• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

بيتنا العتيق

بيتنا العتيق
السيد راشد الوصيفي


تاريخ الإضافة: 26/11/2014 ميلادي - 3/2/1436 هجري

الزيارات: 5648

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيتنا العتيق

 

ما أجمل وأروع بيتَنا العتيق! ذلك الذي قد عشنا فيه أيام أن كنا أطفالاً صغارًا، نتقاذف حبات الرمل على شاطئ البحر، نلعبُ ونركضُ خلف النوارس التي كانت تأتي إلى الشاطئ بالقرب من بيتنا؛ لتلعب معنا، وتأكل من الأسماك التي قد اصطادها آبائي وأجدادي، فقد كان بيتنا بالقرب من شاطئ البحر، كنا لا نُفرِّق بين طفلٍ قريبٍ وطفلٍ بعيد، ولا نفرق - آنذاك - بين ذكر وأنثى، ولا نفرق بيننا وبين النوارس التي جاءت لتلعب معنا، حتى كنا لا نفرق بيننا وبين تلك الأسماك التي اصطادها آباؤنا وأجدادنا، نفرح بها ونلاعبها ونأكلها مُغتبطين، إنَّها السعادة التي قد جمعتنا، وضمتنا في واحة غنّاء من الحب والدفء والحنان الذي لا مثيل له.

 

كانت أمي تحرص على إعداد طعام الإفطار لنا، والشاي الأحمر القاني الذي نرتشفه، مغتبطين هانئين، وكان أبي يأتي من رحلة الصيد، يجمعنا حوله، يقدم لنا النصائح الغالية، وبعض النقود التي كنا نحسبها كثيرة كثيرة، نجمعها فرحين، ونضم بعضها إلى بعض إلى مناسبة العيد أو مناسبة عزيزة أو رحلة قريبة من بيتنا، ذلك البيت العتيق، الذي أَشَمُّ رائحته الذكية وأنا أكتب هذه السطور الآن.

 

كان بيتنا ليس ككل البيوت، كان قنديلاً يشع نورًا وبهاء على شاطئ البحر في دوحة الخير والنماء، كانت حجراته واسعة، وكانت أساساته قديمة، وكان أساسه من فُرشٍ قديمة، ولكنها كانت مُريحة، كانت ردهة البيت رائعة الجمال، فقد كان يقف على جانبي الباب الخارجي نخلتان، وكأنما هما حارسان طَوال الليل وأطراف النهار، كان يأتي الصيف فتحمل كلُّ نخلةٍ لتضع لنا بلحًا ورطبًا نملأ منه حُجُورنا، وتملأ أُمُّنا أطباقها من الأحمر القاني والأصفر الفاقع والأسود اللذيذ؛ لتقدمه إلى الضيوف ولنا، وهي مغتبطة سعيدة هانئة بالخير، كانت الأشجارُ عتيقة، تلتف حول بيتنا، كما كان بيتنا عتيقًا، أحسبه اليوم تُراثًا مما قد تركه لنا الآباء والأجداد، وكان قنديل ذلك البيت ونوره المُضاء وسراجه المُنير جَدِّي رحمه الله، فكان كلما دخل علينا في مجلسنا هشَّ لرؤيتنا، فنقف احترامًا وتعظيمًا وتقديرًا له، فينظرُ مغتبطًا، فنرى السعادة تنطُّ من عينيه العتيقتين، كما كان يشع النور الساطعُ من لحيته الكثة البيضاء، فَيُسَلمُ علينا واحدًا واحدًا، ويجلس في صدر المجلس، ونلتف حوله، فيربت على أكتافنا، ويحكي لنا قصة بطولة الآباء والأجداد، كيف عاشوا وكيف جابهوا مخاطر البحر قديمًا بحثًا عن اللؤلؤ وصيدًا للأسماك، وكيف أسسوا هذا البيت الذي يضمنا في حنان مُنقطع النظير، وكان يُغدِق علينا من ابتساماته الحلوة، ونصائحه الغالية.

 

بيتنا كان واحةً غنَّاء، كُنتُ كلما استيقظتُ مُبكرًا أسمع زقزقة العصافير على أطراف أفرع الأشجار التي هي في حديقة البيت، كأنما هي سيمفونية.. بل هي أشد وأروع، نغماتٌ عذبةٌ منها الصفير ومنها الزقزقة، ويصدح بُلبلٌ وسط هذه العصافير وكأنما هو قائد أوركسترا، إنَّها روعة الصباح الباكر في بيتنا العتيق الذي تغازله فيه أشعة الشمس، كان كُلُّ شيء من حولنا رائعًا جميلاً، يسبحُ بحمد الله تعالى، إنَّها الطبيعة الرائعة الجميلة التي خلقها الله في الكون لينعم بها الإنسان، ويسبحُ بحمده، ويشكر نعمه سبحانه، وكان هناكَ خرير الماء الذي ينساب من صنبور عتيق في ركن من أركان حديقة بيتنا، فتتهافتْ عليه عصافير الصباح، تنقر الماء الذي ينساب منه، وكأنَّما كانت تقف في طابورٍ، كلما أخذ عُصفورٌ حظه من الماء طار وجاء بعده غيره، حتى فرغوا جميعًا وطاروا، ولم أدرِ إلى أين قد طارتْ، جئتُ أتحسسُ زقزقة العصافير وخرير الماء وتغريد البلبل، كم كنتُ أهفو إلى كل ذلك، وأعود إلى حجرتي فأدندن مثل العصافير، ومثل خرير الماء، وأشدو كما كان يشدو بلبل الصباح، كم كان بيتنا العتيق رائعًا؛ لأنَّه يضمنا بفرحٍ ومرحٍ وحُب وسعادةٍ قلَّما شعرنا بها في بيتنا الحديث وأبراجنا العالية.

 

كان بيتنا العتيق وارف الظلال، عنيدًا كالجبروت في مواجهة أعاصير الشتاء، وأمواج البحر الهادرة حينما يأتي الشتاء، كان واحة غنّاء وقتَ السحر، كان قطعةً من أنفسنا، كما كنا - نحن الأطفالَ - قطعًا منه، يهش إلينا إن أقبلنا نحوه، يضمنا في حنو وحنان، ونهش له كلما اقتربنا منه، وتفيَّأْنا ظلاله ولعبنا في حديقته، ونمنا على أسِرَّته، واتَّكأنا على فُرشه، وتلحفنا عرشه القديم من الأخشاب والبوص، كان - وبحق - وطننا الذي نهش إليه، ونذبُّ عنه أيَّ أضرارٍ تحدق به، نُروي أشجاره لتُورق وتثمر، ونسلِّمُ على النخلتين؛ لتمنحانا تمرًا وبلحًا، ونُقلِّم الأشجار؛ لتبيض العصافير وتُفرخُ صغارها، ونشعل ضوء القناديل ليلاً؛ لتطمئن في أعشاشها، وليشدو بلبلها في الصباح، ونحن نحملُ حقائبنا ونسير إلى مدارسنا فرحين مغتبطين، نحلمُ متى نعودُ إلى بيتنا العتيق؟!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة