• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

عاشق في سماء وطن ( قراءة في قصيدة )

عاشق في سماء وطن ( قراءة في قصيدة )
سناء سليمان سعيد


تاريخ الإضافة: 15/1/2014 ميلادي - 13/3/1435 هجري

الزيارات: 13735

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عاشق في سماء وطن

( قراءة في قصيدة )


يعدُّ العنوان عتبة مهمَّة من عتبات النص، سواء كان هذا النص نصًّا شعريًّا أم نصًّا نثريًّا، ولقد اختار الشاعر عنوان قصيدته "قلب ورابية"، وهذا يؤكد على اختيار هذا المكان وأهميته لتجاوره للقلب في المكانة والأهمية، ولدمج المكان مع القلب؛ للتدليل على حبِّ الوطن وعشقِه، كما سرَد لنا الشاعر بكل حِرفية، وترَكَنا نقرأ وكأنه يتحدث عن معشوقة أبدية، وما كانت هذه المعشوقة غير الوطن الأبديِّ الذي يَسكُن كل منا في جوف قلبه، ولا يكاد ينتزع منه إلا بانتزاع روحه وخلاصه الأبدي.

 

بدأ الشاعر سرد القصيدة بالفعل الماضي: "قال المُغنِّي حين أشعله المساء".

 

ونعلم أن وقت المساء هو وقت التجمُّع والالتفاف حول حلقة العلم أو الغناء، أو قضاء الأمسية فيما يُهمُّهم من الشأن العام، ولكن جاء هذا الالتفاف حول العشق الوطني، والتركيز على بؤرة المكان كدليل على الهوية والقومية التي يتبناها الشاعر.

 

ويؤكِّد على نصيب القلب الذي تاه في النور والضياء، وسُقي الهواء العليل من دفء المشاعر، والقلوب الناصعة لعاشقته، ولقد برع الشاعر في تصغير الصورة، ومِن ثم تكبيرها؛ فقد جاء التصغير في رسم معالم وملامح المَعشوقة العادية وكأنها إنسانة يَعشقها بالفعل، وبينما نحن نصدِّق هذا الإحساس؛ إذ به يَخرُج علينا بعدسة كاميرا مُحكمة؛ ليُظهِر لنا الجزء الآخر لصورته ويُكبِّرها ليتَّضح لنا أنه العاشق في سماء الوطن، وظهر ذلك في قول الشاعر:

• " قال المغنِّي حين أشعله المساءْ

• طوبى لقلبٍ تاه في جبِّ الضياءْ

• وسقى النسيم الدفء

• من عمق الخلايا

• زارعًا كل الربوع النورَ

• في ليل الرجاءْ

• قلب ورابية".


يبدأ بقوله: "قلب ورابية" وينتهي بها، والرابية هي المكان المرتفع عن الأرض، ويُدلِّل بهذه الرابية وبعلوها على علوِّ ومكانة الوطن التي لا تَنحني لأحد في يوم من الأيام مهما توالت عليها الخطوب والكوارث والمِحَن، وما أكثرها!


ويؤكِّد على عمق الخلايا والجذور المتفرِّعة في أعماق المكان وتشعُّبها وترابُطها بأواصر قوية ووطيدة لا يستطيع أحد الفكاك منها، ولقد قام بكل ما هو مفيد ونافع (زرع)، يعد الزرع والغرس في الأرض من أجمل الأشياء التي نُزيِّن بها الأماكن، وهنا يزرع الشاعر النور والضياء، والخير والحق والعدل، والحب والعِشق، وهذا ما يتمنَّى زراعته في وطنِه.

 

ويكرِّر على أهمية هذا المكان بالنسبة له من ذكريات الرحيل إلى العيون، كل العيون بمُختلف ألوانها وكينونتها المخفيَّة وراء هذه النظرات، والتي تتنوع وتختلف من شخصية إلى أخرى مهما كانت هذه النظرة تدلُّ على السعادة أو الحزن، ومهما كان صاحبها شخصًا غامضًا أو بسيطًا.

 

ويدلُّ التَّكرار على التأكيد، وأهمية القضية التي يتحدث عنها الشاعر؛ فهي قضية وطن افتقَدَه كل منا في نفسه، ويأتي جمال التجسيد والتشخيص في قول الشاعر:

• وذاكرة الرحيل إلى العيون

• وما تيسَّر من بكاء


وكأن البكاء أموال نَحصُل عليها بصعوبة بالغة، أو لقمة عيش صعبة المنال، أو ما تيسَّر منها، ولم يصمُت المغني - وإن كان نفسه الشاعر - وإنما أكمل مستطردًا بقوله:

"قال المغنِّي:

• طوبى لقلبك إن رعى

• عهد الضلوع

• ولم يكن بعد الرحيل

• مسافرًا خلف الهباءْ

• طوبى لكل العاشِقين

• تعطَّرت أفياؤهم

• يوم التذكُّر بالسَّنا

• وسما بذكرهم الثناء


يَظهر التجسيد والتشخيص في هذه الأبيات الشعرية في تجسيده للقلب بإنسان يحفظ العهود والوعود، ويُراعي كل ما يلتزم به، وكأنه إنسان له ذمة وعهد، ووعد وكلمة شرَف، أما عهد الضلوع فهو يقصد به عهد القلب الذي يُراعي هذه العهود، وما بين الضلوع عضلة بريئة تنبِض تُسمَّى القلب، كل ذنب هذا القلب ليس فيه، وإنما في الشخص الذي يسكن ويعيش بين ضلوعه، يا ليتَه يحفظ عهوده ووعوده ويرتقي به!


ولم يكن بعد كل هذا غير مسافر وراء الضياع والهَباء المَنثور، ويعود الشاعر ليؤكِّد أن نصيب العشاق لوطنهم هو النصيب الأكبر من الحب والوفاء بالعهود، والحفاظ عليه، وتلبية النداء عند الحاجة لهم.

• طوبَى لكل العاشِقين

• تعطَّرت أفياؤهم

• يوم التذكُّر بالسنا

• وسما بذكرهم الثناءْ

• يا ليل ليلى، في التذكُّر ضمَّني

• واشرَب دموع البَوح


لم يُغفِل الشاعر قصة الحب الشهيرة (قيس وليلى) وما كان بينهما من عشق خلَب الألباب، ويُنادي: يا ليل ليلى؛ لأنه يختلف عن الليالى الخاصة بالآخرين من البشر، ضمَّني واحضن وَحدتي، واشرب دموع البوح والعِشق، وكأن دموعه شراب مَذاقُه لذيذ يشرب.

 

ويأمل الشاعر في هذا الليل أن يضمَّه؛ لكي يعود إليه النور، ويَمنحه هبة العطاء والكرم، ولعلَّ في هذا القرب يكون شفاء الغريب عن معشوقته، وعن وطنه، وعن أرضه، وعن روحه التي فارقته، وأرسل له بشارة الشفاء لهذا الغريب الموجوع الذي يُؤلِمه العشق والهُيام.

 

ويحدِّث الشاعر نفسه مرة أخرى، ما فائدة الكلام في ليل طويل بلا فائدة، أو طائل من وراء هذا الحديث الطويل بطول ظلام الليل، ولا عزاء فيه في قوله:

• ماذا وراء البَوح في ليلٍ

• يَطولُ ولا عزاءْ؟


ويَعيش الشاعر حالة مُتقلِّبة من الوجد والهيام والعِشق، وهذا هو سبب تقلُّب حالته، ولكن يُعاود الأمل طَرْق أبوابه في قوله:

• عيناكِ قالت ما أشاء

• ولم تبُحْ للعابِرين بسرِّنا

• فلم الدروب تضمُّنا بجُنونها

• وترد عنَّا ما تعاظم من غباءْ؟


وهنا يَغمر الشاعر الأمل في قول عينَيها الذي أسَر لبَّه، وجذب قلبه، وعلَّق روحه، ولم تقل للعابرين (يقصد كلَّ العابرين على أرض الوطن من غُزاة ومحتلِّين وطغاة) سرَّ العشق الأبدي والسرمدي، وصمت الدروب والطرق، لتُعلنَ الوفاء والرضا بما قرره هذا العاشق لمعشوقته، والشعور بالأمان والحماية من غباء الحاقدين، وعيون الحاسدين، وقهر الظالمين، واستبداد الجبارين.


وبسبب قول هذه العيون التي غيَّرت حال العاشق من يائس قربَ على حدِّ الجنون إلى متأمِّل في الدنيا، وواصف في طبيعتها الخلابة والجذابة في قوله:

• "هذي طُيور الفجر تفتَتِح الغناء

• فما لها صدَحت بليلى

• أيقَظت شمس النقاءْ؟

• والشمس غنَّت في الربوع

• بطُهرِها

• سقت الزروع وضاءة

• غار الندى، واغتاظ ماءْ


بدأت حالة الوصف لدى الشاعر بداية من "هذي طيور الفجر تَفتَتِح الغناء"، إلى "غار الندى واغتاظ ماء"، وبدأ في إبداع الوصف وحالة الهيام بالطبيعة وعواملها من شمس نقيَّة المعطر، بإشراقة أمل على قلب العاشقين، وطيور مغرِّدة صداحة، وغارت قطرات الندى المُبلِّلة لمكان المُحبِّ، والعاشق المتأمِّل في عوامل الطبيعة من حوله، ويستحلف العاشق معشوقته في قوله:

• قولي بربك يا حبيبةَ مُهجتي

• ما ذنب ليل العاشِقين

• تنوشه كل السهام بلا انتهاءْ؟

• ما ذنبها الأحلام تقتُلها الظنون

• وما الذي يَحمي العيون

• من العيون؟


ويأتي هذ الرجاء في الاستحلاف بالله من كثرة ما ذاق من مرارة العشق والهيام، ما ذنب العاشقين؟ تتركه المعشوقة ليغترب ويُسافر ويرحل عنها؛ لتنهشه العيون الفتّاكة، وتقتله ظنون الأحلام والآمال التي يعيش العاشق على آثارها، ولا يوجد من يَحميه من عيون الحاسدين الحاقدين على هذا العشْق البريء.


ويأتي اقتباس الشاعر لكلمات من الإنجيل في قوله (طوبى) وتكرارها، ويعود مرة أخرى ليذكر "الجب" في سورة سيدنا يوسف عليه السلام، وكأنه يستشهد على عشقه لهذا الوطن بجميع الرسالات السماوية التي جاءت على أرضِه.


ويَخترق قلبَه شعاع نور ليَصِلَ إلى أعماقه، ويتساءل: هل هو غريب في وطنِه؟! أم مَن هو؟! ولماذا يشعر بهذا الشعور الرَّاعب؟!


ويصف حال نفسه في قوله:

• وأنا المُعبَّأ بالرجاء

• فلَمْلِمي كل الخلايا

• واصعَدي صوب اللقاءْ

• قلبي ورابية هناك

• على المدى


ويصف الشاعر حاله بأنه معبَّأ ومُحمَّل بالرجاء والتمني والأمل، ويخاطب معشوقته بأن تجمَعَ كل الخلايا والجذور، ولكي تصعد بهم إلى لقاء قلبي المتيَّم، والذي أضناه كثرة العشق ورابيته المقدَّسة على المدى البعيد، فأنا مُنتظِرك هناك، وأحلم باكتمال هذا اللقاء المتخيَّل والحالم لقلب عاشق؛ لعله يَشفيه مما فيه من سقم يُودِي بحياته.

 

لم يتوقَّف الشاعر عند هذا المكان الذي يُجسد عنده كل تفاصيل عشقه، وإنما جعل هذه العاشقة مثلاً للوطن؛ ولذلك دمج الشاعر بين العشق المقدَّس والمكان (الرابية)، وهو المكان الذي يمثل الإنسانَ والوطن الذي يُحاول جاهدًا الحفاظ على عهوده مع عشيقته؛ لكي تأتي وتلقاه في رابيته ووطنه المعشوق أيضًا بحجم العاشقة، ولكي يَكتمل هذا العشق باكتمال عودة الوطن لهما.

 

وختم الشاعر جميلَ قوله ورقَّة إبداعه في الترابط الواضح بين عِشق المحبوبة وعشق الوطن؛ لأن بهما تَكتمِل اللوحة الرائعة التي يتمناها كل إنسان على سطح البسيطة.

 

وتجلى ذلك في ختم الشاعر لقصيدته في قوله:

• وعيونك الوطن البَعيد

• فما الذي منح الضلوع جنان وجد

• أشرقت منحًا تُغرِّد في الفضاءْ؟

• عيناك كل حكايتي

• سبُل السلام


لقد وصف الشاعر عيون المَعشوقة بأنها وطن، ولماذا لم تكن هي الوطن بالفعل، وهو يُخاطِب المكان والعشق، والجمع بينهما عن قصد من الشاعر؛ لكي يُحقِّق معادلته التي رسمها بتقنية رائعة عن القلب، والذي يمثله الإنسان والرابية وهي المكان في أن (مكان + إنسان = وطن)، وهنا أرى وجه التشابه القائم بين الشاعر (عماد علي قطري) والشاعر (محمود درويش) الشاعر الفلسطيني في كتاباته عن الوطن وتشبيهه للأرض بالمعشوقة وهو العاشق، ومخاطبتها وكأنها شخصية متجسدة أمامه؛ كما في قول درويش:

• آه يا جرحي المكابر

• وطني ليس حقيبة

• وأنا لست مُسافِرْ

• إنني عاشق.. والأرض حبيبة

 

وهذا ما أراد قوله الشاعر من أول كلمة في القصيدة، والتركيز على الوصف الجمالي للمكان، والربط بينهما من بداية العنوان "قلب ورابية" يُساوي وطنًا لدى الشاعر، ولم يكن لديه فقط وإنما لدى سائر كل البشر الذين يَعشقون وطنَهم إلى حدِّ العشق والهيام والجنون العاقل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة