• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

طريق تحت الشمس (قصة قصيرة)

غالية الذرعاني


تاريخ الإضافة: 29/6/2009 ميلادي - 6/7/1430 هجري

الزيارات: 6574

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أطلق العنان لقدميه، تتقاذفه دروب بنغازي... سرق أنفاسه بقوة من هواء شوارعها المخنوقة بالزحام والعوادم، وعوى بنداء البراري تحت أشعة شمسها المعطاء.

كانت عيناه قد تعودتا على مناظر المحلات التجارية المتقيأة بالبضائع، وأشجار السرول المهجورة على حواشي الطرقات... في حين تُشوش التركيز عنده بعض المباني التي تعود إلى العهد التركي أو الإيطالي، والمتناثرة هنا وهناك، ظل يشعر بغرابتها وغربتها، فتنفرها عيناه، ويستنكر وجودها عقله.

رغم أن مكان عمله في اتجاه آخر، فقد عرج به الفضول إلى شارع السفارة الإيطالية.

لطالما استفزت مشاعره ببنائها المربع، المتربع في وسط الشارع كحصن روماني قديم، يرفرف فوق ناصيتها العلم ذو الألوان الثلاثة، وتحوطه الأشجار وأنفاس أهل بنغازي من كل ناحية، فيرسم خياله تلك السفارة كأميرة إغريقية مُتبجحة مُتبخترة في الأبيض، أو كعرافة ثيرا الغارقة في الغرور والمكر[1].

ولطالما أعاد منظرها إلى ذاكرته، صور المشانق التي تدلى منها المجاهدون في ساحات المدن والقرى، واستعاد لصورة بوابتها الحديدية مناظر الجوع والمرض في معتقلات البريقة والعقيلة والمقرون[2]، وأثارت ألوان علمها صورة الكوليرا والتيفود وهي تفتك بأكثر من ثلاثة آلاف نفس مُسلمة في تريميتي[3]وغيرها.

دخل إلى الشارع المنشود، فوجده مسدوداً بالمتاريس وسيارات الشرطة... مدَّ عنقه بينها، شق بصره زحمة الناس حتى سقط على منظر السفارة... وحينها، تغير في نفسه كل شيء.

كل تلك المشاعر والصور التي ظلت تنتابه كل صباح، كان لها وقع آخر اليوم، وكأن الجرح الذي ظل يستذكره كل صباح قد شُفي واندمل.

رسم ابتسامة على طرف فمه حين رأى آثار الحرائق، وقد توجت المداخل والنوافذ بتاج من السُّخام... رأى الأشجار المحطمة، والأثاث المُحطم المتناثر على قارعة الطريق، وأوراق المستندات والملفات، لا يزال بعضها معلقاً في هواء الشارع، أو تلعب به يد النسيم هنا وهناك.

رفع بصره إلى الأعلى... كان العلم قد اختفى... استعاد صورة الرجل الذي قفز إلى ذلك العلم البارحة، اقتلعه من صاريه، مزقه إرباً، ثم رماه إلى المتظاهرين في الأسفل، ليحرقوا بقاياه.

انتبه لصوت الشرطي وهو يزعق في وجهه:
- الاقتراب ممنوع، هيا ابتعد من هنا.

سرى في نفسه سرور عارم، واكتفى بما كحل عيناه ... وضع يديه في جيوبه واتجه إلى محل عمله، هامساً لنفسه، وهو يصر على أسنانه:
- هكذا يكون الرد.

ثم أضاف، وكأنه يجيب عن سؤال تردد في الأرجاء:
- ألا يكفيهم ما فعلوه بنا في الماضي؟ يتجرأون على إهانة نبينا، لا والله هذه لا نسكت عنها أبداً.

ثم أضاف متوعداً:
- هذه هي البداية فقط، والطوفان قادم.

ما كاد ينعطف به الشارع، حتى ثار في نفسه شعور بأن هناك خطأ ما.

جثمت على قلبه غُمة... استعاد أحداث البارحة، فتش في كل تفاصيلها... من ولادة الغضب إلى الانفجار أمام السفارة، بحث عن شيء يفسر شعوره الجديد، فلم تسعفه ذاكرته.... كل شيء سار كما خُطط له.

وقفت خطواته أمام مسجد، نظر في ساعة معصمه، لا يزال مُتسع من الوقت، قرر أن يزيل هذا الشعور الثقيل الذي جثم على صدره بصلاة ركعتين. وعندما دخل المسجد وقعت عيناه على جاره الشيخ علي، حياه، ثم تساءل يغمره شعور بالفخر:
- لم ألمحك البارحة في المظاهرة يا شيخ؟!.

فقال الشيخ بهدوئه المعتاد:
- كنت هنا في المسجد.

استغرب، وطرد اتهاماً تسلل إلى نفسه بأن شيخه شعر بالجبن، أو الخوف، فأضاف فاسحاً المجال للغضب بالسيطرة على عباراته، فخرجت بشيء من الوقاحة:
- هذا موضوع ينبغي أن تكون أول المشتركين فيه، أم أن موضوع الصور المشينة، ووقاحة ذلك الإيطالي[4]، لم تحرك الغضب في نفسك.

فأجاب الشيخ الجار بنفس الهدوء، وهو يخلق سبعين عذراً لوقاحة جاره.

- بلى فعلت، ولكنني كنت ولا زالت أردد، ما هكذا يكون الرد، بالحرق والتخريب والدمار، سنبدو حينها كما أرادوا أن يصورونا دائماً: حمقى وإرهابيين.

- أخذته الحيرة، وتراكمت في رأسه الأسئلة، لعل الشيخ أراد أن نرد بأسلوب آخر أقل  فوضوية، كأن نقاطع البضائع الدنمركية والإيطالية معاً، أو أن نمنع عنهم النفط، أو، أو....

- ولكن كيف سنرد؟

قذف بالسؤال ليتخلص من الحيرة، فاقترب منه جاره الشيخ... نظر مباشرة في عينيه تلقف كفه اليمنى، ووضع شيئاً فيها، وقال بابتسامة رحبة:
- اتبع سنته، وتمسك بهذا.

عندما أمسك الشيخ بيده، خمد بركان الأسئلة الحائرة، سكن الهدوء نفسه، وسرت في أوصاله شعلة من حماس... فتح يده، رأى مصحفاً ذا حجم صغير، رفعته كفه إلى شفتيه، قبله، ووضعه في جيبه العلوي، فوق مكان القلب تماماً.. عادت نظراته إلى عيني الشيخ صافية هادئة، نهض، صلى ركعتين، ودّع جاره، وغادر إلى عمله.
 

ــــــــــــــــــــــ
[1]  عرافة معبد أبوللو في دلفى DeIphi وضعت خطة لإستيطان ليبيا، بوضع نبوءة للمجموعة التي اختيرت من جزيرة ثيرا قائلة لباتوس رئيس المجموعة، تغريه بخيرات ليبيا: "إذا كنت أنت تعرف ليبيا، دون أن تذهب إليها معرفة تفضل معرفتي بها، أنا الذي زرت أرض الخرفان تلك، فإني أجل علمك كثيراً". 
[2]  أسماء للمعتقلات التي أقامها الطليان في ليبيا في حقبة الاستعمار الإيطالي، كان من نتائجها فناء أغلبية السكان، إضافة إلى إضعاف المقاومة الليبية.
[3]  واحدة من العديد من الجزر الإيطالية التي نُفي إليها أكثر من ثلاثة آلاف ليبي.
[4]  إشارة إلى وزير الإصلاح الإيطالي، روبيرتو كالديروي، الذي وضح إحدى الصور المشينة التي نشرتها الصحف الدنمركية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة