• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

التدوير في المتقارب

التدوير في المتقارب
أ. د. أحمد كشك


تاريخ الإضافة: 26/10/2013 ميلادي - 21/12/1434 هجري

الزيارات: 20978

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التدوير في المتقارب


الإِفْصاحُ عن التَّدْوير في هذا البحْر يَقتضِي تَوضيح مَذاقه الشَّطريّ، والدَّارس لهذا البحْر يُدرِك أنَّ عَروضه لا تُفصِح عن كمٍّ ثابتٍ في إطار القَصيدة الواحِدة؛ ومِن ثَمَّ كانَ تَحديد مَكان السَّكْتَة الشَّطريَّة ليسَ واضِحًا؛ لأنَّ عَروض هذا البحْر يَتوارَد فيها في القَصيدة الواحِدة النِّهايات الآتية:

فعو - فعولن

وهُما نهايَتان جاءَ السَّاكنُ في خِتامِهما إحْكامًا لمَقطَع العَروض وخِتامًا له ومُوضِّحًا لسَكْتَة العَروض مع التَّبايُن النِّسبيِّ في قِيمة السَّكْتَة؛ لأنَّها مع الوَتِدِ حيثُ تكونُ النِّهاية "فعو" أَوضَح مِن السَّبب حيثُ تكون النِّهاية "فعولن"، فسكْتَة الوَتِدِ أَفصحَ إيقاعيًّا مِن سكْتَة السَّبب.

 

مع النِّهايتَين السَّابقتَين تَتسرَّب إمكانةٌ ثالِثة تَروم المُتقارِب عَروضًا هي "فعولُ" التي تَنتهي بمُتحرِّك لا يُرام إشباعُه، وفي حركة فعولُ قطْعٌ لأمْر الوقْفِ، وإلْزامٌ نُطقيٌّ للمُنشِد أن يُواصِل نُطْقَ بيتِه بعيدًا عن حقِّ العَروض.

 

هذه الإِمكانَة الأخيرة شاعتْ في عَروض المُتقارِب مما جَعلَ الإِفْصاحَ عن حدِّ الشَّطرين في المُتقارِب لا ورودَ له؛ فإذا ما أضفْنا إليهما كمًّا لا بأسَ به مِن تَدْوير المُتقارِب أصْلاً أدركْنا أنَّنا أمام بحْرٍ تَبدو فيه ظاهِرة التَّدْوير سِمة مِن سِمات إيقاعِه، وأنَّ الإِفصاح عن سكْتَة العَروض ليس مَطلبًا مِن لوازِم المُتقارِب؛ وكي يُبيِّن مَدى استِخدام التَّدْوير نَعرِض الجَدول الآتي:

العصْر

عدد الأبيات

التَّدْوير

فعُول

"شبه تَدْوير"

نوع الفاصل

أل

ص

م

ل

الجاهلي

629

140

92

 

5

127

8

الأُمويّ

340

40

43

 

4

32

4

العبَّاسيّ

2316

285

497

17

39

209

20

الأَندلُسيّ

801

41

425

 

5

29

7

المِصريّ المَملوكيّ

385

9

102

 

2

7

 

الحديث

478

15

425

1

9

5

 

المجموع

5349

530

1584

18

64

409

39

 

ومِن رؤية الجَدول السَّابق نَجدُ مَيل المُتقارِب إلى عدَم الإفصاح تَمامًا عن إيقاع الشَّطر؛ فمِن جُملة (5349) بيت مِن المُتقارِب ورَدَ التَّدْوير (528) مرَّة بنِسبةٍ تَصل إلى (10%) تَقريبًا وجيء بفعولُ التي لا يَتحدَّد بها سكتٌ للعَروض (1584) مرَّة؛ أي: بنِسبة تَصل إلى (29%) تقريبًا، ومعنى ذلك أنَّ كمًّا مِن المُتقارِب يُقارِب (40%) لا يَروم الإِفصاحَ عَن سكْتَة العَروض، ولا يَبغي التَّقسيمَ الشَّطريَّ سبيلاً لازمًا؛ ومِن هُنا يَبدو أنَّ عدم الارْتِكاز على الشَّطر يَبين مِن خلال ثلاثَة أمور:

• "أ" التَّبادُل القائم في القَصيدة الواحِدة بَين "فعو" و"فعولن" و"فعولُ".

• "ب" ورُود التَّدْوير بنِسبة (10%) مِن استِخدام البحْر.

• "ج" ورُود فُعول بكثْرة تَصلُ إلى ثُلثِ المُستخدَم مِن إيقاع المُتقارِب.

 

وفي البَحثِ عن فاصِل داخليٍّ يُوضِّح حقَّ العَروض بانَ أنَّ الغَلَبة للفاصِل تَسري نَحو المدِّ، وهذا خِلافُ ما عَهدْناه مِن سَيطرة "أل" كما بانَ في البُحور السَّابقة، فقدْ أضْحى التَّدْوير والفاصِل مدَّ حوالَي (77%) مِن كمِّ التَّدْوير؛ وهذا يُوحي بصُورة ما أنَّ أمْر النَّغم مَوكول عِند ضَياع سَكْتَة العَروض إلى الإِحْساس بمَدى الحرَكة الطَّويلة التي ربَّما كانتْ بَديلاً لشُيوع ضَياع سكْتَة العَروض في المُتقارِب.

 

وحين يُنظَر إلى استِخدام المُتقارِب مِن خِلال إحصائيَّة البحْث نَجد أنَّ العصْر الجاهليَّ قد أثبتَ غَرامًا للأعْشى "صَنَّاجة العرب" بهذا البحْر فقد نوَّع في استِخدامِه، وجاء مُواليًا للطَّويل عِنده الذي يَرتكِز في بُنيانِه على تَفعيلة "فعولن" التي للمُتقارِب بِجوار (مفاعيلن) التي تَخصُّه. وقد دوَّر الأعْشى (111) مرَّة مِن جُملة (448) بيت مُستَخدَمة لدَيه مِن المُتقارِب، وجاءَتِ الخَنساء تاليةً للأعْشى في استِخدام المُتقارِب والتَّدْوير فيه. وفي العصْر الأُمويِّ كانَ النَّصيبُ الأوفى لعُمَر بنِ أبي رَبيعةَ الذي ورَد المُتقارِب لدَيه (196) مرَّة دوَّر مِن هذا الكمِّ (38) مرَّة، أما العصْر العبَّاسيّ الذي كَثُرَ استِخدام المُتقارِب فيه نسبيًّا فقد حَفَلَ باستِخدام مَجموعةٍ مِن الشُّعراء له، وكان أكْثرُ مَن استَخدَم المُتقارِب البُحتُريّ والمتنبِّي وأبو فِراس والمعرِّيُّ وابن المُعتزِّ؛ ولعلَّ الجدول التالي يوضِّح ولَعَ استِخدام هؤلاء الشُّعراء بتفعيلة (فعولن) إذا ما أضفْنا إلى المُتقارِب رؤية هذه التَّفعيلة في الطَّويل؛ ولعلَّه يَحقُّ لنا أن نقول إنَّ الشَّاعِر الذي يَذوق الطَّويل قد يَستغْني به.

 

الشَّاعِر

عدد أبيات ديوانه

الطَّويل

المُتقارِب

معا

البُحتُريّ

11621

3567

406

3973

المتنبِّي

5537

1536

313

1849

المعرِّيّ

13220

3456

554

4010

ابن المُعتزِّ

5550

1081

260

1341

أبو فِراس

2852

1008

108

1116

المجموع

38780

10648

1641

12289

 

عن المُتقارِب؛ ومِن ثَمَّ فعَلاقة القِلَّة والكَثرة بينهما عَلاقةُ مدٍّ وجَزرٍ فقد يَكثُر منهما معًا أو يَكتفِي بواحِدٍ منهما بديلاً عن الآخَر:

ومعنى ذلك أنَّ جُملة ما ارْتكَز عليه إيقاع هؤلاء الشُّعراء مِن خِلال وَحدة (فعولن) وصَلَ إلى حوالي (32%) مِن جُملة ما استَخدموا مِن أوزان، وقد تَوازَن استِخدام الأَنْدلُسيِّين لوزْن المُتقارِب، وانفرَد ابنُ نَباته بالإِبداع في هذا البحْر في إحصائيَّة العصْر المِصريِّ المَملوكيِّ، وقد دوَّر (9) مرَّات مِن جُملة (385) بيت مِن المُتقارِب، وقد قلَّ المُتقارِب في إحصائيَّة العصْر الحديث، ويَبدو شوقيٌّ أكثر مَن قام باستِخدامه بين شُعراء الإحصائيَّة في العصْر الحديث؛ فقد استخدَمه (614) مرَّة مِن جُملة ديوانه البالغ (11198) بيت، وقد ورَد التَّدْوير لديه سَبعَ مرات.

 

نماذج مِن تَدْوير المُتقارِب في ظلِّ النَّحو والمَعنى:

• مِن تَدْوير الأعْشى الذي كان له نَصيبٌ كبير في استِخدام المُتقارِب مُدوَّرًا قوله (ص: 28):

وَإِذْ لِمَّتِي كَجَنَاحِ الْغُدَا
فِ تَرْنُو الْكَعَابُ لَإِعْجَابِهَا

 

• وقوله:

وَشَاهِدُنَا الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِي
نُ وَالْمُسْمِعَاتُ بِقُصَّابِهَا

 

• وقوله:

فَأَصْبَحْتُ وَدَّعْتُ لَهْوَ الشَّبَا
بِ وَالْخَنْدَرِيسَ لِأَصْحَابِهَا

 

ووضوح الصِّلة دَلاليًّا ونَحويًّا في الأَبيات أمْرٌ قائم؛ فالْتِصاق تَرنو في البيتِ الأوَّل بجَناح الغُداف فيه تَعدُّد للمُعجَبين باللِّمَّة مِن الحِسان، وقد جاء الخبر عَقيب الخَبر مما يوحي بالاتِّصال.

 

وتوالي المَعطوفات في البيت الثاني يَدعو أن يَكون وصْلُ الكَلام قائمًا، فقد شُوهِد جمْعٌ لا بدَّ مِن تَمامه إنشاديًّا هو: الورْد والياسَمين والمُسمِعات، وكذلك كان التَّوديع في البيت الثالث للهْوِ الشَّباب والخَنْدَريس معًا؛ ومِن هنا لا يُحسَب السَّكْت على أَحدِهما مَطلبًا.

 

ومِن نماذج تَدْوير الخنساء (ص: 43):

ذَكَرْتُ أَخِي بَعْدَ نَوْمِ الخَلِيْ
يِ فَانْحَدَرَ الدَّمْعُ مِنِّي انْحِدَارا

 

ودَلالَة الفاء على التَّعقيب هُنا تَقتضي الإِسْراع بالاتِّصال النُّطقيِّ مِن خِلالها، فما كان لِطَيف أخي الخنساء أن يَظهر في وقت هُدوء حتَّى أعقَبه دمْعٌ مِدرارٌ أبَى عليها الهُدوء والسَّكينة، وقد بانَ أنَّ ظاهِرة التَّدْوير لَدى الخَنساء في كلِّ بُحورها جاءتْ قَرينة الاستِرسال في مَدحِ صَخر بتَعدادِ مآثِر هذا الرَّجل التي لا يَقطعُها سَكْتٌ ولا وقْفٌ، وهذا ما بانَ في كمِّ كثيرٍ مِن القصائد المُتَّصلة بالمدْح كما رأَينا في البُحور السَّابقة، وهذه أبياتٌ للخَنساء تُوضِّح ذلك ففي (ص: 82) تقول:

عَلَى خَيْرِ مَنْ يَنْدُبُ المُعْوَلُو
نَ وَالسَّيِّدِ الأَيّد الأَفْضَلِ
طَوِيلِ النِّجَادِ رَفِيعِ الْعِمَا
دِ لَيْسَ بِوَغْدٍ وَلاَ زُمَّلِ
يُجِيدُ الْكِفَاحَ غَدَاةَ الصِّيا
حِ حَامِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُنْكَلِ

 

ومِن تَدْوير الفَرزْدق على قِلَّته قوله (1/382) مِن قَصيدة مَطلعُها:

زَارَ القُبُورَ أَبُو مَالِكٍ
بِرَغْمِ الْعُدَاةِ وَأَوْتَارِهَا

 

يقول مُدوِّرًا:

قُبَيِّلَةٌ كَأَدِيمِ الكُرا
عِ تَعْجِزُ عَنْ نَقْضِ أَمْرَارِهَا

 

والنَّاظر في مَطلَع القَصيدة يَرى الخرْم واضِحًا؛ لأنَّ البَيت بدأ بإيقاع "عولن"، والتَّدْوير في البَيت الثَّاني الفاصِل فيه مدٌّ، وفي المدِّ كما قُلنا راحةٌ تُوحي بتعويضٍ عن سَكْتَة العَروض، ولكنْ هل يَحقُّ لمُنشِدٍ أن يَقِفَ على المدِّ مُوحيًا بالسَّكتِ فاصِلاً لحُدود كَلمة "الكُراع"؟

 

قد كان للشَّاعر أن يُرخِّم في الضَّرورة قائلاً كأديم الكُرا، ومع غُربة تَرخيمة - لأنَّه لا مُبرِّر له - كانتْ لدَيه مَندوحة تُذهِب عنه تَتالي مَقطعَين صوتيَين يَعتمِدان على حرْفٍ حَلقيٍّ هُما "ع/ (ص ح)" و"تَعْ/ (ص ح ص)".

 

ما كان للتصوُّر السَّابق الذي يَقبل تَرخيم "الكُراع" جاعِلاً العَروض على هيئة "فعو" أن يُقْبَل إلا بسبيل قَبول الخرْم في الشَّطر الثاني مِن المُتقارِب في غير مَطالِع القَصائد؛ إنَّنا إن فَعلْنا ذلك - مع غُربته؛ حيثُ لم يُعهَد الخرْم على هذا النَّحْو - يَضيع التَّدْوير، وذلك في خُصوص العَروض التي تَأتي على نَحو فعولُ؛ حيثُ يَكون إيقاع البيت:

قبيُّ "فعول - لتن ك "فعول" - أديمل "فعولن" - كُراع "فعول".

تعْجَ "عول" - زعن نق "فعولن" - ض أمْرا "فعولن" رها "فعو".

 

لكنْ كَثرةُ التَّدْوير، ووجودُ إِمكاناتٍ أُخرى للتَّدْوير مع "فعو" في المُتقارِب - أمورٌ تَنفي هذا الفرْض الذي يَقطَع مِن التَّفعيلة الأولى تَصوُّر بحْرها بالخرْم[1].

 

ومِن تَدْوير المعرِّيِّ قوله (2/ 64) مِن "اللزوميات":

أَخُو الْحَرْبِ كَالْوَافِرِ الدَّائِرِيِّ
أَعْضَبُ في الْخَطْبِ أَوْ أَعْقَصُ

 

ويَبدو أنَّ البحْث عن الخبر الثاني "أعضب" مُلتصِقًا بالخبر السابق يُمثِّل مَطلبًا لَدى المعرِّيِّ، فقد الْتزَم في البيت عِدَّة صِفات استأنَس فيها بدَلالاتِ اصْطلاحاتِ عِلم العَروض؛ فأخو الحرْب شبيه ببحْر الوافِر مُكتمِل التَّفعيلات؛ أي: الذي لم تُقطَف له عَروض ولا ضَرْب، وهو إمكانةٌ خياليَّةٌ لم يوجِبْها استعمال؛ فأخو الحرْب شكْلٌ فقط لا كيانَ له، فإذا ما جدَّ الجدُّ وبانَ النِّزال تَحوَّل في الخطْب أعضب؛ أي: نَقصَ شأنه كما يَنقُص شأنُ تَفعيلة الوافِر بالعضْب لتُصبِح "فاعلتن" أو بالعَقْص لِيَضلَّ شأوُها وتُصبِح "فاعلتُ"؛ وهُنا يَبين أنَّ الاتِّصال مَطلبٌ دَلاليٌّ؛ حيث أخو الحرْب هيِّن الشَّأو لا رَجاء منه؛ ولو حُقَّ لمُنشِد أن يُفصِح عن سكْتَة العَروض لخرَج بالبيت عن دَلالتِه حين يقول:

أَخُو الْحَرْبِ كَالْوَافِرِ الدَّائِرِيِّ
أَعْضَبُ في الْخَطْبِ أَوْ أَعْقَصُ

 

فقد جاء الشَّطر الأوَّل مُسلِّمًا إلى مَدحٍ تَنفيه دَلالَة الشَّطر الثَّاني؛ فالوافِر الدوار لاشية فيه فإذا ما كان أعضب أعقص في الخطوب هان أمره، فالاتِّصال الإِنْشادِيُّ مَطلبٌ يُحقِّق دَلالة البيت.

 

ومن تَدْويره أيضًا قوله (2/ 399) مِن "اللزوميات" أيضًا:

وَكَيْفَ النَّجَاءُ وَلِلْفَرْقَدَيْنِ
فَضْلٌ وَآلَيْتُ لاَ يَنْجُوَانِ

 

ولو كانَ للشَّطر أن يَأخُذ حقَّه - وهو حقٌّ ضَعيف - لكانَت العَروض "فعول" تَقف بالشَّطر عند نهاية كلمة "الفرقدَين" مع قبول الخرْم في الشَّطر الثاني؛ لكن العَروض الأصْل في إيقاعها "فعو" اتَّصلتْ بالشَّطر الثاني اتِّصالاً يُحكِم تَضامَّ المبتدأ المؤخَّر النَّكِرة "فضْل" بالخبر المُقدَّم المسوِّغ للابتداء بالنَّكرة "للفرقدَين".

 

• وحين دوَّر شوقي ارتَضتْ أبياته التَّدْوير دون احْتمال خرْم الشَّطر الثاني؛ لأنَّها جاءت على "فعولُ" أصْلاً لا "فعو": يقول (3/ 68):

وَكَيْفَ يُقَالُ لِجَارِ الأَوَائِ
لِ جَار الْأَوَاخِرِ ناءٍ وَوَاحِد

 

والوصْلة النُّطقيَّة تُمثِّل مَطلبًا؛ فلم يَكتفِ شَوقي بفعول التي تُعطي إحْساس التَّدْوير، وإنَّما أضاف إليها التَّدْوير أيضًا؛ وفي ذلك دَلالَة إلْحاح على الاتِّصال النُّطقيِّ؛ فالمُستفْهَم عنه جُملة نُطقيَّة يَتَّصل مَداها على نحو "يُقال لجارِ الأوائل جار الأواخِر..".

 

ومِن تَدْويره قوله (4/ 64):

كَسَارِيَةِ الفُلْكِ أَوْ كَالْمِسَلْ
لَةِ أَوْ كَالْفَنَارِ وَرَاءَ العَبَب

 

ولا فَصمَ لأنَّ الصُّورة الشِّعرية المُعتمِدة على التَّشبيه لا بدَّ مِن تَصوُّرها إنْشاديًّا على النحْو الآتِي:

فإمَّا أن يُنطَق البيتُ كلُّه دفعةً واحدة، وإمَّا أن يُقسَّم بعيدًا عن حدِّ العَروض على نحو: كَسَارِيَةِ الفُلْكِ/ أَوْ كَالْمِسَلَّةِ/ أَوْ كَالْفَنَارِ..



[1] ظاهِرة الخَرْم في المُتقارِب: مع إدْراكِ اتِّصال هذه الظَّاهرة بما جَرى في الطَّويل والوافِر سابقًا نَعرض جُملة الأبْيات الوارِدة في الإحْصائيَّة والمُسلِّمة إلى خرْم؛ حيثُ نُدرِك مَدى الإِحْساس بهذه الظَّاهِرة في إيقاع المُتقارِب.

مما ورَد مِن أبيات للخرْم في الإِحْصائيَّة خاصَّةً بمَطالِع المُتقارِب:

• قول جرير (ص: 99):

زَارَ الْفَرَزْدَقُ أَهْلَ الْحِجَازِ
فَلَمْ يَحْظَ فِيهِمْ وَلَمْ يُحْمَدِ

• وقوله (ص: 233):

بَانَ الْخَلِيطُ غَدَاةَ الْجِنَابِ
وَلَمْ تَقْضِ نَفْسُكَ أَوْطَارَهَا

• وقول الأخطل (ص: 191):

لَمْ أَرَ مَلْحَمَةً مِثْلَهَا
فَقِفْ لِي أُخَبِّرْكَ أَخْبَارَهَا

• وقوله (ص: 205):

أَبْلِغْ عِكَبًّا وَأَشْيَاعَهَا
بَنِي عَامِرٍ أَنَّنِي ظَالِعُ

• وقوله (ص: 344):

مَا زَالَ أَلْسِنَةُ النَّاطِقِيْنَ
وَأَحْدَاثُ مَا يُحْدِثُ الْمُجْرِمُونَا

• وقول الفَرزْدَق (ص: 382):

زَارَ الْقُبُورَ أَبُو مَالِكٍ
بِرَغْمِ الْعُدَاةِ وَأَوْتَارِهَا

• وقول عمر بن أبي ربيعة (ص: 34):

وَمَا ظَبْيَةٌ مِنْ ظِبَاءِ الْأَرَا
كِ تَقْرُو دِمَثَ الرُّبَى عَاشِبا

• وقوله (ص: 240):

وَإِنِّي لَسَائِلُ أُمِّ الرَّبِيعِ
قَبْلَ الوَدَاعِ مَتَاعًا طَفِيفا

• وقول ابن نباته المِصريِّ (ص: 80):

يَا ابْنَ نَباتَةَ جَارَ الزَّمَانُ
وَزِلْتَ وَزَالَتْ قُوَى هِمَّتَكْ

والمُلاحَظ في الأبيات السَّابِقة - وجُلَّها مِن مَقطوعاتٍ قَليلة العَدد - أنَّ بالإِمكان رتْق خَرْمها بإضافَة أَداةٍ مِن أدْواتِ المَعاني يُبيح ذلك البدْء بالنَّفْي أو النِّداء أو إنَّ النَّاسِخة، أمَّا الذي له حقُّ البَدْء مَخرومًا فما بدأ بالفِعل الماضي "زار"، وكذلك الفعْل الماضي "بان".

والنَّاظِر إلى بيت عُمَر بنِ أبي رَبيعة الذي يَقول فيه: "إنِّي لَسائلُ أمِّ الرَّبيع" يَجد إمكانة التَّلاعُب بالخَرْم في إيقاع الشَّطرَين، وبِهذا التَّلاعُب يَضيع حدُّ التَّدْوير المُمثَّل في كلمة الرَّبيع، فإذا ما قَبلْنا أن تَكون العَروض على نحو "فعول" مع قَبول خرْمِ الشَّطر الثَّاني قُلْنا:

إني "عولن" - لساءِ "فعولُ" - ل أم الرْ "فعولن" - ربيع "فعول".

قبللْ "عولن" - وداع "فعول" - متاعًا "فعولن" - لطيفًا "فعولن".

وهذا الإِيقاع يَقطَع حبْل التَّدْوير ويُسلِّمنا إلى مُلاحَظةٍ مَفادُها أنَّ الأبيات الوارِدة في المُتقارِب - والتي تَجري عَروضها على "فعو" - بالإِمكان أن يَقطع تَنظيريًّا حبْل تَدويرها بجعْل العَروض فعولُ؛ وهو مَهرب مِن التَّدْوير لا يَسلَمُ إلى سكْتٍ، لأنَّني كما قُلتُ لا أَحسب أنَّ السَّكْتة تَبين مِن نهاية مُتحرِّك؛ إضافةً إلى أنَّ هذا السَّبيل النَّظريَّ يُبيح الخَرْم في أوائل الشَّطر الثَّاني في كلِّ أبيات القصيدة، فالفَرضُ النَّظريُّ قائم لكنَّ تَبريرَه لا أَساس له؛ فالنَّدرة لا تُمثِّل ظاهِرةً يَسعى إلى تَلمسُّها ولا سبيل إليها يَضيع في مَداه التَّدْوير.

ولم يَقفْ أمرُ الخَرْم في المُتقارِب في حِساب التامِّ وحدَه، وإنَّما جاء في المَجزوء منه؛ فقد خَرمَ ابن المُعتزِّ في مَجزوء مُتقارِب (ص: 186) حين قال:

حَمَّامُنَا كَعَجُوزٍ
يَشْقَى بِهِ الْوَارِدُ
فَبَيْتٌ لَه مُنْتِنٌ
وَبَيْتٌ لَهُ بَارِدُ

وهَكذا يَتمُّ حدُّ الخَرْم في هوامِش البحْث دالاًّ على تَسلُّطه على نظام بحْر الطَّويل، وعلى الوافِر والمُتقارِب عن بُعد، وما أظنُّ البحثَ عنه في بُحور أخرى يُثبِت وفْرةً تُساوي وَفْرة البُحور الثلاثة السابقة؛ بَيد أنَّه قد ورَد الخَرْم في مُنسرِح عند ابن المُعتزِّ حين قال (ص: 163):

يَا نَسِيمَ الرِّياحِ مِنْ بَلَدِي
إِنْ لَمْ تُفَرِّج هَمِّي فَلَا تَرِدِ

والنَّدرة هُنا سبيلها ارتباط الخَرْم بوَحدة "مستفعلن" التي يَعتريها الخَبن أحيانًا لتُصبح "متفْعلن"، فإذا أصابَها خرْم صارتْ "تَفْعلن"؛ ومَعنى ذلك حُصول نقْصٍ كَبير يَبتعد عن وادي التَّفعيلة الأصليَّة، ولعلَّ قَبول الخَرْم في المُنسرِح جَعلَ قَبوله في البَسيط وارِدًا؛ فَهَا هُو الفَرزْدَق الذي بانَ ولَعُه بالخَرْم يقول في البسيط (ص: 325):

قَدْ بَلَغْنَا عَلَى مَخْشَاةِ أَنْفُسِنَا
شَطَّ الصَّرَاةِ إِلَى أَرْضِ ابْنِ مَرْوَانِ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة