خصِّيصى لهذا الهدف!

 

لطالما علقَت في ذاكرتي الطفوليَّة المزهرة صورةٌ لذاك الرجل الصعيديِّ البسيط المتواضع، صاحب الابتسامة المشرِقة، خادم المسجد بكلِّ تفانٍ ومحبَّةٍ وامتنان لتشرُّفه بخدمة بَيت الرحمن.

 

كان محمَّد يخدم المسجدَ ويُشرف عليه من قلبه قبل عينيه ويديه، حتى صار فيما بعد مؤذِّنًا فيه، ومن ثمَّ استكمل ذاك المتواضعُ المتبسِّم دراستَه، وهو الساكنُ في تلك الحجرة البسيطة القابعة في نهاية المسجد، ونال درجةَ الدكتوراه وصارَ مدرِّسًا لمادَّة التجويد في كليَّة الشريعة، وزاده اللهُ شرفًا ورقيًّا بالقرآن إلى أن صار إمامًا بعد ذلك في أحد أهمِّ مساجد بيروت.

 

تبارك الله، كيف صار لذلك الرجل كل هذه الدَّرجات والفتوحات في الدنيا؟! كيف نالَ القبولَ وارتفع لمجرَّد أنَّه كان من أشد الناس تواضعًا وتخفِّيًا بعلمه وعمله خلف ابتسامةٍ بارزة الوضوح والسِّحر والجاذبيَّة، واللهُ يعلمُ ماذا خُبِّئ له في الآخرة من درجاتٍ ومقاماتٍ أبهى وأعلى!

 

كنتُ في حينها ما زلتُ في العاشرة؛ حيثُ كنَّا نلعب ونقفزُ ونركضُ في المسجد أثناء الدورة الصيفيَّة أنا وإخوتي ورفاقي الأشقياء، ولم نكن أشقياء عاديِّين، بل وصلَت بنا الشقاوةُ إلى حدِّ التخريب في قِسم الرجال وإزعاجهم بالضحكات والأصوات، كان يَكتفي في حينها خادمُ المسجد البسَّام بالتطلُّع نحونا بنَظرته الساحِرة الآسِرة تلك، التي تَجمعُ بين الضحك والشَّفقة والرِّفق، وشيئًا من عتبٍ بسيطٍ لا يكاد يبين؛ كان يكتفي بتلك النظرات وهاتيكَ الابتسامات، وكنَّا نفهمُ ونتراجعُ ونزيدُ له احترامًا وتقديرًا؛ لأنَّه لم يَنهرنا يومًا ولم يؤنِّبنا، بل وكان لا يتوانى عن المزاح معنا وبثِّ روح الدعابة اللطيفة الطيِّبة.

 

الشيخُ محمد؛ هو اسمٌ لن أنساه، هو وجهٌ لا يتكرَّرُ إلَّا نادرًا، وعملةٌ نفتقدها بشدَّةٍ في أيامنا، ويفتقدُ قيمتَها وثراءَها شبابُنا.

 

ها هي العملةُ النادرةُ تتكرَّر اليومَ أمام ناظري في قِسم النساء، والسيِّدة الرقيقةُ اللَّطيفةُ البسَّامة تقترب بعد الصلاة لتحيِّي إحدى الفتيات المتبرِّجات ذوات الحِجاب العصريِّ الدارج؛ المكوَّن من بنطالٍ ضيِّقٍ لا نفعَ منه، وسترةٍ قصيرةٍ واصفةٍ لا تَسترُ ولا تُغني من سفور.. ها هي يدُها تحيطُ خاصرةَ الفَتاة برفقٍ ولِين لتتَّجه بها نحو ملصقٍ دعويٍّ مهمَلٍ معلَّقٍ على أحد الحوائط في المسجد، لا يَلتفتُ له أحد.. تَدعوها برفقٍ ولطفٍ للنَّظر إلى صورة الحجاب الكامل ومقارنتها بصور الكاسيات العاريات، ها هي تدعوها برفقٍ لكي تخرجَ من ضِيق دائرة الفئة الثانية ولتدخل في سعة رحمة الله ورضوانه، ها هي الفتاةُ تَبتسمُ وعيناها تَدمعان وتشكرُها بودٍّ على النَّصيحة والتذكير، فتُربتُ السيدةُ اللَّطيفةُ على كتفها بحنانٍ ومودَّةٍ عارمَين.

 

كم نَفتقدُ هذه العملة النَّادرة، وكم نَفتقدُ من يقبلُ التداولَ بها ويتقبَّلها! فهي والله رأسُ مال هذه الأمَّة!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- أنتِ أجمل
نورا عيتاني - لبنان 06-01-2016 10:31 PM

حبيبتي غادة قلبكِ أجمل، سلمتِ!

1- جميل
غادة عيتاني - لبنان 06-01-2016 06:01 PM

نص جميل سلمت يداك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة