• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

أسرى قلب ( قصة )

ميادة بدوي


تاريخ الإضافة: 11/9/2014 ميلادي - 16/11/1435 هجري

الزيارات: 4496

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسرى قلب


• "أمامي ليل طويل" قالتها وهي تتربع على فراشها، بجوارها جسدها يغط في نوم عميق!

 

نهضتْ مسرعة لا تزال في ثياب النوم، انتقَتْ فستانًا بسيط الملامح ارتَدَتْه، وخرجت بعد منتصف الليل، من النافذة خرجت!

 

سيكون ليلاً طويلاً بحق، كان موعدها الأول مع والدها.

 

تلتقط أنفاسها المتسارعة، تستند إلى الجدار بجانبها، لم تكن غرفة كاملة الملامح، فهي أشبه بمقبرة!

 

جدران طلاؤها يتساقط، أريكة تستند إلى أحد الجدران، الأرض يستر حالتَها الأسمنتية قطعةٌ من الحصير البالية.

 

كان والدها بانتظارها كما اتَّفقا، لم يلقها مرحِّبًا! كان صارمًا كعادته.

 

• تأخَّرتِ! (وجه عبوس ومتجهم)

♦ أعتذر!

• وما يفيد الاعتذار؟


تُدِير وجهَها حتى لا يكاد يتبين أهي تبكي أم تضحك، تبتسم ابتسامة ساخرة:

♦ لا زلت كما أنت يا "أبي" (وقد لفظتها بصعوبة؛ كأنما تتمنى قطع الصلة بينهما!)


لم تغيِّرك الأيام ولا الحياة الأخرى! أوَقتك ثمين - هنا أيضًا - لدرجة أن تأخيري قد أصابك بالضيق! ألا زلت أيضًا تضرب بالعصا، ويحمر وجهك عند الانفعال؟


احمَرَّ وجهُه! لم تتحدَّث معه هكذا قط! كادت تنفلت منه كلمات موبخة، فسبقتْه:

♦ ستخبرني أني لا زلت بلهاء، وأني لا أستحق كونك أبي، وأني لم أفعل بحياتي سوى ما يأتيك بالملامة، ولم أَسِرْ على خطاك؛ لذا فأنا فاشلة، أليس كذلك؟!

 

ابتسَم! أخيرًا ابتسَم، ولكنها ليست ساخرة بل حانية! تبدلت نظرات عينيه كأنما يستعطفها:

• ألا زلت تذكرين؟ لقد مَرَّ دهر!

♦ أخبِرْني كيف أنسى حياتي فأنسى! ألم توبخني على كل ما فعلت وما لم أفعل؟ ألم تجبرني على الزواج كهدية صفقة عمل؟ ألم تدلل أختي في حين قاسيتُ أنا حتى أنفق على نفسي؟

• ولكن..

♦ ولكن ماذا؟ أوَهُناك ما تدافع به عن نفسك؟ أم تعجب من جرأتي؟ عذرًا أبي، فهو حساب لا بد من تصفيته!

 

• حسنًا، كيف أعوضك؟ (كأنما أراد الخلاص من توبيخها؛ لئلا يؤلمه ضميرُه!)

♦ وما تستطيع فعله لي وأنت هنا؟


• أيكفيكِ الاعتذار إذًا؟

وأطرق برأسه كمن يهذِّب نفسه.

 

دق جرس كالإنذار، تذكرتْ لا بد من الرحيل، تنهد، ورفع رأسه فلم يجدها! قد فات الأوان!

 

انطلقتْ على غير هدى، فهناك موعد آخر لا بد من اللحاق به وإلا قضت ليلتها في التأخير، تطوي الأرض أسفلها كأنما تطير، تفرد ذراعيها محلِّقة، كيف ترى في هذا الظلام الدامس؛ فهي ليلة غير مقمرة؟!

 

حجرة كالمساجد، طلاؤها بني كما يبدو ليس بقديم، على يسارها لوحات بها آيات قرآنية مذهبة، وعلى يمينها مكتبة صغيرة بها كتبٌ عتيقة أتى عليها الدهر، والأرض يسترها سجاد ليس برثٍّ ولا بفخم، بني في وسطه وردة بيضاء رائعة الجمال تكاد تتخيلها حقيقة!

 

جالت بنظرها، لم تجدها.

 

• ها قد أتيت في موعدك تمامًا.

صوت حنون مفعم بالقوة وحدَّة صوت الأنثى، يعلوه ابتسامة.

♦ كيف حالك يا فتاة؟

• بخيرٍ يا أماه، يا لجمالك هنا! تبدين كشابَّة في الثلاثينيات، لو لم تكوني والدتي لظننتك أختي!

 

تبتسم، كانت هادئة نوعًا ما، لا تخلو من بعض القسوة على ملامحها، ترتدي ثوبًا أبيضَ أقرب لكونه باليًا من جديد.

 

♦ كيف حال أخويك؟ فقد أدماني شوقي إليهما، أتمنى لو أراهما، ولكن لا أحد منهما يتذكرني فيمُنَّ عليَّ بزيارة! ولكنني قلقة عليهما!

 

اختفى شبح الابتسامة من كلتيهما، وإن كان في والدتها لحزنها، ولكن بالنسبة إليها فقد اختفى لسبب آخر.

• بخير يا أماه، لكن ألم يتغير أي منكما؟


نظرت والدتها نظرة عدم فهم، فأردفت موضحة:

• أنت وأبي ألم تتغيَّرا؟ لا زلت تقلقين على من لا يهتم بك؟! حتى بعد مجيئك هنا؟! ألم تفكري فيَّ قط؟ ألم تقلقي عليَّ؟ حقًّا أتساءل: هل ستشفعين لي يومًا؟


ربما! (قالتها بيأس مكتوم)

 

لا زلتِ غير مبالية بي، أتذكرين كيف كان أبي يضربني فتنظرين مبتسمة؟! كيف يقسو قلب أم هكذا؟!

 

بدا على أمها أنها تحاول الاعتذار، ولكن سبقتها:

• لن يفيد الاعتذار، أوَيستطيع الاعتذار أن يشفي الجرح؟


دق جرس الإنذار، رحلت حين حاولتْ أمها الحديث معتذرة، ولكن لم تسمعها!

 

سارت بهدوء هذه المرة، ذهبتْ إليه دونما سابق موعد، دخلت حجرة المكتب، مكتب فخم، ومكتبة مزينة، بها أغلى وأثمن الكتب، بجانبها مرآة لا يظهر لها انعكاس فيها!

 

لم ينتبه، انتظرتْ دقائق ثم ألقت التحية، رد التحية كمن يسألها: "ماذا أتى بك هنا؟".

 

سألته عن أحواله، فأجابها:

♦ ماذا تريدين؟!

 

أجفلت، نظرة صامتة.

♦ أليس للِّينِ طريقٌ إليك؟


رفع حاجبيه متعجبًا، ولكن سبقته في فغر فِيهِ:

• أتمنى أن تكون أبًا جيدًا، لا تجبر بناتك على الزواج، كما أجبرتَ أختك من قبل؛ كي تفوز بما لم يفز به قرناؤك: أموال أبيك، أموال زوج أختك، عيش رغيد!

 

كاد يهاجمها لولا أن سبقتْه:

• أهذه الأموال تؤمِّن لك حياة كريمة الآن؟ لا يهم كيف هي حياة أختك ما دامت شركتك في أحسن أحوالها، لا يهم كيف تحيا فتاتاها ما دام أبناؤك يَحْيَوْنَ أفضل حياة، أليس كذلك؟


عيناه مثبتتان عليها كأنما سيخترق الجدار من خلالها، ثم يبكي! وتخرج كلماته جافة كعادته!

♦ لا زلت تصرين أنني المخطئ؟ ألم أكفل لك أبهى حياة؟ ألا تكفيك الأموال الطائلة لحياة كريمة؟ ألم تكدري حياة زوجك حتى ترَكَك؟


احمرَّ وجهه كأبيه! انفعل كعربة تزمجر وتكاد تنفجر!

 

أجفلت، قالت:

• كل ما في الحياة عندك هو المال؟


نظرت له نظرة احتقار لن ينساها ما حيي، قالت كلمتها الأخيرة:

• لمَ يُحِبُّك أبي وأمي؟


رحلتْ دونما إزعاج، اختفت!

 

أحقًّا أراد لها حياة طيبة بالقهر والعنف؟ أم الحياة الطيبة تعني الاستغناء عمن نحب؟

 

كانت قد بدأت تعتاد على زوجها، على إهاناته؛ من أجل فتاتَيْها، ولكن فكرة الزواج المثمر لم تكن لتلائمها، فقد تزوَّج بها كي يفوز بمنصب أعلى في شركة والدها، ثم يتشارك مع أخيها فيترك بذلك شركة والدها لأخيها يديرها، ويبدأ شركة جديدة تدر له الأموال! قد كانت صفقة العمر كما يقولون! حقًّا ما أبهاها من حياة، ترعاها الأموال، والأموال فقط!

 

ذهبتْ لموعدها قبل الأخير، دخلت حجرة ليست بصغيرة ولا كبيرة، بها الكثير من الألعاب، طلاؤها جديد، لونه مبهج، سريران صغيران على كل منهما فتاة: إحداهما لم تتعدَّ ثماني السنوات، والأخرى لا تتعدى الست.

 

نظرتْ ثم نظرت دون ملل، يقطعها الحنين لاحتضانهما، ولكن تخشى إيقاظهما! إنهما ملاكان! تتمنى لهما أطيب حياة ولكن ما عساها تفعل! لم تطلب الانفصال إلا لكي تحميَهما من حياة تريانِ فيها أمَّهما تُذَلُّ وتُهان فتكتئبان! يا ألله لطفًا بهما!

 

تساقطت دمعات، ولكن منَعَت النحيبَ؛ حتى لا توقظهما، أسرعتْ لحجرتها، أخذت علبة تطلق رذاذًا يعمي العيون، تريد فقط حماية نفسها في موعدها الأخير، ربما لن تعود منه!

 

انطلقت ناحية بيته الجديد، بيت؟! يا لها من كلمة متواضعة! بل مملكة - إن صح التعبير.

 

من أفخم المنازل التي يمكن أن تراها، ترى هل تزوَّج بأخرى لينهب أموال أبيها، ويحقق مطامع أخيها؟! سحقًّا للرجال!

 

تركت حبل أفكارها بالخارج ودخلت، وصلتْ حجرته والتي لا تعلم كيف عرفتها من بين هذا العدد الهائل من الحجرات، ولكن من عُذِّب لا بد وأن يعرف طريق من عذَّبه!

 

جلست على مقعد مُناظرٍ لسريره، كان نائمًا كملاك لم يخطئ بحق إنسيٍّ أبدًا!

 

جالت بنظرها في الحجرة، ما هذا؟ أهي حجرة أم قصر يشبه الحجرة؟

 

سرير كبير يتسع لعشرة أشخاص، ملاءات مطرزة، مصابيح كثيرة، أرائك عديدة، نظرت إلى عدة أرفف توجد على يسار الحجرة، لم تجد شيئًا كما توقعت!

 

كيف لرجل لا يهمه إلا المال أن يتذكر فتاتَيْه ولو بصورة صغيرة! أهو مرتاح البال هكذا؟

 

تذكَّرت كيف زج بمن أحَبَّت في السجن؛ كي لا يفوز بأموال أبيها غيرُه! اشتعلت غضبًا، حدقت فيه كمَن توقظه، تحرَّك في فراشه، نظر لها، حملق فيها:

• لمَ أنت هنا؟

• أخائف؟! (ابتسامة ساخرة)

♦ ماذا تريدين؟ ارحَلِي أفضل لك!

• وإلا ماذا؟


كان الغضب أهدأ من حالتها الآن بمراحل.

• أنا هنا من أجل فتاتيَّ! ربما تَذْكُرُهما؟!

♦ ليس لي فتيات، ولم أنجب منك، ولن يحصلا على شيء مني حتى بعد موتي.

• أستمنع الإرث أيضًا؟ يا لك من رجلٍ عيب على الرجال!

 

قالتها بتهكم أثار غيظه، فاعتدل في جلسته كمن يفكِّر في طريقة لإيذائها، بينما جسده لا زال نائمًا!

♦ اخرجي من هنا.

• الآن تطردني كما رفضتك من قبل؟ أنسيت علامات الحروق؟ أنسيتَ كم يومًا مكثتُ في المشفى؟ أتظن أنك تطردني من جنات النعيم؟


كان يحدق فيها كالمذهول، من أين أتت بكل تلك الجرأة؛ فهي لم تتحدث قط ولم تجرؤ؟!

 

استخدمتْ سلاحها، أدمت عينيه، ثم رحلت شاعرة بالنصر؛ علَّ ذلك يخفف عنها شعورها بالذنب تجاه فتاتَيْها اللتين تتمنى لو لم تنجبهما من هذا الرجل الفظِّ!

 

دخلت حجرتها في تلك الشقة البسيطة التي استأجرتها لتحيا فيها مع ابنتيها، بسيطة أقرب للمنازل المتهدِّمة، أما حجرتها فقليلة الأثاث؛ سرير ليس بالوثير بالطبع، ومرآة مكسورٌ نصفُها، وموضع لملابسها، ومكتب قديم وصغير، حين وصلت كان يظهر عليها علامات الإعياء الشديد؛ فقد أنهكها الليل، عادت إلى ثياب النوم، نزلت تحت غطائها، أخذت وضعية الجسد النائم، دقيقة، اثنتان، قد قاربت الشمس على البزوغ، ثم رنين الهاتف!

 

نهضت ولا زالت تعاني، أجابت:

• من؟

♦ زوجك، أليس للرجوع من سبيل؟


ارتسمت ضحكة المنتصر على وجهها، كانت تعلم أنه يخاف ممن يقف أمامه ويكون الأقوى!

• زوجي من؟ ليس لي زوج!

♦ ألا يمكن أن نعود؟

• لا!


أغلقت الهاتف!

 

شعرت بما افتقدتْه من أعوام، لذَّة المنتصر بعد دهور من الصمت!

 

قد تغلَّبت على كل ما أرَّقها، وإن لم تكن قد انتقمت بالمعنى الحرفي، ولكنها أكثر راحة الآن.

 

جرس الباب! ترى من يأتي ولا أحد يعلم عنوانها!

 

فتحت، ذهلت، كيف وكيف وكيف؟! كيف خرج وكيف علم بيتها؟ قد مرت سنون!

 

♦ لم تعرفيني؟

صوت حنون يتوسلها، به قوة الرجال، لم تكن قد نسيت ملامحه قط.

♦ خرجتُ منذ عدة أيام، سألت في بيت والديك، فعلمت أنهما توفَّيَا إثر حادث، ظللت أتحرى حتى علمتُ عنوانك هذا، فالقلب كما تعلمين.

• القلب لا ينسى.


التمعت دموع صامتة في عينيها، ربما فرح، وربما شيء آخر!

 

♦ أَعِدُكِ أن أكون أبًا جيدًا لهما، ولكن أتسمحين أن نكمل طقوسنا؟


أتسمح؟ ربما تسمح، ولكن كيف؟ لا تعلم، فقد اهتز عالمها منذ أن فُرِّق بينهما بالقوة بعد ما لم يكن على زفافهما إلا عدة أيام!

 

أسيكون كما كان الآخر؟ لا، هي تعلم بداخلها جيدًا أنه هو وأنه يشعر بهما، فهي لم تصف أحدًا بيا "أنا" إلا هو!

 

أتجيبه الآن؟ لا تعلم، أغلقَت الباب!

 

ذهبت لمكتبها القديم، ورقة وقلم وخطت كلمات، كانت تعلم أنه لا زال واقفًا خلف الباب، مرَّرت الورقة من أسفل الباب، فقد تعاهدا ألا يفترقا إلا حين ينتهي حديثهما ولم ينته أبدًا!

 

فتح الورقة، كان الرد غير متوقَّع!

 

ربما في مكان آخر يلتئم شملُهما!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة