• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

هل إلى خلاص من سبيل؟

د. محمد القلا


تاريخ الإضافة: 9/12/2013 ميلادي - 5/2/1435 هجري

الزيارات: 5940

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أوراق الطبيب

هل إلى خلاص من سبيل؟


اعتاد المجيء إليَّ في كل يوم؛ لأفحصه بعناية، وأُجْرِي تخطيطًا لقلبه.

 

"قلبك سليم تمامًا"، نفس الجملة تتكرر بعد كل فحص.

 

ويعود مريضي ليسألني: إذًا ما هذه الآلام التي أشعر بها، ولا أكاد أحتملها؟

 

لقد مضى قرابة عامين، والمشهد يتكرر، حتى كاد يغدو أمرًا يوميًّا، لا يتخلف إلا لمامًا، وذلك في أيام العُطَل.

 

تدور في ذهني أحيانًا تساؤلات حول مغزى الألم، وإلى أي مدًى أوتي الإنسان القدرة على تحمُّله، وهل للألم من مغزى يجعله أكثر من مجرد تعبير عن معاناة الجسم، أو معاناة النفس؟

 

قرأت ذات يوم مقالة لكاتبة تتحدث عن آلام المخاض التي تقاسيها الماخض أثناء الولادة، وكيف تصوغ هذه اللحظات تجربة فريدة، تختلط بها الآلام الرهيبة، التي لا طاقة لبشر على احتمالها في الظرف الاعتيادي، مع إحساس عارم بالسعادة، يتأتى من الشعور بالأمومة، والشعور بأن مخلوقًا حيًّا رائعًا سوف يبصر نور الحياة، وسيغدو لها ابنًا.

 

وتُعَلِّق كاتبة المقال في النهاية قائلة: إن الرجل لا يمكن بحال من الأحوال أن يدرك المشاعر التي تعيشها المرأة، ولا يمكنه بالتالي - مهما حاول - أن يفهم نفسيتها ومشاعرها تجاه موضوع الأمومة؛ لأنه لم يعش فرادة هذه اللحظات.

 

وأعود لنفسي فأقول: نعم، إن تجربة المخاض فيها ما فيها من الألم والمعاناة، التي قلما يتعرض لها إنسان، وتنوء بحملها الأمهات، ولكنها تبقى تجربة محدودة في زمنها، الذي إن طال لا يتعدى اليوم أو بعض اليوم، ثم إن ما يصاحبها من فيض مشاعر الأمومة، والإحساس بالعطاء، يُخَفِّف أيضًا من حِدَّتها.

 

أما في حالة مريضي، فقد أصبح الألم صِنْوَه وصاحبه الذي يلازمه كظِلِّه، ولا يفارقه في حلِّه وتَرْحالِه، في ليله ونهاره، في أوقات راحته وعنائه، يؤرقه، ويعنِّيه، وينغِّص عليه حياته، حتى بات لسان حاله يردِّد مع الشاعر قوله:

وشِكايتي فَقْدُ السّقَامِ لأنه
قد كان لَمَّا كان لي أعضاءُ

 

كان صاحبي - في كل مرة - يؤمِّل مني سماع عبارة التطمين الروتينية؛ لأجل تهدئة مخاوفه، ولكي يهجع قلقه المستمر تجاه وضع قلبه، وكان سبب الآلام التي يعاني منها تشنجًا في عضلات الصدر، وتهيجًا في أمعائه، ندعوه بالمصطلح الطبي: "متلازمة الأمعاء الهيوجة"، وكلاهما ناجم عن حالة التوتر النفسي، والمعاناة الدائمة من عدم الاستقرار، ما جعل صاحبي يَنْشُد كل يوم الحصول على تطمين يصرف عنه توهم وجود خلل في قلبه، ويعطيه راحة مؤقتة، هي أشبه بحقنة مخدِّر، لا يلبث أن يزول مفعوله؛ ليخلي الساحة من جديد لوسواس آخر.

 

وكان لا بد من وجود سبب يفسِّر هذا التوتر، وتلك المعاناة، التي أفضت إلى جعل مريضي تنهشه الوساوس تجاه صحة قلبه.

 

كنت ألاحظ بمرور الوقت اشتدادَ حالة القلق والآلام المصاحبة له، في أوقات العطل التي لا يذهب فيها صاحبي إلى عمله، ويكون خلالها في بيته معظم وقته، وفكرت قليلاً: إن معظم الناس ينتظرون أيام العطل بفارغ الصبر؛ ليستريحوا من عناء العمل، وليجدوا مُتَنَفَّسًا لهم بعيدًا عن مزعجات العمل وإرهاقه، وحتى المريض عندما يشتد مرضه، فإنه يطلب إجازة من عمله لأيام معدودات يرتاح فيها ريثما يتم الشفاء، إلا أن الوضع في حالة صاحبي كان معكوسًا.

 

جاءت المفاجأة في إقرار صاحبي أنه عندما يكون في عمله تَخِف وطأة الشعور بالألم، وتهدأ مخاوفه ووساوسه حول وضع قلبه.

 

ثم لا تلبث أن تعاوده في الغالب، مع رجوعه إلى البيت، والأغرب من ذلك أنها تشتد وتتعاظم في أيام العُطَل، حتى بات يكره هذه العطل، ويكَدِّرُه وجوده في البيت.

 

احترمت خصوصية الأمر، ولم أشأ الغوص في أعماق معاناة صاحبي؛ إذ إن للبيوت أسرارَها، ولكن خبء الألم المحتبس في الصدر أبى إلا مزيدًا من البوح، لقد مضى عليه رَدَح من الزمن، وهو يعيش أوضاعًا بيتية مضطربة؛ إذ بدلاً من السكينة والطمأنينة التي يفترض أن يفترشهما عش الزوجية، فقد كان الخلاف والنكد قرينَيْ هذا البيت، لقد شاء الله أن يُبتلى بزوجة سيئة الطبع، حادَّة المزاج، يصعب التفاهم معها بحال من الأحوال، وصَبَرَ الزوج المسكين على قدَرِه، وطال صبره، إلى أن طفح الكيل، وبدأت سحب الألم تتكاثف، منذرةً بالوصول إلى الرمق الأخير من عدم التحمل، ومُطْلِقَةً صرخاتِ الاستغاثة.

 

لَعَمْرِي، ما كانت تلك الآلام والشكاوى، ولا ذلك الوسواس، إلا تعبيرًا عن محاولات يقوم بها العقل الباطن؛ لإيجاد مخرج من أَتُّونِ المعاناة البيتية التي وجد صاحبي نفسه يتلظى بنارها، ويكتوي بحُمَمِها.

 

عجيب أمر هذا الإنسان، معجز في خَلْقِه، مدهش في تناسق عمل أجهزته، مُحَيِّر في التلازم ما بين سلامته النفسية، وسلامته العضوية.

 

وإذا صح القول بأنْ: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، فيصبح مفهومًا كيف أن الروح عندما تُثْخِنُها الجراحات، فإنَّ صرخات أنينها لا بد أن تَعْبُرَ تُخُوم الجسد، وأن تُعيقَه عن متابعة وظيفته بشكل سليم.

 

لقد بلغ السيل الزُّبَى في حالة صاحبي، فإذا بمعاناته اليومية وآلامه المتصاعدة، تكتب رسالةً موجَّهَة نحو بيته الذي غدا مصدرَ تعاسته، تحمل في ثناياها توسُّلاً ومناشدة بالكف عن إلحاق المزيد من الأذى، والتوقف عن مفاقمة العذاب.

 

وما زال العقل الباطن عنده ينتظر ردًّا على الرسالة التي بعثها، ولكن انتظاره قد طال، فهل عساه قريبًا ذلك اليوم الذي يصل فيه مضمون الرسالة إلى الطرف المقصود بها؟ فتدْرِكَه الأفهام، وتتفتح الأذهان، وتنقَشِع السحب، وتصفو النفس، ويأتي في النهاية الجواب؟!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- نعم يوجد خلاص
حسام - مصر 11-12-2013 06:15 PM

كالعادة لا يوجد حل سحري و تبقى النهاية مفتوحة.فهل إلى خلاص؟ نعم الخلاص ليس من ظروف الحياة فهي ستظل كما هي ضاغطة و محكمة علينا. الحل يكون في الخلاص الداخلي ولكل إنسان أن يجد هذه الطرق بطريقته.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة