• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

الأخلاقيات الأدبية

الأخلاقيات الأدبية
د. ريمه الخاني


تاريخ الإضافة: 20/10/2014 ميلادي - 25/12/1435 هجري

الزيارات: 19395

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأخلاقيات الأدبية

 

كلمة سحرية نشدها كل البشر، لكنها في مقاييسهم نسبية مطاطة، لا تعترف بمقياس ثابت.

 

فالأخلاق معجميًّا:

الخُلْق والخُلُق: السَّجِيَّة، يقال: خالِصِ المـؤمن، وخالق الفاجر.

 

وفي الحديث: ((ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخُلُق))؛ الخُلُقُ، بضم اللام وسكونها: وهو الدِّين والطبْع والسجيَّة.[1]

 

يقول الأستاذ حسين عجمية حول تعريف الأخلاق:

الأخلاق: هي الدلائل والمعايير والقيم الموضوعة لتحقيق معادلة توازن الفعل الإنساني، وإعطائه الصيغة الفعلية المتفق عليها ضمن الوسط المعيش، وتحقيق نوع من النفوذ من خلال التقيد بهذه الأخلاق، وصيانة ميادينها العامة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين عملية تعميقها وتوسيع مبادئها، وبين تسخيرها لتحقيق بعض الغايات من خلال الامتثال لمسيرها ونسقها العام، وإظهار بعض النوايا من خلال الخَرْقِ المتعمَّد للأخلاق، وتحقيق وجود متميز من خلال ذلك.[2]

 

فالأخلاق في غايتها هي الحفاظ على الوفاق الاجتماعي، وتأمين نمطية معيشية منسجمة مع الحياة الحضارية التي يعيشها المجتمع، ويتابع صيرورته مع تغيير هذه المعايير الأخلاقية على الدوام.

 

وهي ضابط سلوكي، يؤدي لتوحيد الأفعال الظاهرية، في معايير متشابهة، يتيح المحاسبة عند الضرورة وعند ظهور السلوكيات الشاذة، وعليه فيتحدد من خلال نوع السلوك العقابُ المناسب.

 

أدبيًّا:

على الرغم من أن اتحاد الكتاب العرب اتخذ نهجًا قويمًا بمنع الاقتراب للثالوث المحرم: السياسة، والأديان، والجنس، فإن الأعمال الأكثر شهرة عالميًّا هي التي اقتربت منه واخترقته أيضًا.

 

لماذا؟ هل لأن الجمهور يألف ما هو غير مألوف لمزيد من الإثارة والتجديد؟ أم لأن الإبداع يقتضي ذلك؟ أم لأن البقاء على عرش الشهرة يقتضي ذلك؟ أم هي حالة مستديمة من كسر الضوابط؛ ليقال: هؤلاء فعلوها بجرأة، فباتت الجرأة هي الأصلَ، ثم الأخلاق الفرع؟!

أم هم أباطرة الإعلام وسماسرة الإبداع؟!


يقول حول ذلك الدكتور محمد برادة:

رغم أن الثالوث المهيمن على ضبط قيم المجتمع - عنيت: الجنسَ والدينَ والسياسة - نلاحظ أن الإنتاج الروائي العربي أسهم في إضاءة هذه المناطق الحساسة التي يحرص الماسكون للسلطة عادةً على تسييجها، وإيهام الناس بأنها في حرز مصون، فعلى هذا النحو احتلت موضوعات الجنس حيِّزًا كبيرًا في النصوص الروائية - عندما فكروا بالتجديد - فقلَّدوا الغرب ولم ينفردوا بخط يخصهم.[3]

 

لقد كان منهج الجاحظ في القرن الثالث الهجري أخلاقيًّا بامتياز، قائلًا عن كتابه البخلاء:

"في الكتاب ثلاثة أشياء: تَبَيُّنُ حُجَّةٍ طريفة، أو تَعَرُّفُ حيلةٍ لطيفة، أو استفادة نادرة عجيبة".

وهو بعد هنا قد قدَّم دراسة سوسيلوجية باكرة في الثقافة العربية، حيث ابتعد عن الهذر في علم الكلام، وأراد صرف النظر عنه؛ لأنه لم يكن مؤمنًا بعلم الكلام.

 

يقول د. صلاح الدين يونس [4]:

وقد أُثِرَ عنه مقولتان ظاهرتا التجاوزِ والتفريط، والتي قدم لها وظائفية الزينة والإمتاع، فالأولى ليسوغ لها الإيضاح، والإمتاع ليسوغ من خلال إقبال الخاصة والعامة على الحجاج والمجادلة؛ إشارة منه إلى طبيعة العصر التركيبية.

 

والفريد في الأمر أن من حضَّ على الاحتشام روائيًّا في سرد العواطف هم الستانداليون، ومنهم أندريه جيد 1869-1951م، وهو من امتزجت حياته بتجاوزات أخلاقية معروفة!

 

فلمَ لا نقدم أفضل الممكن؟

وقال جيد: إن ستاندال هو بمثابة نخاع العظم مني، وأنا أسنُّ وأشحذ منقاري عليه.[5]

 

يقول الأستاذ عيد درويش في بحثه: "الأخلاق بين الفضيلة والواجب"[6]:

فإذا استطاع الإنسان أن يحافظ على بقائه بموجب الفضيلة، فهو قادر على تطويرها، كما أن تطور المجتمع رهن بتطور نظامه الأخلاقي وسيادة الفضيلة فيه.

 

وللمسألة الأخلاقية نصيب كبير من الجدل الفكري، وخير دليل على ذلك ما احتوته بطون الكتب عبر التاريخ.

 

ويقول في مكان آخر من البحث:

والمسألة الأخلاقية لها ضوابط اجتماعية تقوم بتنظيم سلوك الناس في ميادين الحياة العامة كافة، وتندرج ضمنها أيضًا التقييمات الأخلاقية لظواهر الحياة الاجتماعية.

ماذا يعني هذا؟

 

يقول الدكتور خير الدين عبدالرحمن في بحثه عن أحاديث عن عزلة الشعر، بل وعن موته[7]:

إن العقل العربي بات متعبًا أكثر من أيِّ وقت مضى، وهو في الأصل كذلك، فهو تأسره الثنائيات بسهولة وسرعة، ثنائيات الأبيض والأسود، الحب أو الكراهية، الوطنية أو الخيانة، الروح أو المادة، العروبة أو الإسلام، العاطفة أو العقل، الإعجاب أو الازدراء، العلم أو الفن، عقل متسرع يبحث عن أسهل خيار من دون أن يبذل جهدًا، فيصعب عليه قبول حقيقة أن في طيف الألوان تدرجًا كثيرًا وتعددًا لونيًّا فيما بين الأبيض والأسود.

 

كم تصعب هنا إدارة الظهر لمقولة القائل: إن الفضيلة ترفُضُ أن تكونَ السهولة رفيقًا لها، أو أن تسلك الطريق السهل، وكم هو محرج التسليم المنطقي بأن العقل المستسلم للثنائيات أكثر قابلية للسيطرة عليه من الخارج، سيطرة تؤدي به إلى الشلل والرضوخ والاستعباد، بعد تحطم الروح وتلاشي المقاومة؛ توهمًا باستحالتها، أو نزوعًا إلى سلامة ذاتية موهومة.

 

كلام يُحلِّل ماهيَّة العقل العربي الصعبة التي إما تتجه لأقصى اليمين أو لأقصى اليسار، ونحن أمة وسَط، فأين التوسط هنا؟[8]

 

حقيقة حتى الكتب التي تدين الذكورية في المجتمع المتزمت والمتعصب، تدين بتلقائية غريبة الجنوح للانفتاح اللاأخلاقي، وتجعله أكثر استعبادًا للتفلُّتِ وترك المرأة في حالة دونيَّة أمام الشهوة، وخاصة من خلال دراسته لنماذج روائية عربية.

 

يقول جورج طرابيشي في كتابه شرق وغرب رجولة وأنوثة:

إن العَلاقات البشرية في السادية أو في المازوخية عَلاقات قوة، علاقات سيطرة وخضوع، ومعادل العلاقة المذكرة هو حب إذلال، ومعادل المازوخية المؤنثة هو حب التذلل، وتقع الفرودية في المحذور نفسه في تفسيرها لرموز الأحلام، عندما تؤكد أن الأسلحة المدببة رمز للعضو المذكر والعلب إلخ... المؤنث!

 

وهي رموز عامة في الروايات العربية عمومًا. ص6-7.

 

حقيقة قصَّر النقاد في نقد النصوص الخادشة للحياء، بل تركوا لها الطريق مفتوحًا؛ لما تدره من أرباح، وهذا إن كان فهو وصمة عار في تاريخ العطاء الأدبي، فهو وإن كان واقعًا، فهناك فرق مؤكد ما بين رصدها كواقع محتم، وما بين الرفض له كهُوة مزرية تودي بالمرء لتشويه التاريخ الإنساني والأخلاقي، وفتح الباب للجيل لتجربتها والوقوع فيها ثانية.

 

وجدنا نصًّا كُتِبَ وَبُدِئَ ولم يُكْمَلْ كطرح يحتاج إلى شرح وبحث وتركيز، فما أحوجنا اليوم لمثل تلك التجارب؛ نتزود بها حكمة وعبرة، بما يعزز لغتنا وقيمنا، ويتصدى لما يعتورهما من تشويه أو تقصير..

 

يقول الدكتور خليل أبو ذياب، الناقد الفلسطيني المعروف: "إذا رجعنا إلى طبيعة الأدب، فإننا نجدُه إنما لم يوجد إلا من خلال معطيَات أو منجزات، ومن هذه المعطيات الأساسية في الحياة: الأخلاق؛ لأنَّ الأخلاق من قِوام المجتمع وعماده، ولا يمكن أن يستقيم أيُّ مجتمع بدون أخلاق، حتى إذا رجعنا إلى العصور الغابرة الجاهلية وغير الجاهلية، فإننا نجد أن الأدب يحرص حرصًا بالغًا على تسجيل وتصوير كل الجوانب المختلفة التي ترتبط بهذه الحياة.

 

وبقدر مساهمة هذا الأدب في التعبير عن القضايا الاجتماعية والأخلاقية، وتنمية هذه الأخلاق، ومحاولة التعبير عنها، وإبرازها للمجتمع، بقدر ما تكون لهذا الأدب أهميته وقيمته.

 

والذي يحاول أن يفصل بين الأدب والأخلاق كمن يحاول أن يفصل بين الجسم والروح؛ لأنه لا يوجد أدب بدون أخلاق، ولا توجد أخلاق بدون أدب، كما لا توجد الروح بدون الجسد.

 

ومهمة الأدباء في هذه الحالة تكمُنُ في دورهم في إرساء هذه الأخلاق وإبرازها للمجتمع حتى يفيد الناس منها؛ لأنه إذا لم يفعل الأدباء هذا الأمر، فلا قيمة للأدب وسيظل معزولًا ومنشغلًا بأموره الخاصة، وبالتالي لا يمكن أن يؤدي رسالته المهمة[9].

 

نجد هنا أن الدكتور خليلاً وضَّح وظيفة الأدب بدقة، وقدَّم مهمته البنَّاءة على الهدم الذي نراه في المنابر والأعمال العالمية، الذي جعلنا نألفه رُغمًا عنا.

 

وإن كان الشكل الذي يجعل المضمون وطنيًّا بقشرة لا أخلاقية، إنما هي عملية غش مفضوحة، لا تخفى على المتلقي الذكي.

 

يقول د. إبراهيم عوض:

لا يتعلق الذوق الأدبي في حقيقة الأمر بالشكل الفني فحسب، بل به وبالمضمون معًا؛ إذ هما مرتبطان، بل ملتحمان، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، اللهم إلا على المستوى النظري فقط، أما في الواقع فالفصل غير ممكن، والذين يظنون أن التذوق الأدبي لا عَلاقة له إلا بالجانب الفني في القصيدة أو المقال أو المسرحية... إلخ هم ناس يهيمون في الفراغ، أو يجرون وراء الأوهام؛ إذ أين يمكن أن نجد الشكل الفني منفصلًا عن مضمونه؟!

 

إننا لو عملنا على مسايرة هؤلاء النقاد، وحاولنا التوصل إلى شكل قصيدة من القصائد، فأين يا تُرى نجد الوزن دون الكلمات التي وُزِنَتْ عليه؟ وأين نجد البناء بعيدًا عما احتوته من أغراض أو أفكار، أو أحداث أو مشاعر، أو ما إلى ذلك؟! وأين نجد حرف السين - مثلًا - الذي يكثر في البيت الفلاني للإيحاء بجو الهمس والإسرار، إلا إذا أوردنا الألفاظ التي يظهر فيها هذا الحرف؟![10]

 

ويؤكد على ذلك الأستاذ حسين علي الهنداوي قائلًا:

إذ إن الأدب بطبيعته وأهدافه ووظيفته بحثٌ عن الأخلاق من خلال الجمال، كما أن الأخلاق تريد أن تبرز بصور جميلة من خلال أشكال معينة، أحدها الأدب، وليس هناك قضية أكثر إلحاحًا على عقل ونفس وروح الإنسان من البحث عن الجمال، الذي يبعث في الروح الطمأنينة والسكينة، وينفخ في النفس روح الاستقرار، ويطلق الخيال من عنانه[11].

فمتى تنتظم مهمة الأدب بمسارها الطبيعي الفطري السليم؟!

 

يقول د. سمير يونس حول ما يحاصرنا من إباحيات:

إن أدباء الإباحية إنما هم لصوص سارقون لأشرف ما تحتفظ به الأمة من أخلاق، وأكرم ما تعتز به من فضائل، وعلى كل أَبِيٍّ حر مسلم تبقَّى أن يتصدى لهؤلاء قائلًا: اتركوا لنا بناتنا عفيفات، اتركوا لنا زوجاتنا وفيات خلوقات، اتركوا لنا شبابنا شبابَ نقاءٍ وعفة وطهر وصفاء، لا شباب ميوعة وانحلال.

 

إن الذين يريدون أن يهدموا بيوتنا وأخلاقنا لا يصِحُّ أن نتركهم يُتمُّون جريمتهم باسم الحرية والفن والإبداع، لا يليق بأي حر أبِيٍّ غيور على زوجته وبناته وأمه وأخواته أن يترك هؤلاء العابثين يعبثون بأعراضنا، فيعيثون في البيوت لهوًا وفسادًا.

وعندما تشاهد المرأة عملًا دراميًّا مسمومًا، فتنبهر به، لا تدري أنها تشرب السُّمَّ الزُّعاف وتسقيه لأبنائها وبناتها، ومن ثَمَّ فيجدر بها أن تنأى بنفسها وأبنائها وبناتها عن الأفلام الساقطة والمسلسلات الهابطة.

 

يقول الباحث هيثم نافل والي في دراسة بعنوان: "الإباحية في الفن الروائي والقصصي":

تُعَرَّفُ الإباحية على أنها إباحة كل ما هو محظور!

 

ويُكمِل:

نحن نعرف أن الإباحية هي كشف الأسرار أو الخفايا والخبايا النفسية والجسدية عند الإنسان، دون خجل أو خوف، وبشكل مفضوح، لا يستقيم له المعنى إلا كذلك! وعلينا أن نعلم أننا بدأنا مقالنا بكلمة لها مدلولها الخاص وليس العام، وقلنا: الإباحية في الفن الروائي والقصصي، إذًا نحن نتحدث عن الفن، عن جوهر الأشياء وليس سطحها، عن معناها الروحي وليس الجسدي الفاني البحت لا قدر الله، نريد وننشد المتعة الخالصة، وليست الشهوة الحيوانية أو المنفعية السوقية؛ لأننا لو أردنا أن نبحث عن قشور الأشياء لوجدناها في الأسواق المكتظة أو في صالات عرض الأجساد المشبوهة لعباد الله الذين لا يعرفون ربهم، طردهم الله من جهنمه الأولى بعد أن سلب منهم لُبَّهُمْ ليسقطهم في سابعها التي لا رحمة فيها إطلاقًا[12].

 

هل نحن بحاجة لذلك؟ ولمَ نروج لها منذ الخمسينيات وإلى الآن؟


هل هذه هي الحضارة التي وصلت للجنس الثالث والرابع؟ إلى أين نريد أن نصل؟

يحضرنا هنا ذكر لأدباء ونقاد المعتزلة الذين كانت رغم التطور الشعري في زمانهم بسبب التغيرات المجتمعية الحاصلة، ورغم تركيزهم على الشكل والنظم والمعاني العقلية عمومًا، إلا أنهم كانوا يركزون على الأخلاقيات في الشعر مثل ابن طباطبا، وكذا العادات والـمُثُل العليا العربية التي بدأت تتغير، وهكذا ظل الشعر شعرًا ما دام يعبر عن ذلك المقياس الثابت للفضيلة، حتى إن التخييل في الشعر كانوا يعتبرونه نوعًا من الكذب، وهذا ما قاله القرطاجني، حيث اتهم المتكلمين بأنهم هم الذين نسبوا الكذب إلى الشعر؛ ليرفعوا القرآن فوقه ويميزوه عنه[13].

 

قد يكون في هذا بدايات إرهاصات النقد في ذاك الزمان، وربما كان التخييل جديدًا حينها، لكن تبقى مسألة الأخلاق قِيمًا تحمل شعارًا عربيًّا وإسلاميًّا أصيلاً.

 

والجدير بالذكر أن نظرية "الثقافة وحدها لا تصنع ناقدًا" نظريةٌ صحيحة؛ ذلك أن شحذ الأدوات لا يأتي إلا بالممارسة حتى يقطع الناقد شوطًا كبيرًا نحو هويته النقدية.

 

الغريب أن الأصمعي يقول: إن الشعر مجاله الشر، وإذا تناول الموضوعات الأخلاقية والدينية ضعُف وتهافت!

 

والأغرب ما ورد عن الباحث إحسان عباس: إن شعر اليونان كان يمثل الفضيلة منذ بدايته، بينما كان الشعر العربي مليئًا بنكهة الظلم والتهتك والإغراء بالرذائل ومحاكاة الدواب أحيانًا.

 

وينصح ابن رشد ومسكويه أن يجنب الناشئة الشعر الذي يتحدث عن النسيب أو مدح الطغاة.

 

وعلى هذا فقد أبعد معظم الشعراء ولو كانوا على حق.[14]

في الطرف المقابل يقبع مفهوم مناقض وهو:

" الشذوذ الأدبي".

 

قال أحد القراء:

الشذوذ الأدبي: يأتي من شذوذ الكاتب ذات نفسه، حيث إنه يستسلم لنوازعه الخاصة، وهوى نفسه، دون أن يُحِسُّ أو يشعر فيها بأدنى عيب أو غضاضة.

 

فأكملت:

وهو بهذا يقدم أدبًا مسمومًا غالبًا، يحمل بذورًا منحرفة، وفكرًا هشًّا، ولا يحمل رسالة فريدة وسامية، ويعتبر أدبًا غير سويٍّ؛ نظرًا لفكره غير الطبيعي عمومًا.

 

يقول الناقد والشاعر عبدالرحيم محمود:

الأصل في الأدب أن يتجه لمكارم الأخلاق، وأن يسهم في تغيير الواقع المملوء بِقِيَمٍ غير سوية ليضع مكانها قِيمًا سوية تتفق مع ثوابت الأمة، والأديب يتصف ليس فقط بكونه مؤدِّبًا - بكسر الدال - وقائدًا اجتماعيًّا وفكريًّا، لا بل يتعداه إلى أن يكون مؤدَّبًا - بفتحها - بحيث يبتعد فيه عن الفحش والسِّباب والشتم والتقزيم والشخصنة، وكل ما من شأنه أن يخدش بلور شخصيته، وغني عن القول: إن على الأديب أن يكون قدوة ومنارة يرى فيها الناس الصورة المشرقة الخالية من الشروخ والخدوش والتشويه.

 

تقول الأديبة غالية أبو ستة:

فالشذوذ الأدبي إذًا هو شذوذه عن رسالته الخلقية، والدينية أو السلوكية، والتزام ما يخدم قضايا الإنسان المصيرية.

 

يقول الأديب فوزي سليم بيترو:

كلمة (شذوذ) مرتبطة بالسلوك غير السوي، ولو حاولنا تفسير معنى كلمة (شذوذ)، لقلنا: إنها الخروج عن المنطق، والمنطق يتبع لظرف زمان مكاني.

 

وبالتالي فإن الشذوذ في موقع ما، ربما لا يعتبر شذوذًا في موقع آخر.

 

مثال على ذلك قصيدة النثر التي تلاقي صعوبة في تجنيسها عندنا، قد لاقت القبول في الغرب.

 

والقصة القصيرة أيضًا بدأت تأخذ مسارًا غير الذي عهدناه في كلاسيكياتنا، ألا يعتبر هذا شذوذًا إلى أن تفرض هذه الأجناس الجديدة نفسها ويتقبلها المتلقي؟

 

أما الشذوذ بمفهومه السلبي في الحرف المكتوب، من خدش لطهارة الأدب بشكل عام، وتضمين النصوص ألفاظًا لا تليق، فهي مسؤولية الكاتب، ومن بعدها مسؤولية المتلقي الذي لا يرضى بمثل هذا الشذوذ.

 

نأتي للأفكار والمضمون والرسالة التي من أجلها كُتب النص، هنا أقول: إن للكاتب كامل الحرية في طرح أفكاره، ولا يعتبر ذلك شذوذًا بمفهومه السلبي، إلا إذا ترتب من جرَّاء ذلك ضررًا للمجتمع.

 

لا تقيِّدوا المبدع وتقولوا له أبدع![15]

 

ويقول الأديب الساخر محمد سليم:

اتفقت سابقًا.. مع ما قال أخي فوزي....

 

والملاحظ أنه أضاف جملة ضرورية مُكملة على ما قمت أنت بالرد عليه، ألا وهي:

(إلا إذا ترتب من جراء ذلك ضرر للمجتمع)؛ أي إبداع مشروط وليس حرية مطلقة.

.... والضرر للمجتمع بمعنى كتابة أو تناول كل ما يمس القيم والعادات والعرف بطريقة فجة منفِّرة (وطبعًا الدين أسمى وأجلُّ).

أو بمعنى آخر: الضرر قد يقع على الأفراد، وأيضًا قد يكون ضررًا على المجتمع..............

ولا أظن أن كاتبًا محترمًا، صاحب رسالة، يهدم ما يود إيصاله للقارئ لمجرد معالجة موضوعات خارجة - له الحق في معالجتها - بطريقة فجة - إلا إذا كان مهووسًا مريضًا يضر المجتمع أكثر مما يفيده.

♦♦♦♦♦


وعلى هذا: فإننا ندخل هنا عالم الأدب النظيف الذي ندعو له، ويتضمن في مفهومه: الأدب الإنساني عمومًا، فقد أرهق القارئ لون الدماء الذي جلل الحروف والواقع، وبات لزامًا العودة لإنسانية الإنسان، الذي تنازل عن مركزه للحيوان الذي لا يقتل إلا لو جاع! ولا يؤذي إلا إذا أُرغِمَ على هذا ودُفِعَ!

ماذا نعني أولًا بمصطلح الأدب النظيف؟


أولاً: هل هو الذي يستبيح المرأة والرجل ويجعلهما عاريين تمامًا من الداخل والخارج؛ يفرق الأمة، ينخر في عظامها ليلبسها ثوبًا ليس بثوبها؟ أم هو محاولة للرجوع للغة الأصل بخطًى بدائية وئيدة بعيدة عن المرمى؟

 

أم هو مزيج وخلطة جديدة تشوق الجيل الجديد لتناول عسله، ممزوجًا بالمقبِّلات الفكرية والثقافية الهامة العصرية، يحفظ الهُويَّة والمحاور الأساسية في عالمنا؟

حقيقة كنا طرحنا فكرة أدبية قريبة من هذا المصطلح (منذ ثمانية أعوام من خلال أمسيات موقعنا "فرسان الثقافة"، حيث كانت تعقد كل ستة أشهر)، وما زال البحث مستمرًّا عن التعريف الأكثر تكثيفًا وتحقيقًا للهدف المرجو منه.

 

يبحث عن وجهه العصري المناسب، وتعريفه النهائي ليمضي قُدمًا بإيجابية وكان مبدئيًّا.

 

أدب يرسم عبر تنوعات أطيافه أملًا فكريًّا للأمة، ومسارًا أخلاقيًّا رفيعًا، حياديًّا وموضوعي النظرة السياسية والثقافية والاجتماعية، لا يملك عنصرية الفكر، ولا الدوران في حلقة مفرغة لا طائل منها من الوجدانيات العقيمة، ويحمل في طيَّاتها ثوابت دينية لا انزياح عنها في زمن الانزياحات.

 

وبذلك يتضح لنا أنه أدب موضوعي واقعي، يرسم خطًّا عامًّا يَلمُّ فيه شمل العالم العربي والعالم الأوسع، المتشرذم ببوتقة عالمية من التعايش الحقيقي، البعيد عن الشعارات الزائفة التي لم تنتج سوى النقيض.

وما أحوجنا لهذا التعريف الذي تتبدى الحاجة إليه يومًا بعد يوم.

 

لقد انتشر الغثُّ من الأدب حتى انتشر كغثاء السيل يغطِّي على ثمين المواد الأدبية، كلٌّ ينشر ما يَخطُر على باله وكأنه مرشد الزمان! لا يتقبَّلُ النقد، ولا الامتزاج بفكر آخر، ولا حتى تقبله لتطويعه للأفضل، شكلًا ومضمونًا.

 

فوجدنا ردة فعل من الجمهور حسنة مبدئية كشعار هام جِدِّيِّ النظرة، واقعي العمل، وهو يستمر بعطائه من خلال مشروعنا الثقافي.

 

لهذا الشعار الذي كان مبدأ قويًّا لموقعنا المتواضع، لكن ما أدهشنا فعلًا هو عدم الوصول لمنابر تؤيد فعليًّا هذا المسار الذي لا غنى عنه أمام - مثلاً - الإباحية الأدبية التي امتهنت المرأة والأخلاق والأسس التي تقوم عليها المجتمعات عمومًا.

 

وكل ما كان مجرد إطراء ومديح لا طائل منه، فأين هؤلاء الذي يمسكون بناصية الأخلاق والدين وأئمته الذين بدورهم لم يقبلوا ولا يقدموا الرعاية اللازمة؟

 

لقد نشأ تيار مفهوم الأدب النظيف في الغرب ولكن بمسمًى آخر، وعلى طريقة برونتيير الذي لم يكتفِ مثل سَلَفَيْهِ (سانت بوف وتاين) بقلة اهتمامهما بالنقد العلمي، وبتحديد قيمة المؤلف، ودراسة نفسية الشاعر أو الكاتب؛ وإنما أراد نقد المؤلفات من الوجهة الأخلاقية أيضًا، لذا أعلن برونتيير باسم الأدب والأخلاقِ الحربَ على نظرية الفن للفن، والحرية التي يلتزمها الكتَّاب في كتاباتهم، وكان من الطبيعي أن يتجه إعجاب برونتيير إلى شعراء وكتاب العهد الكلاسيكي، واعتباره أنهم "مفخرة الفكر الإنساني والعبقرية الفرنسية"، لقد أحب باسكال وبوسويه وكورنيل، بقدر ما كَرِهَ فولتيير وروسو.[16]

 

هو تيار يحفظ الأخلاق والمُثُل فقط، والتي عفا عليها الزمان على ما يبدو، وباتت عملة قديمة صدئة برأي بعضهم!

 

سنبقى هنا رغم الرياح العاتية، وسنكون المسافرين إليها، حتى إذا ما احتاج المسافر للماء البعيد، فسيجده في بطنها.

 

كن عونًا للأدب النظيف أينما وجدته، صفق له، ادعُ إليه كل من تتمنى له الخير، ابحث عن نتاجه، فهو ما تبقى من الزمن الجميل، رسالة كان أم كتابًا، فهم حملة الأمانة الحقيقية التي نبحث.

 

واكسب دنياك وآخرتك معًا.

 

وما زلنا بصدد تنظيم شروط الأدب النظيف أو الإنساني[17].

 



[1] المصدر:

http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D8%AE%D9%84%D9%82

[2] من مقال: الأخلاق نظام وجداني - العدد 1380 من الأسبوع الأدبي 16/2/2014 م، 16 ربيع الثاني 1435هـ.

[3] من كتاب الرواية العربية ورهان التجديد، ص 57 بتصرف.

[4] المعرفة العدد 606 آذار 2014، بحث التفكير البلاغي من البيانية إلى التفلسف.

[5] من بحث الروائي الفرنسي هنري ستاندال: أحد كبار أدباء الرواية العالميين: إبراهيم سلوم، المعرفة العدد 606 آذار 2014 ص 74.

[6] المعرفة، العدد 606، آذار 2014 ص 114.

[7] المعرفة، العدد 606 آذار 2014.

[8] لمزيد من التعمق في ماهية العقل العربي الرجاء التوجه للرابط:

https://www.facebook.com/permalink.php?id=324076381037175&story_fbid=421886497922829

[9] http://www.lahaonline.com/articles/view/2204.htm

[10] http://www.alarabnews.com/alshaab/2004/03-12-2004/aa.htm

[11] http://www.aklaam.net/forum/showthread.php?t=3418

[12] http://www.diwanalarab.com/spip.php?article39555

[13] راجع ص 19-20 من كتاب تاريخ النقد الأدبي عند العرب؛ للدكتور إحسان عباس.

[14] من كتاب تاريخ النقد عند العرب ص 38.

[15] الآراء مقتبسة من موقع طرحنا فيه هذه الفكرة للنقاش: ملتقى المبدعين والأدباء العرب.

http://host.amrhost.com/~almol3/vb/showthread.php?105821-%E3%C7%E5%E6-%E3%DD%E5%E6%E3-%C7%E1%D4%D0%E6%D0-%C7%E1%C3%CF%C8%ED%BF

[16] من كتاب "نظرية النقد من البلاغة إلى النقد" للأستاذ محمد كامل الخطيب ص 303 من دراسة للأستاذ إبراهيم الكيلاني بعنوان: النقد عند العرب.

[17] لمتابعة الردود حول هذا الموضوع الرجاء التوجه لهذا الرابط:

http://www.omferas.com/vb/t51827/





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة