• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

رؤيا اليقظان في مدينة الهذيان ( قصة )

د. أحمد كمال محمد


تاريخ الإضافة: 26/5/2014 ميلادي - 26/7/1435 هجري

الزيارات: 5640

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رؤيا اليقظان في مدينة الهذيان

(مذكرات يوم واحد)


لم تزل أيها الصديق تُلحُّ عليَّ أن أصحبك في رحلتك إلى تلك المدينة، التي أسهبْتَ في وصفها وفي وصف ما فيها من مُتعة وتسلية؛ تقول: هو يوم نروِّح فيه عن أنفسنا من عناء العمل وضجيج الأبناء، ولم يكن مِطالي في الاستجابة لرغبتك إلا لما أعلمه من نفسي من عدم ميلي إلى هذه الرحلات والنزهات، وإيثاري قراءة كتاب بعضه أو كله على هذا.

 

ومع ذلك أصررت وبالغت وأغريت، فلم يسعني إلا أن أستجيب لك وأخرج معك ومع أولئك الفتية الذين دعوتهم وفاءً بحق الصُّحبة؛ يهوِّن عليَّ ذلك بعضُ عبارات أطلقتها من أن مقصدنا مكان جميل يقع في قلب الصحراء، يَنسى الناس فيه مشاكلهم وهمومهم، يلعب فيه الكبار كما يلعب الصغار، فيه من آلات اللعب ما يتطاول حتى يكاد يصل إلى كبد السماء، وما يدهش حتى لا نظير له في جميع الأنحاء.

 

والحق يا صديقي أني إذ أوافقك على هذه الصحبة، فإن ذلك إنما هو بداعي الفضول لا بداعي الرغبة، وبداعي المُجاملة لا بداعي المحبة، وقد فكرت مليًّا بعد انصرافي من مجلسك حتى إنني سرحت بخاطري في وصفك لهذه المدينة، وقلت لنفسي: فلتصحَب أصدقاءك والتجرِبة لا تضرُّ، والعلم بالشيء خير مِن الجهل به، حتى صحبتُكم ورأيت في هذا اليوم من العجائب ما لم أرَ في حياتي.

 

رأيت فيما رأيتُ: ذلك الفتى الأبله الذي جلس على الأرض - وأمامه تلك الفتاة اللعوب - مجلسًا لو طلب منه أن يَجلسه من أبيه أو أمه، لأبى ذلك، فهو شاخص إلى وجهِها ببصره لا يحوله عنه إلا لأمر واحد أن يرشف رشفة من قنينة المشروب بيده، ثم يطبع قبلة ملؤها التذلل على كف هذه الفتاة، ثم يعود ليشخص ببصره إلى وجهها، فقلت في نفسي: هذا هو الخبل بعينه، وما أحق قول أبي الطيب:

يا عاذل العاشقين دعْ فئة
أضلَّها الله، كيف ترشدها؟!

 

ورأيت فيما رأيت عشرات بل مئات يقفون على شباك التذاكر لحضور حفل لم أتبيَّن حقيقة من يقيمه، وكأنهم يتسابقون إلى ما يقتاتون به أو إلى ما يتداوون به، وقد احتشدوا رجالاً ونساءً، وأهملوا أطفالهم من خلفهم، حتى أوشك بعضهم على الضياع من أهله، لولا أنْ منَّ الله عليهم فوجده بعضهم، وظل يبحث عن أمه حتى أسلمه إليها، قلت في نفسي: لولا ما أصاب هذه المرأة من العته والهذيان، لما غفلَتْ عن وليدها بحثًا عن تذكرة لأغنية تسمعها، أو موسيقا تطرَب لها أذناها.

 

ورأيت فيما رأيت تلك الهيفاء اللفاء وقد خرجَت برفقة بعلها وبناتها الثلاث، وقد ارتدت وارتدَين ثيابًا حُشرن فيها حشرًا، حتى لتحسب إحداهنَّ لا تَخرُج من ثوبها إلا أن تُسلخ منه كما تُسلخ الشاة من جلدها، وقد أعجبني من حالهن عجيب؛ إذ البعل يقود عربة طفل فارغة مركزًا فيها جل انتباهه، وكانت صغرى البنات في عمر العامين ونصف العام وقد ربطتها أمها بسيور تدور حول كتفيها وتلتقي عند بطنها ثم يخرج منها زمام طوله قرابة المترين تمسك به الأم وتجر منه الطفلة الصغيرة، حتى إنني حسبت قبل أن يقع بصري على الطفلة أن هذه المرأة تصطحب كلبها في هذا الزمام، وما كنت في حياتي أتوقع أن امرأةً تسحب ابنها بهذه الهيئة، لا لشيء إلا لمجرَّد التفرُّغ للهو واللعب.

 

ورأيت فيما رأيت تلك الفتاة الثلاثينية وقد جلست بمفردها على طاولةٍ خلفَنا في ذلك المقهى، وقد وجمت وجوم الأموات، وأمامها كوب من الشاي لم تمسسه، وبجوارها (الشيشة) يَرتفع دخانها، فحسبتُ أن خلافًا دار بينها وبين جليسها فأصابها لذلك ما وصفت لك، حتى هممنا بالانصراف فوقع بصري عليها فرأيت الدخان يخرج من فيها ومنخريها كما تخرج الحُمم من فوهة البركان، ولا أكتمُك أني أشفقت عليها بعض الشفقة حتى تحدَّث رفاقي في منتهى الرحلة بشأنها، وكان مؤدَّى حديثهم أن هذا صنف من الفتيات يرتاد هذه الأماكن ويجلس بمفرده ابتداءً رغبة في انضمام جليس آخر إليه.

 

ومن العجب العجيب الذي أصابني في ذلك اليوم أن قدماي ساقَتني برفقة الأصدقاء إلى المكان الذي أقيمت فيه الحفلة المذكورة آنفًا، فوجدت الناس قد هاجوا وماجوا وتمايَلوا مع ذلك المطرب تمايلاً عجيبًا، ثم انخرط الرجال في التصفيق، وانسابت الفتيات رقصًا كأنهنَّ فاقدات وعيهنَّ، حتى إن إحداهنَّ هدَّدت أختها بإخبار أبيها، فلم تعبأ بذلك وقالت لها: إن العالم كله قد رآها ترقص عبر الكاميرات، ومِن ثمَّ فإخبار الوالد تحصيل حاصل.

 

وهذا يا صديقي قليل من كثير رأيته في هذه المدينة، وفي الإشارة غناء عن العبارة، ولا أكتمك يا صديقي أن عجبي مما رأيت في هذه المدينة لا يعادله إلا عجبي من كوني الوحيد بينكم الذي أنكرته، وعجبي أيضًا من كونكم لم يعلق بذاكرتكم شيءٌ مما أقول رغم أنَّا لم نفترق في هذه الرحلة، وأحسب يا صديقي أنني قد وقفت على سر هذا التباين في تقدير الرحلة، إنه ذلك الشراب الذي قدِّم لنا على البوابة، فشربتُم منه واحتلْتُ أنا على العامل حتى سكبته في جانب الحائط، وقد غرَّكم قوله: "إنه ضروري للوقاية من العدوى في هذا المكان الذي تزدحم فيه الأقدام"، هذا الشراب يا صديقي سبَّب لكم ولكل داخلي هذه المدينة حالة من الهذيان، أفقدتكم التقدير الصائب لما رأيتم وما فعلتم، ولولا أنني امتنعت من شربه لكنت في حال أسوأ من حالكم، وإنما مكَّنني من كتابة هذه السطور أنني كنت اليقظان في مدينة الهذيان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- في الصميم
هارون غزي المحامي - مصر 30-05-2014 08:18 PM

عرض بأسلوب مشوق لمثالب اجتماعية عمت وطمت لتصرفات ناس بعدوا عن قيم الجدية والعمل البناء. واندفعوا يعبون مما يظنونه مسرات وفنون وما هي إلا مضيعات للأوقات، وملهيات عن الدور التربوي للأباء والأمهات. بينما غيرنا يصلون الليل بالنهار في اعمال ابداعية،ترفع من مستواهم وترتقي بدولهم. والعنوان جاء معبرا أيما تعبير،إنه في الصميم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة