• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

التروبادور الأخير

د. محمد علي محمد عطا


تاريخ الإضافة: 20/1/2015 ميلادي - 30/3/1436 هجري

الزيارات: 4498

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التُّرُوبادُور الأخير

د. محمد علي محمد عطا [1]

 

"التُّروبادُور" طائفة من الشعراء حملوا تأثُّرهم بالأدب الأندلسي وموسيقاه إلى أنحاء أوروبا، ويُشبههم أستاذنا "أبو همام" - رحمه الله - في هواه الأندلسي، بالإضافة إلى حراسة معبدي العقاد وشاكر - رحمهما الله - فقد كان يجلس على بابَي المعبدَين حاميًا حِماهما من الدخيل، ويشدو على نايه أغاني العاشق الأندلسي، ويَصطلي في ليله البارد بزهرة النار.

 

وقد أسعدني الزمان أن أتتلمذ على يديه ردحًا من الزمن، وحقُّه علينا أن ننشر بعضًا من مآثره ونُعلي ذكره، فالذكر للإنسان عمر ثانٍ، وآثرت أن أترك هذه المآثر تتداعى حسبما اتفق، وتسفر عن نفسها من خلال سرد المواقف.

 

أول لقاء: كان الدكتور محمد المشد - حفظه الله - ينجز رسالته في شعر "مهيار الديلمي"، وكان مشرفه الدكتور أبو همام - رحمه الله - وقد قرأ لي الدكتور المشد قصيدة "قيثارة الأحزان"، فاقترح أن يأخذني بها لأبي همام ويُعرِّفني إليه، فاتفقنا وذهبنا، فلما دخلت عليه أكبرته وهِبتُه أيَّما هيبة، ثم ما لبث أن تحوَّل الجو إلى فكاهة يدوّي فيه صوت ضحكات الدكتور المشد المعهودة مُمتزجة بابتسامات أستاذه، فكأنهما روح حلَّت جسدَين، ولكن لم تزُل عني الهيبة.

يُغْضِي حياءً ويُغضَى من مَهَابتِه
فلا يُكَلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ

 

سابر القوافي:

وفي مهرجان الربيع الشعري عام 1997م، كنت ألقي قصيدتي "الظل والألوان"، وكان في الصفوف الأولى ساندًا راحتيه على عصاه، ويرمقني، وكلُّ دمي هيبة منه ومِن الأجلاء حوله، فقلت:

الصَّمتُ أَوْحَى لي برسمِ قصيدةٍ
ألوانُها وظلالُها مِن عالمي
فرَسَمْتُها طِفْلاً جميلاً باسِمًا
فتَجَسَّدتْ في وجْنَتَيْهِ..

 

فقال - رحمه الله - معي: مَعالمي!

فَأَخَذْتُ أَرْسمُ بالظِّلالِ حديقةً
فيها الزهورُ، بها البلابلُ تحتَمِي
فتَبَسَّمَ الطِّفْلُ الجَمِيْلُ بِفَرحةٍ
وتَبَسَّمَتْ فُرَشُ الجَمالِ ب..

 

فقال معي: مِعْصَمِي.

فَأَتَتَه رِيْحٌ أَعْقَبتْهَا مَوجَةٌ
قَتَلَتْ تبَسُّمَهُ فَمَاتَ..

 

فقال معي: تَبَسُّمِي.

وهكذا فعل معي في كثير من الأبيات، حتى وصلتُ إلى نهايتها قائلاً:

يَأيُّها القُبْحُ المَكِينُ بِأَرْضِنَا
ماتَ الجَمالُ وعاشَ كُلُّ..

 

فقال معي: مُشَتَّمِ.

وَلَقدْ سئمِتُ من الحياةِ وقُبْحِها
وسَئِمتُ صَوتَ غرابِها المترَنِّمِ
فرسمْتُ في إحدَى النَّواحِي مَقْبَري
وَرَسَمْتُ في الأُخْرَى مَلامِحَ..

 

فقال معي: مَأْتَمِي!

فتصببتُ عرقًا على عرقي، واحمرَّ وجهي، ودارت الظنون: هل حصل تناصٌّ شديد بين قصيدة أخرى وقصيدتي، أم ماذا؟ حتى وجدت هذا ديدنه مع كل القصائد؛ يتوقع القافية بدقة!

أَمِيْرَ القَوافي قدْ أَتَيْتُ مُبايعًا
وهذي وفودُ الشَّرقِ قَدْ بايعَتْ مَعِي

 

عارفٌ بالفضل لأهله:

ثم درَّس لي في السنة التمهيدية، وأعطانا صفحةً من كتاب أدبي جهلْناه وقتها، وطلب منا تحقيقه، كان فيه: "أمر الحجَّاجُ بإحضار الغَضْبان بن القَبَعْثَرى، وقال الحجَّاج: زعموا أنه لم يكن يكذب قطُّ، واليوم يَكذِب، فلما دخَل عليه، قال: سمنتَ يا غضبان، قال: أصلَحَ اللهُ الأميرَ، القَيد، والرَّتعَة، والخفْض، والدَّعة، وقلَّة التعتَعة، ومن يكن ضيف الأمير يَسمن!

 

قال: أتحبني يا غضبان؟ قال: أصلح الله الأمير، أوفرَقٌ خير مِن حُبٍّ؟!

قال: لأحملنَّك على الأدهم، قال: مثل الأمير حمَل على الأدهم، والكُميتِ، والأشقر، قال: إنه حديد، قال: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدًا".

 

فلمَّا حقَّقناه وعرضْتُه عليه، قال: مَن ساعدك فيه؟ قلتُ: أنا أعمل في "هجَر" للتَّحقيق، ومعنا الدكتور الطناحي مُشرفًا، فقال: إذًا ستضطلع.

لا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ
إلا أُولو الفَضلِ منَ اهْل العقلِ
هيهاتَ يَدرِي الفَضلَ مَن ليسَ لَهُ
فَضلٌ، ولو كان مِنَ اهل النُّبْلِ

 

المُعَلِّم الرَّفيق:

وفي إحدى المحاضرات كنا نُناقش قضية تحديد وفاة أحد الشعراء والآراء التي قيلتْ فيها، فقلتُ مندفعًا ضَجِرًا من كثرة الأقوال والأدلة: يجب أن يُحسَمَ هذا التاريخ ولا يُترك هكذا!

 

فالتفت إليَّ التفاتةً مِلؤها رحمة الشيخ بتلميذه وقال: يا بُنَي، ليست هذه الصَّرامةُ في مجال الأدب والعلوم الإنسانية عامةً غير في علم العَروض والصَّرف والمتَّفَقِ عليه من النَّحوِ.

فإِذا رحِمتَ فأنت أمٌّ أو أبٌ
هذانِ في الدُّنيا هُما الرُّحَماءُ!

 

البارُّ برُفقاء الطريق:

وفي إحدى المرات ذهبْنا لمحاضرتنا في السنة التمهيدية، فوجدته ترك لنا اعتذارًا، ثم رأيناه خارجًا من أحد المكاتب المُجاوِرة ويملأ وجهه الحزن الشديد على نحوٍ لم نعهده على وجهه البشوش، وعلمنا منه أن رفيق دربه الطناحي تُوفِّي، وهو ذاهب لتشييعه.

مَنْ كانَ مِثلِي للحبيبِ مفارقًا
لا تعذلُوهُ فالكلامُ كِلامُ
نعمَ المساعدُ دَمْعيَ الجاري على
خَدَّيَّ، إلا أنَّه نمَّامُ

 

خافضُ الجناح:

ودخل علينا مكتبه طالبٌ كان ممتَّعًا بطول سنوات دراسته في الدار، ولكنَّه كان عاشقًا لـ"أبو همام"، فدخل وانكبَّ على يده مقبِّلا ومهنئًا لـ"أبو همام" على لقاء تليفزيونيٍّ له، وأبو همام يتأبَّى ويربتُ على كتفه، وأطال الطالب في التهنئة حتى مللْنا نحن ولم يملَّ هو ولم يقلَّ تبسُّمه!

يُريك على الرِّضا والسخْطِ وَجْهًا
تروقُ به البشاشَةُ والقطوبُ

 

ملتزمٌ بما لا يلزم:

يكاد يكون لزوم ما لا يلزم صفة عامة في تلاميذ محمود شاكر، فهذا أبو همام لزم ما لا يلزم في القافية والشعر العمودي، وهذا عبدالرحمن العثيمين ألزم نفسه بالضبط الكامل للنصوص التي يُحقِّقها، حتى مقدِّمات تحقيقها كان يَضبِطها إعرابًا وبِنْية، غير أني لم أفطن لمثل ذلك عند الطناحي وعبدالفتاح الحلو - رحمهم الله جميعًا!

لَزِمتُ الصَّعْبَ في الآدابِ إنِّي
لأَجْدَرُ باللُّزومِ من المَعَرِّي

 

حارسُ المعبدَين:

الفجيعة في "أبو همام" ليست في شخصِه فقط؛ بل لأنه كان بقية تلاميذ العملاقين: عباس العقاد، ومحمود محمد شاكر، الذين اخترمهم الموت واحدًا تلوَ الآخر، حفظ الله لنا بقيتهم الحساني حسن عبدالله!

 

وأزعم أن إلزام "أبو همام" نفسه بما لا يلزمه في شعره وفِكرِه، وإخلاصه الشديد في حراسة المعبدين؛ معبد العقاد وشاكر = أضاع علينا إبداعًا كثيرًا، رحمه الله ما أشدَّ وفاءه!

أَنتَ الذي حَرَسَ (الآدابَ) صارمُهُ
لذاكَ مدحُك في السَّاعاتِ نَتْلُوهُ


[1] باحث في الفكر الإسلامي - Ma.ata.2020@gmail.com.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- أستاذي الفاضل د/ محمد علي عطا
محمود علاء الدين - مصر 22-01-2015 09:16 PM

أتمنى ل د/ محمد علي عطا التوفيق والنجاح

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة