• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

وطن بلا أحباب

إيمان أحمد شراب


تاريخ الإضافة: 9/1/2010 ميلادي - 23/1/1431 هجري

الزيارات: 6956

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
خَلاَ المنزلُ إلا مني ومِن عائلتي، ثم خَلاَ مني ومن عائلتي، ثم خَلتِ المدينة مِنَّا، ثم عَلت الطائرةُ كثيرًا، وابتعدتْ كثيرًا كثيرًا، ووجدتُ نفسي حقيقةً لا حُلمًا، أعيش في عالمٍ غير عالمي الذي وُلدتُ وكبِرت فيه.

أعتقد أنها عقدة داخلي منذ الطفولة، وكَبِرتْ معي كل عام  كعمري، كبرت مع كلِّ تجديد إقامة، ومع كل خِطاب إذْنٍ من الكفيل، ومع كل باب يُغلق في وجهي دونما سببٍ إلا لأنني لا أحمل جنسيتهم، مع أنني وُلدتُ بينهم، وليس لي وطنٌ سوى وطنهم؛ فوطني مُحتلٌّ منذ زمنٍ.

في عالمي الجديد، في وطن أبنائي الذي هاجرتُ إليه لأحميهم من عُقدتي، بدأت أحاول التكيُّف على الانقلاب الحاصل، فسكنت بيتًا جديدًا، واشتريت أثاثًا جديدًا، ودخل أبنائي مدرسة جديدة، وصار لي جيرانٌ جُدد، وعائلة جديدة، وعشت حياتي، وحتى أبدوَ قويَّةً سعيدة أمام أبنائي خاصة؛ أسكتُّ أيَّ صوت يَهمس داخلي شاكيًا أو باكيًا، أو منتقدًا أو مُعترضًا؛ فهذه حياتنا، وهذا عالمنا الذي يجب أن نعتاد عليه؛ لأنه الوطن.

في بيتي كنتُ وحدي، أغلق بابي دوني، أطهو الطعام لأبنائي سعيدة، أستنشق نَسمات هي الأرقُّ، تدخل دون عناء من النافذة المطلَّة على البحر البعيد القريب.

وإذ بقادمة من العائلة جاءت زائرة، فرِحتُ بها وأعددت قهوة على طريقتهم، جلسنا معًا، شعرت بها تلفُّ وتدور في حديثها، ثم تعبتْ من ذلك فأخرجتْ ما جاءت من أجله: تقول فاطمة: إنك تزعجينها بكثرة زياراتك، وأنك تذهبين إلى بيتها في غيابها، مع علمك أن زوجها موجود، أما أسماء فتقول: إنه كان عليك أن تضربي ابنَك عندما تشاجرَ مع ابن عمته؛ فقانونها يقضي أن يُضرب الظالم والمظلوم، وحَمَاتُك قالت: إنكِ كسولٌ، وإنك تتهرَّبين من مساعدتها بحُجَّة القراءة والكتابة.

انفعلتُ وغضبتُ بشدَّة - وندمت فيما بعد - ورددتُ على التهم؛ دفاعًا عن نفسي، ثم خرجتِ الزائرة، التي بدورها تفنَّنت في قصِّ جمل وفَصْلها عن مجموع الحديث؛ لتنقلَ هذه الجمل - فقط - إلى فاطمة وأسماء وحماتي والعائلة.

وكثُر الكلام، وشُحنت القلوب حِقدًا، حاولتُ أن أنسى وأعيش حياتي، وحاولت ألاَّ أُصْغِي لما يقال، فلم يمكن ذلك أبدًا؛ لأن القِيل والقال يدخلان بابي ونافذتي - المطلَّة على البحر - بالتسلل مرةً، وبالقوة مرةً.

أرهقت نفسي وأنفس أبنائي، وبات الوضع صعبًا للغاية، فلم نَعد نجلس أنا وأبنائي معًا، ولا ندرس، ولا نتلذَّذ بطعام، ولا نَخرج، شُلَّ تفكيري، وشُلَّت معه حياتنا الجديدة في وطنهم.

لكنها لحظةُ قوةٍ أمدَّني الله بها؛ لتخترقَ ضعفًا ملأ عقلي وقلبي - رغمًا عنه - فقمتُ باستغلالها فورًا دون أن أستعملَ طريقة (ديبونو) في التفكير كما فعلت وأنا قادمة، وخلال ساعة واحدة فقط وجدت مشتريًا - وكأنه كان يقف بالباب - واتفقت معه على شراء ما لدي من أثاث، وحجزتُ للعودة.

وثانيةً، خَلاَ البيت إلا مني ومن أبنائي، ثم خَلت المدينة منَّا، ثم خَلا وطنهم منَّا، وها هي الطائرة تعود إلى عالمي الذي فيه أمي وأبي وأهلي وزوجي، وكلُّهم يُحبُّني حبًّا حقيقيًّا، كلهم عواطفه صادقة سخيَّة، بلا نفاق أو حساب.
                                                                 
وتعود الطائرة إلى عالمي الذي فيه صديقات، هن أخوات، أفهمهنَّ ويَفهمنَني، نتناصح ونتعاون، وقد افتقدتُهُنَّ بشدة، وعرفت كم أنعمَ الله بهنَّ عليَّ!

في فجرِ ذلك اليوم الجميل جدًّا، عاد زوجي من صلاة الفجر، فوجدَنا بالباب ننتظره، وكانت لحظة مَهيبة عجيبة، اختلطتْ فيها المفاجأةُ مع الفرح والغضب، والحماس والحزن، و...

قلت له: لم يُعجبني وطنك بدونك زوجي، فحيثما تكون، يكون الوطن والأمان والجمال، وحيثما يكون الأحباب، يكون الوطن.

لا أدري ماذا أراد أن يقول، ولكنني سبقته، وقلت: سأعيش اللحظةَ هذه المرة، دون أن يوجعني الماضي، أو يخيفني المستقبل، ودروس كثيرة محفورة في كل خلايا جسمي.

قال: هل فكرتِ أننا سنبدأ من الصفر؟

قلتُ: بل مِن تحت الصفر! من منطقة السالب، ولكنني سأهزم الصفر، وستكون معركتي الأخيرة معه؛ لنتربعَ معًا في أحسن مكان ومكانة تُظَللنا القناعة والرضا.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- دخلت كلماتها إلى قلبي ..
رفيدة فكري - المغرب 09-01-2010 06:54 PM
دخلت كلماتها إلى قلبي .. أحسست بروحها التائهة ، العاشقة للحرية ، المتفائلة بالحياة ..وأخيرا .. بصبرها الفائق الذي هزم االرياح وأزال الاتربة ..
تفاعلت مع الشخصية .. وأحببتها ..
فهنيئا لك من كاتبة وقاصة .. صورت الموقف بدقة .. وكتبتيه بجمال .. هنيئا لك ..
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة