• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

وافترقا..

ديالا عمر


تاريخ الإضافة: 20/6/2015 ميلادي - 3/9/1436 هجري

الزيارات: 4431

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وافترقا..


لا أَذكُر كم مرَّةً استيقظت على ذلك الشِّجار شبه اليومي!

 

كانتْ أمِّي سريعةَ الغضب، ولا أذكُر كم مرة سمعتُ صياحها ودعاءها على مَن غيَّر ترتيبَ بعض أدوات المطبخ، فحال دون حصولها على ما تريد في الوقت الذي تريد!

 

ولا أذكر كم مرةً سمعت عراكها مع الجيران! وكم مرةً رأيتها تدخُل المنزل مكفهرةَ الوجه، قاطبةَ الجبين محمَّرة العينين! حقًّا كنت أُشفق على أبي عندما أراه يتجنَّب سخطَها، ويشتري راحته بالسكوتِ، فلا يَزيدها ذلك إلا ثورانًا وغضبًا!

 

كنتُ أذهب إلى فراشي لأحلم بيومٍ جديد؛ يومٍ أعلم أنَّه لن يأتي، رغم صِغر سنِّي، أدركت أنَّ هذا اليوم لن يأتي، لكن لن يمنعني مخلوقٌ مِن أن أُحلِّق مع أحلامي في عالمها الخيالي الرائع، كثيرًا ما كنتُ أبحث عن السعادة بيْن أحلامي الصغيرة، كثيرًا ما كنتُ أطير فوقَ الغمام، وأنظُر إلى مدرستي وواجباتي المتأخِّرة، وإلى صراخ أبويّ، وإلى عَرائسي الممزَّقة، مِن كثرة ما كنتُ أعضُّها وقتَ حزني ومشاجرات والديّ، أنظُر إلى كلِّ ذلك، وأقول للجميع: وداعًا عالَمي المرير، وادعًا حياتي البغيضة.

 

كنت أهرب مِن كلِّ ذلك ولم أتجاوزِ التاسعة من عمري، كنت أحيانًا أرسم السعادةَ على زميلاتي وأنسج قصصًا مِن وحي خيالي، (علمتُ فيما بعد أنَّ اسمها: كذِب)؛ لأروحَ عن نفْسي وأنا أقصُّ عليهنَّ كم أتمتَّع في بيتي بكلِّ وسائل الراحة، وأرْشُف من نبع حنان لا يتيسَّر لهنَّ الحصول عليه.

 

كنتُ أحْكي لهنَّ كيف يتعامل والداي الخياليان، وكيف يتهاديان، وكيف نقضي وقتَنا في ضحِك ومرَح، وتنزه في أجملِ المناطق التي لم ترَها عيناي لحظةً، أجل لم تكُن ترى عيناي إلا دموعَ أمِّي ونفورَ أبي! لم يكن يرشُف قلْبي إلا جرعات الهمِّ والغمّ، لم تكن تسمع أُذناي إلا عبارات التسخُّط وكلمات العتاب.

 

هكذا وَلَّت طفولتي، وأقبلت مرحلةٌ جديدة مِن عمري، شعرتُ فيها بتغير في نفْسي وجسَدي، احتجتُ فيها إلى سماع كلمة تطمئنُّ قلْبي الوجِل، وتريح نفسي الحائِرة.

 

تمنيتُ لو أحكي لأمِّي عن معاناتي، أحيانًا كنتُ أشعر في نظرات أبي الشَّفَقة عليَّ وعلى إخوتي، أحيانًا كنت أرَى منه امتصاصًا لغضب أمِّي الذي لا يكاد يفتُر، حتى يعود للثوران مِن جديد.

 

وهكذا تغلَّبتُ على أحزاني وتأقلمتُ مع أوضاعي، وعلمت أني لا مفرَّ لي من البحث عمَّا أُريد عندَ الصديقات، ولبئس ما فعلتُ، لكن ما باليدِ حِيلة! هن فتيات مِثلي، ولعلهنَّ يحتملن مني ما لا تحتمله أمِّي.

 

كنت أسترِقُ النظر إلى أمِّي فأراها حنونةً طيبة القلب، ما المشكلة إذًا؟!

 

لماذا لا تُحسن التعامُلَ مع أحد؟!

 

كأني أراني وأنا أسترِق النظر إليها وأحدِّثها في نفْسي: لماذا يا أمي؟!

 

لماذا لا أستطيع أن أرْتمي في حِضنك وأشعُر بحنانك؟!

 

أعلم أنَّ بداخلك ينبوعًا من الحنان، وتيارًا من العاطفة، لكنك مشغولة بمشكلاتك مع أبي، لستُ أدري مِن المخطئ فيها ومَن المصيب.

 

لم أشعر بحالي والسنون تجري مِن حولي إلاَّ وأنا على أعتاب دُخول الجامعة! وها هي ذي أمِّي الحنون تُشاركني اختيارَ التخصُّص الجامعي وتقترح ما تراه مناسبًا، ولم تجد لي خيرًا مِن كلية الطب، على الرغم مِن أني لم أكُن أحلم بها، لكني رأيتُها فرصةً يحلم بها الكثير!

 

وها هو ذا أبي يَسْعَى جاهدًا لإكمال مشواره معي وإتمام إجراءات الجامِعة، والفرحة في عينيه، وكأنَّه يقول: الحمدُ لله الذي عوَّضني بأبنائي.

 

عدتُ في مساء أحد الأيَّام من الجامعة لأجد أبي منهمكًا في بعضِ أعمال المطبخ، فقد أتتْ أمِّي مِن عملها متعبةً وأعلنتْ أنها لن تتمكَّن من إعداد العَشاء الليلة أيضًا! فلم يجد بدًّا من دخول المطبخ الذي ألِفه وعمل اللازم لأبنائه العائدين مِن مدارسهم وكلياتهم، نظر إليَّ فرِحًا مستبشرًا، وقال: مرحبًا بالطبيبة.

 

فأَكلنا وسعِدنا للحظات، وقمتُ مِن فوري فانزويتُ في غُرفتي تحسبًا لأيِّ طارئٍ قد يَطرأ!

 

مرَّتْ أيام الجامعة عصيبة؛ فالظروف الماديَّة لم تكن تسمح بكلية كالطب، لكن أبي كان كالجبل يأبى حتى أن يُظهِرَ لنا ما في نفْسه، وفي الحقيقة لم أكن ألحظه إلاَّ نادرًا، فتتجاهله نفْسي التي كانتْ تحاول خِداعي!

 

ومع انشغالي بالدِّراسة وتوغُّلي في عالَمها، لم ألحظْ أنَّ والديّ قد تحسَّنَا كثيرًا عن السابق، أو هكذا أبيت أن ألحظَ خشيةَ الانتكاس.

 

حتى أتى يومٌ دخَل فيه أحد الشباب الأطباء بيتَنا طالبًا يدي للزواج، فرأيتُ مِن تعاون والدي وتفاهمهما ما كنتُ أتمنَّاه طولَ حياتي السابِقة.

 

رأيت ما كان سيَكفيني كلَّ كذبة كذبتُها في طفولتي البائسة.

 

وكل لحظة كنتُ أرسمها في خيالي وأعيشها في أحلامي، فقط في أحلامي.

 

تمنيتُ لو أرفض هذا الشابَّ حتى يأتي غيرُه، وأرى تلك المحبَّةَ التي كم تعطَّش لها قلبي الضعيف، وتمنتها رُوحي المحرومة!

 

لكني قَبِلتُ لِما رأيت عليه من سِمات الخير وطيب الأخلاق، قَبِلت حتى يرى مِن حُسن تفاهم والدي ومدَى التفاهم الأُسري في بيتنا، الذي حزنتُ لأوَّل مرة أنِّي قدْ أفارقه!

 

لم أحكِ لزوجي عن حياتي السعيدة، وعن الجوِّ الأسري الذي نشأتُ فيه كما كنت أفعل مع زَميلاتي في صِغري؛ لأنَّه - ولا شكَّ - قد لاحظ بنفْسه ذلك الحلم.

 

وقد وجدتُ فيه من العطف والحنان ما اشتهتُه نفسي في الطفولة، وجدتُ من يهتمُّ لحالي بحقٍّ، ومَن يقدم راحتي على راحتِه!

 

كان والداي كذلك يا زَوْجي العزيز، لكن الظروف لم تَسْمَحْ لهما بإظهار ذلك العطف، كانت والدتي نهرًا مِن العطف، ووالدي نبعًا مِن ينابيع الحنان، أنا واثقةٌ من ذلك..

 

استمرَّ حال والدي على هذا حتى تزوَّج آخِرُ إخواني، وكنتُ قد أنجبت ابنتي الثالثة بعدَ ولدين جميلين، سعِدَ بهم والداي، وسعد بهم والدُهم الحنون.

 

وكانتْ ليلة زفافه مِن أجمل الليالي، جلسْنا فيها جلسةَ سَمر رائعة، ورأيت والدي وهو يُقدِّم لوالدتي الطعامَ، وكم تبسَّمت له بثغر جميل، قدْ أهلكته السِّنون، لكن لم يمنعْه مِن التبسم، وأتى والدي العزيز إلى زوْجي وقدَّم له من الطعام، فلمحتُ على يديه آثارَ الكِبَر، ورأيت عروقًا وتجاعيدَ خطَّتها الأعوام، فرأيتُ تجاعيدَ الشجار مع أمِّي، وتجاعيد الهمِّ والخوف مِن المستقبل، وتجاعيد مشكلات العمل، وتجاعيد حَفَرَتْها أحلام لم تتحقَّق.

 

فطار بَصري إلى أمِّي معاتبًا لأرَى على وجهها علاماتٍ أكثرَ مِن التي رأيت على يدي أبي، كيف لم ألحظْها مِن قبل؟!

 

عاد كلٌّ منَّا إلى بيته، وعاد العروسان، وبُعَيْدَ أيَّام من ذلك جاءتْني إحدى أخواتي بخبر هزَّ كياني.

 

كيف؟! وأنا الآن زوجة ولي أبناء وبيت، وقد أوشكتُ على الأربعين مِن عمري؟!

 

كيف أهتزُّ لهذا الخبر إلى هذا الحدِّ المؤلِم؟!

 

لماذا تنهار دُموعي وعلام البكاء؟ أليسَا قد قرَّرَا؟ أليس كلٌّ منهما بخير؟!

 

كيف مرَّ عليَّ شريط حياتي كاملاً في دقائق قلائل، كذبات الطفولة، أحلام الصبا، يوم خِطبتي، زفاف أخي وجلسة السَّمر، على كلِّ حال لقدْ تَمَّ الطلاق بعدَ خمسة وأربعين عامًا مِن الـ..

 

وافترقَا!!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- النهاية المتوقعة
خالد حامد - السودان 21-06-2015 12:11 PM

سبحان الله واقع مرير لكنها النهاية المتوقعة سلمت يداكِ

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة