• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ذهاب للجحيم ( قصة )

عبدالكريم علي جامع فايد


تاريخ الإضافة: 2/3/2014 ميلادي - 29/4/1435 هجري

الزيارات: 4328

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذهاب للجحيم


سُعاد... هذا ما أطلقه أبواها عليها حين ولادتها فصار اسمها، ارتبطت به أكثر مما ارتبط هو بها، فهو لفظ لا تَحبِسه الحياة في ذات.

 

كانت تبحث عنه دومًا فلا تجده إلا مجرد نداء، حكَم العُرْفُ الإنساني أن تُجيب حين تسمع الناس تُهاتِفها به: يا (سعاد).

 

قول من الأقوال الإنسانيَّة دون أن يُعرَف مَن صاحبه الذي حكَم على الاجتماع البشري، يقوله البشر ويا لاحتيالهم! فهم لا يستدلون به إلا حين يُصادِف - مجرَّد صُدْفة - فيقولون: لكل شخص من اسمه نصيب، أما سعاد فتبحث لعلها تجد شيئًا من هذا النصيب، لكنها ترتد صِفر اليدين!

 

ربما لو رأى صاحب المقالة سعاد لأثبت عكسها أو اكتفى - على استحياء - أن يستثني سعاد فيقول: لكل شخص من اسمه نصيب إلا سعاد فلا نصيب لها!

 

قد تكون فلسفة البسطاء حين قرَّر والداها أن يُسمِّياها "سعاد"؛ اتقاء للحزن والتعاسة وجذبًا للنحلة نحو هذه الزهرة الرقيقة.

سعاد..

 

كانت هي الشقاء.. هي الألم..

 

تُشبِه الصحراء؛ سُمِّيت سعاد وما بها من السعادة شيء كما سُمِّيت الصحراء مفازًا وما بها الفوز!

 

ذات يوم خرجت للحياة، وذات يوم تَمنَّت - وما تُفيد الأماني! - لو فُتِح لها نَفَق تعود به لرَحِم أمها حيث الحياة قبل الحياة - نطفة لا تجد إلا كلَّ اهتمام - تنمو في كَنَف الرعاية الإلهية، قبل أن تَطولها يد الإنسان.

 

لو عَلِمت ما ستُقبِل عليه من الأيام لما أحبَّت أن تخرج للحياة.

 

وحيدة تجلس، وقد انعزلت عن الحياة، فعما قليل ستكون ميتة على قيد الحياة!

 

عما قليل ستحيا في عالم الموت الذي لا يُريحها منه إلا الموت نفسه، جاهدتْ كي تهرب من الموت، بحثتْ عن أي متاهة تَدخُلها لعلها تجد النورَ في إحدى نهاياتها، ولكن المتاهات - ذاتها - أوصدتْ مداخلَها في وجه "سعاد".

 

وحيدة قد ضاق بها العالمُ الفسيح؛ فما السماء إلا سقف الزنزانة الصماء، تكاد تَنطبِق على الأرض إذ ما إن يصعد منها شيء من أمنيةإلا ارتدّ سريعًا كسيرًا يَحمِل معه خيبة الأمنيات!

 

فقرُ والديها يمنعها أن تُفكِّر في الهرب من الجحيم الذي تعيشه في "أرتريا" بحثًا عن مجهول هو جحيم - لكنه قد يكون أخفَّ من هذا الجحيم - معسكرات اللاجئين في شرق السودان.

 

أتان عجوز كانت تحمل عليها الماء، وقد أوشكت على الهلاك، تَحمِل ذكريات الطفولة قبل أن تقضي الرحمة الإنسانية في قلب البائسين أن يريحوا هذه الدابة لتكون سعاد الدابة التي تَحمِل الماء؛ يا لرقَّة الأنثى ودَلالها! حين ينصر عليه كمال المرأة فلا يكونان إلا فتنة ودليلاً على المركز الذي طمرته الإرادة الإلهية في هذه الأنثى.

 

أتان وبضعة أشياء وشيء من داجن، هذا كل ما تَملِكه أسرة سعاد، يَحتضِنهم بيت قد غابت فيه الفوارق بين الإنسان والحيوان!

•••••••••••••••

 

تنظر لوجهها في المرآة، وتتبادل حوارًا رقيقًا مع طيفها تُحذِّره جحيم "معسكر التدريب" المقبِلة عليه.

 

(ساوا) هذا الاسم الراعب الذي تنتهي عنده بقايا الإنسان المتبقِّية عند هؤلاء البشر في الزاوية التي بُتِرت من جسد الجماعة الإنسانية وسقطت من ذاكرتها!

 

تسأل: كيف لأنثى أن تذهب إلى هناك والشباب يهربون من هذا الجحيم؟! ليجعلوا لحومَهم طعامًا لأسماك المتوسط في رحلة "النجاة أو الهلاك"، التي تبدأ من جحيم (ساوا)، ولا تنتهي إلا على سواحل إيطاليا، حيث الحياة إن لم تَلتَهمها أسماك المتوسط، أو أن ينتهي مصيرها مِزْقة تُباع في سيناء، ثم تُرمى في صحرائها!

 

وتجري على خدها دمعةٌ حارقة كأنها جعلت من نفسها فداءً لجعل الخدين سالكين لجريان الدموع التي لا تَنقطِع.

 

وأُمها تَسترق نظرات هي العجز بكليَّته والشفقة بكليتها، وما حيلةُ العاجز إلا الشفقة!

 

اللغة هنا تكون دون الحياة، لا تَملِك أن تُعبِّر عنها، لن تكون الكلمات في هذا المقام إلا شيئًا من العبث تَنثُره الشفاه؛ لعلها تتَّقِي بها أشعة الحقيقة الحارقة الفاضحة.

 

ماذا يَملِك العاجزون سوى الصمت، وقد حلَّ الحزن في زوايا أرواحهم المتعَبة؟

أي لغة هذه التي يتنفَّسون بها نسيمَ الحياة حين تُسَد بوجوههم كل نوافذ الحياة، فلا يجدون حتى الكوَّة الصغيرة التي تُسمَّى "اللغة"؟

 

هنا عَجْز الإنسانية الذي تواريه دومًا!

 

أما أبوها فقد آثر أن يبقى بعيدًا بعض الشيء؛ لعل لهيب النار لا يَمَسه، يَودُّ لو أنه فعل ما كان يفعله عرب الجاهلية.. لو أنه وأدها!

 

لو! دومًا هي سِرداب الهرب من هذا العالم وفرصة لإبداعِ عالَم آخر.

••••••••••••


تَظَل الأحزان مهما اتَّسعت وتَمدَّدت مُرتكِزة في قلب سعاد، هو المبدأ وعندها المنتهى، تُرسِلها ثم لا تعود إلا إليها.

 

يُخيَّل إليها أن كتاب الغيب فُتِح أمامها، فلا ترى فيه نفسَها إلا جارية عند لئيم من لئام النصارى تقوم بخدمته وتلبية شهواته، كأنها متاع اشتراه من نِخاسة.

 

لا ترى نفسَها إلا والذئاب تتناوشها، وما في الأرض إلا الذئاب.

 

تنظر فلا يتراءى لها إلا شرفُها وآمال الأمومة الهانئة وهي مقيدة، والسفهاء يلهون بها كما يأخذ الصبيان عصفورًا حالمًا يزقزق يقيدونه ويلهون به، فلا هو ميت فيرتاح، ولا هو مُطلَق الجناح.

 

يظل قلب أمه فارغًا خوفًا على طائرها الصغير، ويَظلُّ هو في العذاب، وذِكرى ليلته الأخيرة في العش لا تُفارِق فِكْره؛ فقد أوثقتها الذاكرة بإحكام.

 

يَظَل راعبًا أن يُقال لها: لا ربَّ لكِ تعبدينه هنا!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة