• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

اللعين .. ! (قصة قصيرة)

محمد عبدالشافي القوصي


تاريخ الإضافة: 2/2/2010 ميلادي - 17/2/1431 هجري

الزيارات: 7706

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
بعد غيابٍ طويل، رجعتُ إلى مسقط رأسي، فرأيتُ كلَّ شيء قد تغير؛ حتَّى أسماء الشَّوارع وسكَّانها، وسألتُ عن الشَّيخ، فأخبروني أنَّه مريض منذ عام أوْ يزيد.

على الفور ذهبتُ لزيارته، فوجدتُ الباب مغلقًا على غير المعهود، فلمَّا طرقتُه لَم يردَّ أحد، لكني سمعتُ أصواتًا تتخلَّلها قهقهة عالية!

أعدتُ الطرْق مرَّة بعد مرَّة، فإذا بالخادم يفتَح لي الباب، ولم يتمالَك نفسَه من فرط الضَّحِك.

سألتُه عن الشيخ، فقال: اذهَبْ إليه في البيت الآخَر.
قلتُ: من الَّذي كان يتكلَّم معك؟ فقال: عندما هممتُ بالخروج وجدتُ إبليس اللَّعين على عتبة الدَّار، فسألتُه عن حاله مع العباد، فقال: في الماضي كنتُ أُعلِّم الناسَ طُرُق الضَّلال، أمَّا الآن فأنا أتعلَّم منهم طرُق الضلال!

تعجَّبتُ لكلامه، وتركتُه لحاله، واتَّجهتُ إلى الشَّيخ في المنزل الآخَر.

وفي أثْناء الطَّريق، بدا لي ألاَّ أذْهب في الحرِّ الشَّديد، تردَّدتُ قليلاً ثمَّ واصلتُ السَّير ببطء، فكأني بمَن يقول لي: ربَّما لا تجد أحدًا هناك بعد هذا العناء!

أوشكتُ أن أرجع، لوْلا أنَّه لم يبقَ سوى مسافة قصيرة بيْني وبين العنوان الَّذي قصدتُه.

لمَّا دخلتُ على الشَّيخ، وجدتُ عنده جمعًا غفيرًا من النَّاس، لم أعرف منْهم سوى ثلاثةٍ أوْ أربعة فقط من الشَّباب، وقد سأله أحدُهم عن سرِّ مرضه، فقال الشيخ:
رأيتُ "اللَّعين الأوَّل" في المنام كأنَّه عريان، فقلتُ له: أمَا تستحيي من النَّاس؟! فقال: يا لله! أهؤلاء تَحسبهم من الناس؟! لوْ كانوا منهم ما تلاعبتُ بهم كما يتلاعب الصِّبيان بالكرة، ولكن النَّاس غير هؤلاء، فقلتُ: ومَنْ هم؟ قال: جماعة موجودون في الجامع المهجور أقصى المدينة، هؤلاء أضْنَوا قلبي، وأنحلوا جسمي، كلَّما هممتُ، أشاروا بالله، حتَّى كادوا يُحرقونني!
•              •                 •

ما أنْ سمعتُ هذه القصَّة، حتى استأذنتُ، واتَّجهتُ على الفور إلى الجامع المهجور، وفِي الطَّريق الطَّويل، اعترضَني شيخ عليْه من الهيبة والوقار، وسألَني في الحال: أين أنتَ ذاهب؟ قلتُ: إلى الجامع المهجور، فقال وهو يرتجف: أنصحكَ بالرُّجوع، ففي الطَّريق أسد ضارٍ!

أصابني رعب شديد! ولم أستطِع السَّير يمينًا أوْ شمالاً، حتَّى أبصرتُ شجرةً صغيرة نائية، فاتَّجهتُ نحوَها لأستظلَّ بها، فوجدتُ تَحتَها امرأة فاتنة، عليْها من كلِّ ألوان الزِّينة وأشكال الحلل والمفاتن، وكانت تبكي بكاءً حارًّا.

فاقتربتُ منها، وسألتُها عمَّا بها.
فقالت: انقطعتْ بي السُّبُل، ولم أجد إنسانًا مُشفِقًا أبيتُ عندَه للغد.
فاعتذرتُ لها بحجَّة أنَّ مسكني بعيد جدًّا، وأنَّني على سفر.
فقالت: ألا تدلُّني على محطَّة القطار.
فقلت: لا يُوجد هنا محطَّة للقطار.
قالت: ألا تذْهَب معي إلى السُّوق لأبيعَ بعض المصوغات الذهبيَّة.

فأصابني وجَل شديد، وتوجَّستُ منها، فاستعذتُ بالله، وهربتُ مواصلاً مسيرتي الَّتي ابتدأتُها منذ الصَّباح، حتَّى وصلتُ الجامع المهجور بأقْصى المدينة، فوجدتُ هناك نفرًا من العُبَّاد في ركن بعيد، فلمَّا اقتربتُ منهم، أوْمأَ أحدُهم برأسِه قائلاً: أنتَ كلَّما قيل لكَ شيء تقبله!
ثمَّ قال الآخر: هنيئًا لك، لقد نجوتَ اليوم من "اللعين الأول"!
ولمَّا طلبتُ منهم أن أُقيم عندهم أبَوا بشدَّة، وقالوا: لن تحتمل!
فلمَّا ألححتُ عليْهم في الطَّلب قالوا: إذا خطَر ببالك من الجمُعة إلى الجمُعة غير الله، فارحل من عندنا.
•              •                 •

علمتُ أنَّني لم أحتمل، وأثناء رجوعي، استوقفتْني سيَّارة شرطة سوداء، خرج منها ضابط مكفهرّ الوجه، مقطوب الجبين، وقال: اركب.
قلتُ: لماذا؟
قال: اركب، وستعرف بعد قليل.

فلمَّا ركبتُ السيَّارة وجدتُ آخَرين محجوزين في السيَّارة، منهم نساء وأطفال صغار!
تنقَّلت بنا السيَّارة من مخفر إلى مخفر، ومن سجن إلى سجن، وهناك استقْبلونا بالشَّتيمة والضَّرب المبرح، دون أن نعرف ما السبب؟!
بعدها ألقَوا بنا في زنازين ضيِّقة مظلمة، فرأينا ما تشيبُ له الولدان، رأينا أُناسًا قد مضى على سجنِهم خمسون عامًا، ورأيْنا موتى لا أحد يعرف لهم عنوانًا!
سألتُ مَنْ بِجواري: لماذا جاؤوا بك إلى هُنا؟
قال: كما جِيء بك!

سألتُ آخَر السؤال ذاته، فقال: كنتُ أشتري كيلو بلح لجارتي المريضة، فجرَّني مُخبر إلى هنا، وقال: يبْدو أنَّكَ من هؤلاء الذين يَصومون "الاثنين" و "الخميس"!

قاطعَنَا طفل صغير، قائلاً: أمَّا أنا فقد كنتُ مرتديًا جلبابًا أبيض، فاتَّهموني بالانتماء للجماعات الدينيَّة المتشدِّدة!
•              •                 •

في منتصف الليل، فتح مدير السِّجْن الزنزانة، وضرب أحد المساجين على وجهِه بقوَّة، وسأله: ما هذه اللِّحية؟ فأجابه باستهزاء: أُسوةً بـ "البابا"!
أُصِيبَ الضَّابط بصدْمة شديدة، ونكَّس رأسه خجلاً، وعندما همَّ بالرَّحيل طلب منه أحدُ المساجين - وكان رجلاً كهلاً مريضًا - أن يسمح له بالصَّلاة، فردَّ بازدِراء وتجهُّم: مادمتَ تفكِّر في الصَّلاة، فلن تخرج من هنا أبدًا!

اشتاط المساجين غيظًا من غطرسة مدير السِّجْن وحماقته، وبلغ بهم الغضب مبلغه؛ ممَّا جعل أحدَهم يصرخ بأعلى صوته: إنَّ إبليس اللَّعين - يا باشا - لا يستطع أن يَمنع أحدًا من الصَّلاة!

فقال الرَّجل المريض بصوت خاشع: لأنَّ "اللَّعين" كيده ضعيف!

أضاف آخر: نعم، اللَّعين الأوَّل أرحم بكثير؛ فليس لديْه وسائل التَّعذيب الجهنميَّة، وليست عنده سجون ولا زنازين مثل هؤلاء الطغاة!

وقعتْ هذه الكلِمات على مسامع المساجين، فأيقظتْهم من غفلة طويلة، وفجَّرت مواجعهم المكتومة، وأشعلت لهيب قلوبهم المحترِقة، وفي الحال أمسكوا بمدير السجن وألقَوه أرضًا، وانهالوا عليه ضربًا بالحجارة والأحذِية، حتَّى أفقدوه وعيَه، وانطلق آخرون فهدموا جدران الزَّنازين وفتحوا أبوابَها الموصدة، وراحوا يهتِفون بأعلى أصواتهم: يَحيا اللَّعين الأوَّل، يحيا اللَّعين الأوَّل!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- سلمت
نهى - مصر 10-03-2010 02:44 PM
قصة تحليلية نفسية فلسفية
لها دلالات سياسية بعيدة
شكرا لكم
2- قصة جميلة
الطيماوي 20-02-2010 04:04 PM
القصة جميلة ومؤثرة وتحقي واقعا مؤلما نعيشه في حياتنا
1- شياطين الإنس أغوى
غانم - السعودية 02-02-2010 04:00 PM
جزاكم الله خيراً ، وأذكر أن بعضهم ذكر لي على سبيل الموعظة لا الحقيقة : أن الشياطين اجتمعوا وفي نهاية الاجتماع توصلوا إلى قرار أن يجلسوا كلهم في بيوتهم ؛ فسالهم شيطان آخر عن السبب ؛ فقال كبيرهم : لأننا لم يعد لنا عمل ؛ فشياطين الإنس يقومون بالمهمة فنحن في حل وهم اغوى وأضل منا فواجب علينا الراحة .
أعاذنا الله وأجارنا وإياكم من شياطين الإنس والجن .
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة