• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

التاكسي ( قصة )

حميد بن خيبش


تاريخ الإضافة: 28/1/2014 ميلادي - 26/3/1435 هجري

الزيارات: 4128

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التاكسي

 

التاكسي قطعة من عذابنا اليومي.

سائقًا كنْتَ أو راكبًا لا فرق!

 

تنحشر الأجساد داخل علبة صفيح لتقطع مفازة من اللهو أو الترقُّب، تتخلى أرواح كثيرة عن صلفها المعتاد، ما دامت تتأرجح على كف السلامة!

 

يُمدُّك كهل بحكمة أو مأثرة، ويشرع آخر في استعراض خيباته وفتوحاته.

 

يسعفك الحظ أحيانًا برفقة صامتة، لا يشغلها سوى موعد الوصول، فيخف وزنك، وتهدأ روحك في المنعرجات القاسية، أما إن ابْتُليت بهواة الصخب، فما عليك إلا احتمال لغو يقتحم خلوتك.

 

عادة ما أتطلع في سحنة السائق جيدًا قبل أن أصحبه في رحلة الموت هذه، أبذل وأسعى، كأي عرّافة غجرية؛ لأستشفَّ من ملامحه ونبرة صوته ما يحدّد مصير أرواح مكدسة في المقعد الجانبي والخلفي، منهم الواثق الذي خلَّفَت صروف الدهر على محيَّاه تراتيلها الْمُـرَّة، وخفيف الظل ممن يُحيلون فضاء التاكسي فسحة للتندر والقهقهة العذبة، وفيهم مبعوث الفجيعة الذي يُمطر صباحك بوابل من الشتائم، فظٌّ، دائم التشَكِّي، لا يطيق حتى قميصه على ظهره، تبدو الرحلة معه أشبه بوقوف مُفلس أمام قضاة مرتشين!

 

في التاكسي يتجدد إيمانك كلما اهتزت العجلات أو حدث عطل مفاجئ، تمتمات وتضرع للباري كي يطيل شغف الحياة، دونما استئذان يشرع أحدهم في سرد تجربته المُرة: كان الوقت عصرًا والسماء تجود ببعض قطراتها، فجأة داهمنا ضباب كثيف أرخى ستاره الكحلي على المنعرجات، خفّف السائق من سرعته، وأضاء المصابيح الأمامية، لكن لم يُغنِ حذر من قدر؛ إذ باغتتنا سيارة ذات دفع رباعي تحضن مقودها روح طائشة، قرّر السائق اجتناب الأسوأ فغيّر الوجهة صوب المنحدر.

 

في التاكسي تبلغ النقمة ذروتها على أثرياء الطفرة الكاذبة، قصص تُروى وأيمان غليظة تحملك على الإذعان لما لا يُصَدَّق، تتضارب التخمينات بشأن غنائم "فلان" من المقالع، وودائع "علان" في البنوك، كعادتهم، لا يجيد البسطاء التحليل الكمي لمرويات الفساد! يعقد راكب في خريف العمر مقارنة طريفة بين قوت البغل من شعير الأيام الخوالي، وحصته اليوم من العلف المدعم، البغل هو البغل، والشعير شعير، لكنها "اللهفة"! بوصلة النفوس المعطوبة، فصل آخر من ملحمة الجوع الآدمي الذي لا يكف عن ابتلاع كل شيء.

 

سمعْتَ آخر نكتة؟

في التاكسي دُعابة متفردة وطُرَف لا تنتهي، أبدى السائق تَذَمُّره من حواجز مرورية لا تستوقف غير البسطاء، تنزلق سيارات ذوي الجاه والرفاه كقطع صابون على الأسفلت، دون أن يجرؤ أحدهم على التلويح بيده، علّق أحدهم ساخرًا بأن الأثرياء يُحبون تقليد سيارة الإسعاف في اجترائها على قواعد السير؛ لذا سرعان ما يركبونها في طريق العودة، ابتسم الجميع ثم شرعت الأفواه في لَوْكِ طرائف تمتح من غيظ مكتوم.

 

أوشكنا على الوصول فتململَتْ الأجساد المنهكة، بدا الأمر أشبه بفرحة ولادة بعد مخاض عسير، ما إن تتوقف العجلات عن دورانها الرتيب حتى يتجاهل بعضنا بعضًا، وتفترق الخطى في شعاب الحياة.

 

لا غرابة، فحياكة الأسفلت جيئة وذهابًا عودتني على عدم الوثوق بما يسري في التاكسي من ألفة وتودد.

 

إنه قطعة من زيفنا اليومي..

 

سائقًا كنْتَ أو راكبًا.

 

لا فرق!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- كم أنت رائع
حسن عبد الموجود - مصر 28-03-2014 03:51 PM

قرأت قصتك ووقفت على مدى براعتك وتلقائيتك دمت مبدعا أخي الكريم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة