• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أشلاء بلا رائحة

د. زياد أحمد العبدالله


تاريخ الإضافة: 16/4/2014 ميلادي - 15/6/1435 هجري

الزيارات: 4053

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أشلاء بلا رائحة (قصة)


وصلتُ إلى المكتب، فإذا بالهرج قد ساد بين الناس، فمنهم الغادي الممسِك بأنفِه؛ حرصًا على عدم تسلُّل تلك الرائحة النتنة، ومنهم من اعتلت تقاسيمَ وجهه تكشيرةُ القَرَف، ومنهم من علا صوتُه مستنكِرًا، وكذا منهم من غلَبه الفضول وقاوم لسْعة الرائحة التي تسلَّلت إلى الأنوف رغمًا عنها، فجاء ليعرفَ ما الذي دفع الناسَ إلى التجمهر، فلا بد أن الأمرَ فريدٌ؛ لأن أصحابَ المكان لم يعتادوا على تلكم الجموع، وكنتُ صاحبَ الحظ العاثر الذي قادني في ذلك اليوم لأتابعَ هذا المشهد الملوَّنَ بأمزجة الحضور، والممهور بأقذر الروائح التي تغلِب كلَّ أنواع العطور، وقبل سؤالي عن سبب هذا الحشد، جاءتني الإجابةُ مسرعة عبر الرائحة النتنة التي تزكمُ الأنوف، وتعكِّر صفو الروح، وقد غزت كلَّ ذرةِ هواء، بل وإنك لتجد هذه الرائحةَ من اللحظة الأولى التي تولِّي وجهك صوب ذلك المكان، وكان صوت مديرة المكتب يعلو فوق كل الأصوات، ويغالب بشاعةَ الرائحة، بأن أخرِجوا تلكم القطةَ النَّافقةَ التي علِقتْ بين سقف المكتب الإسمنتي وبين الطبقة المخصَّصة للإنارة، فحولت المكانَ إلى ما يشبه رائحةَ الجيفة، بل هي في الحقيقة جيفةٌ قذِرة، ولكن الموظف المسؤول عن النظافةِ رفَضَ القيام بهذه المهمةِ، مدَّعيًا بأنها ليست من مهامِّ عملِه، وفي الحقيقة رفَضها لبشاعتِها؛ لأن القطةَ النَّافقةَ قد انتفخت وتناولَتْها الدِّيدان، وبدأَتْ بالتفسُّخ ، وعلا صراخُ كلِّ مَن في المكان بأن يجدوا حلاًّ لهذه المصيبة التي حلَّت، يا للهول! قطة نافقة؟ مَن ذا الذي يملِكُ رباطة الجأش الكافية للتغلُّب على هذا الخَصْم النافق؟! فقلتُ للحضور متهكِّمًا: اتصلوا بصاحبِ السُّلطة الأعلى حتى يرى لنا حلاًّ لهذه الطامة، إنها قطةٌ نافقة، والقضية معقدة، وتهدِّد أمنَ الأنوف ورهافةَ المشاعر، فنظروا إليَّ بعصبيةٍ وعيونُهم تهجوني بأقسى الكلماتِ الصَّامتة، فقلتُ: لا بأس، فلعلَّ رأسَ السلطة بهذا المكان لا يليق به حلُّ معضلة بهذا الحجم، إنها قطةٌ نافقة، ولمعلومِكم فالقططُ من عائلة السِّنَّوْريات، والخطب جلَل، فلتتصلوا إذًا بهيئة مكافحةِ الجيف النافقة، ولتُرسِلْ إليكم فِرقةً مدرَّبة، تملِك كل فنون الانقضاض على الجيف، ولا تنسَوا أن تُخبروهم بأن مصابكم من عائلة السِّنَّوريات؛ حتى يحتاطوا جيدًا، وما أن أنهيتُ اقتراحي حتى ازدادت دائرةُ العيون اتساعًا، وتقطَّبتِ الحواجب، ولسانُ حالهم يصفني باللامبالي لحجم الواقعة، فاقتربت بهدوءٍ من أكثرِهم اشمئزازًا وقَرَفًا، وهمستُ بإذنِه: إن إخوةً لكم في الدِّينِ (في سوريا) ينتشِلون أشلاءَ أبنائِهم وأطفالهم ونسائهم من تحت ركامِ بيوتِهم التي عمروها بسواعدِهم، وما درَوْا بأنها ستكونُ يومًا قبورًا لبعضٍ من أشلائهم، وأنتم عجَزْتُم عن حل مشكلةِ قطةٍ نافقة، وحشدتم لها كلَّ هذه الجموع؟! أعجَزَتْ أنوفكم عن شمِّ رائحة أشلاءِ إخوتكم حتى تناصروهم، أو - على الأقل - تعيشوا بعضًا من آلامهم؟ إذا كانت قطة نافقة استثارت فيكم كلَّ هذا الغيظِ، فلمَ لا تفعل ذلك جثثُنا وبقايا أشلاء أطفالنا؟! ولكن لعل الخطأ منَّا؛ لأننا لم نستطع إيصالَ رائحةِ الجُثَث إلى أنوفكم الأبيَّة، ولكن أظن بأننا لم نعجِزْ عن إيصال صور أشلائنا إلى عيونِكم الكريمةِ لتطرق أبوابَ إحساسِكم المرهَفِ!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة