• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الخطيئة (قصة)

م. محمد نجيب مطر


تاريخ الإضافة: 1/2/2015 ميلادي - 11/4/1436 هجري

الزيارات: 9826

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخطيئة


كانت تعرف تمامًا أن ما تفعله خطأ يتعدَّى الحدودَ ليصبح خطيئة، فكيف تتعرف على شاب وهي متزوجة، صحيح أنه مجرد اسم على شبكة الإنترنت، لا تعرف اسمَه ولا فصله ولا شكله، مجرد اسم صغير على شبكة الإنترنت ارتاحت لتعبيراته وكتاباته التي كانت تشرح آلامها ومشاكلها مع هذا الزواج، الذي صار همًّا كبيرًا وواجبًا ثقيلاً تنوء بحمله!

 

إن هذا الرجل الذي كان يومًا أحلى أمانيها، أصبح أكبرَ همٍّ في حياتها، وأكبر مسؤولية ثقيلة لا تستطيع تحمُّل تَبِعاتها، إنها كل يوم تنام على قهر وغضب، فهو لا يقيم لمشاعرها وزنًا، يأتي من العمل مُكْفَهِرَّ الوجه! مقطب الجبين! وكأنه داخل على عدو لا يأمن غدره، يطلب الطعام ويستعجله، يأكل وكأنه جائع من سنوات مضت، يقضم اللقيمات في غضب، يفترس قطعة لحم تئن تحت أضراسه بلا رحمة، يخرج له صوت أثناء ازدراده الطعام وكأنه معجنة تنوء بحملها، يشرب فتسمع له صوتًا مقززًا كأنه مضخةٌ تسحب الماء من أعماق سحيقة، بعد الانتهاء من الطعام، يتناول قدح الشاي الذي دائمًا لا يروق له، ويقول عنه: شاي مسلوق لا طعم له، يستيقظ بعد صلاة العصر ليبدأ في متابعة البرامج العلمية فقط على قنوات التلفزيون ويستحيل طفلاً صغيرًا يتابع التطورات التقنية في شغف عجيب، ثم يتناول المجلات العلمية الأجنبية التي تأتي إليه بالمراسلة مجانًا في معظمها، يقلب فيها ويمصمص شفتيه في ضيق، وينادي عليها بصوت عالٍ كأنه ينادي على شخص جالس على القمر، أرأيتِ الغباء الذي هم فيه؟! إنهم يفعلون كذا وكذا، وهذا خطأ عظيم، المفروض أن يفعلوا كذا وكذا... وهي لا تفهم شيئًا مما يقول، ولا تعرف حتى الموضوع الذي يتكلم فيه، فتهز رأسَها موافقةً وهي لا تدري، ثم يدخل إلى غرفته فيفتح الكمبيوتر الخاص به ويبدأ في البحث من جديد عن الاختراعات الجديدة، وكأن شهيتَه ما زالت مفتوحة لهضم الكثير من النظريات، اصلعت رأسه، وابيضَّتْ لحيته، وكبر كرشه حتى أصبح كالحامل في الشهر التاسع، تسمع له شخيرًا كفيلاً بإيقاظ أمَّة من سُباتها في ليل زاد سوادُه، وأظلمت سماؤه، ألفاظه اللائمة تتدحرج من فمه وكأنه طفل يتعلم الكلام، العصبية الزائدة تلازمه كظله، أنفاسه ثقيلة تشعر بأنها تسحب كل الهواء من غرفة النوم حتى إنها كانت تقوم بفتح الشباك في أيام الشتاء الباردة لتحصل على قسط جديد منه.

 

نظرتْ إليه وهو نائم وكأنه مقلب من اللحم المهتز! فاتح فمه، أشعث الرأس، تنطلق جذور شعيرات بيضاء على وجهه الذي يشبه شِبهَ المنحرف، وتقول لنفسها: هل هذا هو حبيبها الذي كانت تطير به فرحًا عند رؤيته؟! ماذا فعلت بهما الأيام ليصبحا على تلك الحال؟! كانت تحاول التودُّدَ إليه فيردها بعنف؛ لأنه مشغول بالأخبار العلمية التي لا تنتهي إلا وتبدأ من جديد، اكتشفوا كوكبًا جديدًا، تصادمت مجرتان على بعد كذا مليار سنة ضوئية، ونتج عن انفجارها تدمير شديد، وتكوَّنتْ كواكب ونجوم جديدة، اكتشفوا أن الخلية الحية ترسل إشارات كهربية بتردد الميكروويف عند ولادتها وعند موتها، كانت كل تلك الأخبار أهم منها ومن التودد إليها، أهم من الخروج معًا في نزهة يغيِّران بها نظام البيت الرتيب.

 

تركته في نومه العميق، واتجهت في حركة لا إرادية إلى المطبخ لعمل كوب من النسكافيه الذي ينعشها، ثم اتجهت إلى غرفتها الخاصة، وقامت بتشغيل الحاسب الخاص بها لتدخل على الإنترنت، لتجد الآخر على النت ويسألها في لهفة: لماذا تأخرتْ عنه؟ فتقول له: أنت تعرف أنني متزوجة... انتظرتُه حتى ينام، وهأنا معك، فيعطيها من الكلام أفضله، يمدح حُسنها وهو لم يرَ منها أي شيء، حتى صوتها رفضت أن يصل إليه، فلقد عرض عليها المحادثة الصوتية فرفضت، فلم تسمع صوته ولم يسمع صوتها، وما زال يتغزَّل فيها وهي تلتزم الصمت في انبهار من الأوصاف التي يطلقها عليها، وتعتقد أن صمتها يعفيها من المسؤولية؛ فهي على الأقل لا تتجاوب معه، إلى أنْ صارَحَها بأنه يريد مقابلتها، ترد عليه في وجل: إنني متزوجة، فيقول: نعم أعرف، وماذا في هذا؟ فأنا متزوج أيضًا وأعاني مثلما تعانين، ومن حقنا أن ننعم بحياتنا، زوجتي امرأة كئيبة ونِكدية لا تفهم من الحياة سوى الطبخ، ولا يشد خيالها سوى المسلسلات التافهة، شعرها دائمًا ملفوف، وشكله متجعد، ربما لم يلمسه الماء من أيام طويلة، لا تجيد سوى المسبكات والمحشيات والمشويات، فكرها سطحي وتافه، وعندما تضع المساحيق على وجهها، تصبح كالبلياتشو في السيرك، لا تفهم من الدَّلال والجمال سوى المساحيق الكثيفة والعطور الثقيلة، متعتها في الحياة الشكوى والحكايات التافهة في مناقب ومساوئ الجيران والمعارف، مللت من رائحة المطبخ التي تنبعث من ثيابها وجسدها، أخبَرَها أنه أحسَّ من كلامها معه أنها المرأة الوحيدة التي تفهمه، فقالت له: وأنت الرجل الوحيد الذي يفهمني، فقال لها: إذًا نتقابل، فسألته في استغراب: كيف؟ ولماذا؟ ما الهدف من اللقاء، قال لها: الحياة قصيرة ولا بد أن نستمتع بها، والجسد ملكية خاصة لنا ومن حقنا أن نعطيه لمن نحب، فهمت مراده واحمرَّ وجهها خجلاً من الصراحة التي يتحدث بها، استكمل في حماسة: أنا أحببتك بجنون وأريدك، وأنت تحبينني، أليس كذلك؟ فردت دون أن تدري: نعم، إذًا فليعلن الحب سطوته، ولنتقابل في مكان هادئ يتعرف بعضنا إلى بعض، ويعطي كل منا للآخر ما يفتقده ونعود إلى حياتنا نعيشها كما هي؛ لكي لا نفسد الأمر على الآخرين، قالت له في دلال: دعني أفكر، قال لها في سرعة: لا تفكير سأقابلك في الغد الساعة الثانية عشرة، كأنكِ في السوق وكأني في العمل، وسنعود قبل الثالثة لنعيش الحياة بروح جديدة ونظرة سعيدة، نظرت في المرآة الموجودة أمامها، وأخذت تتفرس في قسمات وجهها وأجزاء جسدها الذي كاد يترهل بعد تلك السنين العجاف، استكمل في ابتهاج: سنتقابل في محطة مترو الأنفاق، ونستقل السيارة إلى شقتي الجديدة، وسأُعيدك الساعة الثانية إلى المحطة لتركبي إلى بيتك، سألته في سرعة قبل أن يغلق، كيف أعرفك وتعرفني، قال: سأرتدي بدلة زرقاء، وسأضع في جيبي منديلاً أحمر، وسأرفع التليفون المحمول عندما أراكِ ترتدين الفستان الأزرق، وتضعين على كتفك شالاً أحمر، ألديك تلك الألوان قالت في عجل: نعم.

 

انتابتها فرحة شديدة، لكن شبح الخيانة كان ينغص عليها فرحتها، كيف تفعل ذلك وهي التي حافظت على شرفها قبل الزواج وبعده؟ كيف تفعل ذلك وهي تخاف الله وتخشى عقابه وتطمع في جنته؟! لكن شيطانها غلبها، فبانت في سعادة لا توصف وكأنها عروس تزف إلى عريسها.

 

قامت من الصباح وأخبرت زوجها أنها ستخرج للتسوق، ثم تزينت كأحلى ما تكون، وارتدت ما اتفقا عليه، وخرجت تمشي وكأنها على وشك السقوط من شدة خجلها، فهذه أول مرة تقابل فيها رجلاً آخر غير زوجها، نزلت في المحطة وجلست على أحد المقاعد متوترة تغالب نازعًا داخلها يدعوها للهروب، وفجأة شاهدت شبحه من بعيد، فنظرت إلى الأرض من الخجل وتقدم إليها في ثقة، وأمسك التليفون المحمول، ونظر إليها ورفعت عينيها لتراه، لقد كان ...!

 

ذهبت إلى بيت أبيها مباشرة، وأخبرته أنها وزوجها اتفقا على الطلاق، وأنها ستنتظر عنده لحين إتمام الإجراءات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة