• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

مكونات العمل القصصي

مكونات العمل القصصي
د. إبراهيم عوض


تاريخ الإضافة: 10/2/2014 ميلادي - 9/4/1435 هجري

الزيارات: 26835

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مكونات العمل القصصي

تعريف الشعر بين القدماء والمحدثين (34)


معروف أن العمل القصصي يتكوَّن من أحداث وحوارات، وشخصيات تقع منها تلك الأحداث، وتقوم بتلك الحوارات، وزمان ومكان تقع فيهما الأحداث والحوارات، وحَبكة لها بداية ووسط وغاية تنتهي عندها، وبوجه عام يشترط في أي حدثٍ أو شخص في العمل القصصي، أن يكون له دور يؤديه؛ بحيث يدفع العمل إلى الأمام نحو الغاية التي يسعى إليها، وإلا كان عبئًا عليه، ومن ثَمَّ فلا بدَّ من حذفه؛ ذلك أن العمل القصصي ليس سلة مهملات نلقي فيها بكل ما يصادفنا من مخلفات، بل هو تصميم مُحكم لا بد من مراعاة الدقة والاحتياط الشديد في التعامل معه، وبالنسبة إلى الشخصيات ينبغي أن تكون طبيعيةً في تصرُّفاتها وأقوالها، بحيث يعكس ما تَفعله أو تَنطقه طبيعة عقلها وعواطفها وأخلاقها، ومِهنتها ووضعها الطبقي والثقافي، وماضيها وأحلامها، فلا تكون صورة من المؤلف، وإلا أصابَت العمل القصصي بالفشل، كذلك ينبغي أن تكون صورة كل شخصية من شخصيات القصة من الوضوح والتميز، بحيث لا تَلتبس بغيرها من الشخصيات، بل تبقى في أذهاننا بعد الانتهاء من قراءة العمل واضحةً ناصعة، وهذا التميُّز يَستلزم أن يقدِّمها لنا المؤلف بملامح وجهها وملابسها، وتصرُّفاتها وطريقة كلامها، وتفكيرها وإحساساتها، وذكائها أو غبائها، وتحرُّجها الخلقي أو تسيُّبها، ونظرتها إلى الحياة والمجتمع.

 

على ألا يقول لنا في ذات الوقت كل شيء عنها بالتفصيل، بل لا بد من ترْك شيء أو أشياءَ لمُخيلة القارئ؛ حتى لا نُرهقه بكثرة ما نذكره له عنها، فتأتي النتيجة عكس المراد؛ إذ يزدحم عقله وتَرتبك ذاكرته، وتختلط ملامح الشخصيات بعضها ببعض، وتضيع المتعة أو جزء منها عليه، وكذلك حتى نُعطيه فرصة المساهمة مع المؤلف في تصور العمل القصصي، وكأنه شريك له في إبداعه، وهو ما يمده بالرضا، ويجب كذلك أن يكون ثَمَّ تناسق بين عناصر الشخصية: الخارجي منها والداخلي، وفي ذات الوقت على المؤلف أن يوضِّح - من خلال الأحداث والحوارات - العواملَ التي أدَّت إلى أن تجيء الشخصية على هذا النحو؛ إذ لا يكفي أن يقول لنا: هذا هو فلان، وهذه هي شخصيته، بل لا بد أن يُبيِّن لنا لماذا كانت شخصية فلان ذاك هكذا؟

 

وبعض المؤلفين قد يسوق لنا وصفه للشخصية في أول العمل مرة واحدةً، ثم ينفض يديه منها بعد هذا، وبعضهم يَنثر لنا ذلك الوصف هنا وهناك، فمرة يسوق مَلمحًا من ملامحها خلال السرد، ومرة يَسوق لنا ملمحًا آخر أثناء الحوار، ومرة يُورد ملمحًا ثالثًا في الوصف مباشرةً...، وهكذا إلى أن تتَّضح جوانب الشخصية، والشخصيات أنواع، فشخصيات رئيسية، وأخرى ثانوية، والأولى هي التي عليها مدار العمل، أما الأخرى، فتُمثل عنصرًا من عناصر البيئة التي يتحرَّك فيها البطل ويدخل في علاقات معها، وعلى الأولى تُسَلَّط الأضواء ويَنصبُّ الاهتمام، أما الأخرى، فيقوم دورها في المقام الأول على مساندة الشخصية الرئيسية، وكشْف مخبوءاتها، وفي كثير من الأحوال تأتي الشخصية الثانوية مسطحةً لا نعرف كثيرًا عن خباياها، ولا نلمس لها تطورًا ولا عُمقًا، على عكس الشخصيات الرئيسية التي تأتي إلى القصة بشكل، وتخرج منه بشكل آخر، مختلف نتيجةً لما تعرَّضت له طوال القصة من تطوُّر انتقَل بها من حال إلى حال.

 

أما السرد، فإنه يؤدَّى بأكثر من طريقة، فقد يحكي المؤلف قصته بضمير الغائب، بمعنى أنه لا يكون له وجود داخل القصة، بل يبقى مجرد راوٍ لها، فيقول مثلاً: قام فلان من نومه، فوجد نفسه مرهقًا بسبب سهره الطويل البارحة، فقرَّر أن يمضي في النوم ولا يذهب إلى العمل... إلخ.

 

ويلاحظ القارئ كيف أن كل الضمائر في النص هي ضمائر الغائب، على حين أنه لو قال هذا الكلام بوصفه أحدَ أشخاص القصة، لجاء هكذا: قمت من نومي، فوجدت نفسي مرهقًا بسبب سهري الطويل البارحة، فقررت أن أمضي في النوم، ولا أذهب إلى العمل...، ويكون الضمير المستخدم حينئذ هو ضمير المتكلم؛ إذ الراوي هنا إنما يحكي عن نفسه، بخلاف الطريقة الأولى التي يحكي لنا فيها المؤلف قصته وهو بعيد، فلا نعرف عنه شيئًا سوى أنه يروي لنا القصة، ومن ثم فلا تدخل منه في العمل بتعليق أو تعاطُف نحو هذا الشخص، أو ذلك الحدث...، إلا أن الأعمال القصصية التراثية - وكذلك الأعمال المبكرة في نهضتنا الأدبية الحديثة - كانت تشهد في بعض الأحيان تدخُّلَ هذا الراوي في صميم القصة، فنسمعه مثلاً يقول: هذا ما كان من أمر فلان، أما فلان، فقد حدث له كذا وكذا، أو هذه قصة جديرة بأن تكتب بالإبر على آماق البصر، أو لقد قسَت الظروف على فلان، فحرَمته - يا ويلاه - من أمه، وهو طفل صغير، غضُّ العود، له الله...، وكان المنفلوطي كثيرًا ما يعبر عن رحمته وألَمه لأبطال قَصصه جهارًا نهارًا، لا مُواربة في ذلك، كما كان طه حسين يتدخل أحيانًا تدخُّلاً مباشرًا في مجرى قَصص مجموعته: "المعذبون في الأرض"، فيُبدي تعاطفه مع هذه الشخصية أو تلك، أو يناقش القرَّاء في أصول الفن القصصي وما ينبغي مراعاته في نظر نُقَّادها من قواعد، ثم يعلن لهم أنه لا يلتزم بشيء من هذه القواعد؛ لأنه كاتب مبدع حرٌّ، لا يتلقَّى أوامر من النقَّاد، بل يُنصت إلى صوت قلمه فقط، والفرق بين الطريقتين اللتين سبَق ذكرهما، هو أن الراوي الغائب يعرف كل شيء عن كل شخص، وكل واقعة، ولا تغيب عنه شاردة ولا ورادة، أما رواية القصة بضمير المتكلم، فتُقرِّب بين الراوي وقرَّائه؛ إذ يخاطبهم ويناجيهم، ويفضُّ مغاليق قلبه وعقله أمامهم كأنهم أصدقاؤه، وهو ما يُقيم بينه وبينهم جسرًا من الحميمية والتفاهم، وهناك طريقة أخرى وهي أن يسجل لنا أحد أشخاص القصة كل ما يحدث كتابةً: في مذكرات له، أو في رسائل يتبادلها مع شخص آخر، أو في اعترافات يقدمها للشرطة مثلاً...، وهناك طريقة رابعة تتلخص في أن يروي لنا القصة عدة أفراد من أشخاصها؛ كما هو الحال في "ميرامار"؛ لنجيب محفوظ، وفي "الرجل الذي فقد ظله"؛ لفتحي غانم، وفي "ظلال على الجانب الآخر"؛ لمحمود دياب، وفي هذه الحالة، فإن رواية كل منهم للقصة تختلف قليلاً أو كثيرًا عن رواية الآخرين تبعًا لمبدأ النسبية؛ إذ كل إنسان إنما يتعامل مع الأشياء والناس من خلال شخصيته هو، فهو يرى بعينيه هو، ويسمع بأُذنيه هو، ويَلمس ببشرته هو، ويشم بأنفه هو...، وهو في كل ذلك مختلف عن الآخرين، وبهذا يتجمع لدينا أكثر من وجهة نظر للحدث الواحد وللشخص الواحد، وهذا من شأنه أن يغني العمل ويغني رؤية القارئ جميعًا، وهو يشبه ما نراه في إذاعة مباريات كرة القدم هذه الأيام عند تسجيل هدف بالذات؛ حيث يعقب ذلك عرضه من عدة زوايا مختلفة؛ مما يترتب عليه أن يبدوَ الهدف الواحد وكأنه أهداف مختلفة؛ لأن رؤيته من زاوية جديدة كل مرة يُريناه من وضْعٍ مختلف بطعم مختلف، بحيث يتَّضح لنا في كل إعادة أشياء كانت خافيةً عنا في المرات الأخرى.

 

وهناك أسلوب جديد اتَّبعه توفيق الحكيم مرة واحدةً في عمل من أعماله، ولم يَعد إليه، كما أن أحدًا لم يتابعه عليه في حدود ما أعرف، وهو أسلوب المزج بين القصة والمسرحية، ففصل قصصي يَعقبه فصل مسرحي...، وهكذا حتى ينتهي العمل، وقد سماه الحكيم وقتها في أواخر الستينيات: "مسرواية"، وكان عنوانه: "بنك القلق"، وقد نقَل هذه الطريقة من بعض الآداب الغربية، ويبدو أنه لم يُستقبل من قِبَل النُّقاد والقرَّاء بالحفاوة المرتجاة، ومن ثَمَّ أسقَطه الحكيم من حسابه تمامًا بعد ذلك.

 

كذلك عند سرد أحداث القصة، يمكن أن يتَّبع المؤلف الطريق المستقيم الآتي من الخلف إلى الأمام؛ أي: البَدء بأقصى نقطة في الماضي ثم المضي قدمًا دون تعريجٍ هنا أو هناك، أو تقهقُر عن الأحداث، أو سبق لها، حتى تنتهي القصة لدى أبعد نقطة تصل إليها، ويُمكنه كذلك أن يَعكس اتجاه السير، فيبدأ بآخر ما بلَغته القصة، ثم يعود أدراجه إلى الخلف؛ ليُفسر ما وقَع، كأن تكون هناك جريمة قتْلٍ مثلاً، فيذكرها المؤلف ويسوق ملابساتها، وما يتصل بها من أشخاص، ليرجع القهقرى بعد هذا من البداية حاكيًا لنا ما وقع "من طقطق للسلام عليكم"، حتى يصل مرةً أخرى إلى النقطة التي بدأت بها القصة، ولكن بعد أن يكون قد فسَّر لنا كل شيء، وهناك أيضًا طريقة أخرى، وهي أن يَقفز السرد من هنا إلى هناك تبعًا للموقف؛ حتى ينجلي في النهاية كل شيء، وثَمَّ طريقة رابعة هي الطريقة الحلزونية، وهي أن يبدأ حكايةً تتفرَّع منها حكاية، تتفرَّع منها بدورها حكاية ثالثة، فهي حكاية داخل حكاية داخل حكاية، ويجد القارئ أمثلةً على تلك الطريقة في "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة"، وهناك طريقة تيار الشعور؛ حيث تتداعى الأحداث، وتظهر الشخصيات تبعًا لما يخطر على بال الراوي صاحب ضمير المتكلم، وقد تتداخل الطرق المتبعة في رواية أحداث القصة؛ كما هو الحال في عدد غير قليل من القصص الحالي، ففي بعض المواضع يلجأ المؤلف إلى ضمير الغائب، لنفاجأ بالقصة في بعض المواضع الأخرى وقد تحوَّلت إلى ضمير المتكلم، وفي بعضها الآخر وهي تُروى بأسلوب تيار الشعور...، وهكذا.

 

والمهم في كل ذلك أن يُخطِّط القصَّاص لعمله جيدًا؛ حتى لا يفلت منه زمام القصة، وينهار بناؤها، وعليه أثناء ذلك أن يشد القارئ طوال القصة شدًّا لا يستطيع أن يُفلت من إساره، وهذا هو عنصر التشويق، وهو من أهم عناصر الفن القصصي.

 

ويقول مُنظِّرو القصة: إن على المؤلف الالتصاق بالواقع، وتجنُّب الخوارق والمصادفات؛ حتى يكون مقنعًا، وينجح في الإيهام بأن ما يقدِّمه هو ما يجري فعلاً في الحياة، فلا ينفض عنه القرَّاء، لكن ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن نظرتنا إلى الحياة والواقع قد تختلف من حقبة تاريخية أو من أُمة من الأُمم إلى أخرى.

 

إن الذي يقرأ "فن الشعر" لأرسطو، يعرف مدى حرصه على أن تكون المسرحية والملحمة ملتصقتين بالواقع، إلا أننا نعرف أيضًا أن المسرحيات والملاحم الإغريقية، لم تَسلم من أن تضمَّ بين جَنباتها أحداثًا لا يمكن أن تكون واقعيةً إطلاقًا من وجهة نظرنا، ومن وجهة نظر العلم والقانون الطبيعي؛ كتجسُّد الآلهة وتعدُّدها، ووجود الكائن العجيب ذي العين الواحدة المسمى بـ"السيكلوب"...، لكن كل تلك الأمور كانت واقعيةً عند مؤلفي تلك الملاحم والمسرحيات، مثلما كان ظهور العفاريت والشياطين ووقوع السِّحر الذي يحوِّل الآدميين إلى حيوانات، أمورًا مُحتملة الوقوع لدى مؤلفي ألف ليلة وليلة، كذلك فإن قَصص الحيوان - مثل "كليلة ودمنة"؛ لابن المقفع، و"رسالة النمر والثعلب"؛ لسهل بن هارون، و"رسالة التوابع والزوابع"؛ لابن شهيد، و"مزرعة الحيوانات"؛ لجورج أورويل، وقَصص هانز كريستيان أندرسون - هي قَصص غير واقعية بلا أي جدال، ومع ذلك فإننا نقرؤها ونستمتع بها، دون أن نرفع إصبعًا للاعتراض بأنها غير واقعية.

 

سيقال: إننا نعرف منذ البداية أنها قصص رمزية، وأنا - في الواقع - لا أشاح في هذا الرد، لكن يهمني هنا أن ألفتَ النظر إلى أن مطلب الواقعية ليس مطلبًا حاسمًا، بل يَقبل الأخذ والرد، كما أن كثيرًا من أحداث القصص الرومانسي لا يَقبله العقل، صحيح أنها لا تُناقض القوانين الطبيعية، لكنها تُعارض قوانين المجتمع وأعرافه، ولا تقع بسهولة أو على الأقل: لا تقع بالسهولة التي تُصورها لنا القصة، وقد تسيل بسببها دماء، ولا يسمح المجتمع بوقوعها رغم كل هذا؛ كأن تتزوَّج ابنة الباشا ابن جنايني القصر مثلاً، ومع ذلك كان القرَّاء وما زالوا يستمتعون بها ولا يقفون طويلاً أمام تلك الملاحظات.

 

وننتقل الآن إلى الحوار، وهو ذلك الكلام الذي يتبادله أشخاص القصة، ويعبرون به عن أفكارهم ومشاعرهم ومواقفهم، ويَطرحون ما عندهم من أخبار، وقد يكون كلام الأشخاص في الحوار قصيرًا ممتلئًا بالحيوية، وقد يطول حتى يملَّ ويمل، وبخاصة إذا ترك المؤلف للمتحاور الفرصة لقول كل ما يريد، وما أكثر ما يريد كل منا الحديث إذا تُرِك له الحبل على الغارب ولم يجد مَن يُوقفه ويعطي الطرف الآخر الفرصة للرد أو التعليق، ولو بهمسة إعجاب، أو صيحة استنكار؛ كما هو الحال مثلاً في أواخر قصة "عصفور من الشرق"؛ لتوفيق الحكيم؛ حيث يطول كلام العامل الروسي إيفانوفتش كثيرًا؛ حتى إنه ليَستغرق في كل مرة عدة صفحات، دون أن نشعر أن هناك طرفًا آخر يحاوره هو "محسن"، كذلك قد يُمهِّد الكاتب لعبارات الحوار بكلمة؛ مثل: "قال / صاح غاضبًا / تلعثم في رده قائلاً..."، وأحيانًا ما يستعمل أسلوب المسرحية في سوق الحوار دون عبارات تقديمية، أو يكتفي بكلمة "قال" في كل مرة، كذلك أحيانًا ما يندمج الحوار مع السرد مع تيار الشعور، دون وجود علامات تميِّز هذا عن ذاك عن ذلك.

 

وبوجه عام ينبغي أن يعكس الحوار شخصية صاحبه، فلا يكون الشخص عاميًّا جاهلاً غبيًّا، ثم نُفجَأ به عند الكلام إنسانًا ذكيًّا فصيحًا مُثقفًا ثقافة عالية، أو يكون خادمًا، فلا يتركه المؤلف يتحدث بعقلية الخدامين محدودي الفكر والشعور، بل يجعل منه نِدًّا للمثقفين من حوله، وربما تفوَّق عليهم، ومثالاً على ذلك يمكنني أن أذكر الخادمة أمينة بطلة "دعاء الكروان"؛ لطه حسين، ومن قضايا الحوار في القصة أيضًا اللهجة التي ينبغي كتابته بها: فهل نترك الناس في الأعمال القصصية يتكلمون العامية التي يصطنعونها في حياتهم اليومية؛ حتى نُحافظ - كما يقول أنصار استعمال العامية في الحوار - على نكهة الواقع؟ أم هل نَركَن دائمًا إلى الفصحى؛ حتى يَفهمنا كل العرب في كل العصور، ونحافظ على ذلك الرباط اللغوي الذي يصلنا بإخواننا في العروبة، ويُقيم بيننا وبين تراثنا وقرآننا حبلاً لا تَنفصم - بمشيئة الله - عُراه أبد الدهر، وبخاصة أن الإيهام بالواقع لا يقوم على اصطناع العامية، وإنما على التصوير المُتقن للشخصيات والوصف الحي للزمان والمكان، وعلى لغة الحوار المُوحية، وإحكام السرد، وبناء القصة بناء مُشوِّقًا متينًا؟! ثم ينبغي ألا ننسى أن الأشخاص في المسرحيات الشعرية والملاحم يتحدثون شعرًا، وما من أحدٍ في الحياة يصطنع الشعر في كلامه مع الآخرين، حتى لو كان أشعر الشعراء، ومع هذا لم يحدث أن اعترَض ناقد أو قارئ على ذلك؛ إذ العبرة بالتصوير المقنع، كما أن جميع الشخصيات في "ألف ليلة وليلة"، وكذلك في كل السِّيَر الشعبية، وهي قَصص كُتِبت للعامة - إنما تصطنع الفصحى، والفصحى المسجوعة في كثير من الحالات على ألسِنة الشخصيات في حوارها بعضها مع بعض، ولم يتذمَّر العامة من ذلك، ولا رأوه قادحًا في قيمة تلك الأعمال، والمسألة في حقيقة أمرها إيهام بالواقع، لا تصوير حرفي له كما هو، والإيهام يمكن أن يتمَّ بوسائل كثيرة دون الالتزام بالعامية في الحوار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة