• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

مشيئة القدر

مشيئة القدر
يوسف عماره بن عيسى


تاريخ الإضافة: 29/10/2013 ميلادي - 24/12/1434 هجري

الزيارات: 7297

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مشيئة القدر


خيَّم الدُّجى على السجيَّة وغطَّى الظلامُ المدنَ والخمائل بردائه الأسوَد، فهدأت النفوس من مشقَّة النهار، وسكن الحيوان إلى مرابضهِ، وتسلَّل الطير إلى عشِّه ينتظرُ فلقًا جديدًا.

 

جنَّ الليلُ فهجعتُ إلى فراشي مقلِّبًا أفكاري، ومحوِّلاً نظراتي في زوايا الغرفة، أُغمِض جفوني مرَّة لأنام ويستعصي النومُ عليَّ مرة أخرى، فيطير الكرى ويحط الأرق.

 

لا زلتُ على هذا الحال أصارعُ تقلُّبات جسدي في مضجعي، وأعاند تشردات عقلي حتى نال مني النعاس فجثيت نائمًا.

 

هدأت أصواتُ أنفاسي وسكن خاطري، ثمَّ شعرت بأيادٍ خفية تنتشلُ روحي عن جسمي، فاستسلمتُ لقوَّتها أمام عجزي، طارت وسافرت هاته الأيادي عاليًا، حاملة روحي إلى فضاء غير هذا الفضاء الذي نعيش بألفته، بل إلى مسرح هائل لا حدود له إلى اللانهاية مكتنف بضباب عاتم، أو ما ندعوه عالَم الأحلام وملتقى الأرواح.

 

انتصبتُ على هذا السفح الشاسع، وتقدَّمت بخطوات حذرةٍ وهائمة، فأبصرتُ إلى روح تُشبِهني فتقدَّمت بحذائها فرأيتُ رجلاً يختلِفُ من مكانٍ لآخر محوِّلاً نظراته في كل الأرجاء كأنه قد ضيَّع شيئًا، فهمَّ يفتِّشُ عنه ولا يجده، فاستوقفتُه، وقلت لهُ سائلاً: أتبحثُ عن شيء في هذا الفضاء الفارغ؟

 

رفع عنقه وأحدق إليَّ بنظرات شهاب وردَّ صارخًا: "أبحثُ عن مفاتيح خزائني الطافحة بالذهب والمال لأخفرها (أحرصها) من أيادي اللصوص وأنامل الأشرار، أنظر إلى حقولي ومنشآتي وقصوري وبروجي وعبيدي، فإن غفلتُ عنهم تمرَّدوا بجاهي ومجدي، وإن نسيتُ عنهم مسُّوا شرفي وانتشلوا تاج السلطان منِّي، فلا أهدأ حتَّى أظفر بغنى الشعوب الغابرة، وأملِك ما لا تملكه الناس الحية.

 

أنهى حديثه مبتدرًا، ثمَّ رجع إلى حالته الأولى فانصرفت عنه ساخطًا لكلامهِ المر، وقد عرفتُ أن هاتِه الروح تحاكي شخصًا غنيًّا حريصًا على ماله وسلطتهِ خيفةَ الزوال والفناء، يزرَع مطامعه على صعيد الأرض الطاهرة ليحصدَ مبتغاه الساذجَ وشهواتهِ الدنيئة فيولِّد العبودية والخضوع.

 

واصلتُ سيري الهادئ في هذا الفضاء مبصرًا عن يميني وشمالي فرأيتُ روحًا أخرى فدفعتُ بخطواتي نحوَها، ونظرتُ إلى جسد كاهل وقد كبَّ رأسه بين زندَيْه، دنوتُ منه ورفعتُ عنقه بهدوء وقلتُ لهُ: "الحزن والقنوط ظاهرٌ عليك يا سيدي، فلم الحزن وأنت أسمى مخلوقاتِ الله في كيانه؟ لم القنوطُ ولا زال قلبُك يدبُّ أملاً ويضخ صبرًا؟".

 

أحدق الكهلُ في وجهي بعينينِ وديعتين كأنه اغتبط بكلامي ورأى تعزيةً لنفسه، ثم نكس وقال: "عُمِّرت في الأرض طويلاً يا بُنَي، وأنا أجرُّ جسدي المثقل بسلاسل الفقر وقيود الفاقة (الحاجة)، عشتُ سنواتٍ وأنا أسيرُ السقمِ أنظرُ وراء قضبانِ سجنِه القاسية إلى فجر السعادة، فتتوارى عن أنظاري ولم أسعد، شهِدتُ أشهرًا والمرض يهدم صغاري وزوجتي بجبروته الطاغية أمام حقارتنا وضعفنا، عاندتُ الأيامَ والساعاتِ أصرِفُ الشجون عن وجهي وأنمِّق (أرسم) الابتسامة الزائفة في ثغري، لم تكد دقائق الدهر تنفد إلا ووجدتُني صاغرًا أدعو الله بأن يُحسِّن كربتي وكربة أمثالي البؤساء".

 

صمتُّ طويلاً أتأمَّلُ أعباء وأحلام الرجلينِ الغني والفقير وشدة تنافرِهما حتى خطفتْني تلك الأيادي الخفية دون وَدَاعِي لذلك الشقي وأودعتني في فراشي، وقالت: "هاته مشيئة القدر".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة