• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

المنادي

المنادي
حسن عبدالموجود سيد عبدالجواد


تاريخ الإضافة: 27/1/2014 ميلادي - 25/3/1435 هجري

الزيارات: 6290

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنادي


هذه هي المرة الأولى التي أكتبُ فيها عن شخصية لا أعرف اسمَها، ليس هذا لأنه شخصية عابرة ليس لها أهمية في حياة قريتنا؛ بل لأنني اكتفيتُ أن أراقبَه من بعيد وهو يلتقطُ قوَّته من فتات قريةٍ تعيش على هامش الحياة.

 

مَنْ مِن أبناءِ قريتي يستطيع أن ينسى ذلك الجلباب الفضفاض الذي لا تكادُ تعرِفُ له لونًا، لا لِما ناله الجلباب من حظ وافر من الإهمال فحسب؛ بل لكثرة ما به من رُقَعٍ مختلفة الأحجام والأشكال والألوان.

 

تعوَّدنا أن نراه في صبيحةِ كلِّ ثلاثاء وهو يمرقُ وسط شوارعنا الضيقة الملتوية، يحمل همَّه الثقيل وسبعين عامًا أو يزيد فوق كاهل مقوَّس، يواجه الحياة ببسالة نادرة، يلبس فوق وجهه المجعد قناعًا أسود من الشمس والطين والعرق.

 

وفوق رأسه طاقيَّته الصفراء البالية، التي تفضح شيبتَه البيضاء بذلك الشعر الذى يقفز خارجها هاربًا من ثقوبها المتناثرة.

 

آخر ما يتوقعه إنسان أن تكون وظيفة شخص كهذا أن ينادي، ينادي وحسب.

 

وأن يكون مطالبًا على ما هو عليه من ضعفٍ أن يُسمع القاصي والداني، يمسك في يده المرتعدة سمكة أو اثنتين، يرفعهما بين آن وآخر فوق هامته، وهو يهرول صارخًا:

(السمك عند الجمعية يا بلد).

(البلطي بجنيه يا بلد).

 

لعلكم تسخرون من هذا المبلغ التافه الذي أدَّعِي أنه ثمن لكيلو من البلطي.

 

أو تتخيلون أن ذلك حدث من زمن بعيد.

 

لكنكم إن رأيتم سمكنا المتواضع الذى يجمعه الصيادون من شواطئ "بحيرة قارون" ميتًا، تكاد رائحة العفن تقفز خارجه؛ لتعجَّبتُم لذلك الزحام الشديد حول البائع الذي يبيع العفن لبطونٍ رفَع الجوعُ فيها رايته السوداء القاتمة ولتمنَّيتم معي أن تفلح القِطط في سطوِها على هذه القُفَّة الضخمة المملوءة بالعفن.

 

تزداد أعداد الناس حول القفة كلما واصل صاحبنا رحلته الشاقة.

 

كم كان يروق لي أن أراقبه وهو يجلس القرفصاء في ظل شجرتنا العملاقة، يخفف من عناء سفره الطويل، يخلع طاقيته الممزقة التي تكاد تقطر عرقًا، ويلقي بها في حجره، ثم يرفع إليَّ عينيه الغائرتين في رجاءٍ طالبًا بعض الماء، ثم ينصرف عني شاكرًا، تاركًا رائحة السمك في الكوب، والتي قد لا تفلح أمي في التخلص منها تمامًا.

 

ليتكم راقبتموه معي من فوق سور المسجد البحري المواجه للجمعية الاستهلاكية، التي يباع عندها السمك، وهو في نهاية المطاف عندما يعود عند الظهر إلى حيث بدأ، هناك حول قُفة السمك العملاقة التي يختفي صاحبها حول أكوام من السمك والناس والقطط، وهو يحاول جاهدًا أن يصل إلى صاحب القُفة لينال أجرَه.

 

لا أنسى أبدًا لهفتَه عندما التقم الجنيهات الثلاثة من ذلك البائع غليظ القلب الذى دفعها إليه في خشونة بالغة، وهو يضربه بقبضة يده اليمنى في صدره، وينزع بيسراه في عنف بالغ السمكتين اللتين كانتا معه، ويلقيهما في القُفة.

 

يضن عليه حتى أن يشارك أبناء قريته، فيما بشرهم به من عفن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة