• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

أحكام جائرة ( قصة )

سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 10/9/2014 ميلادي - 15/11/1435 هجري

الزيارات: 4456

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحكام جائرة


مضت أكثر من عَشْريَّة على عمر جميل قضيناه معًا، ما تكررت تلك الأيام بكل ما حَوَتْه من مشاعر صادقة، ونقاء لم تُلوثْه الحياة بعدُ، مضت ولا أظنها يومًا ستعود! منذ أكثر من عَشْريَّة تشاركتُ مع صديقات غرفة في أحد الأحياء الجامعية، كانت حياتي معهن الأصدقَ، ولم تتكرر بعدها إلا قليلاً قليلاً جدًّا، بعدها تلوَّثت الأجواء حدَّ الاختناق.

 

إحدى صديقات الغرفة قررت الالتزام بالحجاب، ولم تكن عائلتها موافقةً على قرارها ذاك، كانوا يتقبلون بسَعَة صدر أن يكون للفتاة صديق، وللفتى صديقة، كانوا مقتنعين أنْ لا إمكانية في الزواج دون صَدَاقات سابقة، وكان عاديًّا أيضًا أن يُشرَب الخمر في البيت، ولم تكن الصلاة فرضًا، أما الحجاب فكان جريمة ترتكبها الفتاة في حق عائلتها؛ إذ إنها بفعلتها تلك توحي إلى الناس أنها زَنت فيما قبلُ وندمت! أو أنها تخفي عن أعين الناس عيبًا جسديًّا يمنع الخُطَّاب من الاقتراب منها...، وصديقتي تلك قد تجرَّأَتْ وارتكبت تلك الجريمة - في نظرهم!

 

في نهاية مرحلة الليسانس قرَّرَتْ ارتداء الحجاب، وامتنعت عن المصافحة، وغزَتِ الكتبُ الدينية مكتبتَها، وصارت تحضُرُ حلقات الذِّكر في المساجد، وأصبحت تُطيل صلاتَها...، ذاك التغيير لم يعجب عائلتها بَتاتًا، وكانوا ينظرون إليها وأعماقُهم تَغْلي كبركان يوشك على الانفجار... ووقع الانفجار فعلاً! عاد أخوها الأكبر من سويسرا بعد فترة من الغياب، وكان أخوها ذاك شخصية معروفة في أحد الأحزاب العلمانية، وكان صاحبَ نُفوذ ومال، لم يتقبل تغيُّرَ أخته الوسطى، وأقنع العائلة أن يُنهُوا ما اعتبروه نشازًا في العائلة، والذي حوَّلهم إلى أحاديث يلوكُها الجيران والأقارب!

 

طالبوها بنزع الحجاب سريعًا، فرفضت بهدوء، فأصبح مطلبُهم تهديدًا ووعيدًا، لكنها ثبتت، بدأت الأيدي تمتد إليها بالضرب، والألسنةُ بالشتم والإهانة، كانت كثيرًا ما تأتي إلى الجامعة وجسدها مزرقٌّ من وقْعِ الضرب، وخدوش كثيرة في رقبتها، وأحيانًا أخرى في وجهها، كانت تنتحب بصوت منخفض كلما دخلت إلى الغرفة، حتى أخوها الصغير قد استأسَدَ عليها وأصبح يضربها ليُثْبِتَ رجولته...، مزقوا كتبها الدينية، حاولت إنقاذ بعضٍ منها بتسليمها كأمانة إلى بعض الصديقات إلى أن تتحسن أوضاعها يومًا، نزعوا حجابها بالقوة، ونصبوا حرَّاسًا عليها يراقبونها في الجامعة، ويوصلون إلى أهلها أي خبر لها عن أية قطعة قماش تضعها على رأسها وإن كانت شفافة، منعوها من التحدُّث مع المحجبات، منعوها من الصلاة، فأصبحت تنتظر حتى ينام الجميع ليلاً لتصلي في مكان نومها، ومنعوها من الالتحاق بالجامعة بعدما نجحت في مسابقة الماجستير، لم نستطع فعل شيء لها، تَدخَّلَ أساتذةُ الجامعة لدى أهلها دون فائدة، فأضربت عن الطعام خمسةَ عشرَ يومًا؛ عساهم يرحمونها، حاول أحدُ الأطباء مساعدتها بعد لجوء أهلها إليه بسبب استياء حالتها، حاول إخَافتَهم كي يخففوا الخناق حولها، ولكنهم غيَّروا لها الطبيب بعدما اكتشفوا أنه يصلي ويقوم ببعض النشاطات الخيرية، اختاروا لها طبيبًا آخرَ...، لم يُجْدِ الإضراب نفعًا! كم كانت تتمنى الموت! كثير من الرجال المتدينين الذين سمعوا بمحنتها تقدموا لخطبتها؛ لإنقاذها مما كانت فيه، لكنهم كانوا يُطرَدون في كل مرة شرَّ طردةٍ بعد كمٍّ من الإهانات؛ ولذلك قرر أهلها في النهاية قتلَها، نفوذ أخيها وماله كانا يضمنان لقاتلها عقوبةً مخففة، أكيد أن السيناريو قد تم نسجُه بإحكام، ظلت لأسابيع تنتظر الإعدام في البيت، فلم تكن تعرف مَن تم اختيارُه لإعدامها، ولا الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الحكم، وكنا ننتظر خبر مقتلها في أيَّةِ لحظة! لكن الذي تم اختياره لقتلها جَبُن في النهاية، ولم يستطع الإقدام على ذلك.

 

قرروا في نهاية المطاف أن ينقذوا واجهتَهم أمام الناس، أعادوها إلى الجامعة تحت المراقبة، وبشرط عدم ارتداء الحجاب، قَبِلَت شرطهم مرغمةً، وتزوَّج الأخ صاحب النفوذ وعاد إلى سويسرا مرة أخرى، واستمر التمثيل وقتًا من الزمن.

 

كان في بلدتهم الصغيرة عرف سائد يقضي بعدم زواج الأخت الصغرى إلا بعد زواج الكبرى، وكان لها أخوات يرغبن في الزواج سريعًا، وكانت هي تُعيق مشاريعهن ومشاريع العائلة بأكملها، ولم يكن واردًا الخروج عن العرف المتوارث، والشذوذ عن نهج البلدة العريق، فأصبح زواجها بين ليلة وضحاها ضروريًّا لتحقيق المصلحة العامة، وكانوا مستعدِّين لتقديمها لأي خاطب شرط أن لا يكون متدينًا، وسمع أحد الرجال بالخبر، وقرر أن يُقدِمَ على المغامرة، كان متدينًا، لكنه أيضًا كان ذكيًّا؛ حلق لحيته وشاربه، وكان تخصصه الدراسي مساعدًا له؛ إذ كان يدرس اللغة الإنجليزية في الجامعة، ارتدى الملابس التي توقَّع أن تعجب عائلتها، وحدَّثهم بما علم أنهم سيحبون سماعه، ومثَّل الدور جيِّدًا، فقبلوا تزويجها له اقتناعًا به، ورغبة منهم في التخلص منها عاجلاً؛ ليتفرغوا لأخواتها الأصغر منها.

 

فرحنا كثيرًا بالخبر، وفرح به كل من كان على اطِّلاع بأزمتها، تم الزواج بسرعة، بتحضيرات بسيطة جدًّا، لم نستطع طبعًا حضور زفافها؛ إذ لم يكن مرغوبًا في حضورنا، والمهم أنها تزوجت، وكان أسرع زواج شهدناه، واكتشف أهلها بعد الزفاف بأسبوع أن ابنتهم قد ارتدت الحجاب، وأن عائلة الزوج الذين لم يَظهَروا في الواجهة كانوا متدينين، ولاحظوا أن آثار لحية جديدة قد بدأت تظهر على وجه الصِّهر الجديد مع ابتسامة أجزم أنها لم تعجبهم، لاحظوا أيضًا أن آيات من القرآن كانت تملأ أرجاء البيت...، فهموا اللعبة بعد فوات الأوان!

 

هذه القصة قد وقعت منذ أكثر من أربعةَ عشرَ عامًا، هذه الصديقة الآن سعيدة مع زوجها وأبنائها، أستاذة في الجامعة، وباحثة في مجال تخصصها، قد يقول قارئ: إنه من يصبر ويتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وإن الذي يصبر سيفرج الله عنه كربته!

 

نعم هذا أكيد، ولكن القصة لا تتوقف هنا!

 

منذ أشهر التقيتُ بصديقتي الحبيبة تلك، وبعد أحاديث متشعِّبة، قالت لي:

• تخيَّلي مَن تديَّن؟

 

قلت لها باستغراب:

• لا أدري، من؟

 

أجابتني وهي تبتسم:

• أخي.

 

انفلتَتْ مني ضحكة دون قصد:

• أيُّ أخ؟!

 

ركزت على وجهي وهي تبتسم أكثر:

• أخي الذي في سويسرا.

 

أجبتُها وكأني أملك زمام الأمور:

• لا تقولي هذا! أصدِّق أن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم كلَّها قد تتوب إلا أخاك ذاك؛ يستحيل!

 

أجابتني بابتسامتها الهادئة المعهودة:

• بلى، أصبح يصلي ويصوم، ويُكثِرُ من القيام، ويتحرَّى الحلال والحرام في أصغر الأمور، وقد حجَّ أيضًا، وهو يتصدق بالكثير من ماله على الفقراء، وقد تخلَّى عن انتمائه الحزبي، وعن عمله القديم، وأصبح عضوًا في إحدى الهيئات الخيرية، ولا يُطيقُ البعد عن بيت الله... أتصدِّقين؟!

 

شعرت بالذنب والخوف، بوجع في قلبي، بسحابة فرح، بالرغبة في البكاء... قد يئستُ منه، وفقدت الأمل في توبته نهائيًّا، وحكمت عليه أيضًا، وكأني من المبشَّرين بالجنة، أو ممن ضمن حُسْنَ خاتمته!

 

كيف تجرأت على ذلك؟! ربما أنتم أيضًا من تقرؤون هذه الأحداث قد يكون جال بفكركم شيءٌ مما جال في فكري، وحدَّثتكم أنفسكم بما حدثتني به نفسي - ربما - كيف التوبة من هذا الذنب؟

 

أدعو الله لي ولكم ألا يؤاخذنا بسوء ما جال في أنفسنا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة