• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

وأشياء أخرى (قصة)

لطيفة عبدالرحمن العمير


تاريخ الإضافة: 16/11/2015 ميلادي - 3/2/1437 هجري

الزيارات: 4855

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وأشياء أخرى


يعود مِن عالمِه لتسبح عيناه في الفراغ الهائل أمامه، هو لا يَنظر للأشياء على اعتيادٍ محض، ولا يتفحَّصها باعتياديَّة روتينيَّة مكرَّرة - وبائسة؛ إن شئتَ فقل - كبقيَّة أقرانه.

 

لم يكن طفلًا عاديًّا، ولا أظنه سيكون رجلًا عاديًّا أيضًا، مثله لا يقبل الاعتياد ولا الرُّوتين القاتل والحياة البائسة، التي تمضي فقط لأنها تمضي؛ لأنها مجبرة على المضيِّ على التماهي في اللامكان واللازمان واللاشيء.

 

لم يكن طفلًا عاديًّا.. كان يَنظر للحياة من خلال مَحسوساته الصَّغيرة، يفكِّر بطريقةٍ مدهِشة! بارعة في صَبغ كلِّ شيء بصبغته الحقيقيَّة، يتصاعد في رأسه بركانُ أسئلة أراها في عينيه، يحدق بي طويلًا، يَبتسم ويتمتِم ببعض ما في رأسه، ثمَّ يعاود الصَّمتَ، وأعاود حيرتي ودَهشتي وامتلائي به، بوجهه الدَّائري، بعينيه العسليَّتين، وأنفِه الدَّقيق، وفمه الذي لا يعرف الكلام إلَّا لِمامًا.

 

أعاود الامتلاء به؛ بعقله الذي أحب، بكل الأشياء التي يَختزلها في طريقة حديثه، وطريقةِ لعبه، وطريقة مصافحته لي كلَّ صباح!

 

لم يكن طفلًا عاديًّا.. ولا أستطيع ألَّا أنحاز إليه فيما يَصنع.

 

هدوءُ طبعه، صوته الذي يَخرج على استحياءٍ غريب، وعُمق نَظرته حين يوجِّه عينيه في عينيَّ مباشرة، حِرصه على مَظهره، وابتسامته العفويَّة جدًّا؛ كلُّها تَجعلني أحبُّه أكثر.

 

أَذكر أنَّه ذات مرَّة كان يشرع في الكلام على غير عادته.. وكنتُ - ويا لحسنِ الحظِّ - الوحيدة في محيطه.

 

قال:

• "أبلا" القنفذ يشبِه الصبَّار! كلاهمـا يَملك أشواكًا! (نظر إليَّ نظرةً يَختبر فيها فهمي له، ثمَّ صمت...).

♦ وما فرق القنفذ عن الصبَّار يا خالد؟

• القنفذ يتحرَّك، الصبَّار لا يفعل!

♦ صحيح؛ لأنَّ القنفذ حيوان يا صغيري، والصبَّار نبات.

• مم، سمعتُ أختي تقول: الأشياء لا تَخرج عن أربعة: (الإنسان والنبات، والحيوان والجماد).

♦ لا أعرف كيف فسَّرَت لي أنَّ الذي لا يتحرَّك يسمى جمادًا!

• سألتُها عن السيَّارة؟ قالت: السيارة جماد؛ لكنَّها تَسير لأنَّها تَعمل ما صُنعَت من أجله.

♦ قالت أيضًا: لا تُكثر الأسئلة، هي تسير لكنَّها جماد.. وكفى.

♦ ... (أحدِّق فيه، أستزيدُه أن يفرغ ما في خلده بنظرتي).

• "أبلا" لِماذا لا تكون الأشياء (إنسان، حيوان، نبات، جماد، "وأشياء أخرى")؟!

♦ يا صغيري، الأشياء تَخضع لقوانينها؛ الإنسان له حياة، الحيوان والنَّبات أيضًا، الجمادات لا حياةَ لها، لا تموت؛ هذا هو الفرق، لا السَّير من عدمه.

• أخبِرها أنَّ الأشياء التي تَموت تسمَّى كائنات حيَّة، والأشياء التي لا تموت هي الجمادات.

• ابتسم، أشرقَت في عينيه نَظرةُ نَصر؛ كأنَّه يقول: هنا البداية، وأنا يجب أن أفهم.

• لَملَمَ حاجياته وخرج لصالَة الانتظار مع بقيَّة الأطفال.. لم يكن يَرغب في الحديث معهم، كان راغبًا جدًّا في اعتزالهم، في المضيِّ قُدمًا في فِكرة أنَّ الحياة تَصنع الفرق!

••••


منذ ذلك اليوم والاستفهامات تَفور في رَأسي كقِدرٍ يغلي على نارٍ هادئة، ماذا لو كانت الأشياء كما قال صغيري "خالد" لا تَخرج عن (الإنسان، الحيوان، النبات، الجماد، وأشياء أخرى)؟! كيف لهذا الصغير أن يقحمني في عالَمٍ لا مُتَناهٍ من الأسئلة بتلقائيَّة لا متناهية؟!

 

ماذا يَقصد بالأشياء الأخرى التي طرأَت على عقله؟!


من الغباء الظنُّ أنَّ السيارة وحدها مَن أشعلَت في رأسه فِكرةَ الأشياء الأخرى؛ كونها تَجمع بين متناقضين!

 

... ماذا استطاع أن يضيف لِهذه الخانة أيضًا قبل أن يَقترحها كشيءٍ طارئ على الحياة؟! شيء له ميزان الازدواج والمواءمة!

 

:
الحقيقة.. أنِّي لا أدري كيف استطاع أن يشعِل في رأسي شرارةَ الأشياء الأخرى!

••••


ذهب خالد بفكرة "الحياة تَصنع الفرقَ"، وذهبتُ بفكرته، أخذ يَكتشف الأشياء على نَحو معقَّد، ويتلذَّذ بما يصنع!

 

لم يكن طفلًا عاديًّا؛ هذه هي الحقيقة التي لا خِلاف عليها.

 

ولم تكن فِكرته عاديَّة.

 

كل الحيوَات التي تتجدَّد تدور في فلَكها، تتباطَأ أحيانًا، وتُسرع أخرى، لكنَّها لا تخرج من نظام الدَّوران، لا تنفكُّ الحياة عن كونها تَحدث على غير ما تَحدث عليها دائمًا، مهما كرِّرَت الأحداث في أماكن مختلفة مع أشخاص غرباء، وآخرين إخوة.

 

لا يوجد إنسان يعيش حياةً سبق أن عاشها أحدٌ قبله، أو يعيش كل تفاصيلها أحدٌ مثله، أو سيعيشها جنين تخلَّقَ - أو لم يتخلَّق بعد - في رَحِم أمِّه.

 

الحياة لا تتكرَّر على نحو دقيق، الحياة تَمتلك قدرةَ التحوُّل والدمج، هذا هو ناموسها الذي فُطرَت عليه، ونحن أناسٌ نَستطيع أن نَخرج بهذه الحياة ومنها بأقل خسائر ممكِنة؛ بأن نَصنع الفرقَ، ونؤمن بأنَّ الله لم يَخلق شيئًا عبَثًا، وأنَّ أسطورة الأشياء الأخرى.. لَم تكن خرافةً طفوليَّة ساذجة.

 

:

بعد وقتٍ ليس بالقصير جدًّا ولا بالطويل جدًّا.. عزمتُ على أن أَترك مساحةً واسعةً للأشياء الأخرى؛ ألَّا أحصر كلَّ شيء في اسمٍ وتصنيف، أن أدع للأشياء حُريَّةَ أن تكون كما تريد، أو على الأقل أن تَعمل على وظيفتَها دون أن تكون بحاجةٍ إلى فَرز!

 

التصنيفات المتعدِّدة مهلِكة وقابِلة للتناقض على هيئةٍ بائسة.

 

الغيمة مثلًا ليست جمادًا محضًا؛ الغيم يُنعِش الأرضَ اليَبَاس.

 

الأرض ليسَت جمادًا محضًا؛ هي مشرعة كلَّ حين لاستقبال آلاف الموتى!

 

الموتى قَبل رحيلهم لَم يكونوا جمادات لا تَستطيع الحَراك!

 

الموتُ ليس محسوسًا، وليس أي شيء من الأصناف الأربعة، لكنَّه حقيقة نؤمِن بها وما بعدها.

 

كذلك الروح ليسَت شيئًا محسوسًا، وليست أي شيء من الأصناف الأربعة؛ لكنَّها حقيقة نؤمِن بها ونعيش فيها.

••••


هأنذا أَرقبه من بعيدٍ، يصنع أشكالًا بالرَّمل، يَستخدم القوالبَ لِجعلها أكثر إتقانًا.

 

اقتربتُ منه.. وجدتُه يفصل بين كلِّ مجموعة وأخرى بخطٍّ مُستقيم وآخر مُتعرج.. كأنَّه يَصنع لنفسه جسرًا للتصنيف كما يريد.. مجموعاته كانت بأحجامٍ متقاربة، عدا آخرها.. كانت كبيرةً جدًّا ولافِتةً جدًّا؛ لفرط ما كدس فيها من الأشكال.

 

اقتربتُ منه أكثر، ابتسمتُ، وبشَّ في وجهي بتلقائيَّةٍ آسرة..

♦ "خلُّودي"، ما كلُّ هذه الأشياء الجميلة؟

تستطيع إخباري بما صنعتَ، أليس كذلك؟

• "أبلا" هذا كلُّ العالَم!

 

وقف عن يَميني، وجعل يُشير بإصبعه إلى المجموعات: (هؤلاء النَّاس، وهذه الحيوانات، هنا النَّباتات، وهنا الجمادات).

 

ثمَّ رفع بصرَه ونظر في وجهي، وأشار إلى المجموعة الأكبر والأكمل:

• "وهذه الأشياء الأخرى التي لا أعرِفها"!

• ... (ضممتُه بعد صمت لحظـة، اتَّسعَت ابتسامتُه.. غاصَت عيناه واطمأنَّ)

••••


كان يؤمِن بفِكرته، كان يَسبح في فضاء يخصُّه وحده، كان ذكيًّا بما يَكفي لأن يَجعلني - وعن غير قصد - أتورَّط في حبِّه أكثر.. وكأنَّه طفلي.. وكأنَّني أمُّه!

 

كان حنونًا بعفويَّة، منغلقًا على نفسه، يتفحَّص الأشياء على مهل.. "يصنِّفها دائمًا في خانة الأشياء الأخرى".. يَبتسم.. وتشرق الحياةُ من عينيه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة