• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

مهمة مستحيلة (قصة)

مصطفى صلاح محمد


تاريخ الإضافة: 15/4/2015 ميلادي - 26/6/1436 هجري

الزيارات: 5810

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مهمة مستحيلة


وقف أمامه ناظرًا إليه، قد حملَت عينُه المتواريةُ خلفَ نظارته المكبِّرةِ نظراتِ التردُّد والحَيْرة والألم، بَدا على وجهه التعبُ والإرهاق.

 

وجهٌ قد نحتَته التجاعيد ولوَّنَته مرارةُ السنين لونًا رماديًّا باهتًا، كأنها تعدُّه لاستقبال أيامه الأخيرة.

 

رآه واقفًا أمامه، شامخًا بقامته، معتدًّا بهيبته، صلبًا كحجر، محكمَ البناء والتكوين.

 

بدا له مثالاً للغطرسة والتكبُّر والحمق!

 

يا ألله! كم يكره هذه الصفات! وكم حاربها خلال حياته، وخلال عمله الذي أمضاه كلَّه دون أن تزل قدمه لحظة، أو يسوِّد سجلَّه الأبيضَ الناصع نقطةُ حبرٍ سوداء.

 

عاش كما كان يقول عنه زملاؤه شريفًا نزيهًا و... وأحمق!

كان يحارب الوساطة والمحسوبية والرشاوى، وكان لا يَرحم مَن يُمْسكه متلبِّسًا بأيِّها، كان يذبحه حرفيًّا وبالقانون، لا يَرحم توسلاته ولا شفاعاته.

 

كان كذلك في بيته، حازمًا شديدًا، غير متهاون، حتى تركَته زوجته لتَلحق بربِّها، وترَكه عيالُه ليلحقوا برَكْب الحياة الحثيث، ترَكوه يحارب العجز والهرَم والمرض وحدَه، اللهم إلا زيارةً في المواسم، أو عبارات سريعة على سمَّاعة الهاتف.

 

كان فخورًا بحياته، راضيًا عنها، غير خائف من الموت، بل ينتظره يومًا بعد يوم، يريد أن يُريح هذا الجسد المنهَك الذي استنفَد كلَّ طاقته، واستهلك كل ذرة في جسده، فلا يسَعُه أن يقدِّم المزيد، بل أصبح عالة على نفسه وعلى غيره، تمنى أن يُطلِق أحدُهم عليه رَصاصة الرحمة؛ ليريحه ويستريح.

 

لكنه هذا الشيء الواقف أمامه، كان بتحديه إياه يعطيه شيئًا من الأمل، ويضع أمامه عقَبة تُغريه بالقيام من على سريره يوميًّا، والتطلُّع عند نهايةِ يوم إلى بداية يومٍ جديد.

 

أصبح الشيء مِحورَ حياته، ومركز عالمه الصغير، لَم تواجهه عقبة في حياته الممتدَّة إلا واجهها؛ ففي العمل أتقَن القانون وخبَر متاهتَه وطرقه السويَّة منها والملتويَة، مشاكله الماليَّة كان يحلُّها بمزيجٍ من التصميم والإرادة، كذلك مشاكله العائلية، لا يوجد عقبة ليس لها حلٌّ عنده... إلا هذه!

 

المعضلة أنها تواجهه وقد نَفِدَت عنده كلُّ طاقة، وفرَغ عقله الجبَّار من الأفكار والحيل!

هل سيواجه هذه العقبة أم يموت وقد ترَك علامة سوداءَ في سجلِّه الناصع!

 

طبعًا قرَّر المواجهة؛ لم تَقبل طبيعته المتمردة إلا بذلك، بدَأها معه منذ فترة، لكن للأسف كلما اجتمعا في ساحة المعركة، هزَمه الشيء شرَّ هزيمة.

 

كان يَشعر كلَّ مرة بكبريائه المجروح ينزف دمًا، والجمهور العاتي المحيط بهما إحاطةَ السِّوار بالمعصم قد امتلأَت أنفسهم بالشماتة فيه: انظروا صاحب المثاليَّات، القويَّ الأنِف، مرهوبَ الجانب، المحصَّن المنيع، قد انكسَرَت شوكته، وانحنى ظهره أمام شيء كهذا، يستطيع أقلُّ طفل منهم أن يواجهه ويهزمه!

 

كان هناك وسطَ الساحة قد ركع على ركبته يَنظر إلى الشيء الواقفِ أمامه في استعلاء، كان ينظر إليه من عَليائه، ويمتلئ فمُه بضحكة ساخرة، وكان كلَّما تألم وتأوَّه، زادت ضحكاتُ الشيء منه، كالصخرة التي يَنطحها الخروف برأسه، ويُعيد ذلك مرارًا، فلا يَزيد رأسه إلا ألمًا، ولا يزيد الصخرةَ إلا بريقًا!

كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهِنَها
فلَم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوَعلُ

 

وفي أعقاب كلِّ هزيمة، ينسحب من أمامه يُطأطئ رأسَه؛ يُخفيها عن أعين الناس، أو يُبعد عينه عن سهام النظرات الشامتة والضحكات المقهقهة.

لكنه يقرِّر ألا يَيئس، وأنه سيظل يحاول حتى يأتي ذلك اليوم الذي لا يَستيقظ فيه.

 

عاد إلى ساحة المعركة مرارًا، كأنه يأبى أن يُصدِّق أن يهزمه شيءٌ بهذه التفاهة والسطحية، وهو مَن هو في قوته وسطوته وسيطرته، وفي أعقاب كل مواجهة يَنسحب مجرجِرًا وراءه أذيالَ الخيبة.

ويبدو أن اليوم موعدٌ لجولةٍ جديدة في صراعه الأخير كما كان يحبُّ أن يسمِّيَه.

تلك المهمة المستحيلة بالنسبة له.

بدَت علاماتٌ من التصميم على وجهه.

 

أغلق عينيه وحاول ألا يتأثَّر بصيحات الجمهور العدائية.. أخذ شهيقًا طويلاً ثم استجمَع ما بقي له من طاقة.. تقدم منه ومد يده إليه، حاول أن يُعالجه، فأبى..

 

حاول مرة أخرى باذلاً مجهودًا أكبر، بدأَت على أثره التجاعيدُ تتجسَّمُ على وجهه، وأوداجُه تنتفخ كبَلالينَ صغيرةٍ منذرةً إياه بانفجارٍ وشيك.

 

تجمَّدت قطراتٌ من العرق على جبينه.. حاول رابعًا وخامسًا وسادسًا...

فشل!


انطلقت من فمه تنهيدةُ المتألم وهو يُكمل محاولاته.

انقهَر!


ودون أن يدري سالت دمعةٌ من عينه.. هانَت عليه نفسه.. خارَت قواه، أو ما تبقّى منها في جسده المتهالك..

سحب يده يائسًا معلِنًا فوز الشيء عليه، وتركها تتدلل جوارَه في إهمال..

 

نظر إليه وهو يقف مكانه مادًّا صدره في صلَف وكبر وقال له دامعَ العين مخذولاً:

• لا بأس، ربحتَ هذه الجولة أيضًا!

 

ثم أردف كلمة مندفعة ليحفظ قليلاً من ماء وجهه المراق:

• وغدًا يوم آخر!

 

لكن لهجته لم تُقنِعه هو شخصيًّا!

تعالَت الصيحات والضحكات الشامتة.. تبرَّع بعضُ الجمهور بقذف ما أمكنَهم قذفُه عليه.. لم يأبَه بكل هذا؛ فمرارة الهزيمة تفوق كلَّ مرارة.

 

استدار ببطء.. استند على عصاه العجوز، وخطا خطواتٍ في الاتجاه المعاكس وقد بدا له الزمنُ واقفًا لا يتحرك:

• اختَفِي سريعًا يا ساحة المعركة.. تَلاشَ بشرِّك أيها الجمهور الآثم، ولْتَبقَ ضحكتك الصفراءُ المقيتة أيها الشيء مرسومةً على وجهك..

 

سيأتي عليك ما أتى عليَّ مِن قسوة الأيام، وشدة الزمن.

عَبَر الرِّواق المظلِم ووصَل إلى الناحية المقابلة.

 

امتدَّت يدُه المرتعشة وتحسسَت طريقها إلى الباب.. طَرقَه عدةَ طرقاتٍ واهنة..

 

بعد لحظات خرجت جارتُه البشوش.. نظرَت إليه ورأته واقفًا منكسِرًا ناظرًا إلى الأرض رافضًا في إصرار لقاءَ عينيهما!

 

حرَّكَت رأسها في إشفاق، "مصمَصَت بشفتيها متصعِّبة"، ثم قالت وهي تمدُّ يدها إليه:

• لا بأس عليك، أعطني المفاتيح يا عم محمد، سأفتح لك الباب!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- رائعة
أمل - مصر 17-04-2015 07:46 PM

تسلم إبداعاتك يا دكتور جميلة جدا فيها شيء من الغموض لكن رائعة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة