• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أحلم بالعودة! (قصة)

إبراهيم حافظ غريب


تاريخ الإضافة: 15/3/2015 ميلادي - 24/5/1436 هجري

الزيارات: 4647

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحلم بالعودة!

 

أَصحو من نومي نشيطةً أكثر من المعتاد، نمتُ متأخرةً قُرب الفجر، ولكنه يومٌ مختلِف ليس كسائر الأيام؛ يوم يتحقَّق فيه حلمٌ من أحلام الصبا، استعدَدت له كما ينبغي من ليلة أمس، هيأتُ نفسي وحقيبتي، غسلتُ عباءتي، أعدَدت كلَّ شيءٍ توقَّعتُ أني أحتاج إليه.

 

قمتُ من فراشي بما يشبه القفزة، غسلتُ وجهي، فرَّشتُ أسناني، أيقظتُ حبيبي، نام مثلي متأخرًا، يتملمَل ويتقلَّب؛ ولكن لا مفرَّ من الاستيقاظ؛ سيتولى توصيلي بسيارته، ولكني لم أجد من يوصلني قبلَ ستة أعوام، فتأخَّر حُلمي كل هذه المدة.

 

كنتُ صبيةً وقتَها، مجتهدة في الدراسة، أنجح بتفوقٍ، تسلَّمتُ إشعارَ النجاح والدنيا لا تسعني من الفرح، ولكنَّ صدمةً أليمة كانَت تنتظرني في البيت!

 

• أخافُ عليكِ يا ابنتي، لا يوجد من يوصلك، وليس في حيِّنا ثانوية للبنات.

وذهبَت كلُّ توسلاتي سدًى، وانهمرَت دموعي بغزارة طيلة أيام ثلاثة، احمرَّت وانتفخَت عيناي، لَمْ آكل، لم أكلِّم أحدًا، انكمشتُ وحدي في زاوية.

لم ينفع الاحتجاج الصامت ولم يتغيَّر الموقف، لم يتزحزَح قِيدَ أُنملة، كان كالطود الشامخ لا تهزُّه الرياح، توقفتُ عن البكاء وسفح الدموع، عدت آكلُ وأتكلم، ولكني انطويتُ على حزنٍ دفين.

 

أخيرًا قام حبيبي من على الفراش يترنَّح، سَجَن نفسَه في الحمَّام كعادته؛ هل يتلقَّى الإلهام هناك؟ هههه! وقفتُ في المطبخ أفطر على عجَل، خرج من الحمام يرتَجف، يعلِّق سريعًا كأنه يشفِق عليَّ:

• لمَ تفطرين واقفة؟ اجلسي على الكرسي.

• تأخَّر الوقتُ، الساعة السابعة.

 

أشعر أنه يتعامَل مع الزمن ببرودٍ، الزمنُ يلاحقه دومًا، بينما أنا ألاحق الزمنَ، هل أعاني من فَرط الاهتمام مثلاً؟ هل يعاني من فَرط البرود كسلاً؟


وتمضي الأيام وتتعاقب السنون وتنجح في التخفيفِ من آثار الصدمة، ولكن الحلمَ باقٍ كما هو لم يتغيَّر، لم يتزحزح قيد أنملة، كان هو الآخر كالطود الشامخ لا تهزه الرياح، كيف يتحقَّق ولم يبقَ إلا انتظار الزَّواج؟ لم أسأل نفسي قط، كنتُ أشعر فقط بطريقةٍ غامضة أنه لا بد سيتحقَّق يومًا.

 

وجلستُ في البيت أنتظرُ فارسَ أحلامي، وأساعد أمي في المطبخ أحيانًا، وأصغر إخواني في دروسه دائمًا، لكم أفتقِده الآن كما يفتقدني، كنتُ معلمته الخاصَّة، وما زلتُ أحلم بأن أكون معلمةً حقيقية ذات يوم، وهأنذا في أول الطريق لبلوغ هذا الحلم.

 

نغادِر أنا وحبيبي عشَّنا الدافئ، نركبُ السيارةَ معًا متجاورين فيها، ما أجمله من شعور أن يضمَّك مع حبيبك حيِّزٌ واحد لا يشترك فيه معكما أحدٌ، كأنما تمتلكان العالمَ كلَّه بما فيه، يهمُّ حبيبي بالوقوف في محطةٍ على الطريق:

• قلتِ: إنك تشترين فطورًا خفيفًا.

 

أطالع في ساعةِ السيارة؛ السابعة والربع، بقي من الوقت ربع الساعة:

• اذهب مباشرة، ليس هناك وقت.

أتخيَّل يومي الدراسي الأول بعد انقطاع ستِّ سنوات؛ ما أجمله من يوم! عدتُ طالبةً بعد ما تزوجتُ، عدتُ أدرس وأكمل تعليمي لأصبحَ معلمةً إن شاء الله، حبيبي وفارس أحلامي هو من يوصلني الآن بسيارته، وهو من يحقِّق لي أحلامي إن شاء الله، يحبُّني ويَغارُ علي، يسعى لإسعادي بما يستطيع، ما أنبله من زوج!

 

لكم أشعرُ الآن بحاجتي لأن أقبِّلَه؛ ولكن حذار يا "حورية"، كما يحب أن يدلِّلني، لا تتهوري مثلَه، لو يعلمُ مدى خوفي عليه من تهوُّره في قيادة السيارة، أحاول أن أنصحَه برفقٍ ولطفٍ، ولكنه واثقٌ من نفسه ولا يبالي؛ بل يحكي لي حوادث خطيرة تعرَّض لها ونجا منها بأعجوبة.

 

تقف بنا السيارةُ إلى جوار مبنًى جديدٍ، هل وصلنا بهذه السرعة؟ أرفعُ رأسي لأقرأَ اللوحة المرفوعة فوق بوابة المبنى: "ثانوية الخنساء للبنات"، الحمد لله إذًا.

 

أعدِّل مِن وضع العَباءة استعدادًا للخروج، أرتبك قليلاً، لا أعرف كيف أودعه، أفتح البابَ، أقول له بهمس:

• مع السلامة حبيبي.

هل سمعني؟ هل تجاهل توديعي؟ آهًا، أراه يحرِّك شفتيه؛ أخيرًا رد عليَّ، الحمد لله.

 

أخرُج بكل خفة، أخطو بكلِّ فرحٍ خطوات سعيدة نحو باب المبنى، أشعر بسعادة غامرة كالتي يشعر بها الأطفالُ حين يذهبون إلى المدرسة لأوَّل مرةٍ، أقولُ في سرِّي وأنا أدخلُ المبنى: الحمد لله كثيرًا، شكرًا حبيبي الغالي، اللهمَّ لا تحرمني منه أبدًا، أحبُّك حبيبي، ليتني قلتُها له قبل أن أغادر السيارة.

 

لا بأس، سأقولُها له فورَ ركوبي إلى جواره في طريق العودة إلى البيت، ولكن متى نركبُ طريقَ العودة إلى الوطن؟ لو كان كلُّ الرجال مثل زوجي يفكرون في العودة إلى "أراكان" لما رضوا لأنفسهم بحياة الذلِّ والهوان في غربة المنافي والتشرُّد، بعيدًا عن حياة العزِّ والكرامة في أحضان الوطن.

 

لماذا لا يفكر الروهنجيون في العودةِ إلى الوطن إذا ارتحلوا منه كما يفعل الفلسطينيون؟ لماذا لا يتعلَّقون مثلهم بحلم العودة؟ لماذا يحب الفلسطينيون أرضَهم وترابَ وطنهم أكثر مما يفعل الروهنجيون؟ أذلك لأن الأمَّ الروهنجية لا تربِّي أبناءَها على حبِّ الوطن والتعلُّقِ به وحلم العودة إليه كما تفعل الأم الفلسطينية؟

 

ولكنها مسكينة ومعذورة هذه الأم الروهنجية؛ لأنها في الغالب أمٌّ جاهلة لم تتعلَّم ولم تتثقَّف، ولا تدرك معنى تربية الأجيال على التعلُّق بالأصول، والبحث عن المنابت والجذور، وحين تتعلم الفتاة الروهنجية وتتثقَّف حتمًا سيتغير الحال، ويأتي جيلٌ جديد مختلف يشهد فجرًا مشرقًا بعد ليل طويل، أظنُّ هذا هو فصلي الدراسي، بسم الله أبدأ وأستأنف مسيرةَ التعلم والتثقف منذ اليوم، وعمَّا قريبٍ ستبدأُ بإذن الله مسيرةٌ جديدة نحو العودة لأحضان الوطن مهما ضاقَت الظروف ومهما ساءَت الأحوالُ هناك، البابُ مفتوح، والمعلمة منهمكةٌ في الشرح، يبدو أنني تأخرتُ، سأسلِّم وأدخل بهدوء:

• السلام عليكم.

• وعليكم السلام، هيه لحظة، أهكذا من أول يوم؟ لماذا تأخرت؟

• أ... أ... كنتُ أحلم بالعودة إلى الوطن.

• العودة إلى الوطن! أيُّ وطن؟!

•.......





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة