• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

زيارة إلى الموتى ( قصة )

فاتن فاروق


تاريخ الإضافة: 27/5/2014 ميلادي - 27/7/1435 هجري

الزيارات: 5304

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

زيارة إلى الموتى


لا بد أنك مختل العقل، هل من المعقول بعد أن استرحنا من الحياة الدنيا تعود أنت إليها مرة أخرى؟!

لي حفيد يشبهني رغم أني الجد السابع، ولم يرني أحد ممن هناك، ولا يعرفونني، لكنني سعيد بهذا الحفيد، الذي يحمل اسمي "عز الدين".. أنا فخور به، يرتدي ملابس الفرنجة، ويحمل في يده كتبًا مثلهم، ويجيد قراءتها، ويقول: إنه ينتوي أن يصبح رائد فضاء، وما فهمته من هذا الذي يريده أنه يريد أن يصعد فوق القمر.

 

كان ينطق الجملة الأخيرة بشيء من الهيبة والفخر، عن حفيده الذي بلغ من الرقِّي مثلما كان الفرنجة، عندما احتلُّوا مصر في القرن الثامن عشر، بينما كان المصريون في فقر مدقع، ويعانون من ذلِّ وقهر المماليك ثم الفرنسيين الفرنجة، الذين حلُّوا على المصريين ليذيقوهم ويلات ذل آخر.

 

ها هو أمامي أراه ولا يراني، آنست في وجهه سمت الوجهاء، عمره عشرون سنة، ومازال دون زوجة، بينما أنا عندما كنت في مثل سنِّهِ، كانت لي زوجة وثلاثة أبناء.

 

الآن يجلس إلى مكتبه على عينيه نظارة لتحسِّن نظره، هكذا يسمُّونها، وأمامه كتب كبيرة مثل تلك التي كان يكتبها الورّاقون، ولكنها أجود حتى من كتب الفرنجة، وأمامه قطعة زجاج مثبَّتة على إطار من معدن، ومتصلة بلوحة مستطيلة سوداء عليها أزرار تشبه تلك التي يضعها الخياط على الملابس، يقوم بالضغط عليها فتظهر له الكلمات مكتوبة، أسمعه دائمًا يقول: إنه يذاكر أشياء كثيرة مختلفة لتنمية مهاراته لأنه ينوي السفر إلى ألمانيا، بعد أن ينهي دراسته بمصر، لا يوجد معاهد لتخريج روّاد فضاء في مصر؛ لذلك فهو يعقد النية على السفر لإشباع تطلعاته الشخصية.

 

ما أسعدني! آه لو كنتَ موجودًا في زمن المماليك والفرنسيين الفرنجة؛ إذن لأطلْتَ رقابنا جميعًا أثناء سيري، لاحظت شيئًا مهمًّا، المصريون وجوههم غريبة، غير مقبلين على الحياة، أو لعلهم لا يشعرون بهذه الحياة، ردود أفعالهم غريبة، وأحيانًا متوقفة، ساهمين، شاردين، واجمين، كأنهم فقدوا القدرة على الفعل، كنت أجوب الشوارع، فشعرت أني أسير بين أموات، وليس أشخاصًا مفعمين بالحياة، يناطحون السحاب ويتحدَّون ارتفاعه، رغم أنهم أرغد عيشًا منا، ورغم فناء المماليك، وجلاء الفرنسيين الفرنجة، فمازالوا بائسين، مثلما كنا، يتجرعون المرَّ والحنظل؛ فالصدور لم تتنفس الصعداء بعد.

 

عز الدين يجمع أقلامه الآن ليذهب إلى الامتحان، يخطو سريعًا، متعجلاً، يستقل حافلة كبيرة بها الركاب محشورون، تتماسُّ أجسادهم، ينفثون الإرهاق والزهق واليأس والإحباط، يطالعون من آن لآخر أساور في معاصمهم، يسمُّونها الساعات، كلٌّ له وجهته، يتدافعون في قسوة يبدو أن هذه هي جهنم، فأين الجنة إذن؟

 

أرى حفيدي يهرول يستقل معديَّة يعبر بها النيل، بدلاً من أن يركب حافلة أخرى تطيل الطريق وهو المتعجل.

 

يبدو الركاب بهيئات تشي بأنَّهم يعملون في مهن مختلفة، يتدافعون ليركبوا، كان عز الدين آخرَهم، يدير المراكبي دفّة المعدية ويتقدم في المياه قبل أن يركب عز الدين، الذي يقفز إلى المعدية فلا يتمكن، ويسقط في النيل، ويحاول الركاب استدعاء الحياة في نفوسهم لحيظات قصيرة، فيقولون للمراكبي: انتظر حتى يلحق بنا، فيقول لهم: لن أعطّل سبعين من أجل واحد، فيعودون إلى حالتهم الطبيعة من فقدان الإحساس بالحياة، ومضى قائد المعدية بقافلة الأموات بينما حفيدي يصارع من أجل البقاء، حجب الماء الهواء عن رئتيه، وكأن الماء رفق به من البقاء في عالم الموتى الذي كان يرغب في أن يغادرهم ليصبح رائد فضاء.

 

استسلم مذعنًا لضربات الماء الذي لا يجيد إزاحته، واستسلم جسده للرقاد، في قاع النيل ذي الفرعين، الذي كان في زماننا سبعة أفرع، مضت ثلاث ساعات حتى حضرت الشرطة واستخرجت جثَّته وسجلت له شهادة بانتقاله من عالم الأموات إلى عالم الأحياء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- نجوت بموتك
نادية كيلاني - مصر 09-01-2018 10:12 AM

لأننا في عالم الأموات فلا نستطيع النظر لأفعالنا على أنها ركض بلا هدف سوى اللعب والمرح.. وليته مرح من القلب بل إيهام به.
فلابد أن يأتي أحدهم من عالم الأحياء ليرينا أنفسنا في مرآة أنفسنا وقيمتنا في مرآة بعضنا البعض.
فالذي يملك الدفة لا يهمه من يسقط في الطريق المهم أن يصل هو ومن معه.
وزملاء درب الطريق لا يجاهدون من أجل انقاذ من يسقط منهم بل يعبرون تعبير الخائف الوجل اسكاتا للضمير.
والذي يسقط يصاب بالاحباط فلا يقاوم من أجل انقاذ نفسه بل يستسلم لليأس حتى الموت رغم ما لديه من طموح.
وأنا الذي أقرأ القصة لا أصاب بالدهشة من تصرف الربان ولا أتباعه ولا المستسلم للموت لأنها صارت واقعا، بل أقول له هنيئا لقد نجوت بموتك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة